لطيف نصيف جاسم.. صديق صدام وثالث وزير عراقي يبتلعه سجن الحوت

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على خطى وزيري الدفاع والخارجية في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، توفي وزير الإعلام والثقافة الأسبق، القيادي البعثي لطيف نصيف جاسم، في محبسه عن عمر ناهز الـ80 عاما، بعد صراع طويل مع المرض طيلة مدة اعتقاله التي وصلت إلى 18 عاما.

ونعى باسم لطيف نصيف جاسم، وفاة والده في 30 أغسطس/آب 2021، بعد ثلاثة أيام من استجابة السلطات العراقية لمناشدته وإدخال والده إلى إحدى مستشفيات بغداد، لكن إصابته بجلطات دماغية عديدة حالت دون استجابته للعلاج، والتي تسببت بفقدانه النطق والمشي.

صديق صدام

"جاسم" يعتبر أول مسؤول كبير في عهد صدام حسين، تستجيب السلطات لمناشدة أسرته، فهو ضمن قائمة الـ55 التي وضعتها القوات الأميركية لقادة الصف الأول من نظام صدام يتقدمهم الأخير نفسه وولداه وأشقاؤه وأعضاء مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب البعث، منهم لطيف نصيف جاسم وبعض الوزراء ممن شملتهم تلك القائمة.

ومع أن جاسم شغل على مدى العقود الثلاثة التي حكم فيها البعث بالسلطة عدة مناصب رفيعة، منها رئيس المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون، ووزير الزراعة، ووزير الإعلام، فضلا عن عضوية القيادة القطرية، فإنه كان صديقا شخصيا لصدام ومن أشد معاونيه المعتمدين.

ويعد جاسم أشهر وزير إعلام خلال فترة الحرب العراقية - الإيرانية (1980 - 1988)، حيث لعب دورا في التعبئة الإعلامية خلال تلك الحرب الطويلة.

وكان "جاسم" الذي ألقي القبض عليه عام 2003، وحكم عليه في 2009 بالسجن مدى الحياة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، حيث كان سجينا في "سجن الحوت" سيء الصيت في مدينة الناصرية جنوب العراق.

وفي عام 2018، توفي كريم أحد أبناء لطيف نصيف جاسم، حيث نعته تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي في داخل وخارج العراق، إضافة إلى التيار القومي في الأردن.

وفي 2017، أقر مجلس النواب العراقي قانونا ينص على مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل من صدام حسين وزوجاته وأولاده وأحفاده وأقربائه حتى الدرجة الثانية ووكلائهم ومصادرة أموال قائمة من 52 من أركان النظام السابق، كان من بينهم جاسم.

ونعت رغد ابنة صدام، الوزير المتوفى وكتبت على حسابها في "تويتر" قائلة: "أنعى إليكم وفاة رفيق والدي لطيف نصيف جاسم، سائلة الله أن يرحمه ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وكل محبيه الصبر والسلوان، وإنا لله و إنا إليه راجعون".

وفي مقال كتبه السياسي هارون محمد -المعارض لنظام صدام- نشرته صحيفة "الزمان" في 30 أغسطس/آب 2021: إنه "يمكن اتهام جاسم، بأنه من أشد محبي صدام، ومن أكثر الملتفين حوله والمؤيدين له، وهذه حالة شخصية وحزبية وإنسانية، لا تدخل في دائرة انتهاكات حقوق الإنسان، وهي التهمة التي حكم بموجبها، وسجن في ضوئها".

وأضاف: "الرجل وملفه الوظيفي واضح ومعروف، أدى واجباته وخصوصا في الإعلام، وفقا لسياسات النظام الحاكم السابق، وهو جزء منه، وطرف فيه، من دون أن يتلوث بالدم ضد خصومه السياسيين، أو يختلس المال العام، وكانت تحت يديه الملايين، ولديه صلاحيات مطلقة في صرفها، أو التلاعب بها، ولكنه كان نزيها، في زمن كان فيه الاختلاس عيبا، واللصوصية خزيا".

مسيرة طويلة

لطيف نصيف جاسم الدليمي من مواليد بغداد عام 1941، تخرج من كلية العلوم بجامعة بغداد عام 1966، بينما انضم إلى "حزب البعث" عام 1957، واعتقل عدة مرات قبل وصول "البعث" إلى السلطة عام 1968.

وعمل في الملحقية الثقافية العراقية في العاصمة الروسية موسكو، ثم أصبح مديرا للإذاعة والتلفزيون سنة 1974، بعدها شغل مناصب وزارية منذ 1977 وحتى 1996، حيث عين وزيرا للزراعة والإصلاح الزراعي في 5 أبريل/نيسان 1977 خلفا لحسن فهمي جمعة، وبقي في المنصب حتى تولي صدام حسين منصب الرئاسة عام 1979.

وبعد ذلك شغل جاسم منصب وزير الثقافة والإعلام حتى 1991، بعدها منصب مستشار لرئيس الجمهورية عام 1991، ثم شغل منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة أحمد حسين خضير سنة 1993-1994، وبقي في المنصب حتى 1996.

كان عضوا في مجلس قيادة الثورة منذ 1982 وحتى 1991، ثم منذ 1994 حتى احتلال العراق عام 2003، كذلك كان عضوا في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق خلال الفترة ما بين 1994 - 2003.

كما كان للوزير الراحل، مؤلفات عدة هي، الإعلام ومسيرة الواقع: أحاديث في معنى الإعلام الداخلي في زمن الحرب، وبابل لن تحرق مرتين: أحاديث 86 في آفاق التصدي الثقافي الإعلامي للعدوان الإيراني الصهيوني، وكذلك الصحافة الدور والمسؤوليات.

وقال الكاتب هارون محمد في مقالة: "أذكر حيوية لطيف نصيف جاسم وقد اشتركنا سوية، في تغطية مشروع (الهجرة العكسية) للفلاحين من المدينة إلى الريف، قبل نصف قرن، هو من جريدة (صوت الفلاح) وأنا من وكالة الأنباء العراقية (واع)".

وأضاف "أذكر حماسة جاسم في تشجيع الفلاحين على استثمار الأراضي الموزعة عليهم بين محافظتي بابل وواسط، يتحدث لغتهم ويوضح لهم، نوعيات الخضر والفواكه التي تدر عليهم أرباحا وموارد، كأي فلاح متمرس يعرف أرضه وزرعه".

"محضر خير"

وعن سيرة القيادي في نظام صدام، نشر الكاتب العراقي حميد علي موسى مقالا بصحيفة "الزمان" في 29 أغسطس/آب 2021، قال: إن "لطيف نصيف جاسم الوزير النزيه سواء اختلفنا معه أو لم نختلف واتفقنا مع أسلوبه في توجهاته وإدارة مؤسسات وزارته أو لم نتفق تولى مسؤولياته الوزارية والسياسية طوال 25 عاما".

وبحسب الكاتب، فإن الوزير الراحل "عرف عنه نظافة يديه ونزاهته ولم يغره لمعان تخصيصات وزارته والمعروف بهدوء تصرفه ومساعدته للناس والمثقفين بمختلف شرائحهم الذين عملوا معه وبقربه وطرقوا بابه لطلب العون  خلال تلك الفترة".

واعتبر موسى أن "جاسم كان (محضر خير) لم يؤذ أحدا، يدفعه في ذلك انحداره الفلاحي الريفي وطيبة أهل الريف وكرمهم في أي مكان يحل به مدافعا قويا عن أداء العاملين في وسطه الثقافي والإعلامي، وعن الذين وقع عليهم حيف أو غبن جراء قرار أو تصرف ما في أجهزة الدولة".

وتابع الكاتب: "لطيف نصيف جاسم ليس ابن عم أو خال لي بقدر ما قادني قدري لأكون بقربه عندما كنت أعمل صحفيا في وكالة الأنباء العراقية وتلمست طيبته وسمو أخلاقه، والرجل لم يهدر دم أي عراقي ولم يرتكب جناية شخصية ضد أحد بقدر تعامله في أداء مسؤولياته المعروفة".