حسن حنفي.. "أبو اليسار الإسلامي" الذي أيد الثورة المصرية وعارض السيسي
.jpg)
بعد رحلة استمرت لأكثر من 6 عقود في رحاب الفلسفة والفكر وإثراء المكتبة العربية والعالمية بعشرات الكتب والأطروحات التي تأثر بها رواد الفكر والعلوم الإنسانية والاجتماعية، غيب الموت المفكر المصري، حسن حنفي، في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
حنفي (87 عاما) اعتبر نفسه امتدادا لفكر المجدد "جمال الدين الأفغاني"، واعتنق رؤية "الإسلام الثوري"، ثم تأثر بالحياة في فرنسا وعاصمة الأنوار باريس، التي غيرت أفكاره وجعلت رؤيته للعالم وسلوكه الحياتي مختلفة.
دعا إلى فلسفة خاصة به جمعت بين اليسار والإسلام، ومعارضة أنظمة القهر والاستبداد، ما أزعج الحكام وجعله غير مرحب به من قبل السلطات، حتى صنف من قبل جهاز أمن النظام المصري "شيوعي إخواني" كما أورد في كتابه "ذكريات" الذي يسرد فيه سيرته الذاتية، وفصولا من حياته العريضة وأسفاره الطويلة.
منطلقات مفكر
حسن حنفي حسنين أحمد، وشهرته "حسن حنفي"، ولد في 13 فبراير/شباط 1935، بالقاهرة وفيها كان تعليمه ونشأته.
أما أسرته فهي ريفية هاجرت إلى العاصمة من محافظة بني سويف في الصعيد، ولكن جذورها الأولى تمتد إلى الأندلس (إسبانيا والبرتغال).
كان حنفي يهوى الرسم والموسيقى والفنون، والتحق بجامعة القاهرة في كلية الآداب قسم الفلسفة، وحصل منها على درجة "ليسانس" عام 1956.
وبعد تخرجه في الجامعة، سافر إلى فرنسا وحاز فيها على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون بباريس سنة 1966.
الأمر الذي مهد له الانتقال إلى الولايات المتحدة الأميركية أستاذا زائرا خلال الفترة من عام 1971 إلى 1975.
وفي عام 1982 توجه إلى المغرب ليستقر به، ولكن لم يطل مقامه نتيجة طرد السلطات له بسبب رفضه الاعتذار عن محاضرة ألقاها عن "نظام الحكم في الإسلام" بدعوة من حزب "الشورى والاستقلال"، وهو من الأحزاب المعارضة آنذاك، ليعاود أدراجه إلى مصر قبل أن يشد الرحال تجاه اليابان، مستشارا علميا لجامعة الأمم المتحدة في طوكيو سنة 1985.
وإثر عودته الأخيرة إلى مصر بعد رحلة طويلة قضاها في الخارج أستاذا ومعلما في مختلف المحافل والجامعات العالمية، ترأس قسم الفلسفة في كلية الآداب بجامعة القاهرة بداية من عام 1987.
وفي 3 فبراير/شباط 2010، أثناء تكريمه على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب، تحدث عن سنوات شبابه وأيديولوجيته في تلك الفترة قائلا: "انتميت لجماعة الإخوان المسلمين في مرحلة الثانوية والجامعة، وكنت زميلا للمرشد السابق مهدي عاكف في شعبة باب الشعرية، لكنني تحولت فكريا"، وذكر نصا: "وأنا في الجامعة كنت غاية في الإخوانية".

إنتاج فكري
انشغل حنفي خلال مسيرته العلمية بقضايا "التراث والتجديد"، وله العديد من المؤلفات منها، "نماذج من الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط"، و"مقدمة في علم الاستغراب"، و"من الفناء إلى البقاء"، و"من العقيدة إلى الثورة"، إضافة إلى "الواقع العربي الراهن"، و"حصار الزمن" وغيرها من المؤلفات.
اعتبر رائد منظري تيار "اليسار الإسلامي"، وتيار "علم الاستغراب"، وأحد المفكرين العرب المعاصرين من أصحاب المشروعات الفكرية العربية، ووصل التأثر بأفكاره إلى العالم الإسلامي كله، انطلاقا من الأتراك إلى الماليزيين والإندونيسيين.
وحصل حنفي على عدة جوائز في مصر وخارجها، مثل، جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة 2009، وجائزة النيل-فرع العلوم الاجتماعية عام 2015، وكذلك جائزة "المفكر الحر" من بولندا وتسلمها من رئيس البلاد.
ومن أبرز أقواله، "التراث ابن عصره"، و"التجديد ينشأ من الثقافة الشعبية للناس".
وفي محاضراته، شدد حنفي على أن مشروع التراث والتجديد يقاوم آفات العرب الثلاثة، التقليد للقدماء والتبعية للغرب والعزلة عن الواقع.
وأكد في آخر حوار صحفي أجراه مع جريدة "الوفد المصرية" في 31 يوليو/تموز 2021، أن "الإسلام الحقيقي هو حركة تحرر وطني للشعوب المستعمرة".
وعندما سئل "هل الإسلام السياسي هو السبب في تخلف العرب وتقدم غيرهم؟ أجاب حنفي: "لا أبدا، الإسلام السياسي هو مصطلح يعني ارتباط الدين بالسياسة"، نافيا تلك التهمة المعلبة عن الإسلاميين، الذين دأبت الأنظمة الاستبدادية على إلصاقها بهم.
وتساءل متأسفا عن حال الأمة العربية: "ما مصير الدولة الوطنية؟ لماذا الاقتتال بيننا في ليبيا وسوريا والعراق واليمن؟ لماذا فقدنا الوحدة العربية؟ لماذا فقدنا التعاون الإسلامي؟ ولماذا فقدنا هذه الرؤية الشاملة للحياة الكريمة؟".

مفكر ثوري
لم يخذل حنفي الثورة ولا تطلعات التحرر الوطني الذي ظل ينادي به طيلة حياته، ونقل في كتابه "ذكريات" (صدر عام 2018) رؤيته الكاملة للثورة المصرية (25 يناير/كانون الثاني- 11 فبراير/شباط 2011)، والربيع العربي بشكل عام.
وكان واضحا في تحديد موقفه مما حدث بداية من الانتفاضة الأولى للشباب في "ميدان التحرير" بالقاهرة في 25 يناير/كانون الثاني 2011، وصولا إلى النهاية المؤسفة بفعل الثورات المضادة والقوى الإقليمية التي أفشلت المشروع.
فكتب حنفي عن ذلك قائلا: "متى ينتهي السقوط، ومتى يبدأ الارتفاع من جديد، خاصة وأنا أنتمي لجيل بدأ حياته بالارتفاع لحركة التحرر الوطني في الخمسينيات، وينهي حياته الآن بالقهر السياسي، لا اليد تكتب، ولا اللسان يتحدث، ولكن القلب مازال ينبض".
وفي 11 مارس/آذار 2018، شن حنفي هجوما على رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، عبر مقالة في صحيفة "المصري اليوم" بسبب استخدام السيسي كلمة "القوة الغاشمة" حيث قال حنفي: "القوة العادلة هي القوة المبصرة، ومعرفة معاني الألفاظ قبل استعمالها جزء من فلسفة اللغة حتى لا يساء استعمالها في معان غير مقصودة".
وأضاف "لذلك من الضرورة الاطمئنان إلى حسن استعمال الألفاظ بمعانيها للتعبير عن المقصود التعبير عنه، وقد نبه القرآن الكريم على ذلك في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا)".
وتابع حنفي: "عندما يقع سوء استعمال الألفاظ في الخطاب الرئاسي والخطاب الإعلامي، فالأول محل التصديق، والثاني كذلك. وتعني القوة الغاشمة القوة العمياء، غير المبصرة أو غير المدركة، وهي القوة العشوائية التي تضرب بصرف النظر عن إصابة الهدف المحدد لها، تضرب كرد فعل غير مضبوط على فعل بغرض الثأر والانتقام".
الخط الثوري والناقد ضد السيسي بلوره حنفي في لحظات مبكرة من حكم الجنرال الذي جاء بانقلاب عسكري دموي، ففي 4 يوليو/تموز 2014، وبعد أيام قليلة من حفل تنصيب السيسي الضخم الذي كلف قرابة 92 مليون جنيه (13 مليون دولار آنذاك)، قال حنفي ناقدا ومتسائلا: "هل هذه الفخفخة لإضفاء شرعية على نظام لا شرعي؟".
وأضاف: "ما بني على باطل فهو باطل؟ هل هذا الحفل للحاجة إلى إخفاء عدد المعتقلين السياسيين بعشرات الآلاف دون تهمة أو محاكمة؟ هل لإخفاء معارضة الشارع التي مازالت مستمرة منذ ما يقرب من عام، وسقوط عديد من الضحايا كل يوم أو كل أسبوع؟ هل الحاجة إلى الاعتراف الداخلي والخارجي بالنظام بدلا من التشكك فيه؟".

الإنسان أولا
انحياز المفكر حنفي للثورة وحقوق الإنسان في بلاده كان متسقا تماما مع مساره الحياتي والعلمي، فهو الذي عارض الولايات المتحدة وسياستها القائمة على "الغزو" وانتزاع خيرات البلاد، وتنبأ بزوالها بناء على هذا الأساس.
ففي كتابه "أميركا.. الأسطورة والحقيقة" الذي نشر في 30 مارس/آذار 2020، قال حنفي: "النهضة وديمومتها ليستا في قوة السلاح ولا وفرة الإنتاج، بل في المثل والقيم التي قامت عليها أميركا، لكن أميركا الحالية تخلت عن مبادئها بالغزو والسلاح".
وتوقع المفكر في كتابه، سقوط النظام الأميركي بأكمله نتيجة "خطر داهم"، أو "هزة مفاجئة"، وذلك لوجود "هوة كبيرة بين اليوتوبيا المأمولة ودرجة الخرافة نتيجة الصورة الذهنية المرسومة إعلاميا وفنيا وخطابيا، فهناك وهم كبير اسمه مفهوم القوة الأميركية المطلقة تؤدي سيادتها إلى انهيار كامل، حال التعرض لخطر غير محتمل".
الموقف الأخلاقي لحنفي ظل حاضرا في مواقفه وتفاعلاته مع قضايا المنطقة، فهو أحد الذين أيدوا الثورة الإيرانية (1979) وأعجب بها وبزعيمها آية الله الخميني، وزاره في طهران عدة مرات، لكنه عارض سياستها وما أحدثته في شعوب المنطقة بعد ذلك، ليقول نصا "ثم خاصمتها تأييدا لشعب العراق وسوريا واليمن، وأرفض الذهاب إليهم، وإلى احتفالاتهم".
ومع رحيل حنفي، نعاه عدد من المفكرين والشخصيات العامة، منهم رئيس جامعة القاهرة، محمد عثمان الخشت، الذي قال "الأستاذ والفيلسوف الدكتور حسن، القيمة الأكاديمية الكبيرة والإنسان المتميز"، موضحا أن جنازته "ستخرج من مسجد جامعة القاهرة، حيث بدأ مسيرته العلمية".
أما الصحفي المصري جمال سلطان، رئيس تحرير جريدة "المصريون"، فكتب عبر حسابه بموقع "فيسبوك"، "رحم الله الدكتور حنفي، المفكر والإنسان، كنا صديقين على مسارين فكريين مختلفين، لكن جمعنا دائما الانحياز للمستضعفين، والإيمان الذي لا يتزعزع بقيمة الحرية والديمقراطية والعدالة وكرامة الإنسان، غفر الله لنا وله وأكرم نزله، خالص العزاء لأسرته".
وكذلك دون الكاتب المصري عبد الله الطحاوي: "مات اليوم فيلسوف مصر الكبير أستاذنا حنفي، ذهب إلى جوار الله، أسأل الله أن يرحمه ويغفر له..".
وتابع: "موت حسن حنفي وقبله (المؤرخ) قاسم عبده قاسم و(الفقيه القانوني) طارق البشري، في عام واحد خسارة فادحة.. هؤلاء من الذين احترموا أنفسهم.. ونأوا بروحهم وأقلامهم عن انحطاط النخبة وعتوها في إظلام المجتمع بالحكم الشمولي.. مصر تفقد أعظم عقولها وضمائرها.. لنا الله".
المصادر
- د. حسن حنفي مستنكراً الاقتتال في ليبيا وسورية والعراق واليمن: الإسلام الحقيقى هو حركة تحرر وطنى للشعوب المستعمرة واسألوا أنفسكم: من الذي حرر الجزائر وجنوب إفريقيا؟! تجربة الإخوان في الحكم سيئة
- ذكريات حسن حنفي
- حسن حنفى: أنا شيوعى إخوانى وإخوانى شيوعى
- وفاة المفكر المصري حسن حنفي
- ردود فعل واسعة حول انفراد "الوفد" بحوار المفكر حسن حنفى
- وفاة المفكر حسن حنفي.. و«الخشت»: له إسهامات فكرية كبيرة
- حسن حنفي
- حسن حنفي فيلسوف مصري يتنبأ بانهيار النظام الأميركي حال الخطر
- حسن حنفي: هل هذه الفخفخة لإضفاء شرعية على نظام لا شرعي؟
- د. حسن حنفي ينتقد السيسي في مقال مثير بسبب استخدامه عبارة ” القوة الغاشمة ” ويستشهد بالقرآن