قمع في الشرق وحريات بالغرب.. هل أوشك "جدار برلين" الليبي على السقوط؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1990، بدأ الألمان في شطر برلين الشرقي العبور إلى شطر برلين الغربي معلنين بداية سقوط الجدار، أبرز رموز الحرب الباردة في العالم والحاجز المادي بين العالم الحر الديمقراطي، والأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية.

يومها غير المئات من مواطني ألمانيا الشرقية مجرى التاريخ، حين اندفعوا إلى اختراق جدار برلين وإسقاط السور الإسمنتي والأيديولوجي، وحمل مئات آخرون المعاول لهدم أجزاء من الجدار الذي كان رمزا لسجن كبير حرمهم من الحرية والعدالة، وكان يفصل بين شطري ألمانيا لمدة 28 عاما.

بعد قرابة 30 عاما من هذه الواقعة، وفي مشهد مشابه للوضع في ألمانيا ما قبل سقوط جدار برلين، تعيش ليبيا، البلد العربي الذي ثار شعبه في 17 فبراير/شباط 2011، في الموجة الأولى للربيع العربي من أجل الإطاحة بنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.

فالشعب الليبي يعيش منقسما في بلده، بين مناطق تحت سيطرة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ومناطق سيطرة حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، والتي شهدت خلال الأيام القليلة الماضية خروج مظاهرات احتجاجية في قلب العاصمة طرابلس معارضة لعدد من السياسات التي انتهجتها الحكومة، داعية إلى مكافحة الفساد.

في المقابل يعيش الشرق الليبي الخاضع لسيطرة مليشيا حفتر، في ظل نظام بوليسي قمعي، يسود فيه منطق الرأي الواحد والقبضة الأمنية، مع تتالي حالات الاختفاء القسري واعتقال المعارضين وأصحاب الرأي المخالف، والإعدامات خارج إطار القانون.

ويبقى التساؤل مطروحا عن مدى إمكانية تحقيق الحلول السلمية لفرض واقع جديد في ليبيا يلبي مطالب ثورة الشعب الليبي قبل نحو 10 سنوات في بناء دولة الحقوق والحريات والكرامة والعدالة والديمقراطية.

مظاهرات طرابلس

بعد أيام من الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنت عنه كل من حكومة الوفاق، ورئاسة برلمان طبرق، تظاهر مئات الليبيين مساء 24 أغسطس /آب 2020، في طرابلس للتعبير عن غضبهم إزاء تدهور الظروف المعيشية والفساد، قبل أن تفرقهم قوات الأمن في بلاد تشهد نزاعات مسلحة منذ سنوات، وفق ما أفاد شهود.

وسط العاصمة طرابلس، هتف المتظاهرون وغالبيتهم من الشباب "ليبيا.. ليبيا"، و"لا للفساد" مؤكدين أنهم ضاقوا ذرعا من تدهور الخدمات، والانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه وطوابير الانتظار الطويلة أمام محطات توزيع الوقود.

تجمع المتظاهرون أمام مقر الحكومة، ثم انتقلوا إلى ساحة الشهداء وسط طرابلس، متجاهلين القيود الصحية المفروضة لاحتواء فيروس كورونا الذي تتسارع وتيرة إصاباته في البلاد.

ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الليبيون في العاصمة ومدن الغرب، إما بدعوات يطلقها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو بدعوة من منظمات أو أحزاب سياسية.

صورة مقلوبة

في الجهة الأخرى من ليبيا، لا يكفي أن تكون داعما لحفتر حتى تسلم من تعديات مليشياته، فبمجرد أن تختلف معهم في أي موضوع، أو تعبر عن رأيك في علاقة بأي قضية من القضايا حتى تكون حياتك مهددة، فلا مجال للاختلاف في الرأي تحت حكم حفتر الذي ينصب نفسه قائدا لما يسمى "الجيش العربي الليبي".

تقارير إخبارية حول الناشط خالد السكران، الذي اعتقلته مليشيات حفتر، ذكرت  أنه لم توجه له حتى الآن أي تهمة رسمية، رغم أنه سبق واعتقل ليوم واحد في يناير/ كانون الثاني 2020، ومنع من السفر، وهو ما دفع البعثة الأممية، للإعراب عن انزعاجها "من استمرار اعتقال السكران في بنغازي منذ أسبوع، بسبب نشاطه السلمي".

مثال آخر صارخ على تكميم الأفواه في المناطق الخاضعة لحفتر بالشرق الليبي، يتمثل في احتجاز العضوين بمبادرة السلام الوطني فهد البكوش، ومحمد بن زبلح، من قبل جهاز الاستخبارات العسكرية في بنغازي.

وفي يناير/كانون الثاني 2020، أعلن عدد من الشباب في مدينة بنغازي إطلاق مبادرة السلام الوطني، بهدف وقف الاقتتال في طرابلس والعودة للمسار السياسي ومنع التدخلات الخارجية بكافة صورها وأشكالها.

وسائل إعلام محلية، أكدت أن الشابين فهد ومحمد ذهبا إلى النيابة العامة لتقديم شكوى في بعض المواطنين بسبب استمرار المضايقات التي يتعرضون لها منذ إطلاق المبادرة، غير أن النيابة العامة تحفظت عليهما وأحالتهما إلى جهاز الاستخبارات العسكرية، وفق المصدر.

قبلها، وفي مداخلة تلفزيونية بقناة الحدث المملوكة لنجل حفتر في يوليو/تموز 2019، أطلقت النائبة سهام سرقيوة من بنغازي دعوة مشابهة لوقف الحرب، تعرضت بعدها للاختطاف من مسلحين متهمين بانتمائهم إلى كتيبة أولياء الدم التابعة لحفتر، وما يزال مصيرها مجهولا حتى اللحظة.

الكاتب الصحفي الليبي معتصم وهيبة أكد أنه "بصفة عامة، مستوى الحريات في المنطقة الغربية أعلى بكثير من مستوى الحريات الموجود في الشرق، باستثناء بعض الحالات، إذ إن المظاهرات المعارضة لحكومة الوفاق أمر معتاد في طرابلس ولا يواجهها أحد".

وأضاف وهيبة في حديث للاستقلال: "أما في الشرق الليبي، فوضع الحريات مختلف تماما، حيث لا تستطيع أن تتظاهر ضد حفتر، وإن حاولت ستواجه بقوة السلاح ويتم اتهامك بأنك إرهابي، مثلما جرى أخيرا في مدينة سرت لعدد من مناصري سيف الإسلام القذافي".

وتوقع الصحفي الليبي أن تطلق دعوات للتظاهر في المناطق الخاضعة لسيطرة حفتر، رغم القبضة الأمنية المشددة هناك.

اعتقالات سرت

بعد وصول قوات حكومة الوفاق إلى بوابة مدينة سرت، والتي تعتبر بوابة الشرق الليبي، توقفت المعارك فعليا في ليبيا، قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين.

وفي 21 أغسطس/آب 2020، وفي بيانين منفصلين، أعلن رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، وعقيلة صالح رئيس البرلمان الداعم لحفتر، إجراء انتخابات قريبا وأمرا بوقف فوري لإطلاق النار. ورحبت الأمم المتحدة بـ"التوافق الهام" بين الطرفين.

أصبح حفتر يواجه أزمة جديدة بخسارة أهم حلفائه بمدينة سرت وهي قبيلة القذاذفة التي ينحدر منها الرئيس السابق معمر القذافي، بعدما اعتدت قواته على المدينة واعتقلت عددا من أبنائها وقتلت أحدهم، فتوعدت القبيلة قوات حفتر برد عنيف، خاصة وأنه استعان في عدوانه بمرتزقة من جيش تحرير السودان.

أسفرت الاعتداءات على أهالي سرت عن انشقاق عدد من أبناء قبيلة القذاذفة الضباط وانسحابهم من صفوف قوات حفتر، فيما خرج المجلس الاجتماعي للقبيلة ببيان يطالب فيه بإطلاق سراح كل المعتقلين من أبناء سرت، معتبرا عدم الاستجابة للمطالب يعني وصف "عملية الكرامة" بالعدو الواجب قتاله.

وفور إعلان مؤيدي سيف الإسلام القذافي تنظيم أولى مسيراتها المؤيدة له، اعتقلت مليشيا حفتر الشيخ محمد عبد السلام النقيب رئيس المجلس الاجتماعي لقبائل زليتن بالداخل والخارج، ومنسق فرع الجبهة الشعبية بإجدابيا أحمد الزوى، مستهدفة ترهيب مؤيديه ومنعهم من الخروج في المسيرات.

وذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية للأنباء في تقرير إخباري أن المئات من أنصار النظام السابق ظلوا منذ 20 أغسطس/آب 2020 يتظاهرون في شوارع سرت، المدينة التي شهدت مولد القذافي ثم مصرعه بعد 69 عاما إبان ثورة عام 2011.

حجم المشاركة في التظاهرات يعكس كيف أن 9 سنوات من الفوضى تركت البلاد في حالة يرثى لها حيث أُغلقت حقول النفط وعانت المدن من انقطاع الكهرباء، ما جعل بعض الليبيين يتوقون لاستعادة عهد اتسم بالاستقرار النسبي.