ليس لأسباب طبية.. لماذا توحد يسار فرنسا ويمينها لرفض إلزامية لقاح كورونا؟

سليمان حيدر | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تتواصل الاحتجاجات في فرنسا ضد سياسات حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون بشأن التعامل مع جائحة كورونا، التي يغلب عليها "التوجهات السلطوية"، بدلا من الحوار وإقناع المعترضين.

وفي آخر هذه المظاهرات التي خرجت في العاصمة باريس وعدد من المدن الفرنسية في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2021، عبر المحتجون عن رفضهم لمشروع قانون استبدال الشهادات الصحية المتنوعة بشهادة التلقيح الإلزامي.

وتحاول حكومة ماكرون تمرير القانون الذي يفرض الحصول على اللقاح لدخول الأماكن العامة المطاعم ومراكز الترفيه، وسط تحذيرات من اتخاذ تدابير أكثر صرامة إذا لم تنحسر موجة العدوى الحالية من وباء كورونا.

وأعلنت الحكومة الفرنسية في 27 ديسمبر 2021 تبنيها لمشروع القانون المثير للجدل وقالت إنه سيدخل حيز التنفيذ في 15 يناير/كانون الثاني 2022 إذا أقره البرلمان.

وتأتي هذه التطورات وسط تفشي متحور أوميكرون في غالبية الدول الأوروبية، لاسيما في بريطانيا وفرنسا، وفق وكالة الصحة الحكومية في الأخيرة ارتفع عدد الإصابات بكورونا التي تحتاج إلى دخول المستشفيات في الأسابيع الأخيرة بشكل ملحوظ.

ودخل حوالي 16 ألف مصاب بكورونا في فرنسا إلى المستشفيات في الفترة بين 13-19 ديسمبر 2021، فيما شغل 60 بالمئة من أسرة العناية المركزة مرضى بالفيروس. 

كما سجلت فرنسا في 25 ديسمبر 2021 رقما قياسيا جديدا في أعداد الإصابات بعد أن تجاوز 100 ألف إصابة في يوم واحد، دخل منهم حوالي 3200 شخص لغرف الإنعاش. 

تقييد للحريات

ينظر مراقبون إلى قرار الحكومة الفرنسية بإلزامية التلقيح على أنه انتهاك عنيف للحريات المدنية ويتعارض مع جوهر الشعار الفرنسي "المساواة والإخاء والحرية". 

وخلال المظاهرات التي خرجت في عموم فرنسا والتي غالبا ما كانت تتزامن مع مظاهرات السترات الصفراء - يوم السبت من كل أسبوع - وصلت أعداد المحتجين إلى أكثر من 200 ألف متظاهر في عموم البلاد. 

تقول مجلة فوربس الأميركية إن الكثير من المتظاهرين لا يعارضون اللقاح بعينه، إلا أنهم يحتجون على إلزاميته. 

وأشارت فوربس في تقريرها في 8 أغسطس / آب 2021 إلى أن المتظاهرين يرون أن الناس يجب أن يكونوا قادرين على اتخاذ القرار بأنفسهم. 

ويرى التقرير أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة الفرنسية وحدت اليسار المتشدد واليمين المتطرف ونقلت عن المرشح الاشتراكي للرئاسة جان لوك ميلينشون قوله إن القرار "سخيف وغير عادل وسلطوي".

كما يرى المتظاهرون أن هذا القانون يحد من حرية حركتهم خاصة وأنهم غير مقتنعين بأن التطعيم كان أو مازال على الأقل يمنع انتشار الفيروس بحسب الباحث المتخصص في الشأن الفرنسي محمد السيد المقيم في باريس.

وأضاف السيد في حديثه لـ"الاستقلال": "وهم في ذلك في بعض الأحيان محقون لأن بعضا من الذين حصلوا على الجرعتين أصيبوا بالمتحور أوميكرون".

وأوضح أن الغالبية العظمى من الشعب الفرنسي حصلت على اللقاح وحوالي 51 مليونا و500 ألف حصلوا على الجرعتين بنسبة تصل إلى 89 بالمئة من الشعب".

قفزة بالإصابات

وتواجه الحكومة الفرنسية في الأيام الأخيرة قفزة كبيرة في عدد الإصابات بالفيروس وارتفاع أعداد الحالات التي تحتاج إلى دخول المستشفيات. 

وقال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتال في 21 ديسمبر/كانون الأول 2021 إن أغلب الإصابات المنتشرة حاليا هي بمتحور دلتا، "لكن أكثر من ثلث الحالات الجديدة في منطقة باريس مصابة بمتحور أوميكرون سريع الانتشار".

ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن أتال أن الحكومة تريد إقرار قانون بحلول 15 يناير/كانون الثاني 2022 يطالب بالتطعيم لدخول المطاعم والعديد من الأماكن العامة. 

وأضاف المتحدث: مطلوب حاليا تصريح صحي لدخول جميع هذه الأماكن في فرنسا، لكن يمكن للأشخاص الحصول على تصريح الدخول إما بشهادة التطعيم أو اختبار الفيروس السلبي أو إثبات الشفاء أخيرا من الفيروس".

وأشار أتال إلى أن أكثر من 89 بالمئة من الفرنسيين الذين يبلغون من العمر 12 عاما أو أكثر تلقوا على الأقل جرعتين من اللقاح، وحوالي 40 بالمئة من البالغين حصلوا على ثلاث جرعات.

من جانبه، أوضح الباحث محمد السيد أن جزءا كبيرا ممن لم يحصلوا على التلقيح هم الذين أصيبوا الآن وأصبحوا بؤرة ينتشر من خلالها الفيروس، على حسب تعبيره.

وأضاف أن الحكومة الفرنسية تحاول إبقاء غير الملقحين تحت السيطرة بإصدار هذا القانون. 

وعانت فرنسا خلال الموجة الأولى من الفيروس في مارس/آذار 2020 التي وصلت ذروتها في مايو/أيار من نفس العام نقصا في أجهزة التنفس التي كانت تقدر بنحو 20 ألف جهاز في هذا الوقت. 

وعندما ارتفعت أعداد المصابين الذين يحتاجون إلى أجهزة التنفس بنسبة تفوق طاقة الدولة اضطرت فرنسا إلى نقل العديد من المصابين إلى ألمانيا وبعض الدول المجاورة. 

وأشار السيد إلى أن حكومة ماكرون الآن تسعى لتحجيم هذا الوضع من خلال إصدار ذلك القانون، ولديها أغلبية في البرلمان ستمرره كما مرروا كثيرا من القوانين قبل ذلك. 

هدف القانون

تتطلع الحكومة الفرنسية إلى استخدام شهادة التلقيح الكامل كممر لدفع المزيد من الناس للحصول على التطعيم في مواجهة زيادة العدوى التي يسببها متحور أوميكرون. 

الصحفية الفرنسية سارة إلزاس أشارت في تقرير لموقع راديو فرنسا في 27 ديسمبر/كانون الثاني 2021 إلى أن الكثيرين يعارضون الاقتراح وخاصة الأحكام التي تجعل التصاريح إلزامية للموظفين الذين يذهبون إلى العمل. 

وفي منتصف يوليو/تموز 2021 اتخذت الحكومة الفرنسية قرارا بإلزام العاملين بالقطاع الصحي والمطاعم بالتلقيح ضد فيروس كورونا.

وأعلن وزير الصحة الفرنسي حينها أوليفييه فيران أن العاملين في هذا القطاع الذين لم يتلقوا اللقاح لن يكون بإمكانهم العمل ولن يحصلوا على رواتبهم اعتبارا من 15 سبتمبر/أيلول 2021. 

وقالت سارة: "إذا مضت الحكومة في طريقها، سيقتصر الوصول إلى معظم الأماكن العامة في فرنسا بما في ذلك الحانات والمطاعم والمؤسسات الثقافية، بحلول منتصف يناير، على أولئك الذين يمكنهم إظهار دليل على التطعيم الكامل ضد فيروس كورونا".

ويرى الباحث السيد أن قانون إلزام التلقيح سيكون بمثابة إلغاء للشهادات المثيرة للجدل التي كان يحصل عليها البعض لإثبات خلوهم من الفيروس، والتي كان كثير منها مزور يحصل عليها البعض بطرق ملتوية عبر شرائها من بعض الأماكن مثل المعامل والمستشفيات دون إجراء فحوصات.

وتسمح هذه الشهادات لحاملها بالتحرك والسفر داخليا وخارجيا والدخول إلى المتنزهات والأماكن العامة والمطاعم والحانات. 

واعتبر السيد أن الشهادة الجديدة ستضع حدا نهائيا لهذه الشهادات ولن يسمح لأحد بالعمل دون الحصول عليها، ويكون لديه وثيقة مكتوب فيها الجرعة التي حصل عليها وموعدها وعدد هذه الجرعات.

وأشار وزير الداخلية الفرنسي جيرارد ديرماتين في تصريحات تلفزيونية منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى تداول أكثر من 110 آلاف بطاقة صحية مزورة وأن السلطات فتحت 400 تحقيق منذ بدء العمل بالتصاريح الصحية. 

تمرير القانون

وبالنظر إلى تشكيلة البرلمان الفرنسي نجد أن "حزب الجمهورية للأمام" أو ما يعرف بحزب ماكرون يحوز الأغلبية، وهو ما يجعل تمرير القانون في البرلمان سهلا بحسب السيد. 

واعتبر أن المشكلة الحقيقية هي أن بعض الأفراد الذين لا يفضلون اللقاح وجدوا من حولهم ممن تلقوا جرعتين من اللقاح قد أصيبوا بالفيروس وظن البعض أن التطعيم ليس له فائدة. 

وعن البدائل التي يمكن أن تتبناها الحكومة في مواجهة الانتشار السريع للوباء أكد الباحث في الشأن الفرنسي أن الحكومة يجب أن تعمل على إقناع المعترضين. 

وأشار السيد إلى أن الأيام الأخيرة ظهرت في وسائل الإعلام مناقشات أفضت في أغلبها إلى تغيير آراء الكثير ممن يرفضون التلقيح.

وأضاف: "لا يمكن أن نتخيل أن يتكرر ما حدث في الموجة الأولى والتي تم فيها إغلاق البلاد كاملة، البلاد دخلت في حالة شلل تام في المجالات كافة ووصلت حالة الضجر في البيوت إلى ما لا يمكن أن يتخيله إنسان".

وسجلت فرنسا منذ بداية الجائحة وحتى 27 ديسمبر 2021، أكثر من 9 ملايين إصابة بكورونا، توفي منها نحو 123 ألفا، وفق موقع وورلد ميتر المتخصص في إحصاءات الفيروس.