وعود السراب.. من الرابح بتعطيل افتتاح مطارات المدن السنية في العراق؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم أن عدد سكانها يصل إلى 11 مليون نسمة، أي ما يعادل أكثر من ربع سكان العراق البالغ نحو 41 مليونا، فإن المحافظات ذات الغالبية السنية تعاني من توقف المطارات التي تزيد من حيويتها، لا سيما أن معظمها تربطها حدود مع دول الجوار العراقي من جهة الغرب والشمال والشرق.

ومنذ سنوات يقطع سكان محافظات نينوى، الأنبار، كركوك، صلاح الدين، وديالى آلاف الكيلومترات للوصول إلى مطارات إقليم كردستان وبغداد، للسفر إلى خارج البلاد، رغم أن هذه المدن فيها مطارات طالما جرى الحديث عن قرب افتتاحها.

ويمتلك العراق خمسة مطارات دولية، هي بغداد والنجف وأربيل والسليمانية والبصرة، لكن محافظات الموصل وكركوك والأنبار وديالى اتجهت إلى الإعلان عن مشاريع إعادة إعمار مطاراتها أو إنشائها من جديد عبر تحويلها من عسكرية إلى مدنية.

مطار الموصل

وفي 10 أغسطس/ آب 2022 وضع رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، حجر الأساس لمشروع إعادة إعمار مطار الموصل، الذي تضرر أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة الذي اجتاح المدينة عام 2014.

ووضع الكاظمي ومحافظ نينوى نجم الجبوري، حجر الأساس لمشروع إعادة إعمار وتطوير مطار الموصل الدولي، بعد توقيع العقود مع الشركات المنفذة للمشروع.

ونقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية عن محافظ نينوى، قوله إن "المطار سيكون قابلا لاستقبال طائرات الشحن العملاقة والطائرات الكبيرة، بخاصة أن المشروع الجديد سيعتمد على تطوير المدرج القديم".

وأفادت الوكالة بأن "حجر الأساس الذي وضعه رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي تعرض لعمل تخريبي من مجهولين"، لافتة إلى أن "الجهات الأمنية لم تستدل على الفاعلين إلى هذا الوقت والتحقيقات متواصلة لمعرفتهم".

وشيد مطار الموصل في عام 1920، حين كان العراق يخضع للحكم البريطاني، وفي عام 1922 جرى تحويله من مطار عسكري إلى مدني، لكن بعد الاحتلال عام 2003، استخدم المطار كقاعدة عسكرية للقوات الأميركية.

وسلمت القوات الأميركية المطار إلى الحكومة العراقية عام 2008 بعد إجراء العديد من التغييرات عليه بحيث يطابق المعايير العالمية، قبل أن يقع المطار في يد تنظيم الدولة في يونيو/ حزيران 2014.

وفي أواخر عام 2015 بنى تنظيم الدولة خنادق بعمق مترين وعرض 10 أمتار داخل المطار، المسافة بين خندق وآخر 100 متر، بهدف منع القوات العراقية من عمليات الإنزال الجوي، حيث أصبحت هذه الخنادق عائقا كبيرا أمام إعادة تأهيل المطار في المدة المحددة.

وبخصوص أسباب التلكؤ الحاصل في إكمال مطارات المدن السنية، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، عدي العزاوي لـ"الاستقلال"، إن "ذلك ليس من باب المصادفة، وإنما ثمة أهداف سياسية واقتصادية وراء تعطيل مثل هذه المشاريع الحيوية في المحافظات السنية تحديدا".

وأضاف: "لا أعتقد أن مطار الموصل سيعود إلى العمل رغم وضع رئيس الوزراء قبل أسبوع حجر الأساس لإعادة إعماره بعدما توقف عن الخدمة منذ عام 2014،  لكن رأينا كيف جرى تحطيم حجر الأساس بعد يوم واحد فقط، وهذا ليس عملا تخريبيا عشوائيا، وإنما تقف وراءه جهات لا تريد للمطار أن ينهض من جديد".

ولفت العزاوي إلى أن "توقف مطار الموصل أنعش مطار أربيل، فمحافظة مثل نينوى يقطنها 4 ملايين شخص أي يفوق عددهم مرتين لمحافظة أربيل، أصبحوا يتوجهون إلى إقليم كردستان للسفر، وكذلك الحال في موضوع الاستيراد ونقل البضائع".

ولم يستبعد الباحث أن تكون جهات تابعة لإقليم كردستان هي من تقف وراء إعاقة إعادة مطار الموصل إلى الخدمة، لأن ذلك يضر بمطار أربيل بشكل كبير، وتصبح الموصل أكثر ازدهارا من ذي قبل.

مطار كركوك

وفي المحافظة الغنية بالنفط، أيضا يشهد مطار كركوك الدولي توقفا عن الخدمة رغم إكمال العمل فيه منذ فبراير/ شباط 2021، ضمن خطة تشييد مطارات جديدة في البلاد، إلا أن المطار الذي يستهدف نقل نحو ثلاثة ملايين مسافر سنويا لم يعمل حتى الآن، رغم التصريحات الرسمية الكثيرة عن جاهزيته.

وبدأ العمل في المطار مطلع عام 2019 على أنقاض مطار عسكري ضخم استخدمه العراق لمقاتلات السيخوي في حرب الثماني سنوات مع إيران 1980 ـ 1988، وجرى الانتهاء من تحويله إلى مطار مدني فعليا في فبراير/ شباط 2021، لكنه لم يدخل الخدمة بعد.

وتعول محافظة كركوك الغنية بالنفط كثيرا على المطار في خلق فرص عمل كثيرة، إضافة إلى إلغاء ما تصفه حلقات زائدة بالنسبة للشحن الجوي، فسكّان المحافظة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة يعتمدون على مطار أربيل القريب ضمن إقليم كردستان.

وفي 27 مارس/ آذار 2022، كتب وزير النقل العراقي الأسبق كاظم فنجان الحمامي، مقالا في موقع "الحوار المتمدن" بعنوان "فيتو ضد مطار كركوك" تحدث فيه عن أسباب توقف العمل في المطار رغم إكماله منذ عام 2019.

وذكر الحمامي مجموعة الموافقات الرسمية لافتتاح المطار، ومنها: "موافقة وزارة النقل، وسلطة الطيران المدني، ومحافظة كركوك، وهيئة الاستثمار الوطنية، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، ومجلس الوزراء للحكومات منذ عهد حيدر العبادي (2014-2018)، ومنظمة الطيران المدني الدولية (آيكاو)، ومع ذلك ظل المطار مقفلا حتى اليوم".

وتساءل: "فمن الذي يقف وراء تعطيله منذ عام 2019؟ ومن يا ترى برأيكم نستنجد به حتى نفتتح المطار؟ وهل في العراق حكومة غير حكومتنا نناشدها حتى نستطيع فك رموز هذا اللغز الغامض؟"

وأكد الحمامي أنه "لا وجه للمقارنة بين مطار كركوك ومطار النجف، فمطار كركوك يوفر الموارد المالية لثلاث جهات: وزارة النقل وسلطة الطيران ومحافظة كركوك، بينما لا يوفر لها مطار النجف أي موارد مالية".

واستدرك: "ومع ذلك فإن الدولة سمحت لمطار النجف بالعمل ووفرت له الدعم، وتجاهلت مطار كركوك الذي لا مجال هنا لاستعراض منافعه الاجتماعية والتوظيفية والسياحية والخدمية".

وتابع: "لن تجد الذي يدلك على القوة الخفية المسيطرة التي تمتلك حق الفيتو، ولا اللجان النيابية التي تمتلك القدرة على التفاعل مع هذا الصرح الاستثماري الكبير، فكل الجهات المعنية تلوذ الآن بالصمت المطبق، وكأن على رؤوسها الطير إزاء هذه الحالة المستعصية".

وخلال مؤتمر صحفي عقده الحمامي في مبنى البرلمان عام 2019، أكد الوزير السابق أن تأخير افتتاح المطار لغاية الآن وتأجيل ذلك عدة مرات، هو ممارسة الضغط على المستثمر بقصد الابتزاز، لافتا إلى أن "الجدوى الاقتصادية مهمة بسبب موقعه المتميز، وسيوفر فرص عمل لــ3000 من أبناء كركوك حصرا".

مطارات معطلة

وفي 9 أغسطس 2022، أعلن محافظ الأنبار علي فرحان عن بدء المرحلة الأولى من بناء مطار الأنبار الدولي، فالمحافظة من كبرى مدن البلاد وترتبط بحدود مع السعودية والأردن وسوريا، حيث سيكون جزءا منه مخصصا لأغراض الشحن الجوي.

وقال محافظ الأنبار، علي الدليمي، خلال مؤتمر صحفي، إن "هذا المشروع إستراتيجي ومهم وحيوي، فمحافظة الأنبار تمتد على مساحة ثلث العراق، وموقعها الجغرافي متميز فهي حدودية مع ثلاث دول، لذلك من الضروري أن يكون فيها مطار".

وأضاف أن "الشركة التركية الرائدة بإنشاء المطارات، بعد تسلمها المشروع قبل أشهر، باشرت اليوم بالمرحلة الأولى منه، بجهود كبيرة من الشركة والكوادر الفنية في المحافظة"، مؤكدا: "حاولنا بكل جهد أن نذلل الأمن في هذه المنطقة، فهذا من المشاريع التي أخذنا على عاتقنا أن تستمر".

أما محافظة ديالى المحاذية لإيران، فدعا عضو البرلمان العراقي السابق عن المحافظة عبد الخالق العزاوي، في 18 فبراير/ شباط 2021، إلى تحويل مطار المنصورية العسكري إلى مطار مدني للمحافظة، مشيرا إلى أهمية هذه الخطوة.

ونقلت وكالة "بغداد اليوم" عن العزاوي، قوله إن "فكرة تحويل مطار المنصورية العسكري إلى مطار مدني دولي جاءت قبل أكثر من 10 سنوات، بسبب موقعه الإستراتيجي فضلا عن قربه من مطار بغداد الدولي".

وأضاف النائب السابق أن "لجانا حكومية من وزارة النقل زارت الموقع في عام 2010 وأعدت تقريرا مفصلا عن المطار، وأشارت إلى وجود كل الركائز الأساسية لتحويل مطار المنصورية العسكري إلى مدني".

وأوضح العزاوي، أن "وزارة النقل تعهدت بتنفيذ المشروع، لكن فيما بعد تم تحويله إلى فرصة استثمارية وتقدمت 10 شركات أجنبية لكننا تفاجأنا بإيقافه لأسباب غير معروفة"، مبينا أن "ثلاث سنوات كافية لإنجاز المشروع".

وفي السياق ذاته، قال البرلماني السابق عن ديالى مضر الكروي لموقع "آي كيو نيوز" الإلكتروني في 18 أغسطس2021، إن "فيتو" يحول دون تنفيذ مشروع مطار ديالى، مؤكدا أن "ما يميز هذا المشروع هو أنه في حال تنفيذه سيكون أكبر ميناء جوي على مستوى العراق بحكم موقعه الإستراتيجي على خط مرور الخطوط الجوية العالمية يوميا".

وتقدر مساحة مطار المنصورية العسكري في محافظة ديالى بمئات الدونمات، حيث جرى إنشاؤه في ثمانينيات القرن الماضي وكان مخصصا للطيران الحربي، ولا سيما في الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات 1980 إلى 1988.

وفيما يخص محافظة صلاح الدين، جرى تحديد 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2008، لتنفيذ مشروع مطار المحافظة، حيث قال في وقتها مدير الشركة العراقية التركية التي كلفت بالتنفيذ إن الشركة جاهزة للتنفيذ ونحن بانتظار نتائج فحص التربة وموافقة هيئة الطيران المدني العراقية على التنفيذ .

وأوضح أن الشركة بالتنسيق مع محافظة صلاح الدين وقعت عقدا مع شركة أخرى للقيام بتهيئة الخبراء والعاملين للعمل في مطار صلاح الدين الدولي، مشيرا إلى أن "هذه الشركة سبق أن وفرت الكادر الفني لمطار بغداد الدولي".

ولم يحصل أي تنفيذ للمطار المذكور، رغم أن هيئة استثمار صلاح الدين قد وقعت عقدا عام 2008 لإنشائه مع الشركة العراقية التركية وشركة "ديغا" اللبنانية للصناعة والتجارة بكلفة (125) مليون دولار على مساحة 18 كيلو مترا مربعا على أن يتم تنفيذه خلال مدة سنة ونصف السنة من تاريخ بدء التنفيذ.