محاولات إقصاء.. هل يمهد الصدر لمحاسبة المالكي على سنوات حكمه في العراق؟ 

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

على أشده، ظهر العداء المستحكم بين زعيمي التيار الصدري مقتدى الصدر، وائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، الخصمين اللدودين في البيت الشيعي العراقي، بعدما أسندت إلى الصدريين مهمة تشكيل الحكومة كونهم حققوا أعلى المقاعد في الانتخابات البرلمانية.

ويحاول الصدر الذي فاز تياره بـ73 مقعدا في البرلمان، إقصاء رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي حصل ائتلافه على 33 مقعدا، من أي تشكيلة حكومية مقبلة.

ويأتي هذا رغم ضغوطات مارستها إيران وقوى "الإطار التنسيقي" الشيعي الذي يعد المالكي أحد أبرز أركانه.

إصرار الصدر على عزل المالكي من الحكومة المقبلة، أثار تساؤلات عن مدى تمكن الأول من إبعاد أبرز حلفاء إيران، وهل يمهد ذلك لمحاسبته على سقوط ثلث العراق بيد تنظيم الدولة عام 2014، وضياع نحو 600 مليار دولار نتيجة للفساد إبان فترة حكمه (2006- 2014)؟

فيتو الصدر

بحسب ما رشح من تسريبات تناقلتها وسائل إعلام عراقية، في 17 يناير/ كانون الثاني 2022، فإن الصدر يصر على إبعاد نوري المالكي عن الحكومة المقبلة، أو أي تحالف سياسي معه، ولن يسمح له بالحصول على منصب نائب رئيس الجمهورية حال تفعيله هذه الدورة.

وذكرت التقارير الصحفية المحلية نقلا عن مصادر سياسية لم تكشف عن هويتها إنه "إذا أصر الصدر على إبعاد المالكي، فإن قوى الإطار التنسيقي سترضخ للأمر، لكن قد يشارك نواب من دولة القانون في الحكومة، أو تناط بهم مسؤوليات معينة".

تعنت الصدر دفع بإيران إلى إرسال قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، لحل الخلاف الشيعي- الشيعي في العراق، وإقناع زعيم التيار الصدري بتشكيل "حكومة تسوية" وإنهاء الخلاف مع "الإطار التنسيقي" الذي يضم كل القوى والمليشيات الشيعية.

لكن قاآني أجرى لقاءات مع الصدر و"الإطار التنسيقي" يومي 16 و17 يناير، عاد منها بخفي حنين بعدما فشل في إقناعه بالتخفيف من شروطه، ولا سيما في إبعاد غريمه السياسي الأبرز نوري المالكي عن الحكومة المقبلة.

ونقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية عن مصدر بمكتب الصدر، قوله إن "قاآني جاء تحت عنوان إيجاد حل للخلافات الشيعية، وإعادة ترتيب البيت وفق المعادلات السياسية المعتمدة منذ 2003، لكن رئيس التيار الصدري رفض سيناريو تشكيل حكومة توافقية تعتمد العرف السياسي في توزيع المناصب والحقائب".

وأضاف المصدر أن "قاآني عجز أيضا عن تغيير موقف الصدر من بعض قيادات الإطار، وبالتحديد التخفيف من اشتراطاته لا سيما المتعلقة بإبعاد المالكي عن توليفة الحكومة الجديدة".

ولفت إلى أن الصدر، الذي وضع "فيتو المجرب لا يجرب" في وجه جميع رؤساء الحكومة السابقين خصوصا المالكي، لم يبد ممانعة من مشاركة نواب من ائتلاف "دولة القانون" وقوى أخرى بالحكومة.

وبين أنه "وسط تلك الأحداث وفشل قاآني في تحقيق ما جاء من أجله، قد يصار إلى عدم انعقاد الاجتماع المرتقب بين قوى الإطار مع الصدر".

تقلبات محتملة

وبخصوص مدى ثباته على موقفه، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، عمر العادل لـ"الاستقلال" إن "الصدر يظهر من خلال ما يجري تسريبه أنه عازم هذه المرة على إبعاد المالكي، وأنه لن يشركه في أي حكومة يشكلها التيار الصدري".

وأضاف الباحث، قائلا: "لكن بحكم الشخصية المتقلبة التي عرف بها زعيم التيار الصدري فإنه من الوارد أن يتراجع تحت ضغوط إيرانية، ففي عام 2010 رغم حدة الخلافات بين الاثنين، دخل الصدر بائتلاف مع المالكي ومنحة ولاية ثانية بضغط من إيران".

وأوضح العادل أن "الصدر والمالكي تحالفا عام 2010، خشية خروج منصب رئيس الوزراء من يد الشيعة، لأن القائمة "العراقية"، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، هي من فازت في الانتخابات بـ91 مقعدا مقابل 89 مقعدا للمالكي".

وأشار الباحث إلى أن "الخلافات بين الصدر والمالكي حقيقية، واشتدت عام 2008 حينما نفذ الأخير عمليات عسكرية أطلق عليها اسم (صولة الفرسان) في البصرة وجنوب العراق ضد مليشيا جيش المهدي التابعة للتيار الصدري، واعتقل منهم المئات".

لكن العادل استبعد أن "تفرط إيران بالمالكي وتجعله لقمة سائغة للصدر، حتى لو لم يشترك في حكومة الأغلبية الوطنية التي يعتزم التيار الصدري تشكيلها، مع القوى السنية والكردية الفائزة بالانتخابات الأخيرة".

من جهته، نقل تقرير صحفي 14 يناير/ كانون الثاني 2022 عن مدير "مركز العراق للدراسات الإستراتيجية"، غازي فيصل، قوله: إن "الخلاف بين مقتدى الصدر ونوري المالكي منهجي وعميق الجذور"، مشيرا إلى "وجود اختلاف بالمنهج النظري والسياسي بينهما".

ورأى فيصل أن "الصدر يعمل بذكاء، ونسج علاقات مع دول الخليج العربي وزعمائها، وموقفه ذكي وجريء بعكس حزب الدعوة، ولا يعتبر إيران عدوا له".

 إلا أنه "يرفض التبعية رغم أنه يزور طهران ويبني معها علاقات جيدة، بعكس خصمه"، مستبعدا "اجتماع المتضادين الصدر والمالكي".

وأوضح أن "الصدر لم ينس أبدا العملية العسكرية التي شنت ضد أنصاره عام 2008 (صولة الفرسان)"، مبينا أن "التيار الصدري، سواء في فترة حكومتي المالكي، وغيرهما، كان معارضا ينزل إلى الشارع، ويرفض السياسة الحكومية، وهو في ذلك لا يروق لحزب الدعوة الذي يتزعمه خصمه المذكور".

"المالكي مرعوب"

في الأثناء، قال الأكاديمي والمحلل السياسي، عقيل عباس، خلال تصريح نقله تقرير صحفي في 19 يناير 2022 إن "تسريبات تفيد بأن المالكي قد يغادر العراق ويعيش خارج البلد، لأنه حتى جزء كبير من كتلة ائتلاف دولة القانون التي يتزعمها الأخير، مستعد لاستبعاده، والدخول في كتلة الأغلبية مع التيار الصدري".

ولفت الأكاديمي العراقي إلى أن "الصدر يريد أن يفكك قوة المالكي، واستغرب ألا تفتح ملفات الفساد الكبيرة والكثيرة المتعلقة بحكومة الأخير الثانية تحديدا (2010-2014)".

وأردف: "أشك في حصول الإيرانيين على ضمانات لعدم مطاردة الصدر للمالكي، لكن العملية السياسية في العراق مليئة بالمفاجآت".

وأشار إلى أن "إيران تصالحت مع فكرة الأغلبية السياسية، ويحاول قاآني إقناع أطراف من قوى الإطار التنسيقي للذهاب إلى المعارضة، وإقناع المالكي بعدم الذهاب إلى الحكومة؛ لأن الصدر مصر على ذلك".

وأكد أن "المالكي قلق ومرعوب من تتبع الصدر له في قضايا فساد وقضايا أخرى كثيرة".

وأضاف عباس أن "الإطار التنسيقي كان لديه ترتيبات سابقة حتى قبل الانتخابات البرلمانية، ومنها أن يذهب زعيم تحالف الفتح هادي العامري مع التيار الصدري، وبعد الانتخابات عرض الصدر على زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، ورئيس تحالف النصر حيدر العبادي، الالتحاق به".

على الصعيد ذاته، قال الخبير العراقي بالشأن السياسي أحمد الحمداني، إن "الصراع الحالي بين الصدر والمالكي تحول من تنافس سياسي بين حزب الدعوة والتيار الصدري تحت عناوين مختلفة على اعتبار أنهما تكتلان فكريان وعقائديان رئيسان في الساحة العراقية، إلى عداء شخصي بين الرجلين".

وأوضح الحمداني، خلال تصريح له في 18 يناير 2022 أن "نجاح الصدر في إقصاء المالكي عن الواجهة في الحكومة العراقية المقبلة، يعني تراجع تأثير الأخير وحزبه (الدعوة)".

و"هو ما يخشاه حلفاء المالكي أيضا كونه إضعافا كاملا لجبهتهم، كما أنه يؤسس لتكرار ذلك مع قوى أخرى".

ونوه إلى أن "الصدريين يحملون خطابا واضحا وهجوميا منذ سنوات تجاه المالكي بسبب إخفاقات كبيرة منها الفساد المالي وهدر عشرات المليارات والتوتر الطائفي وصولا إلى سقوط مدن شمال وغرب العراق بيد تنظيم الدولة، لذا فإن مسألة عودة قبولهم للتحالف معه، تضر بخطاب ومصداقية الصدر أمام جمهوره".

خصمان لدودان

الخلافات بين المالكي والصدر تعود إلى العام 2008، عندما أطلق الأول بدعم أميركي وكان حينها رئيسا للحكومة، عملية عسكرية واسعة في البصرة ومحافظات جنوبية أخرى سميت "صولة الفرسان"، قتل واعتقل فيها المئات من الصدريين خلال مواجهات واسعة استمرت أسابيع عدة.

لكن عقب الانتخابات البرلمانية عام 2010، رفص الصدر بشدة تولي المالكي ولاية ثانية، إلا أن الضغوط الإيرانية التي مورست على زعيم التيار الصدري (الذي كان موجودا في إيران حينها) وعلى قوى سياسية أخرى، أدت إلى تمرير حكومة رئيس حزب الدعوة الثانية التي استمر خلالها الشد والجذب بينهما.

وعام 2011 عاد الصدر إلى منزله في منطقة الحنانة بالنجف جنوبي العراق، بعد أربع سنوات قضاها في إيران لدراسة العلوم الدينية، ليبدأ فصلا جديدا من الخلافات بعد مشاركة نواب من كتلة "الأحرار" الصدرية في حراك لاستجواب وإقالة المالكي عام 2012 بتهم فساد وسوء استخدام السلطة.

وفي عام 2014 بعد سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى بيد تنظيم الدولة، وجه الصدريون في البرلمان العراقي اتهامات للمالكي بالتسبب بسيطرة التنظيم على ثلث الأراضي العراقية، والتي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتهجير نحو 5 ملايين من مناطق سكناهم.

الصدر كان من أشد المؤيدين لتولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة التي تشكلت عام 2014، ما أثار غضب المالكي الذي كان يبحث عن ولاية ثالثة، فكانت هذه بداية إبعاد الأخير عن منصب رئيس الوزراء.

وفي عام 2018 وبعد تصدر كتلة "سائرون" التابعة للصدر في الانتخابات البرلمانية، وضع زعيم التيار شروطا وصفت بـ"التعجيزية" على المالكي للمشاركة في الحكومة التي تشكلت من دون "ائتلاف دولة القانون".

ولطالما طالب الصدر من رؤساء الحكومات (حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، مصطفى الكاظمي) التي أعقبت مرحلة المالكي، بمحاسبة الأخير عما لحق بالعراق نتيجة حكمه، من طائفية وقتل وتهجير وفساد مالي وإداري، إضافة إلى تكاثر المليشيات، لكن أحدا لم يفعل.