لائحة أوروبية تدين الوضع الحقوقي.. لماذا سكتت الجزائر عن تدخل فرنسا؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يعود الملف الحقوقي في الجزائر إلى دائرة الضوء مجددا، لكن هذه المرة من بوابة البرلمان الأوروبي الذي صوت بالإجماع وللمرة الثانية على لائحة تدين استمرار اعتقال عدد من الصحفيين والنشطاء الجزائريين.

اللائحة قوبلت برد فعل جزائري رسمي كان آخره، دعوة برلمانيين إلى وقفة احتجاجية أمام مقر بعثة الاتحاد الأوروبي بالعاصمة الجزائر، رفضا لما اعتبروه تدخلا في الشؤون الداخلية.

اللائحة الأوروبية

في 26 نوفمبر/الثاني 2020، اعتمد البرلمان الأوروبي قرارا عاجلا سلط الضوء على تدهور حالة حقوق الإنسان في الجزائر، لا سيما حالة الصحفي محمد خالد دراريني، الذي صدر الحكم بحبسه عامين في 15 سبتمبر/أيلول 2020، ليصبح رمزا للدفاع عن حرية التعبير والصحافة في البلاد.

القرار الأوروبي سلط الضوء على قضية دراريني، مشيرا إلى الانتهاكات التي تعرض لها من قبل الأجهزة الأمنية، والحكم الصادر بحبسه، كنموذج لقمع السلطات الجزائرية المتزايد.

كما أدان قرار البرلمان الأوروبي تصاعد الاعتقالات التعسفية، داعيا السلطات الجزائرية لـ "الإفراج الفوري وغير المشروط عن دراريني وجميع المحتجزين المتهمين بممارسة حقهم المشروع في حرية التجمع وتكوين الجمعيات وحرية التعبير، سواء من خلال شبكة الإنترنت أو خارجها.

النص المعتمد من قرار البرلمان الأوروبي العاجل والمؤرخ في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، يشير إلى وضع الحريات المدنية في الجزائر، متضامنا مع "جميع المواطنين الجزائريين - رجالا ونساء، من الخلفيات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والعرقية المتنوعة - والذين خرجوا في تظاهرات سلمية منذ فبراير/شباط 2019".

وينص القرار على ضرورة أن "يضع الاتحاد الأوروبي حالة حقوق الإنسان في صميم علاقاته مع السلطات الجزائرية، لا سيما خلال اجتماع مجلس الشراكة المقبل بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، وأن يضغط على دائرة العمل الخارجي الأوروبي لإعداد وتقديم قائمة بالحالات الفردية ذات الأهمية الخاصة، بما في ذلك تلك المذكورة في هذا القرار، وتقديم تقارير منتظمة إلى البرلمان بشأن التقدم المحرز نحو حل هذه القضايا".

كما يبرز القرار أنه "في عام 2020، زاد نشاط حركات حقوق المرأة لا سيما في إطار الاحتجاج على العنف المتزايد بحق النساء، إذ دعت هذه الحركات لـ"مراجعة القوانين القائمة ضمانا للمساواة الكاملة".

كما كرر القرار أيضا دعوة المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ميشيل باشليت، الإفراج العاجل عن جميع السجناء السياسيين والمعتقلين بسبب تعبيرهم عن وجهات نظر مخالفة، وخاصة في ظل تفشي جائحة كورونا.

وطالب القرار السلطات الجزائرية بإلغاء حظر وسائل الإعلام ووقف اعتقال واحتجاز النشطاء السياسيين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وأي شخص يعبر عن معارضة أو انتقاد للحكومة".

وخاطب القرار مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، ودعاهم لـ "دعم المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمتظاهرين، وذلك من خلال تبني موقف عام أكثر حزما بشأن احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون في الجزائر، وإدانة انتهاكات حقوق الإنسان بشكل واضح وعلني".

تدخل أجنبي

القرار الأوروبي قوبل برد جزائري حاد، حيث جاءت أولى مواقف الإدانة على لسان وزارة الخارجية التي اعتبرت القرار الأوروبي "إهانة" وينم عن "أبوية" تعود للعهد الاستعماري.

ووفق البيان الصادر يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن الخارجية الجزائرية، فإنه "لا يمكن لأي مؤسسة أوروبية التدخل بهذه الطريقة الفظة وغير المقبولة في شؤوننا الداخلية".

وحذرت الخارجية من أن هذه اللائحة من شأنها "الإساءة لعلاقات الجزائر وشركائها الأوروبيين، حيث إن الجزائر تربطها علاقات تقوم على الاحترام المتبادل مع أوروبا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخر".

وفي نفس المنحى، استنكرت الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني، (الحزب الحاكم سابقا)، بمجلس الأمة (الغرفة الأولى للبرلمان) مضمون هذه اللائحة الأوروبية.

الجبهة اعتبرت اللائحة تحوي "جملة من المغالطات والادعاءات الباطلة حول حقوق الإنسان في الجزائر"، مؤكدة أن ما جاء فيها "جانب الصواب" وأنه "مجرد مزاعم يفندها الواقع، خاصة وأنها أعدت بخلفية سياسية استعمارية".

بيان الجبهة قال: إن الذين صاغوا هذه اللائحة "يريدون إيقاف سيرورة الحياة السياسية ومسار التغيير والتجديد في الجزائر الجديدة"، معتبرا موقف البرلمان الأوروبي "تدخلا سافرا في شؤون الدولة الجزائرية وسلوكا سياسيا غير مقبول".

الجبهة دعت أعضاء البرلمان الأوروبي إلى "إفراد مناقشة ما يجري في بعض بلدان الاتحاد الأوروبي من عمليات تعنيف للمتظاهرين السلميين المطالبين بتحسين ظروف حياتهم اليومية ودول أوروبية أخرى تنامت فيها كل مظاهر العنصرية والمعاداة للآخر".

خبراء يرون أنه بموجب معاهدة الاتحاد الأوروبي والمادة 2 من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، يتعين على الاتحاد وضع حقوق الإنسان، بما تتضمنه هذه المعاهدات من احترام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، في قلب تعاونهم الجماعي والثنائي مع الجزائر.

يشمل ذلك التزامات الجزائر وفق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومواده 14 و19 و21 و22 المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان موضوع النقاش في هذا القرار.

تصريحات ماكرون

خلال تصريحه لمجلة "جون أفريك"، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه سيبذل كل ما في وسعه "لمساعدة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون" الذي وصفه بأنه "شجاع".

وقال ماكرون: "توقيف نشطاء الحراك والضغط على الصحفيين والتطهير الإداري والعسكري، لا يبدو أن الجزائر مع تبون قد قطعت بعض الممارسات القديمة لنظام بوتفليقة".

وتساءل: "هل اتخذ بقدر كاف مقياس تعطش الجزائريين للتغيير؟ أقول لكم بصراحة: سأفعل كل ما في وسعي لمساعدة الرئيس تبون في هذه الفترة الانتقالية. إنه شجاع".

وفي مسعى لتبرير ممارسات النظام الجزائري الجديد أضاف ماكرون: "لا يمكنك تغيير الدولة والمؤسسات وهياكل السلطة في غضون بضعة أشهر. كانت هناك حركة ثورية، لا تزال موجودة، بشكل مختلف. هناك أيضا رغبة في الاستقرار، خاصة في الجزء الريفي من الجزائر".

وتابع: "يجب عمل كل شيء حتى يكون هذا الانتقال ناجحا. لكن هناك عامل زمني مهم. هناك أيضا أشياء ليست في معاييرنا ونود أن نراها تتطور، الجزائر بلد عظيم. لا يمكن لإفريقيا أن تنجح بدون نجاح الجزائر".

غضب شعبي

تصريحات ماكرون أثارت غضب الشارع الجزائري، وسرعان ما صدرت ردود فعل منددة من أحزاب المعارضة وناشطين في الحراك، متهمة ماكرون بـ"التدخل" في شؤون البلاد واتباع سياسية "نيوكولونياليّة" وبأنه يظن نفسه مخولا توزيع شهادات شرعية.

كريم طابو رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي، وأحد أبرز وجوه الحراك الشعبي، نشر رسالة وجهها الى الرئيس الفرنسي، عبّر فيها عن استيائه من عودة باريس لدعم السلطة في الجزائر، وتشجيع المسار غير الديمقراطي في البلاد.

وخاطب طابو ماكرون قائلا: "دعمك الظاهر للنظام الجزائري، يكشف عن سوء نيتك ونفاقك السياسي، وإن دعمكم لما يسمى بالعملية الانتقالية الحالية هو استهزاء لا يطاق، وتدخل في الجدل الداخلي في الجزائر، وتأثير مباشر في الصراعات السرية والمعارك التي لم تمنع فقط عمليات التحول الديمقراطي كما يدعي الناس، لكنها أيضا تخاطر برهن مستقبل أجيال بأكملها".

وأشار طابو إلى أن ما يصفه الرئيس الفرنسي بمرحلة انتقالية في الجزائر "هي في الحقيقة مجرد ثورة مضادة ملهمة، تم تنفيذها لمنع الجزائريين من الحصول على حقهم في تقرير خياراتهم ومصيرهم".

الغريب أن السلطات الجزائرية صمتت هذه المرة ولم يصدر منها أي تعليق تعبّر من خلاله عن أي موقف يدين ما أقدم عليه الرئيس الفرنسي، بخلاف ما صدر عنها في السابق تجاه فرنسا، منذ اندلاع الحراك الشعبي في شهر فبراير/شباط 2019.

شأن داخلي

المحلل السياسي الجزائري محمد عمران أبدى استغرابه من جرأة الرئيس الفرنسي في الحديث عن دعم للرئيس الجزائري، وفي شأن سياسي داخلي، رغم معرفة فرنسا ما يثيره هذا الموقف من غضب بين الجزائريين، الذين عبّروا مرارا على رفضهم لذلك في مسيرات الحراك الشعبي.

وقال عمران في حديث لـ"الاستقلال": "تعيش الجزائر اليوم في وضع سيئ لا يسمح لها بالرد على ماكرون، الذي يتصرف بذهنية استعمارية فجة، ويعتبر الجزائر غير قادرة على قيادة نفسها بنفسها، لا بد لها من الحماية، وعندما يتحدث عن دعم الرئيس تبون، هل سيدعمه ضد شعبه؟ أم ضد المعارضة التي تمارس حقها الديمقراطي في المعارضة؟".

ورغم كل ذلك، المحلل السياسي اعتبر أن "هذا لا ينفي وجود تجاوزات في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير، حيث لا يزال الجزائريون يناضلون من أجل مزيد من الحريات، إلا أن إدخالها في إطار التجاذبات الدولية قد يشوش على الحقوقيين والناشطين في الجزائر أكثر من دعمهم".