أبواب بيلاروسيا لن تغلق.. هكذا مهدت أزمة أوكرانيا الطريق لروسيا نحو دول البلطيق

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكد معهد الأعمال الدولية الإيطالي أنه من أخطر تداعيات الأزمة الأوكرانية ترسيخ التعاون القائم بين روسيا وجارتها الغربية بيلاروسيا المتاخمة لدول البلطيق الثلاث (إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا).

وأوضح المعهد أنه منذ بداية الأزمة بدأت بيلاروسيا تميل تدريجيا تجاه روسيا، وتعمقت العلاقات بينهما مع فتح مينسك أبوابها للجيش الروسي لإجراء مناورات عسكرية مشتركة على أراضيها التي تتشارك حدودا واسعة مع أوكرانيا.

تمدد الأزمة

وذكر المعهد الإيطالي أن الوضع أخذ صورة أكثر خطورة مع إعلان أن المناورات العسكرية الروسية البيلاروسية المشتركة التي بدأت في 10 فبراير/ شباط 2022، سيتم تمديدها إلى ما بعد 20 من الشهر ذاته.

وأضاف أن هناك أيضا دلائل على أن جزءا من القوات العسكرية الروسية ستظل متمركزة في بيلاروسيا، وبالتالي على الحدود مع بولندا ودول البلطيق، وهي دول كانت ضمن حدود الاتحاد السوفييتي سابقا، وأصبحت حاليا أعضاء في حلف شمال الأطلسي "ناتو".

كما تعزز الجانب الاقتصادي وربما السياسي بين روسيا وبيلاروسيا خلال هذه الأزمة، على إثر توقيع اتفاقيات جديدة في العديد من القطاعات، من الجمارك إلى القطاعات الاقتصادية والصناعية، إلى الطاقة والمجال العسكري.

وبالاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فتحت مينسك بشكل نهائي صفحة أخرى نحو التقرب أكثر من موسكو، وفق المعهد.

وفي انتظار المزيد من التطورات، ستكون التغييرات التي ستجلبها الأزمة الأوكرانية للأمن الأوروبي وللأصول الجيوسياسية لأوروبا الشرقية حاسمة وهامة.

ويجب ألا تفهم أوروبا آثار الأزمة على مصالحها المباشرة فحسب، بل يجب أن تستعد للانعكاسات على النظام الدولي بأكمله وعلى العلاقات الأميركية الأوروبية بشكل خاص.

وأشار المعهد إلى أن أخطر منعطف للأزمة الأوكرانية بين 10 و 20 فبراير 2022 لم يسفر عن بدأ الغزو الروسي المعلن أو اندلاع الصراع  الذي يخشاه عديد الأطراف، على الرغم من أن عدد الانتهاكات التي سجلتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على طول خط وقف إطلاق النار قد تضاعف بمقدار خمسة أضعاف.

لكن في الوقت نفسه، لم تسجل أيضا علامات على خفض التصعيد مما يؤكد حقيقة أن النوايا الروسية ليست عابرة.

والمطالب التي طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عميقة وهيكلية، ويسعى لتحقيقها عبر الحرب الأهلية الأوكرانية الجارية لكن جذورها ترتبط بطريقة تفكك الاتحاد السوفييتي والضمانات التي تم تقديمها لموسكو في وقت إعادة توحيد ألمانيا.

معضلة كبيرة

ولفت المعهد إلى أن المعضلة على المستوى الدبلوماسي تكمن في عدم تفاوض الأطراف الرئيسة بشكل كاف، ويتعلق الأمر بموسكو وواشنطن على المستوى العالمي، وكييف والجمهوريتين الانفصاليتين على المستوى الداخلي.

ونتيجة لذلك، رأى أنه بالإضافة إلى تصميم بوتين حتى الآن على التهديد باستخدام القوة في مقابل إستراتيجية واشنطن الحازمة بتبني نهج عدم الرد العسكري، من الصعب في الوقت الحالي إيجاد مخرج للأزمة التي  تخاطر بالانفجار أو الاستقرار في شكل صراع مجمد كبير.

ولفت إلى إمكانية إعلان روسيا ضم الجمهوريتين الانفصاليتين دونيتسك ولوهانسك اللتين تضمان حوالي مليوني نسمة في دونباس، وتطالب بمجموعة أوسع من الأراضي خارج خط وقف إطلاق النار الحالي.

وعلى إثر هذا الضم يمكن أن يستقر الصراع أو ينتشر إلى أجزاء أخرى من أوكرانيا، وهذا سيعتمد إلى حد كبير على رد فعل كييف.

ومن الواضح أن واشنطن أخذت في الحسبان أيضا صراعا واسع النطاق مع غزو البلاد بأكملها، وهو ما يفسر نقل موظفي سفارة كييف إلى لفيف، على بعد عشرات من الكيلومترات من الحدود الأوكرانية .

وأحد الجوانب الأكثر غرابة لموقف الإدارة الأميركية يتعلق بالإقرار شبه اليقين بغزو أوكرانيا بينما هناك تصميم على عدم مواجهة احتلال محتمل للبلاد.

ويشرح المعهد بأن أميركا تنظر إلى أمن أوكرانيا بشكل أساسي على أنه مسألة تخص الأوكرانيين، وفي أفضل الأحوال مشكلة أمنية للأوروبيين.

ولا يبدو أن الأميركيين مستعدون حتى للتفاوض مع الروس وتقديم تنازلات لهم لتجنب الغزو، كما أنهم يحتفظون بالحق فقط في تقرير حجم القوة الاقتصادية التي سيردون بها في حال غزو محتمل.

مفارقة أمنية

وأوضح المعهد أن ثمة مفارقة تكمن في أن التهديد باستخدام القوة الروسية موجه ضد أوروبا، لكن المحاور الذي توجه إليه موسكو إنذارها لإعادة التفاوض على الوضع الأمني ​​في أوروبا هو الولايات المتحدة.

واعتبر أن هذا الوضع الإستراتيجي المتناقض إلى حد ما يضع موسكو في صعوبة من جهة، ولكنه يزيد من فرضيات الصراع من جهة أخرى.

في غضون ذلك، ألمح المعهد إلى أن أوروبا تنتظر العقوبات، لكن يبقى فقط فهم كيفية فرضها وما إذا كانت ستشمل عدة قطاعات، ومدى تفعيل أقصى إمكانات قوة العقوبات (ضرب قطاعي الطاقة والمالية في المقام الأول).

 أو إذا كان سيتم فرضها بدلا من ذلك تدريجيا، بدءا بالأشخاص والأوليغارشية والمسؤولين الحكوميين ثم ضرب قطاعات مختلفة من الاقتصاد الروسي.

وجزم المعهد بأنه "لن يكون لدى أوروبا، التي ستدفع أعلى ثمن للعقوبات الأميركية والعقوبات الروسية المضادة، احتمالات كثيرة للمناورة بخلاف تفضيل الوساطة بين واشنطن وموسكو".

ورجح أنه في غياب نهج صارم من واشنطن الذي من شأنه أن يحد من مساحة موسكو للمناورة ويزيد من تكاليفها، لن تكون الوساطة سهلة على الإطلاق.

وبين أنه يقصد من العقوبات في هذه الحالة أن تكون أداة للانتقام بعد الغزو، وبالتالي لن يكون السهل استخدامها بالاقتران مع العمل الدبلوماسي.

وتوقع أن العقوبات الجزئية لن تؤدي بأي حال من الأحوال إلى تأثير رادع على الجيش الروسي والذي يمكن أيضا أن يظل نشطا لعدة أشهر.