معارك حقيقية.. صحيفة أميركية: صناديق القمامة ملاذ فقراء لبنان من أجل البقاء

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة سانتا ماريا تايمز الأميركية أن القمامة أصبحت ملاذ الفقراء في لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد.

وفي شوارع بيروت المظلمة الآن غالبا بدون كهرباء، أحيانا يكون الضوء الوحيد الذي يلمع هو المصابيح الأمامية التي يرتديها الباحثون في القمامة عن الخردة لبيعها.

حتى القمامة أصبحت سلعة يجري التنازع عليها في لبنان، الغارق في واحدة من أسوأ الأزمات المالية في العالم في التاريخ الحديث.

صراع القمامة

ومع تزايد أعدادهم بين الفقراء المدقعين، يلون البعض علب القمامة بالكتابات على الجدران لتمييز أراضيهم وضرب أولئك الذين يتعدون عليها، وفق الصحيفة. 

في الوقت نفسه، حتى العائلات الميسورة لجأت إلى بيع المواد القابلة لإعادة التدوير الخاصة بها لأنه يمكن أن تحصل على مقابلها بالدولار الأميركي بدلا من عملة الدولة المنهارة. وجعل هذا الوضع الفقراء أكثر فقرا وخوفا على مستقبلهم.

في هذا السياق تقول هدى وهي أم لبنانية تبلغ من العمر 57 عاما تحولت إلى القمامة: "هناك الكثير من الفقراء مثلي.. لكن الناس لا يعرفون ذلك. إنهم يعرفون ما يرونه، لا ما هو مخفي".

ويظهر الكفاح من أجل القمامة الانحدار السريع للحياة في بيروت التي اشتهرت ذات يوم بروحها الريادية والقطاع المصرفي الحر والحياة الليلية النابضة. 

وبعد الحرب الأهلية التي تسببت في الفوضى، كانت الكارثة على مدى العامين الماضيين ناجمة عن فساد وسوء إدارة النخبة المتكلسة التي حكمت لبنان منذ نهاية الصراع بين 1975 و1990.

وبسبب ذلك وقع أكثر من نصف السكان في براثن الفقر، وانخفضت الليرة اللبنانية. وتعمقت الأزمة بعد أن حدت البنوك بشكل كبير من عمليات السحب والتحويلات. 

وأدى التضخم المفرط إلى جعل السلع اليومية إما باهظة الثمن أو غير متوفرة، مما أجبر أولئك الذين يعودون من الخارج على ملء حقائبهم بكل شيء من أغذية الأطفال إلى أدوية القلب.

وكانت القمامة مشكلة حتى قبل الأزمة مع احتجاجات كبيرة في السنوات الماضية ضد الإهمال الرسمي الذي سمح أحيانا بتراكمها في الشوارع.

أما الآن، فيتجول المراهقون الذين يحملون أكياسا بلاستيكية عملاقة في الشوارع باحثين في صناديق القمامة عن الخردة التي يمكنهم بيعها.

كانت هذه التجارة في السابق مجالا للسوريين الذين فروا من الحرب الأهلية الطاحنة في بلادهم.

وقال أحد السوريين الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام "في الوقت الحاضر، نذهب إلى مكب النفايات حيث نبيع ما نجمعه، فقط لنجد اللبنانيين يخرجون من سياراتهم لبيع موادهم القابلة لإعادة التدوير". 

وأضاف "بدأ موظفو المطاعم وبوابو المباني أيضا في فرز القمامة لبيعها قبل التخلص من الباقي".

أما هدى التي أعطت اسمها الأول فقط خوفا من المتاعب مع السلطات، فقد تحولت إلى البحث عن القمامة لإعالة بناتها الست اللائي تتراوح أعمارهن بين 9 و22 عاما، واثنين من أحفادها.

قصص حية

وكانت هدى تبيع الخضار على عربة لكن الشرطة صادرت بضاعتها في ست مرات مختلفة.  كما باعت صناديق المناديل الورقية، لكن انهيار العملة جعلها غير قادرة على تحمل هذه المهنة. ومن ثم طلب منها ابنها محمد أن تنضم إليه في البحث عن القمامة. 

وتذهب هدى إلى مكانها في حي الحمرا الراقي نسبيا في بيروت يوميا وتعمل أحيانا حتى الساعة الثانية صباحا في جمع البلاستيك والعلب وأي شيء آخر تعتقد أنه يمكنها بيعه أو استخدامه.

ومرة واحدة في الأسبوع، يأخذ محمد كل ما يجمعونه لبيعه للتجار المتخصصين في التجارة. 

ويباع كيلوغرام واحد (2.2 رطل) من الأكياس البلاستيكية بـ20 سنتا، والبلاستيك الآخر  بـ30 سنتا، في حين أن سعر كل كيلوغرام من الألمنيوم يبلغ دولارا واحدا. 

وعلى الرغم من أن هذا السعر قليل، فإن انهيار الليرة اللبنانية يعني أن دولارا واحدا يمكن أن يعني أبعد من ذلك بكثير.

ويجعل هذا الوصول إلى الدولارات النبش أكثر خطورة الآن. وقال محمد إنه تعرض للضرب مرة بسبب عبوره إلى منطقة تابعة لشخص آخر وجمع القمامة من حاوية ملحوظة.

وقال محمد: "عندما بدأت الدولارات في الارتفاع، لم يكن الناس قادرين على تناول الطعام وبدأوا في جمع القمامة، وبدأ كل منهم في الحصول على سلة المهملات الخاصة به". 

وأضاف "إذا كان أحدهم يقف بجانب سلة المهملات ويأتي شخص آخر، ستندلع معركة".

وتابع "أحد الأسباب التي دفعتني إلى مطالبة والدتي بالانضمام إلي في هذا العمل هو الأمل في ألا يضربوني عندما يجدونها معي".

ويتجول البلطجية في الشوارع على دراجات نارية يستهدفون أحيانا جامعي القمامة في نهاية اليوم لسرقة المواد القابلة لإعادة التدوير التي جمعوها.

وأبدى محمد استعداده "لقتل شخص بسبب كيس بلاستيكي". والمواد القابلة لإعادة التدوير ليست العناصر الوحيدة التي تلتقطها هدى. 

وفي غرفتها المظلمة بلا نوافذ ولا كهرباء، تحتفظ بالبضائع التي تتراكم على الأرض مثل دلو من الطلاء الأبيض ربما تستخدمه في غرفتها، أو مصباح كهربائي تأمل في استخدامه إذا حصلت على الطاقة في أي وقت.

وتتذكر هدى وعيناها تغرق في الدماء أنه وفي أحد الأيام الأخيرة، كانت ابنتها البالغة من العمر 16 عاما تعاني من الإسهال وأن ابنها  الرضيع كان يريد حفاضات وحليبا لكنها لم تتمكن من توفيرها.

وأوضحت "حلمي الوحيد هو أن يكون لدي منزل لعائلتي، حيث أعيش مثل الأم، حيث أعيش كإنسان".

وقالت هدى ووجهها مبلل بالدموع "أنا دائما أضحك وأمزح مع الناس مع أن قلبي من الداخل أسود. لا أجعلهم يشعرون أنني مستاءة، أحتفظ بالأمر لنفسي".

وأغلى ما تملكه هدى هو خيمة تلقتها من المتظاهرين خلال احتجاجات 2019 في لبنان. وهي تأمل أن تتمكن من استخدامها في الاحتجاجات المستقبلية ضد حكام البلاد.

وختمت بالقول: "السياسيون الذين يحكموننا يستحقون أن يحرقوا، فهم سبب وجودنا هنا، يأكلون بملعقة من الذهب بينما نبحث عن قطعة خبز نأكلها من الأرض".