جماعة الصرخي.. حركة شيعية عراقية تدعو لهدم المراقد وترفض الإساءة للصحابة
.jpg)
في سابقة هي الأولى، طالبت جماعة شيعية في العراق بهدم القبور والمراقد التي تصفها الطائفة بـ"المقدسة" ويزورها الملايين سنويا، وذلك لاعتقادها بأنها تخالف الشريعة التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحكم بها الخلفاء الراشدون من بعده.
وفي حالة غريبة، ارتقى منابر الجمعة الخاصة بمساجد هذه الجماعة خطباء يرتدون القمصان وأربطة العنق والبناطيل، بدلا من عمامة الرأس والجلباب، وكذلك ترضوا عن الصحابة، واستشهدوا بحكمهم في التعامل مع القبور، خلافا لما عرف عن الشيعية الاثني عشرية.
جماعة الصرخي
صدرت هذه الدعوات من جماعة يتزعمها رجل الدين الشيعي محمود الصرخي، وأثارت غضبا واسعا في الأوساط الدينية والشعبية الشيعية في العراق، حيث أطلقت دعوات بضرورة غلق وهدم مساجدهم، وشبهوهم بتنظيم الدولة.
وعلى ضوء ذلك، أمهل زعيم التيار الصدري بالعراق، مقتدى الصدر، في 11 أبريل/ نيسان 2022 رجل الدين الشيعي محمود الصرخي ثلاثة أيام للتبرؤ من أحد أتباعه والذي يدعو لهدم قبور "الأولياء والمعصومين"، متحدثا عن تعالي صوت حزب البعث الصدامي.
وذكر الصدر في بيان صادر عنه أنه "لا ينبغي التغاضي عما يحدث في المجتمع العراقي من انتشار العقائد الفاسدة"، لافتا إلى أن مجموعة من هذه "العقائد" أولها "أهل القضية الذين يدعون أن الإمامة لي".
وأضاف قائلا: "أعلنت منهم البراءة سابقا وأجدد البراءة منهم، وأطالب بمقاطعتهم ومحاسبتهم وفق القانون".
ولفت إلى أن "بعض من ينتمون بالتقليد إلى الصرخي يحاولون إدخال بعض العقائد المنحرفة إلى المذهب، وآخرها ما صدر عن إمام جمعة لهم في محافظة بابل وذلك بالمطالبة بهدم القبور للأولياء والمعصومين".
وأشار الصدر في بيانه إلى "تعالي صوت البعث الصدامي المجرم، وهذا مما لا يصح السكوت عنه"، داعيا الجميع إلى التعامل معهم "بحزم وفق القانون وتجريمهم ومعاقبتهم تحت طائلة القانون". وطالب بضرورة "إصدار قانون يجرم ذلك تحت قبة البرلمان فورا".
وبعد ذلك، أمر قائد شرطة محافظة بابل اللواء خالد تركي جهاد الشمري في 12 أبريل 2022 بغلق جميع الحسينيات (مساجد الشيعة) والمكاتب التابعة لأتباع رجل الدين الشيعي محمود الصرخي.
وقال الشمري في تصريح لعدد من وسائل الإعلام العراقية إن أمره بإغلاق جميع الحسينيات والمكاتب التابعة لأتباع الصرخي جاء "حفاظا على السلم المجتمعي".
وقبلها أعلن جهاز الأمن الوطني العراقي القبض على أحد خطباء جماعة الصرخي.
وبين أنه "استنادا إلى ما ورد في مقطع فيديو جرى تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي ورصده من جهاز الأمن الوطني، وبناء على مذكرة قضائية، ألقت قوة من الجهاز في محافظة بابل القبض على شخص ينتمي إلى الحركات الدينية المتطرفة يدعو إلى الإساءة إلى الرموز والطقوس الدينية، وكذلك الدعوة إلى هدم المراقد المقدسة".
شيعة مختلفون
على خلاف جميع الحركات الشيعية الإثني عشرية في العراق، فإن جماعة الصرخي ترفض وبشكل علني الطعن بصحابة الرسول وبزوجاته، ولا سيما عائشة بنت أبي بكر، وتؤكد أنها أم للمؤمنين، ولا يجوز قطعا الحديث عنها بسوء.
وظهرت الجماعة بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وزعيمها محمود بن عبد الرضا بن محمد الصرخي الحسني من مواليد مدينة الكاظمية في بغداد عام 1964، حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة بغداد سنة 1987، وانخرط في الحوزة العلمية الشيعية في النجف عام 1994.
يقدم الصرخي نفسه كمرجع ديني في طائفة الشيعة الإثني عشرية، وهو مجتهد أو فقيه (خبير في الشريعة الإسلامية).
وكذلك عرف بدعوته للدولة المدنية، والسعي بفتوى إلى إقامة علاقات طيبة بين السنة والشيعة في وقت كان التوتر الطائفي يطغى على المشهد العراقي، وأفتى بحرمة الدم العراقي، ورفض كل ما صدر عن سلطات الاحتلال ومشروعهم في العراق، ودعا إلى مشروع المصالحة والمسامحة.
والتحق الصرخي بالحوزة العلمية وباشر تدريس المقدمات، ثم واصل تقرير دروسه وإنهاء مراحل دراسته التكميلية، وتلقى دروس البحث الخارج عند محمد محمد صادق الصدر (والد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري).
بعد مقتل محمد صادق الصدر عام 1999، أعلن الحسني عن تصديه للمرجعية وإقامة صلاة سميت جمعة المسجد الأقصى.
وألقت السلطات الأمنية القبض على الحسني على إثر تلك الصلاة لكونها اعتبرت تحديا للنظام الحاكم آنذاك.
ويرى أتباع الصرخي أن ثمة جهودا حثيثة تبذل لإبقاء الشعب تابع لولاية ووصاية مرجعيات من خارج العراق، وأن الاستعداء يجري تكريسه فقط بحق المراجع من ذوي الأصول العراقية دون بقية المرجعيات غير العراقية.
ويعتقدون أن النقد لم يصدر عن علماء حوزة بل من جهات سياسية متنفذة تسعى لبقاء وتمدد نفوذها السياسي على الفكر الشيعي. لذا لا يوجد بنظرهم أي مبرر علمي موضوعي لكل ذلك النقد.
أسباب العداء
ويرى أبتاع الصرخي أنه "لأسباب قومية عنصرية يرفض أن يكون مرجعا في الحوزة الدينية بالنجف، وأن العداء ينحصر ضد علماء الحوزة من ذوي الأصول العراقية والعربية.
وكذلك من أسباب العداء ما استجد حول ولاية الفقيه الإيراني، إذ يرى أتباعه أن الأدلة تؤكد أن كل فقيه عراقي تصدى لمقام الأعلمية تعرض للهجوم الشديد.
ويستدل "الصرخيون" على ذلك بما واجهه الصدر الثاني (والد مقتدى) من الطعن الذي أدى به أن يصرح قائلا "لقد بذلت أموال طائلة ضدي حتى صار من المسلمات عند الشيعة أني عميل"، الأمر الذي لم يكن متعارفا في الأوساط العلمية إلا في فترة متأخرة، حسب قولهم.
انتقد الصرخي مواقف بعض المرجعيات مما يجري في بغداد ومنها مواقف المرجع علي السيستاني من الغزو الأميركي للعراق، إذ يرى أنه لا يجوز لمرجع شيعي إمضاء دستور وضعه وأشرف عليه حاكم منصب من سلطات احتلال عام 2003.
وكذلك رفض الصرخي الفتوى التي يصفها بـ"الطائفية" الخاصة بالجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع السيستاني عام 2014 لمقاتلة تنظيم الدولة الذي اجتاح البلد وسيطر على ثلث مساحته. وحسب ما ذكره في لقاء متلفز عام 2014 فإن هذا الموقف كان سببا في الهجوم على مقره مطلع يوليو/تموز 2014.
وعقب الهجوم على مقره، اتهم الصرخي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بإعدام ثلاثين من أتباعه ومهاجمة مقراته في كربلاء بالصواريخ وقصفها بالطيران ردا على دعوته لحل أزمة ساحات الاعتصام سلميا وتأييده مطالب المحتجين في المحافظات الشمالية.
ويعرف عن الصرخي مواقفه المناوئة لنظام ولاية الفقيه بنموذجه الإيراني، وينتقد تدخل دول الجوار في الشأن العراقي بتلك الذريعة.
وكذلك رفض الاحتلال الأميركي للعراق، وتأييد الدستور بحجة أنه جرت كتابته تحت إشراف قوات محتلة، ورفض تأييد نظام المحاصصة السياسي رغم وعود سلطة الاحتلال المدنية بأنه سيجلب الديمقراطية والرفاه للبلاد.
ويعتبر الصرخيون الاتهامات التي توجه إلى زعيمهم بأنها كيدية من نظام ولاية الفقيه لإزاحة الصرخي من العراق كونه يواصل الاعتراض على سياساتهم ويتسبب وجوده بمشاكل لهم، خصوصا بعد اعتراضه على استغلال الأحزاب الدينية للفتوى من أجل عسكرة المجتمع المدني.
"جواز قتلهم"
وتعليقا على الاتهامات التي وجهت لجماعة الصرخي بأنها متطرفة وتسعى إلى هدم القبور والمراقد، وبالتالي أغلقت مقارها في العراق، يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، حميد الكرخي إنها لا تتبنى العنف، وإنما أتباعها من المثقفين".
وأوضح الكرخي في حديث لـ"الاستقلال" أن "الكثير من الباحثين يخلطون بينها وبين الجماعات الشيعية الأخرى المسلحة أمثال جند السماء التي ظهرت عام 2007 وواجهتها الحكومة العراقية آنذاك بقصف جوي".
وأشار الباحث إلى أن "جماعة الصرخي لها باع طويل في البحث والتدقيق، وأن حركتهم سلمية، وتعرضوا على إثر الأفكار التي يطرحونها إلى الاعتقال مرات عدة، وأن قوتهم بعلميتهم وسلميتهم وعلى ما يطرحونه من متبنيات فكرية مستمدة من الشريعة".
وأفاد الكرخي بأن "دعواتهم إلى هدم القبور والمراقد في خطبة الجمعة في 9 أبريل 2022، غير معروف دوافعها وتوقيتها لكنهم يبدو أنهم يطرحون قناعاتهم ويطالبون بمناظرتهم ومناقشتهم عليها من خصومهم".
وفي 21 يوليو/تموز 2018، أورد تقرير صحفي تصريحات للخبير الأمني العراقي الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية الراحل هشام الهاشمي، قوله إن "هذه الحركات سلوكية عقائدية شيعية، صنفتها مرجعيات كبرى على أنها حركات شاذة والبعض قال إنها فاسقة".
وأضاف الهاشمي أنه "في عام 2006 جرى التعامل مع هذه الحركات على أنها مسلحة، خارجة عن منهج آل البيت، وبالتالي أجازت المرجعيات قتلهم ورميهم في السجون".
وأوضح أن "محمود الصرخي، وأتباعه ليست بالأعداد القليلة وهم يمثلون طيفا مهما ضمن الشيعة الإمامية في العراق".
وهذه الجماعات ترى أن "مرجعية السيستاني وخامنئي الولائيتين، كلاهما من المرجعيات المبتدعة"، مؤكدا أنها "تريد أولا التغيير بالمرجعيات، ثم في النظام السياسي"، وفق قوله.
يذكر أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وجه في عام 2007 بتنفيذ عملية عسكرية أميركية عراقية على منطقة الزرقاء شمال محافظة النجف ضد مقار جماعة شيعية تطلق على نفسها "جند السماء"، وأسفرت عن مقتل أكثر 200 شخص.
لكن معاون محافظ النجف أعلن في وقتها أن حصيلتها كانت مقتل أكثر من 300 مسلح وأسر نحو 650 آخرين، كما لقي 11 جنديا عراقيا مصرعهم وجرح 30 آخرون. وادعت الحكومة العراقية أن لـ"جند السماء صلة بتنظيم القاعدة".
المصادر
- العراق... اغلاق جميع الحسينيات والمكاتب التابعة لاتباع الصرخي
- من هو محمود الصرخي قائد جيش الحسين بالعراق؟
- العراق: اعتقالات في صفوف جماعة دينية دعت إلى "هدم الأضرحة"
- اتهام جماعة "أبناء الله" بحرف تظاهرات العراق.. من هي؟
- محمود الحسني الصرخي
- الصدر يمهل الصرخي 3 أيام للتبرؤ من احد اتباعه.. ويتحدث عن "تعالي" صوت البعث
- جند السماء: حقيقة ضائعة وصراع خفي بين الفصائل الشيعية