رغم الزيارات المتبادلة.. لماذا توترت العلاقات بين إيران وطالبان؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

توتر جديد تفجر بين أفغانستان وإيران استدعى من الأخيرة غلق بعثاتها الدبلوماسية، بعد حرق قنصليتها في "هرات" الأفغانية على يد متظاهرين غاضبين، فيما شنت حركة طالبان حملة اعتقالات في كابول ومدن أخرى، طالت عددا من الشخصيات الأفغانية المقربة من طهران.

يأتي ذلك في وقت شهدت فيه الحدود الأفغانية الإيرانية، اشتباكات بين عناصر حركة طالبان الأفغانية، وحرس الحدود الإيراني في 10 أبريل/نيسان 2022، وفق وكالة أنباء "هرات نيوز" الأفغانية، دون إعطاء مزيد من المعلومات عن الأسباب وحجم الخسائر.

وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول 2021، وقع اشتباك مسلح عنيف بين قوات من حركة طالبان وآخرين من حرس الحدود الإيراني، أدى إلى مقتل ثلاثة من القوات الإيرانية بالإضافة إلى إلحاق أضرار مادية بالثكنات العسكرية على الحدود الإيرانية الأفغانية.

تصعيد جديد

على إثر تداول مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي في 11 أبريل للاجئين أفغان يتعرضون للضرب، والحديث عن اغتصاب طفل أفغاني في إيران، احتج عشرات الأفغان أمام قنصلية طهران في هرات غرب البلاد ومدن أفغانية أخرى.

وردد المتظاهرون هتافات "الموت لإيران! إنها دولة قاتلة"، وأحرقوا العلم الإيراني وحطموا كاميرات مراقبة تابعة للقنصلية قبل تفرقهم.

وبعد التظاهرة هذه، طلبت وزارة الخارجية الإيرانية من حركة طالبان عبر موقعها الإلكتروني توفير "الضمانات اللازمة لعمل بعثاتها الدبلوماسية بأمان" في أفغانستان.

وكانت السفارة الإيرانية في العاصمة الأفغانية كابول أعلنت في 10 أبريل أن مقاطع الفيديو "لا أساس لها من الصحة وزائفة"، وأن نشرها يهدف إلى تقويض العلاقات التاريخية بين البلدين.

وعقب ذلك، أغلقت حركة طالبان مركز "تبيان" الثقافي في العاصمة "كابول"، واعتقلت رجل الدين الشيعي الأفغاني يار محمد رحمتي، أحد مسؤولي المركز وعددا آخر منهم في إقليم هرات.

وجاء إغلاق المركز واعتقال الأشخاص المنتسبين له بعد يوم من مظاهرة مؤيدة لنظام إيران أمام سفارتها في "كابول"، ورش الزهور على باب السفارة تأييدا لطهران في قضية الاحتجاجات على "اغتصاب طفل أفغاني من قبل مواطنين إيرانيين".

وأفادت وسائل إعلام أفغانية بأن حركة طالبان اعتقلت عيسى مزاري، رئيس مركز "تبيان" الذي "نظم مسيرة رش الزهور". ويعد مركز "تبيان" من المؤسسات المقربة لإيران.

وفي 13 أبريل، استدعت إيران القائم بالأعمال في السفارة الأفغانية، للاحتجاج على أعمال عنف استهدفت قنصليتها في هرات، وأعلنت إغلاق بعثاتها الدبلوماسية في أفغانستان حتى إشعار آخر.

تهديد للعلاقات

تهدد الاحتجاجات المناهضة لإيران في أفغانستان طموح طهران لاستغلال تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا لتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى، وفق تقرير نشرته صحيفة "أوراسيا ريفيو" في 17 أبريل 2022.

وتقول الصحيفة إن مقاطع فيديو انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر عناصر حرس الحدود الإيرانيين يضربون لاجئين أفغانيين، أججت الغضب في أفغانستان.

وتابعت أن "ذلك يأتي بعد نحو أسبوع من مقتل اثنين من رجال الدين الشيعة الإيرانيين وإصابة ثالث في مشهد، خلال هجوم بسكين شنه مهاجر أفغاني قرب ضريح علي الرضا، الإمام الشيعي الثامن".

وسعى مسؤولون إيرانيون وقادة طالبان إلى التقليل من شأن الحادث. وقالوا إن "عناصر مارقة" تسعى إلى تأجيج الاضطرابات نظمت الاحتجاجات، وفق ما تنقل الصحيفة.

وتشير الصحيفة إلى أن إيران تعتقد أن فرصتها في آسيا الوسطى تعززت لأنها تقدم أحد البدائل القليلة لاحتضان كامل من قبل الصين في غياب روسيا والولايات المتحدة.

ورفضت إيران مثل الكثير من دول العالم، الاعتراف رسميا بحكومة طالبان طالما أنها لا تظهر الشمولية، لكن ومع ذلك، فإن التجارة مع أفغانستان، التي تستضيف طرقا برية متعددة إلى آسيا الوسطى غير الساحلية، لا تزال نشطة بنحو 2.9 مليار دولار أميركي سنويا.

من جهته، قال الباحث المختص في الشأن الأفغاني محمد العقاد إن "المظاهرات التي خرج بها المواطنون الأفغان جاءت احتجاجا على معاملة الإيرانيين للاجئين الأفغان، ثم تصاعدت إلى بعض أعمال العنف ضد المقرات الدبلوماسية الإيرانية.

وهو "ما استدعى إيران للاحتجاج وإغلاق مقراتها حتى تحصل على تطمينات من طالبان بتأمين تلك المقرات".

وأضاف لـ"الاستقلال": "إيران تعتقد أن طالبان لم تقم بواجبها لتأمين مقراتها الدبلوماسية، لذلك فهي تحاول الضغط عليها من خلال الدعوة مرة أخرى لتشكيل حكومة تعددية سياسية تضم جميع العرقيات والأطياف السياسية في أفغانستان".

ورأى العقاد أن "هذه التوترات يمكن أن تؤثر على العلاقات بين إيران وطالبان على المدى القريب، لكن لا أتوقع أن تتوتر بشكل كبير خلال الفترة الماضية".

فطالبان ليست معنية في الوقت الحالي بتوتر العلاقات مع إيران. إلى جانب ذلك من المتوقع أن تطلب الحركة من طهران ضمانات مماثلة على معاملة اللاجئين الأفغان لديها، وفق تقديره.

ملفات خلافية

وبخصوص التوترات الأخيرة، يرى مدير المركز الأفغاني للإعلام والدراسات، عبد الجبار بهير، أن "هناك دولا وأيادي محلية في أفغانستان تسعى إلى تفجير علاقات طالبان وطهران بعد تحسنها الأشهر الماضية وزيارة وفود من الحركة إلى إيران".

وأضاف بهير خلال تصريحات صحفية في 14 أبريل أن هذه الأطراف تعلم أن حكومتي البلدين غير متفقتين في بعض الملفات، وهو ما تسعى لاستثماره.

ومن بين الملفات محل الخلاف، اعتراض طالبان على النشاط الإيراني الثقافي والديني في أفغانستان، وتركيز اهتمامها على الشيعة هناك.

وكذلك برز دور وزير الدفاع في حكومة طالبان، الملا محمد يعقوب، نجل مؤسس الحركة الملا عمر، في وقف مخطط تحويل مياه نهر هلمند الواقع جنوب غربي أفغانستان وشرقي إيران، وهو أمر يتعلق بأزمة مياه قد تشعل صراعا يعود إلى قرن من الزمان.

ويقدر طول نهر هلمند بـ1150 كلم، وهو الأطول في أفغانستان، ويصب في بحيرة هامون على الحدود مع إيران التي لها الحصة الأسد من مياهها.

 وهي ذات أهمية إستراتيجية لتوفير مياه الشرب والزراعة في شرق إيران، وبين البلدين نزاعات متكررة حول حصة المياه.

من جهته، قال المعارض الكردي وزعيم حزب "سربستي" كردستان في إيران، عارف باوه جاني، إن "الاحتجاجات الأفغانية رد فعل لما وصفها بجرائم السلطات الإيرانية بحق اللاجئين الأفغان، إضافة إلى أنها تكشف غضب الشعب الأفغاني من سياسة طهران تجاه بلادهم".

ونقل تقرير صحفي في 14 أبريل عن عارف باوه جاني قوله  إن "لإيران مخططاتها داخل أفغانستان، ولن تتنازل عنها حتى إذا أدى ذلك إلى الصدام مع حركة طالبان".

وفي السياق ذاته، قال عمر نصار الباحث في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية ومدير مركز دراسة أفغانستان الحديثة، إن "التوترات الحدودية زادت مع وصول طالبان إلى السلطة بشكل عام، خاصة في الاتجاهين الغربي والشرقي".

وأفاد نصار خلال حديث لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية في 13 أبريل أنه "يجب أن لا ننسى أنهم يطلقون على طالبان أحيانا تسمية حركة سنية متطرفة".

ولكن، لا تتأثر العلاقات بين الطرفين بالعامل المذهبي فقط، فطالما كان لدى جزء معين من سكان أفغانستان موقف ملتبس من الثقافة الفارسية وإيران باعتبارها مركزا لهذه الثقافة، وفق قوله.