خطة تركية تستهدف "العودة الطوعية" لمليون سوري.. ما أبرز المعوقات؟

محمد أيمن | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أطلقت تركيا خطة لتشجيع السوريين على العودة إلى بلادهم، عبر ثماني مراحل، دشّنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتوطين مليون لاجئ سوري شمال سوريا.

وتهدف الخطة الجديدة إلى بناء 100 ألف مبنى سكني في مناطق الشمال السوري، لتضاف إلى 67 ألف مبنى جرى الانتهاء منها في تلك الأماكن بالفعل.

وتتضمن المراحل إجلاء السوريين من المدن التركية الكبرى، التي تشهد كثافة سورية عالية، كأنقرة وإسطنبول وقونية وأضنة وغازي عنتاب.

وذلك بالإضافة إلى ضمان الاستقرار الأمني والسياسي عبر المجالس المحلية من خلال إنشاء 13 مجلسا محليا في كل من إعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين.

خطة وتطمينات

وتنص الخطة التركية -بحسب جريدة صباح المحلية- على ضمان الاستقرار الأمني والعسكري والسياسي في تلك المناطق، قبل بدء إعادة التوطين، وستتولى المجالس المحلية في إعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين مهمة ترسيخ الأمن فيها.

ونصت الخطة كذلك على إنشاء المرافق بدعم المنظمات الاجتماعية التركية، مثل الهلال الأحمر ومنظمة IHH.

كما تشمل الخطة المقترحة إنشاء المناطق التجارية والمنشآت الصناعية من أجل استدامة الحياة في تلك المناطق وضمان عدم مغادرتها.

وقال أردوغان، في 9 مايو/أيار 2022، خلال خطاب عقب ترؤسه اجتماعا للحكومة في أنقرة إن الدراسات تُظهر أن عدد اللاجئين السوريين المستعدين للعودة الطوعية من تركيا إلى بلادهم أكثر من مليون بكثير.

وفي الوقت نفسه كشف أردوغان أن تركيا تعمل على إنشاء 200 ألف وحدة سكنية في 13 منطقة على الأراضي السورية بتمويل من منظمات إغاثية دولية.

تأتي تصريحات أردوغان، استكمالاً لما قاله في 9 مايو بأن بلاده لن تطرد اللاجئين الموجودين على أراضيها.

وكان أردوغان، قد كشف في 3 مايو عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح العودة الطوعية لمليون سوري إلى بلادهم.

ولفت إلى أن نحو 500 ألف سوري عادوا إلى المناطق الآمنة التي وفرتها تركيا منذ إطلاق عملياتها في سوريا عام 2016.

وأوضح أردوغان أن المشروع سيكون شاملا بصورة كبيرة، وسينفذ في كل من إعزاز وجرابلس والباب في ريف حلب الشمالي والشرق وتل أبيض ورأس العين بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.

من جانبه كتب الباحث السياسي والأكاديمي المختص بالشأن التركي، سعيد الحاج عبر "توتير" بأن رقم مليون كبير بالنسبة لعدد السوريين في تركيا.

وتابع قائلا عبر تويتر "وكذلك بالنسبة للشمال السوري الذي يفترض أن يستقبلهم، لا سيما وأن المتوقع أن يجرى ذلك في فترة زمنية قريبة (قبل الانتخابات التركية عام 2023)".‬

وأضاف الحاج: "لذلك قد يكون السؤال المطروح هنا هو: هل سيجرى ذلك بشكل أحادي الجانب من قبل تركيا؟ أم بالتفاهم مع النظام؟".

واستدرك بأن "التفاهم مع النظام ولو عن طريق روسيا مرجح لنجاح مشروع مثل هذا، إذ إن المطلوب بالحد الأدنى عدم استهداف هؤلاء وأن تكون عودتهم ثم إقامتهم هناك آمنة".

من جانبه يرى عبد المطلب أربا رئيس قسم الدراسات العليا في جامعة صباح الدين زعيم التركية أن هناك تغيرات كبيرة في المنطقة ككل، ولا سيما على الساحة التركية؛ التي تترقب انتخابات برلمانية ورئاسية بعد عام.

ولذلك تسعى الحكومة التركية للبحث عن آليات لحل المشكلات العالقة ومنها قضية اللاجئين، التي تستغلها المعارضة بصورة كبيرة للضغط.

وأضاف أربا في حديثه لــ"الاستقلال" أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يضرب تركيا، أوجب عليها كذلك البحث عن حل نهائي لمشكلة اللاجئين التي باتت عبئا اقتصاديا كبيرا على الدولة التركية، وفق وصفه.

وبين أن قرب الانتخابات التركية بعد نحو العام كان أحد الأسباب القوية التي دفعت الحكومة التركية للتفكير في إعادة توطين اللاجئين السوريين في مناطق الشمال في ظل تصعيد المعارضة التركية ضد الحكومة عبر ورقة اللاجئين.

في السياق يرى عبد الله آغار، عضو هيئة التدريس في جامعة بهجة شهير والخبير الأمني؛ أن مشكلة اللاجئين لا تتعلق فقط بالصراعات السياسية الداخلية والحساسيات الاجتماعية في تركيا ولكنها تتعلق كذلك بالقوى الخارجية والعوامل الدولية.

وأضاف آغار في تصريحات لقناة "a haber" التركية في 10 مايو، بأن لقضية اللاجئين حساسيات أنثروبولوجية واجتماعية واقتصادية وثقافية، وهناك الكثير من القوى التي حاولت وماتزال استخدام هذه القضية لتنفيذ أجندتها الخاصة. 

ويضيف أن هذه الأطراف تسعى لخلق حالة من عدم الاستقرار داخل تركيا عبر إثارة اللاجئين.

الأسباب والتوقعات

من جانبه؛ يرى رئيس منظمة "باب الحرية" التركية رودفان كايا، أن الحسابات المزيفة التي يطلق عليها اسم "الروبوت" تعمل عمدا بطريقة منظمة لتأجيج حملة الكراهية ضد اللاجئين في تركيا. 

وأضاف كايا في تصريحات صحفية أن التحقيقات التي أجرتها مؤسسته؛ توصلت إلى ذلك؛ خاصة في ظل وجود البيئة المناسبة في تركيا لهذه الحسابات المزيفة.

وتسعى تلك الحسابات بحسب كايا إلى نشر ثقافة "كراهية اللاجئين" من قبل بعض شرائح المجتمع، الذين يعتقدون أنهم أصحاب البلد. 

ويتابع كايا أن مقر مؤسسته الحقوقية يقع في حي الفاتح بمدينة إسطنبول، التي تعد من أكثر الأماكن التي يعيش فيها السوريون ورغم ذلك يضيف أنهم لا يرون أي مشاكل من قبل اللاجئين.

لكن وعند النظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ ترى حريقا كبيرا في بلد منهار، جرت صناعته من قبل بعض المحرضين في الواقع الافتراضي بحسب كايا.

مديرة مركز مداد الحل للدراسات في أنقرة إيناس النجار ترى أن الحكومة التركية تحاول بخطة إعادة اللاجئين إلى تهدئة الأوضاع في البلاد في ظل الحملات العنصرية التي يتعرض لها السوريون.

وتضيف النجار في حديثها لـ “ الاستقلال" أن نجاح الخطة التركية؛ التي تتحدث عن عودة طوعية لمليون شخص؛ يرتبط بصورة كبيرة بمدى استمرار هذه العودة؛ أو ما يمكن أن يُطلق عليه العودة المستدامة.

وأشارت إلى أن نجاح الخطة التركية يكمن في ضمان وجود مشاريع تنموية واقتصادية وتأهيلية في تلك المناطق؛ تشجع عددا كبيرا من السوريين للعودة.

من جانبه يضيف عبد المطلب أربا رئيس قسم الدراسات العليا في جامعة صباح الدين زعيم أن معايير نجاح الخطة التركية من الناحية الاقتصادية متوفرة وكذلك الجانب السياسي.

ورغم ذلك يرى أربا في حديثه لـ "الاستقلال" أن هناك العديد من العقبات التي قد تحول دون نجاح الخطة التركية.

ومن ذلك كما يعتقد أن التدخلات الخارجية التي قد تؤثر فيها كالدور الإيراني المتزايد في سوريا، وربما الدور الروسي الذي يريد أن يكون صاحب القرار على الأراضي السورية.

ويبقى كذلك تأمين هذه المناطق وتوفير الأمن فيها بحسب رئيس قسم الدراسات العليا في جامعة صباح الدين زعيم التركية؛ هو التحدي الأكبر أمام نجاحها.

وإلى ذلك تضيف إيناس النجار أن هناك عقبات تمويلية كبرى في مناطق الشمال السوري؛ التي كانت معروفة حتى قبل الثورة بضعف بنيتها التحتية.

وتثير النجار كذلك نقطة مهمة في تصريحاتها حول إمكانية وقف المساعدات الدولية من معبر باب الهوى قد تلجأ روسيا لإغلاقه.

وإن حدث هذا؛ تتساءل النجار فمن أين سيتم تزويد سكان هذه المناطق بالغذاء والاحتياجات الأساسية، وهل يمكن أن يترك تمويلها للنظام السوري؟

وتضيف النجار في حديثها لـ "الاستقلال" أن الوضع سيكون كارثيا كذلك؛ إذا ما أضفنا قضية الاندماج المجتمعي للعائدين إلى تلك المناطق؛ بعد 11 عاما عاشها السوريون في تركيا. 

لكنَّ عبد المطلب أربا رئيس قسم الدراسات العليا في جامعة صباح الدين زعيم التركية يرى أن الخطة التي تحدث عنها الرئيس التركي هي طوعية.

وبحسب أربا فإن الاحصاءات تكشف أن من يريدون العودة إلى سوريا هم أكثر بكثير ممن يريد البقاء في تركيا، ولكن كل ذلك مشروط بالأمن والأمان الذي يمكن توفيره في تلك المناطق.

وجاءت الخطة التركية المعلنة بعد أيام من تقرير صحيفة "تركيا" (المقربة من الحزب الحاكم) حول عزم الحكومة التركية إعادة قرابة 1.5 مليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال مدة زمنية حددتها الحكومة بين 15 و20 شهرا.

وفي التقرير، أشار الكاتب يلماز بيلغين إلى وجود تفاهمات بين أنقرة وجهات أُخرى حول مشروع العودة، وأضاف أن "المرحلة المقبلة قد تشهد كثافة التنسيق والتواصل بين الجانبين السوري والتركي.

وكان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو قد التقى، في 3 مارس آذار 2022 نظيره الأردني، أيمن الصفدي في العاصمة أنقرة.

وقال حينها بحسب وكالة "الأناضول" إن بلاده تعمل مع الأردن من أجل عودة طوعية للسوريين اللاجئين إلى بلادهم، معربا عن رغبة تركيا في تنظيم "مؤتمر وزاري" لمناقشة ما وصفها بـ “العودة الطوعية".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2021 كان قد أعلن أن تركيا اتفقت مع 4 دول مجاورة على ضرورة إعادة اللاجئين السوريين "بشكل طوعي" إلى بلدهم، لكن أزمة الحكومة في لبنان "أجّلت هذا الاتفاق".