علي الدميني.. شاعر سعودي عاش مقاوما للاستبداد ومات يحلم بالإصلاح

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

خسر الشعب السعودي الشاعر والروائي علي الدميني، الذي توفي في 25 أبريل/نيسان 2022 بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ74 عاما، مخلفا وراءه خمسين عاما من الإرث الكبير في كل الأجناس الأدبية، التي أثرت الحياة الفكرية والثقافية بالمملكة.

ونعت أوساط سعودية وعربية أبرز الشعراء المجددين والناشط السياسي علي الدميني، الذي يعد أحد مؤسسي القصيدة السعودية الحديثة، وأحد نبلاء زمانه.

وتعرض الدميني إلى السجن بعد مطالبته إلى جانب آخرين بحرية الرأي، حتى أصبح أيقونة لمشروع الإصلاح المدني في وطنه.

النشأة والتكوين

ولد علي غرم الله الدميني الغامدي، في قرية محضرة بمنطقة الباحة عام 1948، ودرس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، وحصل على شهادة في الهندسة الميكانيكية عام 1974، ثم أصبح عضوا في إدارة النادي الأدبي بالرياض منذ العام 1978.

عمل الدميني لنحو 8 سنوات في شركة أرامكو النفطية، وفصل من وظيفته عقب سجنه لمدة عام، وحينما خرج عمل في البنك الأهلي التجاري عام 1984.

استطاع أن يغرز أفكاره الإبداعية والأدبية حينما أشرف على ملحق "المربد" الثقافي الشهير في صحيفة "اليوم" في المنطقة الشرقية من عام 1974 - 1982، والتي عدت أهم ملحق ثقافي في المملكة وقتذاك.

عد الدميني أن المناخ الثقافي في السعودية كان "مظلما وأسودا بمباركة الصحويين والجهات الرسمية"؛ الأمر الذي دفعه للبحث عن منبر خارج الوطن، حتى لا تموت الشعلة التي كافح من أجلها طويلا.

ليتلقى عرضا من الشاعر عبد الله الخشرمي الذي حصل على ترخيص مجلة أدبية في قبرص، وساهم معه بتأسيس مجلة "النص الجديد" الشهيرة من عام 1993 -1998 وأشرف على تحريرها إلى أن توقفت.

برز نشاط الدميني في الأحزاب السرية العمالية والحقوقية التي نشأت في مطلع ثمانينيات القرن العشرين بالسعودية وخصوصا في المنطقة الشرقية.

ولا سيما أنها جاءت في فترة يحظر فيها النظام الأساسي للحكم في المملكة نصا تكوين أي أحزاب أو جماعات أو نقابات من أي شكل ويحظر على أي سعودي الانضمام إليها داخل السعودية أو خارجها.

لكن الدميني ورفاقه لم يعيروا للمحظورات بالا، مما أدى إلى تعرضه للسجن بعد تبنيه وتوقيعه عرائض تطالب بحرية الرأي والحقوق الشرعية للمواطنين في السعودية، هو وقيادات الحزب السري عام 2004.

وجاء ذلك بعدما صاغوا بيانات وعرائض الإصلاح المقدمة إلى العاهل السعودي وقتها فهد بن عبد العزيز آل سعود، والتي كان سقفها عريضتا الرؤية وعريضة الدستور.

وكان من أهم مطالبها التحول إلى ملكية دستورية وتطبيق الدستور الشرعي وفصل السلطات الثلاث وإصلاح القضاء والمطالبة بمحاكم علنية.

وأدى ذلك إلى اعتقال الدميني على إثرها مع 11 من قيادات الإصلاح، وانتهى الأمر بالحكم عليه بالسجن لتسع سنوات، قبل أن يتدخل الملك عبد الله بعفو ملكي خلال أقل من أسبوع بعد توليه الحكم، وبعد مرور أكثر من سنة على اعتقالهم.

إنتاجه الفكري

أصدر الشاعر الراحل أربع مجموعات شعرية، "رياح المواقع - 1987"، و"بياض الأزمنة"، و"مثلما نفتح الباب" و"بأجنحتها تدق أجراس النافذة"، وقصيدته "الخبت" التي تعد من أشهر القصائد على المستوى العربي، وله روايتان، "الغيمة الرصاصية - 1998" و"أيام في القاهرة وليال أخرى - 2006".

وكتب في أدب السجن "زمن للسجن: أزمنة للحرية 2005"، عن تجربة اعتقاله مع قيادات الإصلاح المدني في السعودية.

ويحظى الراحل الدميني باحترام وتقدير كبيرين في أوساط المثقفين السعوديين، لقاء شعره ونضاله.

للشاعر الراحل مكانة في الشعر العربي خاصة حفرها بجده واجتهاده، وبات يرقى حتى تمكن من صياغة وتشكيل المشهد الحداثي في السعودية، سواء إن كان شعرا أو نقدا أو سردا أو تنظيرا أدبيا وثقافيا.

ويروي علي الدميني عن نفسه، أنه التصق بالصحافة منذ أن كان في الصف الرابع في المدرسة حينما كان يحرر في صحيفة الحائط المدرسية، حتى أصبحت الصحافة هما وحلما له.

وفي منزله يوجد مكتبة جمع كتبها مذ كان في الصف الثالث الثانوي، وأثرت تنقلاته وأسفاره في رفدها بمزيد من الكتب من مكتبات القاهرة وبيروت وبغداد والكويت، مؤكدا أن الكتب آنذاك كانت تهرب وكأنها مواد محرمة.

واتجه الدميني في كتابة الشعر إلى قصيدة التفعيلة، وبدأ ينشر قصائد في جريدة اليمامة منذ عام 1970 ثم جريدة اليوم، والبلاد وعكاظ، وبذلك أصبح لديه علاقة مع الصحافة.

وجاءت اللحظة الفارقة في حياة الدميني، حينما قابل رئيس تحرير صحيفة اليوم ووافق على أن يلتحق بها كمحرر غير متفرغ، إلى أن وصل به الحال إلى إصدار المحلق الثقافي عن الصحيفة باسم "المربد" عام 1974.

وكانت أهم المحطات في هذا الملحق هي القراءات النقدية في كتب ثقافية وفكرية وأدبية، إضافة إلى الحوارات الأدبية مع بعض الأدباء من العالم العربي.

عانت تجربة "المربد" الرقابة من قبل الوسط التحريري أولا، ومن المجتمع والسلطات الرسمية التي تفتحت أعينها عليها.

إذ كانت الكثير من القصائد والمقالات التي تردها ترفض، وأدت في بعض الأحيان إلى وقف الجريدة لعدة أيام من قبل وزارة الإعلام السعودية، لكن ذلك التضييق شكل علامة فارقة في انتشارها لاحقا.

ويعد الدميني أن المناخ الثقافي في السعودية كان "مظلما وأسودا بمباركة الصحويين والجهات الرسمية" كما يصف المشهد بلسانه.

وهو الأمر الذي دفعه للبحث عن منبر خارج الوطن، حتى لا تموت الشعلة التي كافح من أجلها طويلا، إلى أن تلقى عرضا من الشاعر عبد الله الخشرمي وأسسا "النص الجديد".

السجن وزوجته

يقول الدميني عن تجربة السجن التي استمرت مدة عام: "أصبحت بعده أكثر شجاعة وأستطيع أن أعبر عن نفسي أكثر".

وعن زوجته الشاعرة فوزية أبو خالد، يقول الدميني أنهما "رفاق درب بمعناه الثقافي والإنساني والفكري والوجداني والسياسي والنضالي، وهي من العلاقات النادرة في العالم".

وبلغت مجموع السنوات التي منع فيها الدميني من السفر 25 عاما، والتي حرمته من زيادة معارفه من العالم العربي، وأضعفت من صلاته مع باقي الأدباء.

ولذلك قال يوما إنه: "يرى في سفره إلى البحرين وكأنه ذاهب إلى أوروبا أو فرنسا".

وكثيرا ما كان السعوديون يلهجون بروايته الأولى البديعة "الغيمة الرصاصية"، متوقفين عند لوحة خالدة صور فيها نضال مجموعة من الثوار من أجل تحرير بلدهم من الطغيان، ونجاحهم في الوصول إلى السلطة.

وفي المشهد الأخير من هذه الرواية، يجتمع الثوار احتفالا بحصولهم على الحرية، لكن أحدهم يقول تلك الجملة الختامية الخالدة: "والآن، ماذا نفعل بهذه الحرية؟".

فالشاعر الدميني الذي ترجل عن حصانه، كان من أكثر أبناء جيل الحداثة الشعرية في السعودية انشغالا بالهم العربي العام، والقضايا الوطنية الإصلاحية، وتعد تجربته الشخصية الشاملة من أبرز التجارب الثقافية المضيئة ليس فقط في المشهد الثقافي السعودي، وإنما الخليجي والعربي على اتساع خريطته.

ووصف بأنه شخصية وطنية حتى النخاع، ومناضل غيور يحلم لوطنه قبل أن يحلم لنفسه، ويراهن على مستقبل أفضل لبلاده.

وحينما طالبت عام 2019 الأميرة بسمة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود (58 عاما) بإقامة نظام ملكي دستوري في السعودية يجري فيه فصل منصب الملك عن منصب رئيس الوزراء، واختفت على إثره، كان علي الدميني، ممن سبق الأميرة بالمطالبة بالملكية الدستورية، إلى جانب آخرين.