بلبلة مالية وسياسية.. ما حقيقة إفلاس لبنان ومصرفه المركزي؟

مصطفى العويك | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في تصريح مفاجئ أحدث ضجة كبيرة على الصعيدين المحلي والدولي، قال سعادة الشامي، نائب رئيس الحكومة اللبنانية في مقابلة تلفزيونية خلال 3 أبريل/نيسان 2022 إن الدولة ومصرف لبنان مُفلسان.

هذا الحديث هو الأول من نوعه الذي يصدر عن مسؤول حكومي رسمي، وفي نفس الوقت رئيس الوفد اللبناني الذي يتولى مهمة التفاوض مع صندوق النقد الدولي لإبرام اتّفاق معه بُغية تمويل برنامج تعافٍ اقتصادي ومالي للدولة. 

فلبنان يعاني من أزمة اقتصادية ومالية ضخمة أدت إلى انهيار العملة المحلية بأكثر من 82 بالمئة من قيمتها، بحسب ما أعلنت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الأسكوا"، وسط حالة تضخّم ناهزت الـ 800  بالمئة في أسعار بعض السلع الأساسية والحيوية.

أضف إلى ذلك، المعاناة من التعثّر في سداد الديون عقب امتناع الحكومة السابقة عن تسديد دفعات سندات دين دولية (اليوروبوند) بقيمة 1.2 مليار دولار.

ويأتي كلام الشامي في توقيت دقيق للغاية، على مسافة أسابيع قليلة من موعد الانتخابات التشريعية في 15 مايو/ أيار 2022.

كما يأتي وفي خضمّ مداولات ونقاشات حكومية وبرلمانية حادة لإقرار قانون الضوابط المالية (الكابيتال كونترول) الذي يفرض قيودا قاسية على حركة السحوبات النقدية، وينص على تذويب الودائع بالعملات الأجنبية عبر تحويلها الى العملة المحلية بسعر صرف تحدده لجنة مختصة.

فهل يمهّد تصريح نائب رئيس الحكومة الطريق لإعلان إفلاس رسمي أم أنه كلام مجتزأ من سياقه؟ وماذا عن أصول الدولة اللبنانية وأملاكها وكذلك أصول مصرف لبنان والمصارف؟ 

وهل يدخل كلام الشامي ضمن إطار الضغط على اللبنانيين وتخييرهم بين الإفلاس الكامل وبين تأييد خطة التعافي الحكومي التي تتضمن بنودا قاسية؟

نفي وتأكيد

بعد ساعات قليلة على كلام نائب رئيس الحكومة، أصدر محافظ المصرف المركزي رياض سلامة بيانا قال فيه إن ما يجرى تداوله عن إفلاس البنك غير صحيح. 

وقال سلامة في بيانه: "بالرغم من الخسائر التي أصابت القطاع المالي، والتي هي قيد المعالجة في خطة التعافي التي يجرى إعدادها حاليا من قبل الحكومة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، لا يزال مصرف لبنان يمارس دوره الموكل إليه بموجب المادة 70 من قانون النقد والتسليف وسيستمر بذلك".

وفي حين لم يصدر أي بيان رسمي من رئاستي الحكومة والجمهورية، استغرب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مستهل جلسة حكومية الضجة التي رافقت كلام نائبه المقصود به السيولة المالية وليس الملاءة (القدرة على السداد). 

واعتبر ذلك مقصودا "بهدف بث الذعر وتيئيس اللبنانيين أكثر فأكثر"، لأن "أساس المشكلة بدأ يوم تخلّف لبنان عن دفع السندات المستحقة، فيما نحن في ورشة عمل مستمرة بهدف البحث في كيفية دفع الالتزامات الداخلية والخارجية". 

وأكد ميقاتي أن "لبنان يملك الكثير من الإمكانات والطاقات والقدرات التي تشكل حوافز وعوامل أساسية في النهوض من جديد، وهي تتطلب فقط أن نتعاون جميعا لإقرار ما يجب إقراره من خطوات وإصلاحات لدفع الأمور قدما إلى الأمام".

ومن جانب آخر، أكد مصدر حكومي لبناني في تصريح لقناة "سي إن إن" الأميركية أن "تصريحات نائب رئيس الحكومة تأتي من وحي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي يتولاها، والتي بموجبها يطلب لبنان مساعدة الصندوق للمساعدة على الإيفاء بالتزاماته، وبالتالي فإن هذا التصريح ليس إعلانا رسميا عن إفلاس البلد". 

وأضاف أن "أي موقف لبناني بهذا الشأن يعرض أولا على مجلس الوزراء، ويعلنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يمثل الحكومة وينطق باسمها، أما تصريحات الشامي فلا تحمل أي صفة رسمية ولا تعبّر عن رأي الحكومة". 

بدوره قال سعادة الشامي في تصريح لصحيفة "النهار" المحلية إن حديثه اقتطع من سياقه حين كان يجيب عن سؤال حول مساهمة الدولة ومصرف لبنان في تحمل الخسائر، فاعتبر أن في إمكانهما تحمل جزء، لكن وضعهما الصعب لا يسمح بتحمل الكثير لردم الهوة.

وأكد الشامي أنه ليس "المرجع الصالح المخوّل إعلان إفلاس الدولة من عدمه" نافيا بشكل قاطع أن يكون تصريحه "تمهيدا لإعلان إفلاس رسمي من قبل المرجعيات المعنية". 

وأعاد الشامي ما قاله في مقابلته التلفزيونية بأنه "سيجرى توزيع الخسائر على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، ولا توجد نسبة مئوية محددة، ونريد أن نخرج بنتيجة، والخسارة وقعت بسبب سياسات طبقت منذ عقود، ولو لم نفعل شيئا ستكون الخسارة أكبر بكثير". 

وأضاف بأن "هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن أن نعيش في حالة إنكار، ولا يمكن أن نفتح السحوبات المصرفية لكل الناس".

مشكلة سيولة

وفي هذا السياق يشدد الخبير الاقتصادي لويس حبيقة على وجود فارق بين الإفلاس والضعف في السيولة، أي بين أن يكون لبنان في وضع (Bankrupt) إفلاسي أو (Insolvent) بلا سيولة نقدية. 

ويقول حبيقة في حديث لـ"الاستقلال" أن "لبنان يمتلك عقارات وأملاكا وشركات لكن ليس لديه سيولة نقدية لتسديد مدفوعاته، وبالتالي فهو غير مفلس".

وأردف أن هذه الأصول والأملاك ينبغي بيعها أو استثمارها بشكل أو بآخر من أجل الحصول على سيولة نقدية لتسديد الالتزامات، لكن بالتأكيد لا يمكن اعتبار لبنان مفلسا.

ويضيف حبيقة أن "مشكلة لبنان أنه يعاني من شح في السيولة بالعملات الأجنبية منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في أكتوبر/تشرين الأول 2019".

لكن القطاع العام يمتلك أصولا ضخمة بينها أراض وعقارات تبلغ مساحاتها ملايين الأمتار المربعة، ومبان وشركات ومؤسسات في مختلف المناطق اللبنانية، كما قال. 

وبالتالي فالدولة غنية ولا يمكنها أن تقول إنها مفلسة، كما أنه لا يمكن التذرع بشح السيولة للسطو على مدخرات اللبنانيين وجنى عمرهم الذين أودعوه في المصارف، وفق تقديره.

ويلفت حبيقة الى أن الأمر ذاته ينطبق على مصرف لبنان الذي "لديه كمية من العقارات والأصول والشركات في الداخل والخارج وبعضها أسعارها مرتفعة جدا، ما يجعل منه مصرفا غنيا منها.

ومما يذكر في هذا الشأن على سبيل المثال شركة طيران الشرق الأوسط (رسمية) وبنك انترا، وكازينو لبنان. 

وكذلك تمتلك المصارف اللبنانية أصولا وأملاكا وشركات واستثمارات داخلية وخارجية، فضلا عن أن اصحاب المصارف ومالكي الأسهم يعدون من كبار الأغنياء في لبنان، وحتى على المستوى العالمي".

ويؤكد حبيقة أنه "يجب على الدولة والمسؤولين أن يتحملوا وزر فشلهم في إدارة شؤون البلاد، ومسؤوليتهم عن الوضع الذي وصل إليه لبنان، وعليهم إيجاد الحلول بعيدا عن تحميل أعبائها للمواطنين".

"غير مفلسة"

في حديث لموقع "الحرة" في 5 أبريل 2022، يقول الخبير الاقتصادي جاسم عجّاقة إن الحديث عن إفلاس الدولة لا يعكس الواقع. 

ويجزم عجاقة أن الدولة غير مفلسة مبيّنا أن هناك نظرتين للموضوع: الأولى نظرة الأسواق المالية، والثانية النظرة الاقتصادية.

"فيما يتعلق بنظرة الأسواق المالية يجب أن يتوفر واحد من ثلاثة عوامل كي تعتبر الدولة مفلسة وهي أن يصبح حجم أصولها أقل بكثير من حجم ديونها، أو عندما تتوقف إراديا عن دفع ديونها، وهي حالة لبنان عندما امتنع عن دفع سندات "اليوروبوند"، أو عندما تضطر الدولة إلى التوقف عن تسديد سندات الخزينة".

أما من ناحية اللغة الاقتصادية، فيؤكد عجاقة أنه "لا يمكن لأي دولة أن تفلس لأن لديها ضرائب سيادية لمدى الحياة لا تُباع ولا تُجيّر". 

من جهة أخرى، ذكر الصحفي علي زين الدين، أن ممثلي الهيئات الاقتصادية (المؤسسات والشركات الخاصة) أبلغوا بعثة صندوق النقد الدولي الاعتراض على ما يطرح في الخطة الحكومية المعروضة لإبراء ذمة الدولة وتكبيد المودعين والمصارف فاتورة ردم الفجوة المالية بأكملها، محولة بذلك دين الدولة إلى خسائر فادحة يتكبدها المجتمع والاقتصاد اللبنانيان. 

وقال في مقالة بصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 5 أبريل 2022، نقلا عن مصادر خاصة: "الهيئات الاقتصادية شددت على ضرورة الانطلاق في برنامج التعافي من اعتماد معطيات واقعية وعلمية ورؤية اقتصادية شاملة وعادلة ومستدامة تقوم على أن مسؤولية الانهيار المالي وباعتراف الجميع تقع على الدولة، والمصرف المركزي".

كما يشير الى أن الهيئات الاقتصادية أعادت المطالبة بضرورة أن تعترف الدولة كشخصية معنوية بمسؤولياتها الأساسية والأكيدة في تكوين الفجوة المالية الكبيرة، وإعادة تأكيد التزامها بتقديم المساهمة المالية الأكبر في ردمها.

وذلك من خلال إنشاء صندوق سيادي يستثمر لهذه الغاية على اعتبار أن هذا هو السبيل الوحيد لاستعادة الثقة بلبنان، ولتفادي توجيه ضربة قاضية إلى المودعين والنظام المصرفي والاقتصاد الوطني على السواء.

بدوره يقول الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية منير يونس، في مقالة بموقع "180 بويت" 6 أبريل 2022، إن الدولة تملك استثمارات ممكنة حتى 100 مليار دولار، فضلا عن (احتياطي ذهب) بنحو 20 مليار دولار، والأهم من ذلك أنها تملك القلم. 

ويفصّل يونس المقصود بالقلم بأنه "قلم التوقيع على طرح مزادات وتراخيص وامتيازات تدرّ عشرات المليارات من الدولارت في قطاعات النفط والغاز والكهرباء والماء والاتصالات والمرافق السياحية والمناطق الصناعية وغيرها من القطاعات الخدمية والإنتاجية، إذا أرادت الدولة ذلك وأدارته بحوكمة رشيدة وشفافية مطلقة". 

وأكد أن المشكلة تكمن في كيفية إدارة الدولة التي يريد المسؤولون لها أن تفلس كل حسب غايته من الإفلاس. فلبنان ليس مفلسا إنما منظومته الحاكمة في قعر الإفلاس الإخلاقي، وفق تعبيره. 

وعدد يونس الثقوب المالية السوداء في الوزارات والإدارات العامة المختلفة، والتي أهدرت فيها عشرات المليارات من الدولارات، ليخلص إلى أن المنظومة الحاكمة طريقتها في إدارة البلاد واضحة: خصخصة الخسائر وتأميم الأرباح.