الحجاب في معركة الرئاسة بفرنسا.. هكذا مثل نكسة للوبان وفرصة لماكرون

محمد السهيلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في أكثر بلدان أوروبا علمانية، كان للحجاب الإسلامي دور لافت في حسم صراع اليسار واليمين الفرنسي على كرسي الرئاسة في قصر الإليزيه.

وانتهت جولة الانتخابات الثانية في 24 أبريل/نيسان 2022، بفوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بولاية جديدة، على حساب مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.

ووسط ترحيب دولي، أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية في 25 أبريل، فوز ماكرون رسميا بولاية ثانية، بنسبة 58.55 بالمئة مقابل 41.45 بالمئة للوبان التي أقرت بهزيمتها.

وكان لأصوات المسلمين دور حاسم لصالح ماكرون، إذ صوت له نحو 85 بالمئة منهم، بحسب استطلاعات الرأي.

حضور للحجاب

وظلت مسألة حظر الحجاب حاضرة بقوة خلال الحملات الانتخابية للمرشحين الفرنسيين خاصة اليهودي الخاسر بالجولة الأولى إريك زمور، إلا أنها تصاعدت في صراع ماكرون ولوبان، بالجولة الثانية.

ويعد الإسلام الدين الثاني في فرنسا ويشكل مسلموها أكبر جاليات أوروبا الغربية، إذ يبلغون من 5 - 6 ملايين مسلم يمثلون ما بين 9-10 بالمئة من السكان البالغين نحو 67 مليون نسمة، وفق إحصاءات عدة، وتقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية في 16 أبريل 2022.

إلا أن باريس تخوض ومع بدايات الألفية الجديدة حملات تضييق على المسلمين والحجاب إذ حظرت عام 2005 على الطالبات ارتداءه بالفصول الدراسية، لتواصل قوانينها في 11 أبريل 2011، بحظر النقاب بالأماكن العامة، ثم لاحقا منع الحجاب بمؤسسات الدولة. 

وفي 16 أبريل 2021، صوت مجلس الشيوخ الفرنسي على مشروع قانون يمنع الفتيات أقل من 18 عاما من ارتداء الحجاب بالأماكن العامة، في قرار  يحتاج إلى موافقة مجلس النواب.

وسط كل هذا، تبنت مرشحة اليمين المتطرف وزعيمة حزب التجمع الوطني لوبان، فكرة حظر الحجاب كلية بالأماكن العامة وإجبار المسلمات على ذلك، في مسعى لاستقطاب أصوات اليسار.

وتملك السياسية الفرنسية تاريخا عائليا من معاداة المسلمين والمهاجرين يرجع إلى والدها مؤسس حزب الجبهة الوطنية اليميني جان ماري لوبان.

و‏تتمسك بتشددها حيال الحجاب، وقالت إنه حال انتخابها فإنها ستفرض غرامة على مرتديه بالأماكن العامة.

وهو ما استغله ماكرون لكسب الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، والحصول على أصوات الناخبين المسلمين الذين أغضبتهم سياساته طوال خمس سنوات مضت.

وظل الحجاب محل صراع المرشحين طوال الجولة الثانية، وفي مناظرة تلفزيونية، في 20 أبريل 2022، أعلنت لوبان تمسكها بمواقفها المتشددة من منع الحجاب الإسلامي بالأماكن العامة بفرنسا.

وادعت أنها تسعى لتحرير المرأة، وكبح ما وصفته بـ"الإيديولوجيا الإسلامية، زاعمة أنه  "زي فرضه الإسلاميون"، وأن 85 بالمئة من الفرنسيين يرفضونه.

وفي الوقت ذاته حاولت لوبان مغازلة بعض المسلمين من غير المتمسكين بقضية الحجاب، مدعية خلال مناظرة ماكرون على الهواء، أنها بذلك "لا تحارب الإسلام وأنه دين له مكانه في فرنسا".

وأعلنت حينها لوبان، عن خطة "ستجعل فرنسا أول دولة بالعالم تحظر الرموز الدينية"، مؤكدة أنه حال انتخابها "سيكون لديها ضباط شرطة يركضون بالشارع، يطاردون فتيات يرتدين الحجاب أو الكيباه (غطاء الرأس اليهودي)".

وفي جولة لها ببلدة بيرتوي (جنوب فرنسا) 22 أبريل 2022، دخلت لوبان في سجال مع مسلمة محجبة، حيث ادعت المرشحة المتطرفة أنه في بعض مناطق فرنسا يجري "عزل" النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب و"محاكمتهن"، ما يؤكد حضور الحجاب بالانتخابات الفرنسية.

لكن المسلمة المحجبة ردت وهي تضحك وتشكك بصحة مزاعم لوبان، قائلة "هذا ليس صحيحا"، مؤكدة أن والدها حارب لأجل فرنسا في الجيش 15 عاما، ما أحرج لوبان ودفعها لإنهاء حديثها وهي تلوح مبتسمة، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

فرصة لماكرون

أفكار لوبان، مثلت فرصة لماكرون منافسها الأكبر للهجوم عليها، واتهامها بخلق نظام يساوي بين الإسلام والإرهاب والأجانب، وتخويف الفرنسيين منها بالتأكيد على أن توجهها سيؤدي إلى "حرب أهلية".

ماكرون، ورغم ما أبداه من عداء لقضايا المسلمين وخاصة ملف الحجاب نفسه والمساجد والجمعيات الإسلامية وتبنيه الرسوم المسيئة لنبي الإسلام طوال فترة حكمه الأولى التي بدأت 14 مايو/ أيار 2017 ، رمم علاقته السيئة بمسلمي فرنسا متعهدا لهم ولليهود، برفض توجه لوبان.

وخاطب الجاليتين خلال المناظرة بقوله: "معي، لن يكون هناك حظر لغطاء الرأس والكيباه، والإشارات الدينية".

وواجه منافسته: "إنك تدفعين الملايين من مواطنينا إلى خارج الفضاء العام"، وقال أن ذلك سيكون "قانون نبذ".

وفي جولة انتخابية بمدينة ستراسبورغ (شرق فرنسا) 19 أبريل، حرص ماكرون على استخدام قضية الحجاب، وسأل سيدة محجبة إن كانت تضعه قسرا أم بقرار منها؟ لتجيب أنه "خياري بشكل تام".

وهو الرد الذي استغله ماكرون للنيل من خطة لوبان بحق الحجاب، قائلا: "هذا أفضل رد على الهراء الذي كنت أسمعه".

وفي استغلال ماكرون لتوجهات لوبان المتطرفة بحق الحجاب، قال في 21 أبريل، أمام حشد بمدينة وهافر الساحلية الشمالية: "لا توجد دولة واحدة بالعالم تحظر الحجاب في الأماكن العامة"، موجها سؤالا للفرنسيين: "هل تريدون أن تكونوا أول من يفعل ذلك؟".

وذكر موقع "بي إف أم تي في"، في 25 أبريل، نقلا عن استطلاع رأي أجراه معهد "إيفوب"، لموقعي "لاكروا" و"لابيريلان"، أن "85 بالمئة من المسلمين صوتوا لصالح ماكرون، بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية".

وانتخب 90 بالمئة من المسلمين (2.1 مليون ناخب) ماكرون بانتخابات 2017 التي قادته لرئاسة البلاد، وذلك بناء على وعد منه بمجتمع ليبرالي منفتح على التعددية الثقافية، مقابل التعصب الأعمى من منافسيه مثل لوبان، لكن تلك الوعود تبخرت وباتت فرنسا أكثر تطرفا وعداء لهم.

ففي عهده، فرض ماكرون على المسلمين "ميثاق القيم الجمهورية العلمانية"، و"مجلس الأئمة" الذي تشرف عليه وزارة الداخلية، وضيق على استقدام أئمة من دول إسلامية، وفرض تشريع مكافحة ما أسماه "الانفصالية الإسلامية" التي أغلق بموجبها مساجد وجمعيات.

ووفقا لاستطلاع أجراه معهد "إيفوب"، اختار 69 بالمئة من الناخبين المسلمين بالجولة الأولى 10 أبريل، المرشح اليساري صاحب المركز الثالث جان لوك ميلنشون، فيما نجح ماكرون بكسب تأييد أغلب هذه الأصوات بالجولة الثانية.

ودعا "مسجد باريس الكبير" و"تجمع مسلمي فرنسا" المسلمين في 22 أبريل إلى التصويت لماكرون بالجولة الثانية.

ويأتي فوز ماكرون بمواجهة لوبان بدعم المسلمين للمرة الثانية، في الوقت الذي أثار فيه الأول الكثير من غضبهم بسبب تصريحاته الصادمة وقراراته بتوسيع حظر الحجاب.

وفي الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قال ماكرون إن الإسلام "ديانة تعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم"، معلنا توسيع الحظر على الحجاب ليشمل موظفي القطاع الخاص وجميع مقدمي الخدمات العامة، وفرض إشراف مشدد على المدارس الخاصة الدينية والحد من التعليم المنزلي.

ولطالما كان الحجاب في فرنسا وبعض دول أوروبا مثار جدل بين السياسيين، خاصة مع تصاعد موجات اليمين المتطرف بشكل عام.

وتشكل نتيجة الانتخابات الفرنسية أهمية خاصة لكامل أوروبا وكانت تقلق قادة القارة العجوز بشكل عام.

وهو ما عبرت عنه صحيفة "إيل كافي جيوبوليتيكو"، الإيطالية في مقال ترجمته "الاستقلال"، وحذرت مما أسمته "كابوسا كبيرا" ينتظر الدول الأوروبية كافة، حال هزيمة ماكرون وفوز لوبان.

وبالمثل شكلت نتيجة الانتخابات الفرنسية أهمية خاصة لمسلمي فرنسا خاصة وأوروبا بشكل عام.

ونقل موقع "أوريان 21" الفرنسي مخاوف المسلمين من فوز ماكرون، وما عده "ريح عاصف تهب على مسلمي فرنسا" حتى أنهم أصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية.

اللوبي الإسلامي

ولكن؛ استخدام الحجاب في ملف الانتخابات الرئاسية الفرنسية وانتخاب نحو 85 بالمئة من المسلمين لماكرون فتح ملفا شديد الأهمية وتساؤلات عن أهمية تشكيل لوبي إسلامي في دول أوروبا والغرب.

وأشار كذلك إلى أهمية صناعة تكتلات يكون لها الثقل والتأثير على مجريات الانتخابات المحلية والرئاسية والتشريعية التي لا تنتهي في الغرب.

كما أكد على أهمية دور تلك اللوبيات أو التكتلات في الحفاظ على مكاسب المسلمين وعدم تراجعها أمام تزايد تيار اليمين وتصاعد الإسلاموفوبيا في أوروبا.

وفي إجابته على التساؤل: حضور الحجاب في صراع الرئاسة الفرنسية، قال السياسي المصري المقيم في بريطانيا محمد سودان: "يعيش بفرنسا أكثر من 4.5 مليون مسلم من أصول متعددة، من شمال إفريقيا وآسيا وغيرها، وتؤوي البلاد أكبر عدد لليهود بأوربا بأكثر من 500 ألفا". 

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أكد القيادي الإسلامي صاحب الخبرة في العمل بأوروبا أن "أغلبية اليهود يتحكمون بكثير من أذرع الاقتصاد الفرنسي، والمسلمون يمثلون صلب الصناعة والعمالة بفرنسا، وبالتالي لا تجاوز لهذين القطبين بأي انتخابات". 

وأضاف: "هذان القطبان يشكلان حجر عثرة لمن يريد أن يزعجهما أو يتخطاهما بالانتخابات، وعلى أي مرشح أن يعي ذلك ويعمل على كسب أصواتهم لا معاداتهم؛ وبالتالي من حاربهما في فرنسا خسر بلا شك". 

أما عن المسلمين، أوضح سودان، أن "عددهم غير الرسمي لا يقل عن 8 بالمئة من سكان أوروبا، وهو العدد القابل للزيادة نتيجة الهجرة المستمرة للحروب والاضطرابات بدول عديدة خاصة سوريا واليمن والعراق ومصر والصومال وميانمار والصين وغيرها". 

وعن إمكانية صناعة لوبي إسلامي وعربي بأوروبا، والمعوقات أمامه، أعرب سودان، عن أسفه الشديد من أن هذا العدد الضخم لم يتمكن من ذلك".

وأرجع السبب إلى "انشغال مسلمي أوروبا بأمور عدة خارجة عن إرادتهم، ومواجهتهم ظاهرة الإسلاموفوبيا المنتشرة بالقارة بشكل كبير، بعد اعتلاء اليمين المتطرف سدة الحكم بالعديد من الدول". 

ويرى سودان أن الأمل قائم في صناعة دور للمسلمين في أوروبا بـ"استمرار الإنجاب وزيادة النسل مقابل إحجام الأوروبيين عن ذلك".

وتوقع أن "يزداد عدد المسلمين بشكل كبير خلال العقود القادمة، وبما لا شك فيه سوف يكون لهم ولأجيالهم القادمة تأثير ليس بضئيل على المضمار السياسي في أوروبا".

وتتزايد أهمية وجود لوبي إسلامي وجماعات ضغط إسلامية وعربية في ظل ما يعانيه المسلمون مع الإسلاموفوبيا، ومع دعوات التحريض السياسي في أغلب دول أوروبا، ومع مواصلة الانتهاكات بحق المحجبات والمساجد وحرق وتمزيق القرآن الكريم، والرسوم المسئية من آن لآخر بحق نبي الإسلام. 

آخر تلك الجرائم والاستفزازات للمسلمين وقعت منتصف أبريل 2022، إذ ارتكبت حركة "سترام كورس" اليمينية المتطرفة بقيادة الدنماركي السويدي راسموس بالودان، فعلا صادما للمسلمين بحرق نسخة من القرآن الكريم في مدينتي مالمو، ولينشوبينغ تحت حماية الشرطة.

وهو ما قابله المسلمون بمظاهرات غاضبة، وردت عليه دول تركيا، والسعودية، والإمارات، وقطر، والبحرين، والكويت، والأردن، وفلسطين، ومصر، والعراق، وإيران، بإدانات هزيلة ودون رد فعل دبلوماسي قوي ينتصر للجاليات الإسلامية ويدعمها.

وما يزيد من أهمية صناعة لوبيات عربية وإسلامية في أوروبا أيضا، تجاهل الدول العربية والإسلامية لأزمات أبنائها في القارة العجوز وتركهم يواجهون القوانين والاعتداءات بمفردهم، بل مشاركتهم أحيانا في الضغط على الجاليات الإسلامية هناك، وهو تمارسه حكومة الإمارات ومصر.

وفي دراسة ترجمتها "الاستقلال"، رصد مركز الدراسات الإنسانية والاجتماعية "إنسامر" حالة شيطنة المسلمين في أوروبا، منذ الحرب الباردة بتنفيذ الإعلام الغربي حملة موجهة ضدهم.

وأضافت الدراسة: "صار الغرب يجتزئ من النصوص الدينية الإسلامية ليرسم صورة عن المسلمين على أنهم إرهابيون يعادون الحضارة الغربية ويعملون على إزالتها من الوجود، الأمر الذي أصبح يشكل رأيا عاما مضادا لهم في الإعلام الغربي".