تقرب واهتمام.. لماذا اختارت السعودية زامبيا تحديدا كبوابة عبور لإفريقيا؟

لوساكا - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أصبح هاكايندي هيشيليما المعارض رئيسا جديدا لزامبيا في 16 أغسطس/آب، في تداول سلمي للسلطة، بعد أن حصل على حوالي مليون صوت، وفق اللجنة الانتخابية، بنسبة مشاركة وصلت كثافتها إلى 71 بالمئة.

في 20 من الشهر نفسه، بعث ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز برقية تهنئة لهيشيليما، وأخرى بعثها ولي العهد محمد بن سلمان. 

وبعد أربعة أيام، تحديدا في 24 أغسطس/آب، وصل وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الإفريقية أحمد بن عبدالعزيز قطان، إلى جمهورية زامبيا، للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الجديد.

ما جعل السؤال يطرح حول أسباب اهتمام السعودية بالبلد غير الساحلي في جنوب القارة الإفريقية؟

صفقات مشبوهة

تمنى الملك سلمان لشعب جمهورية زامبيا "الصديق" المزيد من "التقدم والازدهار"، وتضمنت برقية ولي العهد الأمنية نفسها. 

تعتمد السعودية في زامبيا سفيرها، أسامة بن محمد كرنشي، الذي استقبل قطان في مطار "كينيث كاوندا" الدولي، بعد أن اختار حضور حفل التنصيب بنفسه.

افتتحت الرياض سفارتها في العاصمة الزامبية لوساكا سنة 1978، لكن العلاقات توطدت في السنوات العشر الأخيرة، ووقع الطرفان في 2010 الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي والفني.

في عام 2018 وقع وزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير، ووزير الشؤون الخارجية في جمهورية زامبيا جوزيف ملانجي، مذكرة تفاهم بشأن المشاورات السياسية بين الوزارتين.

وفي 2019 عقدت اجتماعات الدورة الثالثة للجنة السعودية الزامبية المشتركة بالعاصمة الرياض، بحضور وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة، أحمد العيادة، والسكرتيرة الدائمة بوزارة التجارة والصناعة رئيسة الوفد الزامبي، كايولا سيامي، وسفير جمهورية زامبيا لدى المملكة، إبراهيم مومبا، وعدد من ممثلي الجهات الحكومية السعودية.

وصل حجم التبادل التجاري بين المملكة وزامبيا في عام 2016 -وفق تقارير سعودية- إلى 608 ملايين ريال سعودي (الريال يساوي 0.27 دولار)، وقدر حجم الصادرات منها بحوالي 8 ملايين ريال سعودي بينما كانت قيمة الواردات حوالي 600 مليون ريال سعودي.

وفي 2017 وصل حجم التبادل بين الجانبين بنحو 319 مليون ريال سعودي، حيث بلغت قيمة الواردات في العام نفسه نحو 309 ملايين ريال سعودي، أما الصادرات فقد بلغت قيمتها 10 ملايين ريال سعودي.

في ديسمبر/كانون الأول 2016 أعلنت صحف زامبية أن إدارة الضرائب أوقفت تسديد ضريبة القيمة المضافة على عدد من شركات التعدين، بسبب عدم إدلائها بشهادات عن وجهة التصدير.   

وبلغت قيمة الضرائب 243 مليون دولار، وحظرت إدارة الضرائب واردات بترولية من جنوب إفريقيا لكونها لا تخضع للإعفاء الضريبي المنصوص عليه في اتفاقية إقليمية.

وأفادت مصلحة الضرائب آنذاك، أن معظم المنتجات البترولية من جنوب إفريقيا تم استيرادها في الأصل من المملكة العربية السعودية أو الكويت، وهي دول ليس لديها اتفاقية تجارية مع زامبيا.

ثروات منهوبة

تعتبر زامبيا رابع أكبر دولة منتجة للنحاس في العالم، ويشكل احتياطي النحاس في زامبيا 6 بالمئة من إجمالي الاحتياطي العالمي، لذا تعرف أيضا باسم "دولة النحاس".

عام 2011، اتهمت وسائل إعلام ومسؤولون في زامبيا الصين بنهب موارد النحاس في البلاد، والتي تعمل المجموعة الوطنية الصينية للمعادن والفلزات غير الحديدية على استخراجها، في حين تزعم بكين أن حجم ما تستخرجه يشكل 5 بالمئة من إجمالي إنتاج زامبيا من النحاس.

في 2016، قال السفير الزامبي لدى السعودية إبراهيم مومبا: إن "لوساكا تقف بقوة إلى جانب الرياض، في جهودها الرامية للاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي في منطقة الشرق الأوسط".

كما تتطلع إلى تنفيذ خطة بلاده في تعظيم شراكتها مع السعودية في مجالات التعدين، والطاقة واستقدام العمالة المدربة، والبنى التحتية والسياحة.

وأكد مومبا أن بلاده اعتمدت خطة تنموية، تتجه إلى تعظيم شراكتها مع السعودية في عام 2016.

وقال مومبا: "منذ زيارة السيدة الأولى في زامبيا إيستا لونغو آنذاك، إلى السعودية، وهناك نشاط دؤوب لخلق علاقات إستراتيجية متميزة بين البلدين، ستثمر عن زيادة التبادل التجاري والاستثمارات النوعية ذات القيمة المضافة، والصناعات التكنولوجية المتقدمة".

مومبا أشار إلى أن لونغو "تقدر عاليا الخدمات الكبيرة التي يقدمها الملك سلمان لبلاده"، معتقدا أن القطاعات الاقتصادية والحكومية في زامبيا، "موعودة بنهضة شاملة من خلال الشراكات السعودية".

حول الديكتاتورية

تقدم هيشيليما على منافسه بفارق مليون صوت، وأشاد رجل الأعمال البالغ 59 عاما والذي ترشح للمرة السادسة للانتخابات الرئاسية بما وصفه بأنه "لحظة تاريخية كان ينتظرها ملايين الزامبيين".

يعرف بلقب "بالي" وهي كلمة مستخدمة للإشارة إلى أب أو كبير العائلة، توجه إلى الأمة بخطاب بث بشكل مباشر من منزله في حي سكني في العاصمة لوساكا.

أشاد بتعبئة الشباب لا سيما الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما وشكلوا غالبية الناخبين السبعة ملايين في البلاد التي تعد 17 مليون نسمة قائلا: "هذا النصر ليس لبالي إنما لرجال ونساء زامبيا خصوصا الشباب".

وقال هيشيليما الذي وعد بإنهاض اقتصاد البلد المديون والغارق في تضخم شديد: إن "توقعات الناس كثيرة".

وكان الرئيس المنتهية ولايته، إدغار لونغو، أقر قبيل ذلك بهزيمته مشيدا بفوز منافسه التاريخي.

 وقال لونغو الذي كان يرأس البلاد ست سنوات: "أريد تهنئة شقيقي، هاكايندي هيشيليما الرئيس المنتخب الذي أصبح سابع رئيس لجمهورية" زامبيا.

بعدما ساد بعض القلق إثر احتجاج الرئيس المنتهية ولايته على "ظروف غير عادلة" للانتخابات في ثلاث مقاطعات، وعد لونغو بالالتزام بالدستور لإفساح المجال أمام انتقال سلمي للسلطة.

الرئيس المنتخب الذي وعد بأن يكون رئيسا لكل المواطنين، لم يفوت فرصة التنديد بالنظام المنتهية ولايته ووعد "بديمقراطية أفضل".

وكان لونغو وهو محام، قد أبدى تصلبا حيال أي معارضة أو أصوات منتقدة ما أدى إلى اعتقال شخصيات معارضة أو إغلاق وسائل إعلام مستقلة. وأكد هيشيليما أنه اعتقل 15 مرة منذ أن دخل معترك السياسة.

حكم رؤساء زامبيا السابقون البلاد بقبضة من حديد، وأزاحوا معارضهيم بتلفيق قضايا الإرهاب، في الوقت الذي تتهافت دول الشرق الأوسط على توطيد علاقتها بزامبيا التي عاشت عقودا من الدكتاتورية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، استقبل رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، وزير خارجية جمهورية زامبيا جوزيف مالانجي، بحضور رئيس المخابرات المصري عباس كامل لـ"تعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب".

في 2017، زار الرئيس السابق، إدغار لونغو، السيسي في قصره، وأعرب عن "تقديره لجهود مصر في تحقيق الأمن والسلام في القارة والشرق الأوسط"، مؤكدا أن البلدين "سيواصلان التعاون في هذا الصدد".

بدوره حضر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية شخبوط بن نهيان، حفل تنصيب هيشيليما، ونقل تهاني قادة الإمارات إلى الرئيس الزامبي الجديد. 

عقدة الديمقراطية

تولى أحمد بن عبد العزيز قطان، منصب السفير السعودي السابق بمصر، قبل أن يصدر الملك سلمان بن عبد العزيز في 27 فبراير/شباط 2018 مرسوما ملكيا بتعيينه وزير الدولة لشؤون الدول الإفريقية بمرتبة وزير.

رأى الكاتب والباحث في الشأن الإفريقي سيدي ولد عبد المالك، بأن حضور وزير الشؤون الإفريقية السعودي، أحمد بن عبد العزيز قطان، مراسم تنصيب الرئيس الزامبي الجديد هاكيندي هيشيليما، يفسر حرص المملكة على توطيد علاقاتها بزامبيا.

يأتي هذا في ظل تراجع الدور السعودي في فضاءات إفريقية أخرى؛ كمنطقة شمال إفريقيا وغربها بفعل تنامي المنافسة الدولية.

وقال ولد عبد المالك لـ"الاستقلال"، أن المملكة بمشاركة وزيرها للشؤون الإفريقية تعطي رسالة جديدة يفهم منها التحرر من عقدة دعم الأنظمة السياسية المنتخبة ديمقراطيا في العالم الثالث.

فقد غابت السعودية رسميا عن احتفاليات تنصيب أنظمة منتخبة ديمقراطيا قادمة من رحم المعارضة والثورات كما حصل في دول في غرب وشمال إفريقيا.

وأوضح المتخصص أن الرئيس الجديد لزامبيا تزعم العمل السياسي المعارض قبل انتخابه في الرئاسيات الأخيرة، كما أنه وجه دعوة لزعماء المعارضة في المنطقة لحضور حفل تنصيبه في رسالة تؤكد قوة انفتاحه على المعارضة الإفريقية.

قد لا يكون المدخل الديني هو الدافع الرئيس للحضور السعودي في زامبيا، يقول المتحدث؛ فتعداد المسلمين في زامبيا لا يصل نسبة 1 بالمئة من تعداد السكان.

وإنما من المرجح أن يكون الرافد الاقتصادي مفتاح اهتمام السعودية بزامبيا، فثمة قطاعات حيوية هناك كالزراعة والصناعة والسياحة والبنى التحتية، تأتي في طليعة القطاعات التي تستقطب المستثمرين. 

ويعزز هذه الفرص وجود بيئة تنافسية جاذبة واستقرار سياسي وأمني تنعم به البلاد، وفق الباحث في الشأن الإفريقي.