مشعان الجبوري.. سياسي عراقي اعترف بتلقيه رشوة وفضح فساد المسؤولين

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

اشتهر رجل الأعمال والسياسي العراقي المثير للجدل مشعان الجبوري، بتقلباته الكثيرة وسرعة انقلابه على أقرب الحلفاء، لكنه يصف نفسه بأنه "يهوى المعارضة ويناهض الظلم والعدوان، ومقاوم للغزو والاحتلال ومتصدي للطائفية والطائفيين".

الجبوري برلماني سابق ورئيس حزب "الوطن"، يتنقل في الإقامة بين بغداد ودمشق، ويعتبر نفسه "سوراقي" الهوية، ويعني بها أنه "سوري- عراقي" في آن واحد، كونه استقر في سوريا مدة طويلة بعد مغادرته للعراق في عام 1991 ومعارضته لنظام صدام حسين.

وحسبما كشف في مقابلة تلفزيونية عام 2019، رفض الجبوري الربيع العربي والإطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي، حيث أطلق قناة "الرأي" الفضائية من سوريا بدعم مالي من الأخير للدفاع عن قواته التي كانت تقمع الثوار في 2011.

كذلك أعلن الجبوري تأييده نظام بشار الأسد في سوريا، ورفض الإطاحة به، رغم أنه حليف إيران، التي يتهمها الجبوري بالتسبب في تدمير العراق.

مثير للجدل

في الأشهر القليلة الأخيرة، أصبح الجبوري ضيفا شبه دائم في قنوات فضائية عراقية، يتحدث عن صفقات الفساد الكبيرة في البلاد، والتهميش والإقصاء الذي تتعرض له المدن السنية، واكتظاظ السجون بالمعتقلين السنة، وتغييب الآلاف منهم بعد اعتقالهم من قبل فصائل بالحشد الشعبي.

في مقابلة تلفزيونية 31 يناير/ كانون الثاني 2021، حذر الجبوري من حكومة يرأسها أحد متشددي التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر المتورطين بالحرب الطائفية عام 2006- 2007، مفضلا عودة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، لو جرى تخييره بين الاثنين.

لكن طرح الجبوري كان ينطوي على تناقضات كبيرة، لأنه حمل المالكي خلال  تغريدات على "تويتر" في 14 يونيو/ حزيران 2020، مسؤولية سقوط مدينة الموصل ذات الغالبية السنية بيد تنظيم الدولة عام 2014، بإصداره أوامر انسحاب القوات الأمنية.

وقال الجبوري: "لقد كانت دوافع صاحب القرار بانسحاب القوات المسؤولة عن حماية الموصل وتركها لتنظيم الدولة هو تدمير المدينة انتقاما من سكانها الذين لم يقدموا له فرائض الولاء والطاعة، وإرضاء لعقيدة طائفية انتقامية على خلفية دور أبنائها في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات".

ووجه الجبوري اتهاما للمالكي بـ"اتخاذ قرار تهريب عناصر تنظيم الدولة من سجن أبو غريب بالعاصمة العراقية بغداد في يونيو/حزيران 2013".

مدان بالفساد

الجبوري الذي يصف نفسه بأنه أحد "الصقور" الذين سيخلصون محافظة صلاح الدين- مسقط رأسه- من أعتى الفاسدين في العراق، ويقصد به النائب عبد الله الجبوري المعرف بـ"أبو مازن"، كان القضاء قد حكم عليه بالسجن بتهم اختلاس أموال.

في أكتوبر/ تشرين الأول 2006، وبناء على طلب مجلس القضاء الأعلى رفعت الحصانة عن الجبوري في البرلمان كونه وقتها رئيسا لكتلة "المصالحة والتحرير"، وكانت هذه أول واقعة يدان فيها أحد برلماني منتخب نهاية 2005 بتهمة الفساد الإداري.

أدان القضاء الجبوري باختلاس ملايين من الدولارات كانت مخصصة لإطعام 3 وحدات من الجيش أنشئت لحماية المنشآت النفطية من هجمات مفترضة من مسلحين. 

وفي يوليو/ تموز 2007، أصدرت المحكمة الجنائية المركزية، حكما غيابيا بالسجن 15 عاما على الجبوري ونجله يزن، مؤكدة إدانتهما بتهمة الاستيلاء على أموال عامة من خلال تأسيس شركة وهمية باسم "الشركة العربية لتجهيز الأطعمة والخدمات المحدودة" يديرها يزن الجبوري.

وأصدرت المحكمة أمرا بالقبض على مشعان ويزن الجبوري وإشعار الجهات المختصة لتنفيذه "وإيداعهما السجن حالا عند القبض عليهما"، حيث هرب وقتها إلى سوريا.

لكن الجبوري عاد إلى العراق في مارس/ آذار 2013، بوساطة أجراها النائب عزت الشابندر عن كتلة "ائتلاف دولة القانون" برئاسة نوري المالكي، حيث استقبله في مطار بغداد ومنع اعتقاله.

الشابندر أبلغ الأمن الخاص بمطار بغداد الدولي بعد محاولتهم اعتقال الجبوري بأنه مكلف من المالكي باصطحابه إلى مكتبه، مشيرا إلى أن مذكرة الاعتقال لم تعد نافذة وهي أمر قديم، حسبما نقلت مواقع محلية عن النائب المقرب من المالكي.

وفي عام 2016، قال مشعان الجبوري في مقابلة تلفزيونية إن "جميع السياسيين في البلد يديرون عملية الفساد بمن فيهم المتحدث، إذ أننا في لجنة النزاهة البرلمانية نفتح الملفات ولا نغلقها إلا مقابل رشوة. وأنا والله قبضت رشوة حتى أغلق الملف، لكن لم أفعل بعدما أخذت كم مليون دولار، لكني لم أغلقه".

وأقر الجبوري حينها أن "الطبقة السياسية جميعها هي السبب في دمار البلد، فإذا كان هناك جائع بالشارع وطفل ينام بلا أكل، وإذا كان هناك عراقي يموت بسبب نقص الدواء فالسبب هي الطبقة السياسية الموجودة في المنطقة الخضراء ببغداد (مقر الحكومة والبرلمان)، جميعنا نكذب ونسرق ونأخذ الرشوة".

مادة للسخرية

لكثرة تناقضات الجبوري وتقلباته السياسية، أصبح مادة دسمة للبرامج الساخرة في العراق، حيث أظهرت مقاطع فيديو لسلسلة مقابلات تلفزيونية أجراها الجبوري منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003 وحتى العام 2021، كما هائلا من التناقضات.

وأظهرت مقاطع مصورة، امتداح الرئيس الراحل صدام حسين بعدما كان معارضا لأكثر من عقدين من الزمن، وإشادته بتنظيم القاعدة إبان الاحتلال الأميركي للعراق، وبث عملياتهم في قناة "الزوراء" التي كان يمتلكها ويروج من خلالها للعمليات المسلحة ضد القوات الأميركية.

وكذلك أظهرت مقابلات الجبوري، انتقاده اللاذع لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي ووصفه بـ"الصفوي والطائفي الذي يدير البلد بتوجيه من إيران"، ثم تراجعه عن ذلك بكيل المديح له ووصفه بالزعيم الوطني الذي لا يسمح بتقسيم العراق، وانتقاد الأكراد وقادتهم وتمنى مغادرتهم للعراق بدولة من 3 محافظات شمالية.

لكن الجبوري لم يلبث كثيرا في انتقاد الأكراد وإنما عاد وامتدحهم ووصف الزعماء الأكراد، لا سيما رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، بأنه رجل شريف وصاحب كلمة وزعيم قومي وعراقي ليس له مثيل في البلد.

كذلك أظهرت مقاطع مصورة أخرى مدح النظام السياسي الشيعي في إدارة البلد بعيدا عن الطائفية والدعوة للتقسيم، وأنهم لم يرفعوا السلاح بوجه السنة الذين حكموا البلاد لسنوات طويلة، رافضا الدعوة لتشكيل إقليم سني، قبل أن يغير رأيه ويدعو في 2021 لإقامة إقليم سني للتخلص من سطوة المليشيات في محافظات السنة.

لم يسلم من الجبوري الحلفاء المقربين، حيث وصف رئيس الحكومة السابق إياد علاوي بصاحب المشروع الوطني حين تحالف معه في انتخابات 2018، قبل أن ينتقده في أبريل/ نيسان من العام نفسه، ويحمله مسؤولية استبعاده من قائمةِ الوطنية الانتخابية، ويتهمهُ بأنه رجل "خرف ويعاني من خلل عقلي".

بعدها تحالف الجبوري مع السياسي جمال الكربولي ودخل انتخابات أيار/ مايو 2018 في قائمة "تحالف بغداد" التي يرأسها الأخير، وبعد خسارة الجبوري في الانتخابات، خرج على وسائل الإعلام واتهم الكربولي بعقد صفقات تزوير، وأنه "فاسد وسارق".

وعلى الطريقة ذاتها، كان الجبوري ينتقد السياسي السني ورئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، حيث كان يصفه بـ"الطائفي، وصاحب المشروع التركي في العراق"، لكنه أعلن في سبتمبر/ أيلول 2019، انضوائه تحت "جبهة الإنقاذ والتنمية" بزعامة النجيفي، ووصف الأخير بأنه "رجل وطني ونظيف".

خطوة جريئة

ولد مشعان ركاض ضامن الجبوري العام 1957 في قرية الزوية بقضاء الشرقاط بمحافظة صلاح الدين شمال العراق، قُتل والده في ستينيات القرن العشرين خلال المعارك ضد الأكراد، حيث كان أحد قوات "فرسان العشائر" المتطوعين الذين يقاتلون إلى جنب قوات الجيش العراقي.

قفز الفتى مشعان من الشرقاط إلى بغداد عندما زار صدام حسين مدينة الشرقاط، ففي خطوة جريئة وقف أمامه مشعان وقال له: "الأكراد قتلوا أبي، فماذا أنتم فاعلون؟". وبعدها التقى به في قصره ببغداد، فأهداه صدام سيارة وعينه في صحيفة الثورة الحكومية عام 1976.

يقول الجبوري عن نفسه إنه مارس التجارة منذ الثمانينيات في منطقة الشورجة التي تعتبر مركز التجارة في بغداد، وأصبح أحد رجال الأعمال المعروفين في تلك المدة. لكن خصومه يقولون إن ثروته جمعها كونه كان الواجهة التجارية لحسين كامل زوج رغد صدام.

ويتهم أطراف من عشيرته الجبوري، بأن مشعان كان سببا في إعدام عدد من أبناء العشيرة  بعدما أرسل تقرير لصدام حسين تحدث فيه عن الإعداد لانقلاب عسكري يقوده ضباط من عشيرته خلال استعراض عسكري في عيد الجيش يوم 6 يناير/كانون الثاني 1990، بطريقة مشابهة لاغتيال الرئيس المصري أنور السادات.

وفي عام 2018، أعلنت وزارة الداخلية العراقية، اعتقال الجبوري لدى مراجعته المحكمة على ذمة قضية سابقة متهم بها تتعلق بالنزاهة، وأن عملية الاعتقال جاءت بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه عام 2008، لمشاركته في قتل عدد من أفراد عشيرة الجبور إبان حكم النظام السابق.

وتفيد تقارير في 27 يونيو/ حزيران 2020، بأن مشعان استطاع أن يحصل على ثقة عدي صدام حسين، فأرسله بعد الحصار الاقتصادي على البلد جراء غزو الكويت عام 1991 ليدير أعماله التجارية في الأردن، وبعد أن أصبح تحت يديه 30 مليون دولار هرب بها إلى سوريا وهناك سلم السوريين معلومات مهمة جدا عن نشاطات المخابرات العراقية والأردنية.

وأفادت التقارير بأن الجبوري عاد إلى العاصمة الأردنية عمان ليصبح معارضا، وحضر مؤتمرات المعارضة في الخارج، حيث كان أول من استقبل حسين كامل وصدام كامل وبنات صدام حسين عندما طلب اللجوء في ضيافة العاهل الأردني.

بعد سقوط نظام صدام في 2003 دخل الجبوري مع قوات البيشمركة الكردية (قوات حماية إقليم كردستان العراق) إلى مدينة الموصل مركز محافظة نينوى (شمال)، فيما أعلن قائد القوات الأميركية في الموصل حال احتلال مبنى المحافظة تعيين الجبوري محافظا على الموصل، لكن سكان المدينة استقبلوه بالأحذية، بحسب تقارير.