قطار الحرمين.. رحلة طويلة في طريق الفساد الملكي السعودي

سلطان العنزي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ أن بدأت أعمال بناء “قطار الحرمين” في عام 2009، مرورا بتشغيله في 2018، وحتى اليوم، لم ينقطع الجدل داخل السعودية وخارجها حول هذا المشروع، الذي تلاحقه شبهات فساد مليارية ضخمة.

أحد أبطال هذه الشبهات هو ملك إسبانيا السابق “خوان كارلوس”، الذي هرب بداية أغسطس/آب 2020، إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي للإقامة فيها، عقب فتح قضاء بلاده تحقيقا بتلقيه 100 مليون دولار من السعودية، كعمولة لإبرام عقد لتشييد القطار.

وإلى جانب كارلوس، تلاحق أمير الرياض السابق تركي بن عبد الله بن عبد العزيز -المعتقل حاليا-، وشركة “الشعلة” التابعة لعائلة الأمير مشعل بن عبد العزيز، اتهامات باختلاس ملياري ريال من المشروع (1 ريال سعودي = 0.2667 دولار).

وترك الفساد أثرا واضحا على قطار الحرمين، فقد تعرضت محطاته لعدة حوادث، أبرزها اندلاع حريقين ضخمين، تسببا بدمار واسع، خلّف أحدها خسائر مادية فادحة بلغت نحو 3 مليارات ريال.

ورغم التحقيقات الإسبانية بالفساد في هذا المشروع، والأدلة المقدمة من قبل قانونيين من داخل المملكة، والتي تثبت وجود اختلاس كبير، فإن السلطات في الرياض تنفي باستمرار هذه الاتهامات، وتقمع من يتحدث عنها، فما قصة هذا المشروع الضخم؟

قطار الحرمين

“قطار الحرمين”، الذي تقول السلطات السعودية إنه أسرع قطار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كان يهدف إنشاؤه إلى مواكبة تنامي أعداد الحجاج والمعتمرين، ولتخفيف الضغط على الطرق بين مكة وجدة والمدينة.

ويربط القطار الذي بلغت تكلفته الإجمالية 63 مليار ريال، بين منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة خلال 120 دقيقة فقط، مرورا بمدينة جدة ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، بطول 450 كم، وبطاقة استيعابية تبلغ 60 مليون مسافر سنويا، وبسرعة تشغيلية تصل إلى 300 كلم/ساعة.

ويتكون المشروع من 35 قطارا، يحتوي كل واحد منها على 13 عربة، وتبلغ سعة كل قطار 417 مقعدا، بالإضافة إلى مقطورة خاصة لكبار الشخصيات، يبلغ سعرها نحو 150 مليون ريال.

وبدأت أعمال بناء المشروع في عام 2009، وكان من المخطط أن يُفتتح في العام 2012، غير أنه شهد تعثرا متكررا، وجرى إرجاء تشغيله مرتين. وانطلقت أول رحلة تجارية للقطار في 11 أكتوبر/تشرين أول 2018 من المدينة المنورة إلى جدة.

ونُفذ المشروع على مرحلتين، قام “ائتلاف الراجحي” بتنفيذ الأولى منه، والتي تتمثل في أعمال إنشاء البنية التحتية والأعمال المدنية التي تم فيها قطع وحفر وبناء مسار القطار، والبالغ طوله 480 كلم تقريبا.

وأُنجزت هذه المرحلة بالتعاون مع شركات محلية وعالمية كبرى مثل شركة السويلم ماسكو، وشركة هيئة الحديد الصينية، وشركة العراب للمقاولات المحدودة. 

فيما تم ترسية المرحلة الثانية من المشروع على شركة “الشعلة” التابعة لعائلة الأمير مشعل، ومجموعة من الشركات الإسبانية، بتكلفة تتجاوز 36 مليار ريال.

وشملت هذه المرحلة تنفيذ الخط الحديدي، وتصنيع وتشغيل المعدات وأنظمة الاتصالات والإشارات، وكهربة الخط، وتوريد أسطول النقل، وتشغيل وصيانة المشروع لمدة 12 عاما، فضلا عن إنشاء مركز تدريب متخصص.

فساد ملكي

ما أن دخلت الشركات الإسبانية على الخط حتى بدأت الشكوك تحوم حول الملك السابق “خوان كارلوس الأول”، الذي كان له الفضل في تسهيل إبرام تلك الصفقة.

وتنازل “كارلوس الأول”، في العام 2014، عن العرش لصالح ابنه “فيليبي السادس”، عندما فُجرت عدة فضائح بنهاية عهده، وأبرزها الشكوك حول ثروته الغامضة التي تضخمت بشكل سريع، ومدى ارتباط ذلك بعلاقته الوثيقة مع العائلة الحاكمة في السعودية.

ونشرت عشيقة “خوان” السابقة، كورينا ساين فيتجنشتاين، في عام 2018، وثائق كشفت فيها أن الملك تلقى عمولة من الحكومة السعودية لإبرام عقد لتشييد قطار الحرمين. 

وأكدت صحيفة "لا تريبون دو جنيف” حينها، أن خوان كارلوس تلقى 100 مليون دولار من العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز على حساب مؤسسة بنمية في سويسرا، لدوره في إتمام الصفقة.

وفي 4 أغسطس/آب 2020 غادر الملك السابق بلاده، على خلفية إعلان القضاء الإسباني، فتح تحقيق لتحديد احتمال تلقيه رشوة من الرياض، ليظهر “كارلوس” بعدها بأيام في العاصمة الإماراتية أبوظبي، التي اختارها منفى له.

فضائح اختلاس

فضائح الفساد في هذا المشروع لم تتوقف عند الملك الإسباني السابق، حيث طاردت أيضا أمير الرياض السابق تركي، نجل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وشركة “الشعلة” التابعة لعائلة الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود، اتهامات باختلاس ملياري ريال من المشروع.

واعتُقل الأمير تركي في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، في إطار حملة اعتقالات “الريتز” الشهيرة. وتؤكد “هيومن رايتس ووتش” أن الأمير ما يزال معتقلا دون تهمة، في مكان مجهول. 

من جانبها، كشفت صحيفة نيويورك تايمز، في مارس/آذار 2018، أن مساعد الأمير تركي، اللواء علي القحطاني، توفي داخل الحجز في فندق "الريتز كارلتون” بالرياض، فيما تؤكد مصادر أنه قتل تحت التعذيب.

وبالعودة إلى فساد قطار الحرمين، كشف المستشار محمد الصادق أنه تقدم للنيابة العامة، في عام 2018، ببلاغ واف بجميع المستندات عن اختلاس ما لا يقل عن ملياري ريال سعودي من مشروع القطار، تتعلق بأنظمة التحكم والحرائق، لكن بدل التجاوب معه، جرى فصله من العمل 3 سنوات، عقابا له.   

ودعا المستشار عبر تغريدات نشرها في حسابه على موقع تويتر في 30 سبتمبر/أيلول 2019، الجهات الرقابية للتحقق من صدق ادعاءاته، ومن المستندات التي بحوزته، موضحا أن إثبات جريمة الاختلاس وتبديد المال العام قد تم بالفعل، لكن أُطلق سراح المتهمين “بقدرة قادر”، على حد قوله. 

واختفى محمد الصادق وتوقف حسابه عن التغريد، بعد نشره تغريدة أعلن فيها أنه سيسلم نفسه لجهة أمنية للإدلاء بما لديه. وناشد متابعيه لإيصال صوته إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في حال تعرضه لمكروه.

حرائق هائلة

وفي سبتمبر/أيلول 2019، التهم حريق هائل محطة قطار الحرمين الواقعة في مدينة جدة، واشتركت 26 فرقة إطفاء وإنقاذ من الدفاع المدني، وطائرتين من طيران الأمن، في عملية إخماد الحريق الذي أصيب فيه 5 أشخاص.

وبلغت تكلفة إنشاء محطة جدة، نحو مليارين و900 مليون ريال، تحولت أثرا بعد عين، نتيجة الحريق الذي تفاقم نتيجة عدم تجهيز المحطة بأنظمة متطورة لمكافحة الحرائق.

وبرر أمير منطقة مكة المكرمة، خالد الفيصل، هذه الحادثة بالقول: إن “مثل هذه الحرائق تحدث في كل مكان بالعالم”، وأعلن الأمير تشكيل لجان للتحقيق في الحريق، غير أن نتائجه لم تظهر حتى اليوم. 

ولم يمض أكثر من 11 شهرا على الحريق الأول، حتى اندلع حريق ثان التهم نفس المحطة، في 6 أغسطس/آب 2020، ما أدى إلى وقوع أضرار مادية كبيرة فيها. 

وعبر مواطنون سعوديون عن غضبهم واستغرابهم من تكرار حوادث الحرائق في محطات قطار الحرمين، رغم الأموال الطائلة التي أنفقت على المشروع، لافتين إلى أن المملكة فيها الكثير من الدعاية عن مكافحة الفساد والقليل من الحقيقة، وهو ما يتجلى في هذا القطار الذي تستميت الحكومة في التغطية على الفساد الذي نخره.