عبد الحليم الحجاج.. مؤسس البرنامج النووي العراقي الذي حطمته أميركا
.jpg)
رغم إنجازاته وتاريخه الطويل في مجال الطاقة الذرية، رحل العالم العراقي عبد الحليم إبراهيم الحجاج مغتربا عن بلده، ووري الثرى في منفاه بألمانيا، وسط تجاهل رسمي من السلطات العراقية التي لم تصدر نعيا بشأن وفاة أحد أبرز علماء بلاد الرافدين.
الحجاج وافته المنية في 16 مارس/ آذار 2021، عن عمر ناهز الـ 80 عاما، بعد صراع طويل مع المرض قضاها مغتربا في العاصمة الألمانية برلين لمدة 15 عاما، والتي وصلها عقب إطلاق سراحه من عملية اختطاف طالته على يد جماعات مسلحة في العراق عام 2006.
مهندس المفاعلات
عبد الحليم إبراهيم الحجاج من مواليد مدينة البصرة جنوبي العراق عام 1942 حاصل على الدكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة "براونشفايك" الهندسية في ألمانيا.
في عام 1976 عمل باحثا بمركز البحوث النووية في منظمة الطاقة الذرية العراقية، ثم تولى إدارة قسم الهندسة الكهربائية في المركز ذاته، ثم مديرا للمفاعلات ثم مديرا لمعهد التدريب وتطوير العاملين.
أصبح بعدها رئيسا لدائرة السياسات العلمية والبرامج عام 1988، ثم عُيّن في منصب نائب رئيس منظمة الطاقة الذرية عام 1992.
وعهدت إليه مهمة رئاسة الفريق النووي المقابل لفريق الوكالة الدولية عام 1991 إثر بدء عمليات التفتيش بموجب قرارات مجلس الأمن.
أصبح الحجاج عضوا بالمجمع العلمي العراقي منذ عام 1996 وعضوا بمجلس الجامعة التكنولوجية 1987- 1992، إضافة إلى أنه عضو نقابة المهندسين بدرجة استشاري.
أنيطت به مهمة متابعة الهيئة الهندسية والفنية لوزارة الإعلام، وتحمل مسؤولية الإشراف على الكوادر لإعادة إعمار محطات الإرسال الإذاعي والتلفزيوني في العراق عقب تعرضها للقصف الأميركي عام 1991.
شغل منصب وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون العلمية والهندسية من عام 1999 وحتى 2001، ثم نقل مستشارا في دائرة الاحتياط في ديوان رئاسة الجمهورية.
يعد الدكتور الحجاج أحد أبرز علماء الطاقة الذرية، ومهندس مُفاعل تموز النووي العراقي الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية في 7 يونيو/ حزيران 1981، ومؤسس إستراتيجية البرنامج النووي في العراق.
إنتقل إلى رحمة الله الواسعة الأستاذ الدكتور عبدالحليم الحجاج، العالم النووي والرجل الإداري الكفوء.
— مصطفى كامل (@mustafakamilm) March 16, 2021
كان نبراساً في العلم والثقافة والسياسة، وحاملاً للمبادئ الوطنية والقومية الأصيلة.
تغرب كباقي علماء #العراق الأفذاذ بعد #غزو_العراق عام 2003 حين سطا الغزاة وعملاؤهم على أرض الوطن. pic.twitter.com/NEA1PeC7HN
مختطف ومغترب
تعرض الحجاج إلى الاختطاف على يد التنظيمات المسلحة عام 2006 بسبب مُساهمته في تحرير مُختطفين ألمان من داخل العراق، ليفرج عنه لاحقا ثم غادر العراق الى ألمانيا.
وفي أبريل/ نيسان 2009، أصدر الحجاج كتابا مع وزير التعليم العالي في عهد نظام صدام حسين، همام عبد الخالق بعنوان "إستراتيجية البرنامج النووي في العراق في إطار سياسات العلم والتكنولوجيا"، حيث طبعه مركز "دراسات الوحدة العربية" في العاصمة اللبنانية بيروت.
تناول الحجاج في كتابه مرحلة ما قبل قصف إسرائيل لمفاعل تموز عام 1981 وبعده، مشيرا إلى أنه نشر الكثير عن برنامج العراق النووي، دفاعا عنه أو هجوما عليه بالتهم والبهتان.
وأخذ ذلك النشر شكل موجات تتصاعد تارة وتخفت تارة أخرى. ولم يجر في كل ما كتب آنذاك التطرق كثيرا إلى الجوانب التكنولوجية والفنية للبرنامج.
يستعرض الحجاج في كتابه الإطار الإستراتيجي لبرنامج استمر أكثر من 50 عاما، وتوالت على رسمه وإدارته نظم سياسية عديدة، حكمت العراق منذ عشرينيات القرن العشرين وإلى حين تدمير القوات الأميركية البرنامج، ثم إلغاء هيئة الطاقة الذرية العراقية بعد احتلال بغداد سنة 2003.
ولفت إلى أن الكتاب ربما يكون أول وثيقة تصدر عن البرنامج النووي ولا تعبر عن رأي شخصي في البرنامج، هي ليست مذكرات شخصية، ولا تتناول أو تنتقد أشخاصا وعناوين أو تتحدث عن خصوصيات معينة.
وأوضح أنه أراد أن يدون ويوثق ما كانت قيادة العراق قد فكرت فيه، وحقيقة تطورات الأحداث، وما أدت إليه من جهة وآلت إليه من جهة أخرى، لكي لا يتصور أو يذهب بعيدا من يتراءى له أن الأمر لا يعدو نزوات ورغبات.
ولم يتناول كتاب الحجاج "أسماء أو حيثيات معينة محددة، لأن ذلك يذهب بالحقيقة بعيدا كما نرى، وكما رأيناها وعشناها، وأن هدفنا هو عرض الصورة بوصفها وثيقة للتاريخ، كما رسمت، لا كما تخيلها البعض".
البرنامج النووي
وفي يوليو/ تموز 2014، شارك مع مجموعة من الشخصيات العراقية الأكاديمية والمسؤولين السابقين في إصدار كتاب "التفتيش في العراق عن أسلحة الدمار الشامل (دور لجان التفتيش وفرقها في تدمير العراق والتمهيد لاحتلاله)".
وسلط الحجاج مع زملائه، الضوء على نشاط الولايات المتحدة في ممارسة شتى أساليب التضليل والخداع والوعد والوعيد للحيلولة دون التوصل إلى حل سلمي لقضية الكويت، وتفويت فرصة خططت لها منذ زمن بعيد، فكان لها ما أرادت، حيث شنت حربا بدأتها يوم 16 يناير/ كانون الثاني 1991، وأنهتها من جانب واحد يوم 28 فبراير/ شباط 1991.
كانت نتيجة هذا العدوان تدمير العراق تدميرا شاملا وصفه مارتي إحتساري مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في زيارته للعراق بعد تلك الحرب مباشرة بأنه "يشبه يوم القيامة".
وأوضح الحجاج أن العدوان استهدف صروح العراق العلمية وقواته العسكرية وبنيانه المتقدم وشعبه الآمن بحجة تحرير الكويت، حجة تخفي ورائها حقدا صهيونيا على كل بلد عربي متقدم.
وتابع: "تقرر عدم رفع الحصار ما لم يقتنع مجلس الأمن بتنفيذ جميع شروط قراره 687 (1991) وأوكل حصول اقتناعه بما تتوصل إليه لجنة خاصة شكلها المجلس تعنى بالتحري عن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والبالستية وبما تنجزه الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تدمير شامل لكل ما يمت بصلة من قريب أو بعيد بالبرنامج النووي العراقي".
وأردف قائلا: "لكي يعرف الجميع أنه لا يحق لأي دولة شرق أوسطية فيما عدا إسرائيل امتلاك الأسلحة الرادعة أو ما تسمى أسلحة الدمار الشامل".
وبيّن الحجاج: "كنا ومازلنا نعمل في مجال العلم والتكنولوجيا وقدمنا ما مكننا الله تعالى للنهوض بالعلم والتكنولوجيا في العراق لقناعتنا أن تقدم الشعوب وتطورها لا يأتي إلا من خلال إرساء قاعدة رصينة للعلم والتكنولوجيا، ومن خلال تأهيل مهنيين أكفاء ومهندسين متمرسين وعلماء مفكرين".
وأردف: "ونعلم يقينا أن المسار لابد وأن يستند إلى المعين الذي تولد في العراق منذ بداية الحكم الوطني في عشرينيات القرن المنصرم، لا بل إلى حضاراته منذ فجر التاريخ".
وحسب قوله: "رغم قلة الموارد المالية، سعى المسؤولون منذ مطلع الحكم الوطني للتوسع في إنشاء المدارس وتأسيس الكليات التخصصية ورفد الصناعة والزراعة والخدمات العامة بوسائل الفحص والتحليل والسيطرة النوعية وكذلك اعتماد الأسس العلمية في تقييم النجاحات والإخفاقات".
وإثر الزيادة الأولى للدخل الوطني مطلع الخمسينيات تأسس مجلس الإعمار فاضطلع بتنفيذ مشاريع عملاقة مثل السدود والإسكان وطرق المواصلات وغيرها الكثير، وإثر الزيادة الثانية للدخل الوطني أوائل السبعينيات استحدثت طفرة نوعية في التصنيع والتعليم والبحث العلمي والتكنولوجي، بحسب الكاتب.
وتابع: "كان من أحد ثمارها بناء مفاعل نووي لفحص المواد بمعونة تكنولوجية فرنسية وبعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن المفاعل تم تدميره بالكامل عشية تشغيله التجريبي في يونيو/حزيران 1981 بغارة إسرائيلية حاقدة".
ولفت إلى أنه تقرر في أعقاب ذلك بناء جميع التكنولوجيات الجديدة بجهد ذاتي وبدون استحصال أي معونة من الخارج. وهكذا انبثق المشروع النووي العراقي وأنشطة هيئة التصنيع العسكري.
كان أساس المشروع النووي اكتساب ناصية التكنولوجيا النووية ولاسيما دورة الوقود النووي وتسخيرها لاحقا لبناء مفاعلات القدرة الكهربائية. غير أن البرنامج تم تدميره وهو في أوج عطائه أثناء حرب عاصفة الصحراء عام 1991، بحسب الحجاج.
المصادر
- وفاة مؤسس البرنامج النووي العراقي
- الاستاذ الدكتور عبد الحليم حجاج ابو منقذ في ذمة ﷲ
- التفتيش في العراق عن اسلحة الدمار الشامل( دور لجان التفتيش و فرقها في تدمير العراق و التمهيد لاحتلاله)
- استراتيجية البرنامج النووي في العراق في إطار سياسات العلم والتكنولوجيا
- استراتيجية البرنامج النووي في العراق في اطار سياسات العلم والتكنولوجيا
- مفاعل تموز