مفيد فوزي.. "دمية إعلامية" لنظام مبارك يكره ثورة يناير ويخدم السيسي

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع تردي الأوضاع السياسية والحقوقية المصرية عقب الانقلاب العسكري عام 2013، ارتبطت السلطة بطريقة مركزية ومهيمنة على وسائل الإعلام وأقطابها من كبار الإعلاميين. 

ذلك الواقع الذي يؤطر تماما لـ"نظرية السلطة" في الإعلام التي انتشرت خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر في الدول التي مورس فيها حكم سلطوي، ويعد الفيلسوف السياسي الإيطالي نيكولو مكيافيلي من المراجع الأساسية لها.

وتقوم النظرية على فكرة أن عدم قدرة الشعب على التحكم في الوسائل الإعلامية، لذلك فهي ملك للسلطة الحاكمة في الدولة.

وهناك من يربط منهج الإعلامي المصري الشهير مفيد فوزي، مع هذه النظيرة السلطوية، خاصة وهو من أشد الداعين إلى إخضاع كل شيء لأمن الدولة، وصرح أن الرقابة الصارمة على نشر المعلومات في المجتمع لها ما يسوغها، ما دامت في خدمة السلطة. 

وفي نفس الاتجاه، يواصل فوزي الانجراف نحو الإفلاس الفكري، فبالتوازي مع موجة تضخم الأسعار الحالية التي يئن من ويلاتها المصريون، خرج مفيد فوزي في 16 مارس/ آذار 2022، ليتحدث عن "قلب" رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، قائلا إنه "كبير يسع مصر بأكملها"!

وتسببت تصريحات فوزي خلال حديث مع الإعلامي التابع للنظام تامر أمين، في حالة جدل واستنكار، فبدلا من انحيازه للفقراء والمشاكل الشعبية، إذا به كالمعتاد ينحاز إلى السلطة ويبرر لها، وهو ما عاش عليه خلال مسيرته الطويلة. 

فوزي في سطور 

ولد مفيد فوزي في 19 يونيو/ حزيران 1939، في محافظة بني سويف بصعيد مصر، لأسرة مسيحية الديانة، فوالده فوزي سعد كان موظفا بوزارة الصحة المصرية، ووالدته مريم فرج كانت ربة منزل. 

في عام 1959 تخرج في كلية الآداب، جامعة القاهرة قسم اللغة الإنجليزية، وقبل تخرجه بعامين بدأت مسيرته الصحفية حين تدرب بجريدة "روزاليوسف"، ثم عمل محررا مبتدئا في مجلة صباح الخير، وهي المجلة التي سيرأس تحريرها لاحقا مدة 8 سنوات متتالية.

فتحت له علاقته الخاصة بالكاتب الصحفي الشهير أحمد بهاء الدين (ترأس تحرير مجلات صباح الخير، والأهرام، ودار الهلال) آفاق العمل والكتابة، وأجرى حوارات متنوعة مع أهم الشخصيات السياسية والأدبية والفنية على مستوى العالم العربي خلال مسيرته المهنية. 

وكان فوزي أول من قدم فكرة "تلفزة الصحافة" أو "تصحيف التليفزيون"، حيث ينتقل الصحفي من مجال الكتابة فقط إلى التقديم وإجراء الحوارات والمناقشات المرئية، والذي سار على دربه فيما بعد العديد من برامج الصحافة التلفزيونية، على شاشة التليفزيون المصري.

الصداقة القوية التي ربطت فوزي بالفنان المصري الراحل عبدالحليم حافظ، هي التي فتحت له أبواب الشهرة الواسعة، حيث اختصه بحوارات وتصريحات متفردة، ساهمت في وجوده على الساحة بشكل مستمر. 

وبالفعل بعد ذلك أجرى فوزي حوارات غير مسبوقة، خاصة بين سدنة السياسة وأهل القمة في المجتمع المصري، لا سيما أصحاب القرار، وفي مقدمتهم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك 4 مرات.

كما حاور كثيرا من وزراء الداخلية مثل، حسن أبو باشا، وأحمد رشدي، وزكي بدر، وكذلك حسن الألفي، وصولا إلى حبيب العادلي، آخر وزير داخلية قبل اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

كذلك أجرى فوزي حوارات مع العديد من رؤساء الوزارات في مصر، مثل عاطف عبيد، كمال حسن علي، علي لطفي ، كمال الجنزوري ، وأحمد نظيف.

عدو الثورة 

ومع ذلك لا يمكن إغفال أن ارتباط مفيد فوزي بالنظام ساعده كثيرا في الارتقاء داخل هرم العمل الإعلامي، حيث اقترن اسم فوزي ببرنامج "حديث المدينة" الذي بدأه في 13 مارس/ آذار 1998، بترشيح خاص من صفوت الشريف وزير الإعلام آنذاك، وأحد أبرز الوجوه السوداء لنظام مبارك.

وكانت فكرة البرنامج مواكبة لبرنامج مماثل ناجح في لندن بعنوان "Talk of the town"، وأصبح برنامج "حديث المدينة" من أوائل البرامج التي خرجت فيها كاميرات التليفزيون إلى الشارع المصري، واشتهر فوزي فيه بحواراته المختلفة وأسلوبه الخاص. 

السلطة والنفوذ لم يفارقا فوزي أبدا حتى في أحلك اللحظات، فحينما قامت ثورة 25 يناير، وتهاوى حكم مبارك بعد 30 سنة، أثر الأمر سلبيا في المحاور الذي سار في ركاب السلطة دائما، لذا أخذ على عاتقه محاربة الثورة والثوار. 

وفي 16 سبتمبر/ أيلول 2015، خلال لقائه ببرنامج "البيت بيتك"، قال فوزي إن ثورة 25 يناير أخرجت أسوأ ما في الشعب المصري من عاهات نفسية"، مشيرا إلى "أن مصر شهدت عقب الثورة حالة من البلطجة، من بعض الأشخاص كانوا غير قادرين على الظهور في الشارع، في عهد حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق".

ويُذكر أن العادلي أحد أسوأ وزراء الداخلية في التاريخ المصري الحديث، بحسب تقارير منظمات حقوقية أهمها "هيومن رايتس ووتش"، ومنظمة العفو الدولية "أمنستي"، واشتهر عهده بالتعذيب المروع للمعارضين. 

وفي 6 يونيو/ حزيران 2016، أعلن في برنامج "بصراحة" على إذاعة "نجوم إف إم" أن "المجتمع المصري تدنى إلى أسوأ السلوكيات، فثورة 25 يناير أخرجت أسوأ ما فينا". 

وأردف "لا أحد يستطيع تحليل ما حدث للمصريين بعد ثورة يناير من تدنٍّ للسلوكيات للأخلاق، فكان في زمن مبارك، الناس تسهر الليل وكان الواحد (الفرد) مبيخفش على ولاده، وكان الناس تعامل بعضهم بذوق ولطف وحب".

ذهب فوزي إلى أبعد من ذلك حينما استنكر للثورة المصرية كلية، في 11 يناير 2018، في لقاء على فضائية "العاصمة"، التابعة للمخابرات، إذ قال إن الثورة "كانت ضمن محاولات لكسر جهاز الشرطة بعد 25 يناير".

وأشار إلى "أنه يحترم الدستور الذي ذكر أن 25 يناير ثورة"، ولكنه استدرك مستنكرا "مين قال إنها ثورة"، مؤكدا "ستظل ثورة 30 يونيو هي أشهر ثورة في مصر"، التي تبعها انقلاب السيسي على السلطة الشرعية المنتخبة بالبلاد.

لاعق الأرض 

تسببت تصريحات وصفت بالمتطرفة في دعم النظام المصري، من قبل مفيد فوزي في جدل عارم، حينما أعلن في 9 مارس 2018، أنه على استعداد كامل لـ"لحس" الأرض تحت حذاء السيسي وبلع الزلط من أجله، وحتى لا يعود الإخوان إلى الحكم". 

وجاءت الوصمة الأكبر في مسيرة فوزي العريضة، في 6 يناير 2018، عندما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تسريبا صحفيا أنجزه الصحفي "ديفيد كيركباتريك".

تضمن توجيهات من ضابط مخابرات مصري يدعى النقيب "أشرف الخولي" إلى مجموعة من الإعلاميين والفنانين المصريين للترويج الضمني عن قبول الدولة المصرية لقرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن القدس، والقبول برام الله بدل القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.

ومن أبرز المتورطين في ذلك التسريب، مفيد فوزي، إضافة إلى زميليه عزمي مجاهد، وسعيد حساسين، والفنانة يسرا.

المحتوى الذي أحدث جدلية واسعة، جاء معبرا عن تجربة الإعلام المصري النظامي، والأذرع الإعلامية للسلطة العاملة تحت مظلتها.

وتضمنت التسريبات التي كان فوزي أحد أقطابها المتورطين، معاملات بين جهاز المخابرات الحربية وعدد آخر من الإعلاميين والفنانين على غرار جابر القرموطي وخالد صلاح، والفنانة عفاف شعيب، وكذلك محادثة بين النقيب أشرف ووليد حسني رئيس قناة العاصمة الذي كان برفقة ضابط يدعى إمام من جهاز الأمن الوطني.

وكشفت تلك التسريبات كيفية إدارة أجهزة المخابرات للأذرع الإعلامية للنظام، وأنها تمثل المتلقي للإرادة السياسية للنظام فتبثها إلى الشعب، وحقيقة أن القنوات الخاصة في مصر أصبحت لسان السلطة، وماسبيرو "مبنى التلفزيون الحكومي" ما هو إلا هيكل قديم عجز النظام عن إصلاحه وتطويره.

حارب الشعراوي

في 1 ديسمبر/ كانون الأول 2016، أثار مفيد فوزي استياء الشعب المصري، عندما شن حملة هجوم على الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، الذي يمتلك شعبية جارفة بين جموع المصريين، وفي مختلف أقطار العالم الإسلامي. 

ورغم أن الشيخ رحل قبل سنوات طويلة، وتحديدا في 17 يونيو 1998، لكنه لم يسلم من لسان فوزي الذي قال إن "الشعراوي حرث الأرض ومهدها للتطرف، وهو وراء حجاب الكثير من الفنانات، واعتبرت ذلك مسألة شخصية، ولم أشأ اللغوصة والدخول فيها، رغم أنه لم يكن قرارا شخصيا إلا بالنسبة لهن، لأنه كان هناك جزء كبير من التحريض".

وأردف: "كنت أشعر بأن الإجادة اللغوية لدى الشعراوي، وسحر اللغة لديه؛ أكبر من التفسير".

ذلك الحديث تسبب في موجة هجوم قوية على فوزي، من سياسيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، فسرعان ما تصدر هاشتاغ "الحشرة مفيد فوزي" المركز الأول في قائمة أعلى الوسوم تداولا خلال ذلك اليوم في مصر. 

بعدها تقدم المحامي المصري عمرو عبدالسلام ببلاغ ضد مفيد فوزي، على خلفية تطاوله على الشيخ الشعراوي، واتهمه فيه بازدراء الأديان.

وقال عبدالسلام في مستهل دعوته: "ذكرت في البلاغ أن تصريحات المشكو في حقه تجاه العالم الجليل الشيخ الإمام محمد متولي الشعراوي رحمه الله، تحمل اتهامات صريحة له وللسواد الأعظم من المسلمين الذين تلقوا العلم عنه، وتتلمذوا على يديه، بالإرهاب والتطرف، وزرع الفتنة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد". 

فيما شن المحامي الإسلامي الشهير منتصر الزيات، هجوما شديدا على فوزي، ووصفه بـ"الصعلوك".

ودون عبر صفحته على "فيسبوك": "تحدث هذا الشيء المسمى مفيد فوزي، بغباوته وعدم تقديره لموقع كلماته، تحركه دوافعه الخبيثة، لتطول أهم رمز مصري في القرن العشرين، هو العلامة محمد متولي الشعراوي".

وأضاف: "يتكلم الرويبضة في أزمنة القهر والاستبداد وأحاديي الرأي، فما جرؤ على مقارعة العملاق الشعراوي، وهو يتصدر المشهد على مدى 50 عاما على الأقل.. ملأ فيها الدنيا علوما وفنونا وآدابا".