حتى الموتى أزعجهم.. صحيفة بريطانية: طرق السيسي الجديدة تدمر مناطق تاريخية

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية أن مدينة الموتى التاريخية في مصر أصبحت مهددة بالهدم بسبب برنامج المباني الحكومي الذي يقول النظام إنه يسعى لتخفيف الازدحام المروري في العاصمة القاهرة.

ويوجد داخل ضريح عائلة دراملي في القاهرة سبع مقابر رخامية غنية بالزخرفة ومزينة بزخارف نباتية مذهبة وآيات من القرآن محفورة بشكل معقد. 

وتعود أصول الدراملي الذين كانوا لفترة طويلة من النخبة المصرية إلى رئيس وزراء عثماني في تركيا انتقل أبناؤه إلى مصر في القرن التاسع عشر، وفق الصحيفة. 

لكن الضريح البالغ من العمر 150 عاما وتفاصيله الحية هو جزء من التاريخ المصري، يواجه خطر الهدم الآن.

طريق سريع

ورغم حماية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" للتراث العالمي، فإن السلطات المصرية تخطط لإنشاء طريق سريع رئيس يقطع أقدم وأكبر مقبرة في القاهرة للمساعدة في تخفيف حركة المرور بالعاصمة المزدحمة التي يبلغ عدد سكانها 20 مليون شخص.

وتقع المقبرتان الرئيستان في المدينة بالشمال والجنوب من قلعة مركزية وتعرفان باسم مدينة الموتى. 

وسيستلزم بناء الطريق السريع الجديد المحاط بالزحف العمراني إزالة آلاف المقابر العائلية، بما في ذلك قبور الشخصيات التاريخية في مجالات الفنون والأدب والسياسة في مصر. وتعود بعض الأضرحة إلى "الفتح العربي (الإسلامي)" قبل 14 قرنا.

وقال وحيد ماردينلي رجل الأعمال وسليل عائلة درامالي: "كل فرد في عائلتي يشعر بالانكسار بسبب هذا، عائلتنا بأكملها مدفونة هنا. هؤلاء هم الناس الذين خدموا مصر".

وأردف: "بنى جدي أول ميناء للمنتجات الزراعية على نهر النيل في القاهرة وساعد بإنشاء صناعة النسيج".

وأشرف الجيش منذ ذلك الحين على قائمة ضخمة من المشاريع التي تشمل الجسور والمرافق والعقارات، حتى بناء العاصمة الجديدة. 

وقالت وزارة النقل المصرية إنه بحلول عام 2024 سيكون قد جرى إنفاق حوالي 70 مليار دولار على قطاع النقل وحده.

البعض أثار مخاوف بشأن تدمير التراث أو المساحات الخضراء النادرة بالفعل في القاهرة، كما تتميز عملية صنع القرار من أعلى إلى أسفل بنقص التشاور العام، كما تقول الصحيفة البريطانية.

وفي بعض الأحيان، استجابت السلطات لمخاوف المصريين، كما حدث في العام 2021 عندما ألغت الحكومة بناء جسر علوي كان من شأنه أن يشوه ساحة رئيسة، تهيمن عليها "بازيليك"، في حي هليوبوليس الأنيق. 

لكن المنطقة تغيرت بالفعل من خلال التوسعات المتسلسلة في الشوارع والجسور الجديدة التي جرفت الأشجار والمساحات الخضراء بهدف إنشاء طرق واسعة مع حركة مرور سريعة تشكل خطورة على المشاة.

"اختناقات مرورية"

وقال هاني عيسى الفقي المهندس الذي صمم توسعات طريق مصر الجديدة والشريان المروري المخطط عبر مدينة الموتى، إن القاهرة مدينة قديمة ومكتظة بالسكان ولديها خيارات محدودة لمخططي المدن الذين يسعون للتخفيف من الاختناقات المرورية فيها. 

وأضاف الفقي: "السيارات تتزايد بمعدل غير طبيعي، لذلك نحاول التوسع وبناء الطرق وإنشاء محاور جديدة لربط القاهرة بالمدينة الجديدة التي يجرى تشييدها (خارجها)".

وبين أنه سيجرى هدم أكثر من 2000 مقبرة عائلية ذات أهمية معمارية لإفساح المجال للطريق السريع الجديد. وبين أن هذا من شأنه أن "يؤطر بشكل أفضل" الآثار المدرجة في المقبرة.

مع ذلك، في حين قدر تقرير البنك الدولي لعام 2014 أن الازدحام المروري في القاهرة يكلف مصر 4% من الناتج الاقتصادي المفقود سنويا، فإنه حذر أيضا من أن بناء طرق جديدة "لن يحل المشكلة ببساطة".

ويخشى دعاة الحفاظ على البيئة أيضا من أن يؤدي الطريق السريع الجديد إلى تجزئة المقبرة، وإعدادها للاختفاء النهائي.

تقول جليلة القاضي الأستاذة الفخرية للتخطيط العمراني ومؤلفة كتاب عن المقابر التاريخية في القاهرة، إن كلا من المباني المدرجة وغير المدرجة في الموقع محمية بموجب الاتفاقية مع اليونسكو.

وأضافت: "الموقع بأكمله تاريخي، لكنه الآن هدف لهجوم شرس والمنطقة ستفقد الكثير من الكنوز".

هذا التهديد هو بالفعل حقيقة جزئية، حيث حذرت اليونسكو في العام 2021 من أن سمات التراث العالمي للقاهرة التاريخية "وصلت إلى نقطة حرجة" بعد هدم العديد من القبور والأضرحة العائلية من أوائل القرن العشرين لبناء طريق عبر المقبرة الشمالية.

وتابعت اليونسكو أن المواقع التاريخية في المدينة "تتضرر بشكل تراكمي وأن الاضمحلال الوظيفي والهدم وتطوير البنية التحتية الرئيسة، يمكن أن يصل بسرعة إلى وضع لا رجوع فيه إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة".

وقدم دعاة الحفاظ على البيئة والأسر الذين اقترحوا نفق الطريق السريع الجديد تحت المقبرة، التماسا إلى السيسي لإنقاذ المنطقة، بحجة أن تدميرها سيؤدي إلى "فقدان أجزاء من الذاكرة التاريخية للأمة المصرية".

واشتكى محمد يكن حفيد عدلي يكن باشا، رئيس الوزراء من عشرينيات القرن الماضي والذي يواجه ضريح عائلته الآن الهدم، أنه لم يتلق أي اتصال رسمي بشأن ما قد يحدث أو متى.

وأوضح يكن "كلها معلومات شفهية. بهذه الطريقة لا يمكننا الطعن في الهدم في المحاكم. إذا أزال كل جيل آثار أسلافه، فلن يكون لدينا شيء نورثه للأجيال القادمة".