رغم المصالحة الخليجية.. ما سبب استمرار الخلافات بين قطر والبحرين؟

خالد كريزم | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ توقيع اتفاق المصالحة بين قطر والثلاثي الخليجي المقاطع، تخطو السعودية بشكل فعلي لتهدئة الأجواء في وقت تلتزم الإمارات الصمت، بينما تزداد الأزمات مع البحرين.

ففي حين توقفت قناة الجزيرة، أقوى سلاح إعلامي لدى قطر، عن توجيه الانتقادات المباشرة والحادة للسعودية، الدولة الأولى بين دول المقاطعة التي مدت يدها للصلح مع الدوحة، فإن الأخيرة ما تزال توجه سهام نقدها للبحرين. 

في المقابل، تستغل وسائل الإعلام البحرينية كل فرصة للهجوم على قطر، وتوجه انتقادات لها فيما يخص "دعم الإرهاب" أو جماعة الإخوان المسلمين، وهي التهمة التي تقول الدول الثلاث إن الأزمة اندلعت بسببها، والتي تنفيها الدوحة بدورها.

هجمات إعلامية

آخر التوترات بين قطر والبحرين، جاءت بسبب برنامج تلفزيوني بعنوان "خارج النص"، بثته قناة "الجزيرة"، في 7 مارس/ آذار 2021، دفع الخارجية البحرينية لتقديم مذكرة احتجاج لنظيرتها القطرية. 

وقالت الخارجية البحرينية، في بيان، إن البرنامج احتوى على "معلومات كاذبة وادعاءات باطلة، ساقها عدد من المحرضين المأجورين". 

وسلط البرنامج الضوء على كتاب باسم "زفرات"، يجمع شهادات أكثر من 70 معتقلا بشأن ما تعرض له نزلاء في سجن "جو" المركزي بالبحرين، يوم 10 مارس/آذار 2015، خلال مواجهات مع قوات الأمن.

واعتبرت الخارجية البحرينية أن هذا البرنامج "يتنافى مع روح ومبادئ بيان قمة العلا". وأعربت عن تطلعها لمواقف قطرية تساعد على بدء مباحثات لمعالجة القضايا العالقة بين البلدين. 

وفي 5 يناير/كانون الثاني 2021، أصدرت قمة خليجية في السعودية "بيان العلا"، وهو إعلان بانتهاء أزمة خليجية بدأت في يونيو/ حزيران 2017 بين قطر من جهة وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى.

وقال وزير الإعلام علي الرميحي إن برنامج قناة الجزيرة "مسيء ورسم علامات الاستفهام على تفاصيله وتوقيته، كما أنه يحرض بشكل مباشر على كراهية النظام (البحريني)"..

في المقابل، عرضت صحيفة الوطن البحرينية على موقعها الإلكتروني في 21 مارس/آذار 2021، الحلقة الأولى من وثائقي "نهضة آل خليفة العمرانية في شبه جزيرة قطر".

يروي الوثائقي ما تقول الصحيفة إنه ملامح من حكم الشيخ محمد بن خليفة الكبير لشبه جزيرة قطر وما شيده من أبنية وحصون وقلاع تثبت سيادة آل خليفة في الدولة الخليجية.

وبعد عرض الحلقة الأولى بيوم، قالت صحيفة العرب الإماراتية إن الوثائقي هو "أول رد من المنامة على ما اعتبرته تحرشا إعلاميا قطريا عبر قناة الجزيرة لا يتوافق مع أجواء مصالحة قمة العلا في السعودية".

بدأت الخلافات تتصاعد بعد توقيع اتفاق المصالحة بأيام، إذ قال وزير خارجية البحرين عبد اللطيف الزياني، إن قطر "لم تستجب" لدعوة وجهتها بلاده لبحث "القضايا العالقة"، معربا عن استعداد المنامة لبدء "مباحثات جادة" مع الدوحة.

وأوضح في 7 فبراير/شباط 2021 أن وزارة الخارجية البحرينية أرسلت في 11 يناير/كانون الثاني 2021، خطابا لنظيرتها القطرية لبدء مباحثات حيال القضايا والموضوعات المعلقة، تفعيلا لما نص عليه "بيان العلا". 

وعاد الزياني في 18 فبراير/شباط 2021، للقول إن سبب تأخر رد قطر في الرد على الدعوة إلى عقد محادثات ثنائية بعد اتفاق العلا هو "الإعلان إعلاميا" (دون توجيه رسالة رسمية) عن الدعوة، مؤكدا أنها ما زالت قائمة.

بعدها بأيام، وتحديدا في 24 من ذات الشهر، تلقى وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رسالة خطية من الزياني، لم يعلن عن مضمونها، فيما يبدو أنها كانت تمثل الدعوة الرسمية لإزالة الخلافات الثنائية.

لكن هذا لا يعني نهاية الخلافات، حيث تتواصل أزمة عدم الثقة بين البلدين رغم توقيع اتفاق المصالحة، وهو ما تعكسه وسائل الإعلام لدى الطرفين.

اختراقات بحر جو

ومن أبرز الخلافات بين البلدين، قضية الاختراقات الجوية والبحرية والتي تواصلت في ظل أجواء اتفاق العلا. 

وفي 9 يناير/كانون الثاني 2021، أي بعد 4 أيام فقط على توقيع المصالحة، أفادت وسائل إعلام بحرينية، بأن قطر أوقفت بطل كمال الأجسام البحريني سامي الحداد وهو مجموعة من أصدقائه، خلال رحلة صيد بحرية. 

وأكد نبيل الحمر المستشار الإعلامي لملك البحرين حمد بن عيسي آل خليفة صحة الخبر وقتها، معتبرا في تغريدة على حسابه بتويتر أن هذه الواقعة "تأتي ضمن الحملة الممنهجة التي تشنها قطر ضد البحارة البحرينيين، واختراقا واضحا لاتفاقية الصلح الخليجية التي أبرمت في قمة العلا" وفق تعبيره.

لم يصدر تعليق رسمي من الدوحة وقتها، لكن رد العميد القطري المتقاعد شاهين السليطي، على اتهامات المسؤول البحريني فقال: "قمة المصالحة في العلا لم تعط صكا على بياض لدولتك أو لبحارتكم باختراق الحدود البحرية لدولة قطر أو غيرها من الدول". 

وأضاف السليطي: "أمسك بحارتك عندك وفي حدود جزيرتك وإن اخترق أحد منهم الحدود ما له عندنا إلا القانون، أتمنى أن يكون الموضوع واضح لك".

وقبل توقيع اتفاق المصالحة، حيث كان الحديث يدور وقتها عن تهيئة الأجواء المناسبة لإنهاء الخلاف، أبلغت الدوحة رئيس مجلس الأمن جيري ماتجيلا، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عبر رسالتين، عن خرق 4 مقاتلات بحرينية الأجواء القطرية.

وقالت قطر في الرسالتين، إن "هذه الخروقات ليست الأولى التي تقوم بها مقاتلات بحرينية"، مشددة على أن "تكرار هذه الحوادث يدل على استهتار بالالتزامات الدولية من جانب مملكة البحرين لا يمكن السكوت عليه"، وفق بيان في 24 ديسمبر/كانون الأول 2020. 

في نفس اليوم ردت البحرين بالقول إن ما جاء في الرسائل القطرية: "عار من الصحة، ولا يمت للحقيقة بصلة".

وأضاف البيان أن الأمر يتعلق بـ"طلعة جوية تدريبية مشتركة لطائرتين نوع (إف-16) تابعتين لسلاح الجو الملكي البحريني وطائرتين من نفس النوع تابعتين لسلاح الجو الأميركي في منطقة التدريب المخصصة في أجواء السعودية ضمن تمرين جوي مشترك بين السلاحين". 

وتابعت: "بعد قرب انتهاء الوقت المخصص للرحلة، اندمجت الطائرات الأربع في تشكيل جوي واحد ومن ثم توجهت إلى أجواء البحرين عبورا بأجواء السعودية باتجاه الشرق استعدادا للهبوط بقاعدة عيسى الجوية".

ولفتت إلى أن "هذا المسار يعتبر الممر الجوي للخروج من منطقة التدريب والدخول إلى أجواء البحرين، ولم يتم خلال رحلة العودة التحليق على الأراضي القطرية، ولم يتم استخدام المجال الجوي القطري".

الوقت الضائع

الكاتبة والصحفية البحرينية وفاء العم تقول "منذ أن بدأ الحديث عن تقدم في ملف المصالحة الخليجية، لم توفر البحرين فرصة في التعبير عن عدم ارتياحها إلى المضي قدما في هذا المجال، وهو قلق عبرت عنه عناوين الصحف والمقالات، محذرة من مصالحة لا تضع في الحسبان مصالح المنامة". 

وقالت العم في مقال نشره موقع قناة الميادين 2 يناير/كانون الثاني 2021، أي قبل 3 أيام فقط من توقيع اتفاق العلا إن الخلافات بين الجانبين تاريخية بسبب النزاع على بعض الجزر.

وكانت مسألة النزاع الحدودي بين البحرين وقطر موضع خلاف قديم منذ ثلاثينيات القرن الماضي، حيث بلغ هذا النزاع ذروته في الثمانينيات. وبعد اتجاه الدوحة لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، انتهى الخلاف عبر هذه المحكمة الدولية عام 2001 بحزمة من القرارات النهائية.

ويتمثل قرار المحكمة الدولية غير القابل للاستئناف، منح البحرين السيادة على جزر حوار وجزيرة قطعة جرادة، بينما حصلت قطر على السيادة على جزر جنان وحداد جنان والزبارة وفشت الديبل، وحصلت الدوحة أيضا على أحقية مرور السفن التجارية السلمي في المياه الإقليمية للبحرين الواقعة بين جزر حوار وحدود الجزيرة الأم للمنامة.

 لكن هناك جانب معاصر في الأزمة، حيث تقول المنامة إن الدوحة تقدم دعما إعلاميا للمعارضة في البحرين، وتفتح لها قنواتها الإعلامية، وتعمل على تشويه سمعتها عبر هذه الوسائل.

وتؤكد المنامة أن قطر تعمل على "تجنيس أفراد بعض العوائل البحرينية، من خلال إغرائهم بالحصول على بعض المزايا، كما تستهدف عوائل محددة وفئة معينة دون الفئات الأخرى، من دون مراعاة القوانين المنظمة لذلك في البحرين"، وفق المقال.

وبين ما هو تاريخي وما هو معاصر، يبدو أن قطر كانت وما زالت، أكثر قدرة على إيذاء المنامة، لما تمتلكه من "إمبراطورية إعلامية" مؤثرة من جهة، ومن قدرة على استغلال الأوضاع السياسية الداخلية المتوترة في البحرين من جهة ثانية، لاستخدامها في معركتها ضدها، بحسب الكاتبة وفاء العم.

وبدورها، تقول صحيفة "مرآة البحرين" التي تعرف نفسها على أنها "مستقلة" في مقال بعنوان "لماذا قطر تحتقر البحرين؟" إن سبب ذلك يعود إلى أن المنامة "لا تحترم نفسها، بعد أن قررت أن تكون ملحقا في الخلاف الخليجي الفاجر في الخصومة.

وأوضحت الصحيفة في تقرير نشرته في 22 مارس/آذار 2021: "لا تحترم قطر البحرين أو تعطي لها وزنا ذا بال. وهي تواصل عبر ترسانتها الإعلامية الضاربة الطقطقة عليها بتسليط الضوء السلبي عليها في كل سانحة".

وأضافت: "البحرين انساقت النعل بالنعل وراء تهور وغرور الموقفين السعودي والإماراتي، حتى أن الإعلام القطري كان يطلق عليها جزيرة الريتويت. وحتى هذا يمكن تفهمه لاعتبارات جيوسياسية ومالية تتعلق بهيمنة الدولتين الأخيرتين على القرار البحريني منذ تدخلهما لحماية النظام خلال أزمة 2011".

ويرى البعض أن البحرين تؤدي بعد المصالحة نفس الدور، حيث تتصدر السعودية مشهد المصالحة الخليجي بينما تلتزم الإمارات الصمت.

وكانت تقارير عديدة تحدثت قبل قمة العلا وبعدها أن أبوظبي والمنامة ترفضان المصالحة الخليجية التي جرت قبل تولي جو بايدن الرئاسة في الولايات المتحدة. 

وتوضح "مرآة البحرين" في تقريرها: "حينما آذنت الأزمة في الانفراج وتهدئة أجواء التراشق الإعلامي قبل قمة العلا، كانت المنامة تواصل وضع العصي في العجلة، والقيام بتحركات يائسة مراهقة مثل افتعال قضية البحارة وإرسال بطل كمال أجسام يعمل بوزارة الداخلية لاختراق الحدود من أجل توقيفه واستثمار ذلك لمواصلة الضخ الإعلامي السلبي".

وهذا هو الحال في كل مرة. فدائما ما تنبري البحرين لتصدر الخلافات والتكسب من الأجواء المسمومة رغم أنها أضعف دولة والأقل إمكانات، بحسب الصحيفة.