"تنازع المصالح" بالمغرب.. لماذا اقترحه حزب الاستقلال قبيل الانتخابات؟

الرباط - الاستقلال | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مؤخرا، تقدم "حزب الاستقلال" المغربي المعارض، بمقترح قانون إلى مجلس النواب (البرلمان)، يحظر على موظفي الشأن العام الجمع بين تدبير شأن المواطنين والمصالح الخاصة، كما يفتح الباب أمام المواطنين لتقييم أداء المسؤولين.

مقترح القانون الذي تقدم به الفريق الاستقلالي بعنوان "تنازع المصالح"، يتقاطع مع مقترح تقدم به حزب "الاتحاد الاشتراكي" (شريك في الائتلاف الحكومي)، وفي مضمونه مع مشروع قانون "الإثراء غير المشروع" الذي أحالته الحكومة عام 2016 على البرلمان لتعديله ومناقشته ثم المصادقة عليه.

فهل يسعى حزب الاستقلال لاستعادة بريقه الذي فقده طيلة السنوات الماضية أمام شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم واكتساحه الانتخابات العامة لدورتين متتاليتين، وهل يرغب الاستقلال في العودة إلى الساحة السياسية من جديد وبدأ من الآن حملته الانتخابية؟.

قوانين صارمة

يوم 22 سبتمبر/ أيلول 2020، تقدم الفريق الاستقلالي في مجلس النواب بمقترح قانون "تنازع المصالح"، تضمن نصه "وضع إطار قانوني للممارسات الفضلى للوقاية من الفساد وتعزيز قواعد النزاهة والشفافية في تدبير الشأن العام والحياة الاقتصادية بصفة عامة".

جاء في المذكرة التقديمية للمقترح: "هذا القانون يسعى إلى تفعيل التزامات المغرب الدولية، خاصة الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، وإرساء قواعد واضحة لمدبري الشأن العام حتى لا يكون هناك تعارض بين الفعل العمومي والمصالح المرتبطة بالقطاع الخاص والمجالات الاقتصادية".

ويرمي مقترح القانون، إلى "إعمال أحكام الدستور الخاصة بتنازع المصالح كما هو مبين في الفصل 36 منه، وذلك عبر وضع قواعد قانونية لترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية وإرساء قواعد المساءلة والمحاسبة في كل ما يرتبط بحماية المال العام وشفافية الحياة الاقتصادية ومحاربة الإثراء غير المشروع".

فيما تنص المادة الثانية على أنه "يحدد ويضبط شروط حالات تنازع المصالح ويضع آليات ووسائل الوقاية منها".

وبحسب المادة الرابعة، فإنه "يخضع لأحكامه كل شخص طبيعي يتحمل مسؤولية عمومية، سواء عن طريق الانتخاب أو التعيين، وكذلك كل شخص طبيعي يتحمل مسؤولية ترتبط بالحياة الاقتصادية والحياة العامة"، كما هو مبين في الفصل السادس من أحكام هذا القانون.

وأشار مقترح القانون في مادته الخامسة، أنه "تسري مقتضيات هذا القانون على جميع الأشخاص الخاضعين لأحكامه وأصولهم وفروعهم، وذلك طيلة فترة تحملهم المسؤوليات التي تضعهم تحت طائلة هذا القانون وكذلك لمدة 5 سنوات التي تلي إنهاء ارتباطهم بالمهن والوظائف والمسؤوليات التي كانوا يتحملونها في القطاع العام".

وجاء في المادة نفسها، أنه "يمنع على الأشخاص الخاضعين لأحكام هذا القانون أن يرتبطوا بعقود عمل أو تعاون بمقابل أو بدون مقابل، قد يترتب عنها تنازع للمصالح، وذلك لمدة 5 سنوات التي تلي انتهاء مهامهم، مع المؤسسات التي تحملوا فيها مهام ومسؤوليات سابقا".

عقوبات المخالفين

وتشير المادة السابعة من القانون على أنه "يتعين على أعضاء الحكومة أن يصرحوا بكل الأنشطة الاقتصادية والمهنية التي يمكن أن تشكل تنازعا للمصالح داخل أجل 3 شهور من تعيينهم، وفق نموذج يتم تحديده بنص تنظيمي، وأن يكونوا في وضعية جبائية سليمة تجاه المصالح الضريبية، وبالنسبة لأعضاء الحكومة المشغلين، يجب أن يثبتوا صحة وضعيتهم القانونية تجاه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي".

المادة الثامنة من مقترح القانون، تنص على أنه "يتعين على الأشخاص الخاضعين لأحكام هذا القانون المنصوص عليهم، التصريح الإجباري بمصالحهم أو المصالح التي يمكن أن تنشأ بحكم مهامهم الجديدة، لدى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وذلك في أجل أقصاه 90 يوما من تاريخ الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات أو من تاريخ التعيين أو من تاريخ تسلمهم الفعلي لمهامهم أو من تاريخ شروعهم في نشاط مهني حر".

أشارت المادة 12 من مقترح القانون، إلى أن "الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، تعد تقريرا سنويا حول حالات ووضعية التصريح بتنازع المصالح ترفعه إلى رئيس الحكومة ورئيس مجلسي البرلمان ويتم نشره".

فيما أوضحت المادة 13 أنه "يمكن للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن تتحرى بخصوص المخالفات التي تتعلق بهذا القانون وإحالتها على النيابة العامة طبقا لاختصاصاتها".

وبخصوص العقوبات، فقد جاء في المادة 14، أنه "يعاقب كل ملزم لم يصرح بحالة تنازع المصالح داخل الآجال القانونية المضمنة في هذا القانون، ودون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد بغرامة من 50 ألف درهم (5 آلاف دولار) إلى 150 ألف درهم (15 ألف دولار)".

يمنع بموجب القانون كل من ثبت في حقه تنازع للمصالح من مزاولة الوظائف العامة أو الترشح للانتخابات خلال مدة أقصاها 6 سنوات". وتتم مصادرة الأموال والمنقولات والقيم والعقارات التي يكون مصدرها تنازع المصالح، طبقا للقوانين الجاري بها العمل.

قديم جديد

بدوره تقدم حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" بمقترح قانون في 3 سبتمبر/ أيلول 2020، عن تجريم الإثراء غير المشروع، أشعل المواجهة بينه وبين العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي)، الذي تقدم بتعديل يقضي بـ"ترك مهمة تقييم ثروات المصرحين بالممتلكات للمجلس الأعلى للحسابات، وربط المحاسبة بنهاية تولي الوظيفة والاقتصار في التصريح بالممتلكات بالنسبة للمعني وأبنائه فقط".

وينص الفصل 8-256 من مشروع القانون الجنائي على أنه "يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100 ألف إلى مليون درهم، كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات وثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية، أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة".

ويجب في حالة الحكم بالإدانة بمصادرة الأموال غير المبررة طبقا للفصل 42 من نفس القانون، والتصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام العمومية.

أما قانون "الإثراء غير المشروع" الذي قدمته الحكومة في 2016 للبرلمان للمصادقة عليه، فعبر بعض البرلمانيين عن مخاوفهم من أن يتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات ضد المسؤولين، معتبرين المصادقة عليه، بالصيغة التي ورد بها، قد يحمل مخاطر واستعمالات سلبية.

مشروع القانون ما يزال حبيس أدراج لجنة العدل بمجلس النواب، رغم تعاقب حكومتين، الأولى برئاسة عبد الإله بنكيران، والثانية يترأسها سعد الدين العثماني.

العودة للواجهة

في انتخابات 2016 التشريعية بالمغرب تصدر حزب العدالة والتنمية (125 مقعدا) متبوعا بـحزب الأصالة والمعاصرة (102 مقاعد)، وهو الحزب الذي أنشئ بالأساس لمجابهة الإسلاميين والحد من انتشارهم.

أحدثت هذه النتائج هزة داخل عدد من الأحزاب السياسية، خاصة حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال لتراجعهما الذي وصف بـ"الكبير".

أرجع المحللون هذا التراجع إلى إشكالات وأزمات تنظيمية وطبيعة الخطاب وآليات التواصل مع المواطنين، وأيضا العجز عن بلورة بدائل هامة في مجال السياسات العمومية وشخصنة النقاش في الحملات الانتخابية.

بدأ "الاستقلال" في 2019 التحرك على الساحة السياسية لاستعادة بريقه، بعد أن قرر في 22 أبريل/ نيسان 2018، الانتقال إلى صفوف المعارضة، بعدما كان يساند الحكومة الحالية التي يقودها حزب "العدالة والتنمية" دون أن يكون طرفا فيها.

رأى المراقبون أن مداخلات فريق الحزب داخل قبة البرلمان أو خلال لقاءات أو ندوات، تكشف سعيه للحصول على تأشيرة العبور إلى الحكومة من جديد في انتخابات 2021، منذ أن غادرها في المرة الأولى منتصف ولاية الحكومة السابقة (2011 - 2016)، إلى صفوف المعارضة.

في مقال تحليلي، نشرته الأناضول في مايو/ أيار 2019، قال المحلل السياسي المغربي، رشيد لزرق: إن ديناميكية حزب الاستقلال لا تقوم على مشروع جديد أو فكرة جديدة.

لزرق قال: إن "قوة الأحزاب هي القدرة على إطلاق أفكار جديدة أو مشاريع مجتمعية جديدة، واقتراحها على عموم المواطنين".

تسخين انتخابي

عبد المنعم لزعر، الباحث في العلوم السياسية، اعتبر أنه يجب الإشارة إلى عدد من الملاحظات، أولا، أن مقترح "تنازع المصالح" الذي تقدم به حزب "الاستقلال" يندرج في نفس سياق ورهانات المقترح الذي تقدم به حزب "الاتحاد الاشتراكي" حول "الإثراء غير المشروع".

ثانيا، يضيف الباحث في حديث مع صحيفة "الاستقلال"، أن المقترحين معا مقدمان من طرف نواب برلمانيين عبر صيغة المقترح مع العلم أن حزب الاتحاد الاشتراكي المشارك في الحكومة كان بإمكانه تقديم مقترحات عبر مشروع قانون وليس مقترح قانون، وهو ما يعني أن تقديم المشروعين تتحكم فيهما رهانات مستقلة وإن كانت متقاطعة على مستوى تدبير رهانات زمنية مازالت تفصل عن الاستحقاق الانتخابي المقبل.

ثالثا، على مستوى الصلاحية فإن الحزبين من حقهما تقديم أي مقترح لتغيير البيئة المؤسساتية والمعيارية المؤطرة لتدبير الشأن العام لكن على مستوى النجاعة فإن المقترحين معا يملكان نسبة 10٪ من النجاح في تمرير المقترح و90٪ من نسبة الفشل.

في ضوء هذه الملاحظات، يقول لزعر: "إذا كان تقديم هذين المقترحين يندرجان ضمن رهان تغيير البيئة المؤسساتية والمعيارية فإن الآلية المعتمدة في ذلك غير فعالة، لأن المعايير والمحددات المتحكمة في صناعة القوانين بالمغرب مازالت تمنح الأولوية لمقترحات الحكومة على حساب مقترحات البرلمان".

كما أن آليات العقلنة البرلمانية تكرس لهيمنة الحكومة على البرلمان وبالتالي فإن الخطوة من الناحية التشريعية هي خطوة شبيهة بالرصاص الفارغ.

هذه القراءة تقوي فرضيات القراءة البديلة التي تشير إلى أن المقترحين الخاصين بحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال مؤشران على اندماج الحزبين في إستراتيجيات إعادة بناء نوعي للقضايا المحتمل تسويقها في الانتخابات التشريعية المقبلة.

وبالتالي، يختم الباحث، فيمكن للمقترحين أن يقوما بوظيفة تهيئ البيئة السياسية لخطاب انتخابي محتمل يستثمر في قضايا محاربة الفساد، خاصة وأن مثل هذا الخطاب كان أبرز عناوين حملة حزب العدالة والتنمية خلال انتخابات 2011.