مجلة فرنسية: تونس تتجه إلى تحرك اجتماعي جديد بسبب أزمات الاقتصاد

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يعتبر الفوسفات والسياحة أهم قطاعين مشغلين لليد العاملة يستند عليهما الاقتصاد التونسي، وبتأثرهما، فإن الأزمة الاقتصادية تضرب كامل البلاد.

والفوسفات هو قطاع إنتاجي صناعي في حين تندرج السياحة في الاقتصاد الخدمي بتونس، وفق ما تقول مجلة جون أفريك الفرنسية. 

 تحتكر الدولة إنتاج الفوسفات باعتبار أن شركة "فوسفات قفصة" عمومية في الوقت الذي يعتمد قطاع السياحة على المبادرة الفردية والاستثمارات الخاصة. 

يمثل الفوسفات والسياحة المحرك الرئيس لعجلة الاقتصاد التونسي، فهما إذن ليسا مجرد مؤشرات بسيطة على سلامة اقتصاد للبلاد، بل هما القلب النابض للتنمية. 

لدرجة أن البعض يرى في انتفاضة الحوض المنجمي في قفصة عام 2008 أولى إرهاصات ثورة ديسمبر/كانون الأول 2010 وبداية عام 2011.

وبعد عشر سنوات من الثورة لم يحدث التحسن المنتظر في الاقتصاد خاصة بعد سقوط النظام القديم ورغم كل الموارد المتوفرة. 

لكن على العكس من ذلك، فقد تفاقم عدم الاستقرار في تونس بسبب سوء فهم خطير عند المواطنين، بحسب تقدير المجلة.

واعتمد العاطلون عن العمل وسائر العاملين على الدولة لحل مشاكلهم أو تحسين أوضاعهم عندما كانت الحكومة في أسوأ حالاتها. 

على الجانب الآخر فقد كان على الدولة، دعم محركاتها الاقتصادية وأن تعمل على خلق معدل من النمو. 

هذا ما دعا إليه الاقتصاديون والشركات الاستشارية، على سبيل المثال في دراسة حول السياحة قدمتها شركة رولاند بيرغر للاستشارات الإستراتيجية عام 2012، والتي لم يتم الالتفات إلى توصياتها.

إعادة التفكير

تراجع قطاع السياحة كثيرا بسبب ثورة 2011 التي ساهمت في تراجع عدد الزوار للدولة التونسية ناهيك عن ظهور "الإرهاب" الذي جعل من تونس وجهة غير محبذة لمنظمي الرحلات السياحية، تقول المجلة. 

لم يعد القطاع الذي يمثل 7.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وحوالي 400 ألف وظيفة إلى سابق عهده منذ ذلك الوقت، أي حينما كانت تونس تستقبل 7 ملايين زائر في 2010، وهي السنة المرجعية منذ ذلك الحين. 

حدثت بوادر انتعاش في 2018 لكن ذلك كان موجزا، حيث جاءت انتخابات 2019 وما تلاها من توترات سياسية أثرت على ذلك الانفراج، قبل أن يعاني القطاع من العبء الأكبر لوباء كورونا. 

تمكن أصحاب الفنادق وشركات السياحة من الاعتماد، عاما بعد آخر، على الداخل، لكن في هذه الفترة المضطربة، لم يتمكنوا من العثور على الاستقرار المناسب لإعادة التفكير في الخدمات التي يقدمونها. 

يقول شاب من ولاية المهدية إنه "من شدة تراجع المداخيل، فإن ما حققناه في عام 2021 كان أفضل بكثير مقارنة بمداخيل 2020".

ويخشى هذا الشاب أن يغرق قطاع السياحة في موجة جديدة من تفشي فيروس كورونا مع نهاية 2021.  

لكنه، مثل زملائه، يدرك أنه يتعين عليه إعادة التفكير في القطاع بأكمله بسرعة كبيرة وعدم التردد في التوجه نحو إستراتيجية عمل جديدة.

في ذات السياق يعبر مواطن فرنسي تونسي أراد إطلاق سلسلة من دور الضيافة المعتمدة عن قلقه ويقول إن "الأمر سيكون صعبا، فالسياح يطالبون بالكثير، ويسافرون كثيرا ولم يعد بإمكانهم الاكتفاء بإقامة كلاسيكية على شاطئ البحر". 

لكن منظمي الرحلات الفرنسية متفائلون ويخططون لعقد اجتماعاتهم بتونس في ديسمبر/كانون الأول 2021.

ووفقا إلى ما توصلت إليه دراسة بعنوان "الآثار الاقتصادية للتغيرات المناخية في تونس.. المخاطر والفرص" جرى إعدادها بطلب من وزارة البيئة وبدعم من سفارة المملكة المتحدة، يتوقع أن يؤدي ارتفاع مستوى البحر بـ 50 سنتيمترا إلى تكبد خسائر اقتصادية في مختلف المجالات.

وقدرت تلك الخسائر بـ3.6 مليار دينار تونسي (1 دولار = 2,88 دينار من العملة المحلية) في قطاع السياحة. 

وحذرت الدراسة، التي قدمت في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بمقر إقامة السفير البريطاني (ادوارد اواكدان) - في الضاحية الشمالية للعاصمة-، من أن هذا القطاع سيواجه خطر فقدان ما يقارب 1000 موطن شغل سنويا.

لكن من ناحية أخرى لم يتم أخذ كورونا، المسؤول عن الانهيار الاقتصادي لتونس، في الحسبان في ولاية قفصة بالجنوب الغربي.  

منذ انتفاضة 2011، انخفض إنتاج الفوسفات لدرجة أن الدولة التي كانت ثالث أكبر مصدر في العالم لهذا المنتج، اضطرت إلى استيراده كمادة خام لسد العجز في السوق المحلية.

اليد العاملة

هذا ليس "سوء حظ" بل خطأ اليد العاملة التي نفذت سلسلة من الإضرابات وطالبت بزيادات متتالية في الأجور، حتى انتهى الأمر بالدولة إلى التراجع، وفق المجلة.

كان منتظرا من شركة فوسفات قفصة مع قيمة إنتاجية بلغت 8 ملايين طن في عام 2010، وهي التي تحتكر تعدين الفوسفات، أن تحقق أداء أفضل في السنوات التي تلت الثورة التونسية. 

لكن بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ، أصيبت الشركة بخيبة أمل، فقد فقدت عملاءها الدوليين بما في ذلك الهند والبرازيل.

وتخطط الشركة لإنهاء عام 2021 بإنتاج قدره 3.7 مليون طن، وهو ما أصبح يمثل إنجازا بالنسبة للشركة.  

وقد أضر الوضع الذي صارت عليه الشركة، بشدة قطاع الزراعة، ولا سيما الحبوب التي لم تستطع الاعتماد على الأسمدة المشتقة من الفوسفات الذي ينتجه المجمع الكيماوي.

بالنسبة للطفي حمادي، مدير إنتاج شركة فوسفات قفصة، فإن 3.7 مليون طن تعد "إنجازا". 

ومن الصعب إثبات خطأه في الوقت الذي لم تستأنف فيه العديد من مواقع الإنتاج عملها ولا تزال المطالب الاجتماعية قوية جدا.

صرح مسؤول تنفيذي (لم يذكر اسمه) من شركة يازاكي المصنعة للمعدات، وهي شركة تعمل في المنطقة أن الفساد وكسب التأييد المتنوع استفاد من الأشغال التي تمارسها الدولة التي تبدو عاجزة في مواجهة المعوقات الإدارية. 

ويتذكر أصحاب هذه الشركة المصنعة كيف استولت "المافيا المحلية" على نقل الفوسفات في عام 2020. 

وتقول المجلة الفرنسية: "ابتعدت تلك المافيا عن النقل بالسكك الحديدية لصالح الشاحنات الثقيلة التابعة لرؤساء شركة نقل فوسفات قفصة".

إلى جانب هذا الوضع الضار، حثت الحركات السياسية السكان المحليين على المطالبة بإعادة توزيع الدخل من الفوسفات والمواد الخام والثروة الطبيعية المنتجة على منطقتهم. 

في ظل هذه الظروف، فإن تحقيق 3.7 مليون طن يعد أمرا مشرفا حقا لمنطقة وعدت فيها الدولة بالكثير دون الوفاء بالتزاماتها حقا.

وقال شاب من الرديف (مدينة تقع غرب ولاية قفصة) في حالة من الاستفزاز " آمل أن نتمكن من الوصول إلى التنمية مع الثورة القادمة". 

وذكر رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (FTDES)  أن الحوض المنجمي شهد "في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أكثر من 1000 حركة احتجاجية"، الأمر الذي ينذر، بشكل خاص، ببدء عام مضطرب.

ويأتي كل ذلك كما أشارت العديد من الصحف، في إطار حالة الطوارئ التي دخلت فيها البلاد منذ 25 يوليو/تموز تاريخ انقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد على الدستور واحتكاره كل السلطات.