باحث يمني لـ"الاستقلال": السعودية قد تغير دورها بالحرب لتجنب قصف الحوثيين

شدوى الصلاح | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

حمل الكاتب والباحث السياسي اليمني عبدالناصر المودع، الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي أزاحته السعودية عن المشهد عبر نقل صلاحياته إلى مجلس القيادة الرئاسي الجديد، مسؤولية فشل التسوية السياسية وما آلت إليه الأوضاع باليمن.

وأكد في حوار مع "الاستقلال"، أن هادي ساهم في إسقاط الدولة اليمنية باتفاقه سرا مع الحوثيين في بداية الحرب، ومنع الجيش من مواجهتهم، والسماح لهم بأن يتمددوا من معاقلهم في محافظة صعدة، حتى أوصلهم إلى العاصمة صنعاء.

وأشار المودع إلى أن التدخل الخارجي في اليمن كانت فكرته موضوعة من قبل السعودية، بينما كان دور هادي توفير غطاء شرعي لتحقيق ذلك، لافتا إلى أن اليمن بلا سيادة فعلية منذ اندلاع الحرب في مارس/ آذار  2015.

وعن الوضع المستقبلي، قال الباحث اليمني إن السلام ما زال بعيدا، لكن هناك تكهنات بأن السعودية بصدد إجراء تغيير في أسلوب تدخلها بالحرب، بحيث تمتنع عن الاشتراك المباشر عبر استخدام الطيران، والاكتفاء بدعم الأطراف المحلية، من أجل الوصول إلى تفاهمات مع "الحوثي"، لوقف قصفها العمق السعودي. 

ولفت المودع إلى أن لدى أعضاء المجلس الجديد أجندات متناقضة، ويدينون بالولاء لدول التحالف السعودي الإمارتي، والبعض منهم لا يعد جماعة الحوثي عدوه الأول.

وفي 7 أبريل/ نيسان 2022، أصدر هادي، إعلانا رئاسيا من العاصمة السعودية الرياض ينص على تأسيس مجلس قيادة رئاسي من 8 أعضاء، برئاسة وزير الداخلية السابق رشاد العليمي.

ونقل هادي إلى المجلس صلاحياته كاملة، لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية في البلاد التي تشهد حربا منذ أكثر من سبع سنوات خلفت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم.

والمودع كاتب ومحلل سياسي مستقل، غادر اليمن عقب سقوط صنعاء بيد الحوثيين، ويعيش منذ ذلك الحين في العاصمة الأردنية عمان، ومعروف بمواقف ناقدة لكل القوى المحلية والدولية المتداخلة بالحرب، ونشر عددا من الكتب والدراسات عن الأوضاع باليمن.

سلطة هادي

هل تنازل هادي عن السلطة أم أزيح؟

هادي أزيح من قبل السعودية، بعدما كانت المصدر الرئيس لبقائه في السلطة بعد هروبه من عدن في مارس 2015؛ فمنذ ذلك الحين وفرت السعودية لهادي الاعتراف الخارجي، وكذلك الدعم الداخلي من قبل القوى السياسية المناوئة للحوثيين. 

فهادي عمليا كان قد فقد كل مصادر الشرعية القانونية أو السياسية أو شرعية الأمر الواقع، ففترة رئاسته كرئيس توافقي وفق المبادرة الخليجية انتهت في 2014. 

ومدة ولايته حسب الدستور انتهت في 2019، وشرعيته السياسية فقدها بعد أن أصبح طرفا في الصراع السياسي منذ ما بعد الحرب، وشرعية الأمر الواقع لم يحصل عليها لأنه عمليا لم يكن لسلطته وجود حقيقي في داخل اليمن الذي فضل أن يعيش خارجها. 

ومن ثم فإن إزاحته من قبل السعودية تمت بسهولة، فالعالم الخارجي حتى الآن لم يعارض، والأطراف المحلية المعارضة للحوثي رحب بها من استفاد من إزاحته، وقبل بها من تضرر على مضض، وفي النهاية لم يجد هادي من يدافع عنه لا في الداخل اليمني ولا في الخارج. 

ما تقييمك لفترة رئاسة هادي؟ وما الأخطاء التي ارتكبها؟

هادي المتسبب الأول في انهيار الدولة اليمنية وفشل عملية التسوية السياسية، والتي أتى من أجل إنجاحها. 

ويرجع السبب في ذلك إلى أنه لم يكن مؤهلا ذاتيا ولا موضوعيا بأن يدير شؤون اليمن لا كرئيس توافقي، ولا كرئيس فعلي. 

فهادي من الناحية الذاتية لا يمتلك التعليم أو الخبرة أو الصفات القيادية، إلى جانب أنه كان فاسدا ويمارس السياسة عبر الخداع والكذب والتآمر. 

أما من الناحية الموضوعية فإنه لم يكن لديه قوة سياسية، أو عسكرية، أو مؤسسات دولة منضبطة، أو قوة مجتمعية كبيرة يستند عليها في حكمه، ولم تكن صفاته الذاتية تؤهله ليبني لنفسه أي قوة مما ذكرنا.

ولأنه كان دون مقومات ذاتية وموضوعية، اعتمد على تكتيكات خطيرة أودت في النهاية بحكمه، بينها ضرب القوى السياسية ببعضها البعض، وهو ما يتناقض مع الدور الذي يجب على الرئيس التوافقي القيام به. 

ففي البداية استند على خصوم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، وتحديدا حزب الإصلاح بجناحيه العسكري والقبلي، ليضرب صالح.

وبعدها تحالف مع الحوثيين ليضرب حزب الإصلاح، والرئيس الأسبق صالح، وكل ذلك من أجل أن يبقى في السلطة على خلاف مقاصد التسوية السياسية المسماة بالمبادرة الخليجية.

ونتيجة لذلك؛ أضعف مؤسسات الدولة وتحديدا القوات المسلحة، والذي عمل على إضعافها تحت اسم الهيكلة.

هل يعني ذلك أنه ساهم في إسقاط الدولة وتسليمها للحوثيين؟

نعم؛ لأنه باتفاقه سرا مع الحوثيين منع الجيش من مواجهتهم، وسمح لهم بأن يتمددوا من معاقلهم في محافظة صعدة، حتى أوصلهم إلى صنعاء، وخلال تلك الفترة كان يراوغ ويمارس الخداع في مواجهتهم، وأعلن بشكل شبه رسمي حياد الجيش للوقوف أمامهم. 

وفي النهاية أوصلهم إلى صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وكان يحلم بأنه سيستخدمهم لتقوية مركزه، إلا أنه وقع في شراك أفعاله وأصبح في النهاية تحت رحمتهم ومأسورا لديهم.

وعمليا سقط النظام السياسي اليمني بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، وهو ما يعني انتهاء سلطته الفعلية على اليمن. 

ماذا عن دور هادي في استقدام التدخل الخارجي والحرب؟

فكرة التدخل الخارجي كانت موضوعة من قبل السعودية، منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، ودور هادي لم يكن أكثر من توفير غطاء شرعي للتدخل.

فالسعودية وبعض الدول الخليجية شعرت بأن أمنها القومي في خطر بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، وعدت ذلك تهديدا مباشرا لنفوذها في اليمن، وتقوية لإيران خصمها الإقليمي. 

كما أن هادي يتحمل سياسيا وقانونيا مسؤولية عديد من المشاكل كالكارثة الإنسانية ونشوء المليشيات، وغيرها؛ ولم يحاول التخفيف من مضاعفاتها.

بحديثك هذا هل أنت مع من يصف هادي بالخائن والعميل؟

من وجهة نظر الكثير من اليمنيين فإن هادي يتصف بمجموعة من الصفات السيئة، ولهذا ينطبق عليه صفة الخائن، والعميل، والمتآمر، والفاسد، والفاشل والكسول، وغيرها من الصفات التي انعكست في المخرجات الكارثية لحكمه.

لكن أليس من المبالغة تحميله وحده مسؤولية ما حدث؟ فأين النخب السياسية اليمنية؟ وماذا عن الدور الإقليمي والدولي؟ 

كل هؤلاء يتحملون جزءا من المسؤولية إلا أنه بحكم موقعه، كان المسؤول الأول عما جرى.

ليس لأنه فشل، أو أخطى في تقدير الأمور، أو عجز عن القيام بما كان يجب أن يقوم به، لكن ما يؤخذ عليه وينبغي أن يحاسب بسببه، التواطؤ مع الحوثيين والسماح لهم بالتمدد والسيطرة على العاصمة. 

هذا السلوك لا يدخل في باب الفشل، ولكنه يدخل في خانة الجريمة وخيانة الأمانة، إلى جانب الفساد القبيح الذي مارسه هو وأولاده، في الوقت الذي كان شعبه يعيش في ظروف المجاعة. 

وأما النخب السياسية فإنها تتحمل جزءا من المسؤولية، لأنها شاركته الفساد أو سكتت على أفعاله، وسمحت لشخص برداءته لأن يصل إلى منصب رئيس الجمهورية. 

وأما ما يقال عن أن السعودية والإمارات لم تسمحا له بالعمل والعودة لليمن، فهو يتحمل المسؤولية كونه قبل بذلك.

وإن كان قد حاول أن يعود، وهذا أمر مشكوك فيه، فهادي معروف عنه السلبية والكسل، وعدم الرغبة في ممارسة الأعمال الروتينية، وكما قال عنه الكثيرون فإنه يخزن القات ليل نهار.

كيف ستتم محاسبته على كل ما أسلفت ذكره؟

في ظروف اليمن الحالية يصعب محاسبته لكونه الآن وفي المستقبل المنظور، سيبقى في عهدة السعودية.

كما أنه لا توجد مؤسسات دولة قادرة على محاسبته، والطبقة السياسية التي حلت محله لا تريد فتح ملفاته؛ لأن التهم الموجهة لهادي تطالها بشكل أو آخر. 

المجلس الرئاسي

من شكل مجلس القيادة الرئاسي من وجهة نظرك؟

من الواضح أن السعودية والإمارات هما من شكل هذا المجلس، والذي يمكن استنتاجه من سياق الأحداث والطريقة التي تم بها إخراج المجلس.

وكنت أنا والكثير غيري يتحدثون بأن ما سمي بالمشاورات ليست سوى غطاء لطبخة تريد السعودية والإمارات تمريرها عبر تلك المشاورات، وقد تأكدت تلك التوقعات وتم إزاحة هادي والإتيان بهذا المجلس.

لكن أليس هذا العمل انتهاكا لسيادة اليمن؟

هو انتهاك لسيادة اليمن، لكن اليمن دون سيادة فعلية منذ اندلاع الحرب، وهناك قبول من الطبقة السياسية باستثناء الحوثيين لهذا الفعل.

إضافة إلى أن العالم الخارجي بشكل أو بآخر منح، أو غض الطرف عن قيام السعودية والإمارات بالتدخل في اليمن وممارسة الوصاية عليه. 

وللعلم هذا الفعل ليس جديدا في اليمن، فاليمن قبل الوحدة وبعدها كان دولة ناقصة السيادة، ففي اليمن الشمالي سابقا، ومنذ قيام الجمهورية عام 1962، وقعت الدولة تحت النفوذ الخارجي المصري/السعودي في البداية، والسعودي بعد ذلك. 

ووفقا لهذا كانت السعودية منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى الآن هي المتحكم في الأحداث السياسية الرئيسة، بما في ذلك خروج وصعود رؤساء الجمهورية، ولهذا فإن ما حدث مؤخرا لم يكن الحدث الأول وربما لن يكون الأخير.

 أين مجلس النواب من ذلك؟

مجلس النواب مؤسسة معطلة بسبب الحرب، وانتهت فترة ولاياتها منذ وقت طويل، ولم يعد له وجود شكلي إلا بحكم الأمر الواقع.

كما أن أكثر أعضاء مجلس النواب لم يعودوا ممثلين لقوى فاعلة، حيث تغير المشهد السياسي بشكل حاد منذ انتخاب هذا المجلس عام 2003. 

ما تقييمك لتشكيلة المجلس وأفراده؟ وهل لديهم القدرة على إدارة المشهد؟

بما أن هذا المجلس وطبيعة الأشخاص الذين تشكل منهم قد تم من قبل السعودية والإمارات فإنهم عمليا يدينون بالولاء لهاتين الدولتين، وسلطاتهم وأدوارهم منوطة برغبة الدولتين وما ستوفره للمجلس كمجموعة أو لبعض أفراده من موارد وسلطات.

لكن بعض أعضاء المجلس يمثلون قوى سياسية فاعلة؟

صحيح، ولكن قوة هذه الأطراف تشكلت في معظمها بسبب الدعم السعودي والإماراتي، وهو ما يعني بأنها قوى مصنوعة بشكل أو آخر من الدولتين.

كيف تتوقع أداء المجلس وهل سيكون أفضل أم أسوأ من حكم هادي؟

في المجمل يعتقد الكثير من اليمنيين بأن ليس هناك ما هو أسوأ من حكم هادي، فالأوضاع خلال حكمه اتسمت بالجمود.

ولهذا هناك بصيص أمل بأن خروج هادي سيحرك الركود وقد يحدث تحسن جزئي هنا وهناك، رغم أن النظرة الواقعية للأمور تشير إلى أنه لن يكون هناك تحسن أو نقلة نوعية نحو الأفضل في اليمن على الأقل في المستقبل المنظور. 

فالمجلس مشكل من قوى متعادية وذات أجندات متناقضة، ومن المتوقع ألا يكون هناك انسجام في عمل المجلس، وهذا يعني بأن المشاكل الكبرى التي تواجهها اليمن لن تحل، وأفضل ما يمكن توقعه هو التخفيف من حدتها، أو تجميدها لبعض الوقت. 

وفي المجمل أي تحسن في أداء عمل المجلس مرتبط بإرادة السعودية والإمارات والموارد والسلطات التي ستمنحها لأعضاء المجلس.

مستقبل اليمن

وماذا عن آفاق السلام في اليمن، أو هزيمة الحوثيين بتشكيل المجلس؟

السلام لسوء الحظ ما زال بعيد المنال، ولا يمكن أن يحدث وفق الظروف الحالية، فطبيعة الأطراف المتصارعة المحلية والخارجية لا تؤهلها لأن تنهي الحرب وتقيم السلام، وأكثر ما نطمح له كيمنيين، تخفيف حدة القتال وتقليل حجم المعاناة. 

أما الانتصار العسكري على الحوثيين فإنه أمر صعب؛ لأن أعضاء المجلس ليسوا فريقا واحدا والبعض منهم لا يعد الحوثي عدوه الأول، ويرى في الطرف المشارك له العدو الأول.

إضافة إلى أن العالم الخارجي لن يسمح للمجلس ومن خلفه السعودية والإمارات بالتصعيد العسكري الذي يسمح بإحداث اختراقات مهمة.

ماذا عن الهدنة المعلنة هل ستصمد؟

الهدنة أعلنت ضمن ترتيب الظروف التي سبقت تشكيل المجلس، ومن المتوقع ألا تصمد كثيرا، وفي الوقت الحالي ثمة معارك في جبهة مأرب، وهي الجبهة الرئيسة في الحرب، لم تتوقف تماما ويتوقع أن تندلع المعارك بشكل أكبر وتخرق الهدنة.

هل تتوقع أن يحدث اختراق في كل الجبهات بما في ذلك الضربات الجوية المتبادلة بين الحوثيين والسعودية؟

من الصعب تخمين مجريات الأحداث في المستقبل القريب، لأن هناك تكهنات بأن السعودية بصدد إجراء تغيير واضح في أسلوب تدخلها في الحرب، بحيث تمتنع عن الاشتراك المباشر عبر استخدام الطيران، والاكتفاء بالدعم غير المباشر للأطراف المحلية. 

وتستهدف السعودية بذلك التوصل إلى تفاهمات مع الحوثيين يتوقفون بموجبها عن مهاجمتها بالصواريخ والطائرات المسيرة مقابل توقفها عن مهاجمتهم بالطائرات. 

وفي حال تحقق هذا الأمر فإن السعودية سترسل رسالة للعالم بأنها لم تعد طرفا مباشرا في الحرب اليمنية.

ومع ذلك أشك بأن الأمور ستتجه إلى هذا المربع؛ فهناك قضايا أخرى مثل فك الحصار الكامل عن الحوثيين، وهو ما يعني فتح المجال لهم كي تنمو قوتهم بشكل كبير، الأمر الذي سينعكس على أدائهم في الداخل، ويقوي شوكتهم وشوكة إيران. 

ولو حدث هذا الأمر ستكون السعودية بشكل عملي قد اعترفت بهزيمتها في الحرب وقبلت بانتصار الحوثيين وإيران، وهذا أمر خطير لأنه سيمثل تهديدا خطيرا لأمن السعودية في الوقت الحالي والمستقبل.

ماذا عن المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة؟

من التجربة التاريخية نجد أن الأمم المتحدة في الغالب دورها أشبه بمن يقوم بإدارة أزمة أو مراقبتها، أما الحلول فهي أمور تربط بتطورات الصراع والمناخ الإقليمي والدولي الذي يساهم في استمرار الحرب أو توقفها. 

فمن خلال المفاوضات التي تمت في السابق تحت رعاية المبعوث الأممي، نجد أنها فشلت في إحداث أي اختراق يذكر، حتى في القضايا الصغيرة كتبادل أسرى الحرب، أو فتح مطار صنعاء وفتح الطرقات داخل اليمن. 

كانت التطورات التي حدثت، كاتفاق السويد مثلا، ناتجة عن ضغوط خارجية ولم تتم داخل غرف المفاوضات؛ والهدنة المعلنة حديثا تمت وفقا لضغوط خارجية أو بإرادة سعودية إماراتية.

ولهذا كله لا يتوقع أن تنجح أي مفاوضات برعاية الأمم المتحدة ما لم تكن الظروف جاهزة لذلك، وأستطيع القول إن هذه الظروف لا زالت بعيدة لسوء الحظ.