يجهز نجله للحكم.. لوموند: هكذا خطط ابن زايد للتعامل مع آل مكتوم

12

طباعة

مشاركة

"محمد بن زايد رجل الإمارات القوي"، عنوان تصدر تقريرا لصحيفة "لوموند" الفرنسية عن ولي عهد أبوظبي، تحدثت فيه عن نشأته وصعوده إلى السلطة، وفشله في حرب اليمن وحصار قطر ووقوفه وراء انسحاب أميركا من الاتفاق النووي الإيراني مقابل دعم خطة دونالد ترامب للسلام (صفقة القرن).

وقالت الصحيفة: إن هذا الرجل ليس فقط القائد الفعلي لدولة الإمارات، بل يمتد نفوذه وصداقاته إلى ما هو أبعد من شبه الجزيرة العربية كالولايات المتحدة وفرنسا.

وأضافت: "في وقت مجده، أحب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الإمارات، استدعاء أبنائه يوم الجمعة للحديث عن فن الحكم، وخلال هذه اللقاءات، اعتاد هذا الرجل المولود قبل اكتشاف النفط في المجتمع البدوي، على إطفاء أجهزة التكييف". 

صعود السلطة

وأشارت إلى أن هذه كانت طريقة لتذكير أطفاله من أين أتوا، وغرس فيهم الحاجة للعمل بجد استعدادا للمستقبل، لأن عائدات النفط لن تستمر إلى الأبد.

وأكدت الصحيفة أن محمد بن زايد آل نهيان، 59 سنة، تعلّم الدرس، فالابن الثالث للشيخ زايد في يده مصير واحدة من أغنى البلدان وأكثرها استقرارا على كوكب الأرض، وهي عبارة عن دولة من سبع إمارات (أبو ظبي، دبي، عجمان، أم القيوين، رأس الخيمة، الفجيرة، الشارقة).

وتابعت: على الورق هو فقط ولي العهد ووزير الدفاع في العاصمة أبوظبي، لكن في الواقع، فإن ابن زايد، كما يطلق عليه في الغرب، هو الرجل القوي في الإمارات ومهندس الحرب ضد المتمردين الحوثيين في اليمن إلى جانب حليفه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

ونوهت الصحيفة بأن محمد بن زايد ساهم منفردا في صعود المشير عبدالفتاح السيسي إلى السلطة في مصر وإجهاض ثورة 2011، كما يدعم بنشاط طموحات مماثلة أخرى للواء الليبي خليفة حفتر، الذي يخوض حربا ضد حكومة طرابلس، المعترف بها من قبل المجتمع الدولي.

ووفقا لـ"لوموند"، فإن قوات ابن زايد تعمل في أفغانستان واليمن، ودبلوماسييه وجماعات الضغط التابعة له يجوبون عواصم العالم، وسفيره في الولايات المتحدة كان حاضرا في نهاية يناير/ كانون الثاني 2020، لدى الإعلان عن خطة دونالد ترامب للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ما يعتبر مؤشرا على تقرب بلدان الخليج من إسرائيل.

وذكرت أن حاكم أبوظبي موجود أيضا في إفريقيا، حيث تنتشر شبكته يوما بعد يوم: الأسلحة في ليبيا، والموانئ في منطقة القرن الإفريقي، وموريتانيا، والسنغال، وبوتسوانا مرورا بمدغشقر، فمخالبه تصل حتى إلى برج ترامب، معقل الرئيس الملياردير في نيويورك، حيث يقال إنه يتمتع بنفوذ كبير.

وأوضحت الصحيفة أن هذه الدبلوماسية النشطة يرافقها خطاب حديث، إذ يدعو ولي عهد أبوظبي إلى التسامح وحوار الثقافات، وفي فبراير/ شباط 2019، استقبل البابا فرنسيس، في أول زيارة من نوعها لممثل الكنيسة الكاثوليكية في شبه الجزيرة العربية مهد الإسلام.

وذكرت أنه في الشرق الأوسط المجزأ، الذي تبتعد عنه الولايات المتحدة شيئا فشيئا، يمضي ولي عهد الإمارات كزعيم من ذوي الخبرة والمستقبل، ولديه الفرصة لإعادة تشكيل المنطقة وفقا لمعتقداته القائمة على معاداة كل التجارب الديمقراطية وكره الإسلام السياسي ورفض التوسع الإيراني.

هذا إضافة إلى اتجاه ابن زايد لمعاداة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والميل لإسرائيل، وهي أمور يدعمانه فيها ويؤيدانه محمد بن سلمان وعبد الفتاح السيسي.

ولفتت إلى أنه بالنسبة لهذا الثلاثي، تمثل مصر الساعد (مع سكانها البالغ عددهم 100 مليون نسمة)، والسعودية المحفظة، والإمارات الدماغ. 

ونقلت عن دبلوماسي القول: إن ابن زايد هو من يحدد الإستراتيجية، إنه دائما متقدم بخطوة على البقية، أصبح أقوى زعيم في العالم العربي.

وعن حياته العسكرية، أشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن محمد بن زايد غادر بلاده في أواخر السبعينيات للتدرب في الأكاديمية العسكرية الملكية في ساندهيرست البريطانية وعند عودته إلى البلاد، انضم إلى الحرس الوطني لدولة الإمارات ثم إلى القوات الجوية، التي قادها في منتصف الثمانينيات.

الأمير التاجر

واعتبرت "لوموند" أن نقطة انطلاقه كانت مع مشتريات ضخمة من ميراج 2000 وF-16، ما جعل القوات الجوية في الإمارات أول سلاح جوي في العالم العربي، لكن الآلية التي اتبعها ابن زايد أجبرت تجار الأسلحة على الالتزام بإنشاء شركة، أغلبية أموالها إماراتية، في مجال ما، والشرط الوحيد هو أن تصبح مربحة بحلول موعد نهائي متفق عليه.

وبينت أن هذا الاستثمار سمح بازدهار إمارة أبوظبي، وصعود ابن زايد واستقلاليته، مقارنة مع الأخ غير الشقيق خليفة.

في عام 1993، أصبح رئيسا للقوات المسلحة، تتابع "لوموند": "ازداد التنافس مع ولي العهد، وتبلورت التوترات حول مشروع دولفين، وهو خط أنابيب الغاز بين قطر ودبي، الذي يموله صندوق مبادلة لكن خليفة يعارضه".

ونقلت عن مقرب من الأسرة الحاكمة: "محمد بن زايد كان مقتنعا على الدوام بأنه الابن المفضل وأن السلطة أتت إليه عن طريق شرعي".

ولفتت إلى أنه قبل وفاة زايد، قيل إن ابن زايد حاول تهميش خليفة لكن زايد غضب، ولإحلال السلام في الأسرة، عيّن الشيخ زايد نجله محمد ولي عهد أبوظبي، وهي نقطة انطلاق لرئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة. 

وعندما توفي الوالد في 2 نوفمبر/ شباط 2004، عن عمر يناهز 86 عاما، سارت الخلافة بسلاسة.

خطر العائلة

وتقول الصحيفة: "بالنسبة لمحمد بن زايد، التهديد لا يأتي من خليفة، فرئيس الدولة الجديد هش، بل الخطر يأتي من دبي، القاطرة الأخرى في الإمارات، حيث محمد بن راشد آل مكتوم".

فمن خلال مواصلة عمل والده وتطويره، جعل محمد بن راشد هذا الميناء الصغير مركزا عالميا، وعلامة تجارية كبرى تحتوي على أطول الأبراج، وأفخم المراسي ومراكز التسوق، فدبي نجحت في الجمع بين الحجاب والبكيني معا، حتى أنهم يبنون الجزر ومنحدر تزلج اصطناعي.

لكن بحسب الصحيفة، فإن آل نهيان، أفراد الأسرة الحاكمة في أبوظبي، كانوا غاضبين سرا من بريق دبي هذا الذي يرفضونه ويحسدونه، لأنهم يشكون في أن ابن راشد، لديه طموحات سياسية، إلى أن جاءت الأزمة المالية في عام 2008، وانهار قطاع العقارات المثقل بالديون في دبي. 

حينها انهار اقتصاد الإمارة، وبالنسبة لأبوظبي، حان وقت الانتقام، فقادتها اتجهوا لإنقاذ دبي من الإفلاس مقابل شرط.

"لقد فرضوا في اتفاق الإنقاذ فقرة سرية تنص على تخلي أسرة آل مكتوم عن رئاسة الإمارات كما كان مقررا بموجب ميثاق عام 1971، عند إنشاء الدولة"، كما يقول دبلوماسي سابق متمركز في أبوظبي للصحيفة. 

ثانيا، اشترطوا أيضا تغيير اسم أطول برج تم بناؤه على الإطلاق (828 مترا)، في يوم افتتاحه، 4 يناير/ كانون ثاني 2010، وأطلق عليه "برج خليفة".

غياب الآخرين

وأشارت الصحيفة إلى حدث آخر ساهم في صعود محمد بن زايد وهو غياب خليفة في يناير/ كانون ثاني 2014، نتيجة نوبة دماغية، مؤكدة أن الفضل في صعود "مبز" يرجع إلى أمه فاطمة الزوجة الثالثة للشيخ زايد، فهذه المرأة، التي لم تظهر على الإطلاق، كانت تعمل منذ فترة طويلة لصالح أبنائها الستة، الملقبين بـ "الفاطميين". 

ويقول أحد أفراد العائلة: "لقد أزيل من الحياة العامة جميع ممثلي الفروع الأخرى لعائلة نهيان الذين كان بإمكانهم أن يطغوا على نسلها، لا يوجد تنافس بين أبنائها"، فخلف محمد، هناك خمسة "فاطميون" آخرون، ولاؤهم المطلق لأخيهم الأكبر. 

حمدان، نائب رئيس الوزراء السابق، ممثل الحاكم في المنطقة الغربية؛ هزاع يرأس حكومة إمارة أبوظبي، طحنون، مستشار الأمن القومي، منصور، مالك نادي مانشستر سيتي الإنجليزي لكرة القدم، يشغل منصب نائب رئيس الوزراء الإماراتي ويدير شؤون الأسرة؛ أصغرهم عبد الله وزير الخارجية، كما تشمل إدارة الأسرة التي أنشأها ابن زايد نجله خالد، رئيس جهاز أمن الدولة.

ووفقا للصحيفة: "بعد استقلال دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، عندما كان ابن زايد يبلغ 10 أعوام فقط، استولت إيران على ثلاث جزر، ولذلك محمد بن زايد مقتنع بأن الجمهورية الإسلامية تريد السيطرة على العالم العربي الإسلامي".

وأوضحت أن وجود دونالد ترامب في السلطة، أطلق العنان لغطرسة محمد بن زايد الذي كان وراء انسحاب أميركا من الاتفاق النووي الموقع بين طهران والدول الست في فيينا عام 2015 وعودة العقوبات مقابل دعم الخطة الأميركية للسلام.

كما تطرقت "لوموند" إلى مناهضته للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الإسلامي أيضا، فوفقا لمصدر قطري، هرع الزعيم الإماراتي أيضا إلى الدوحة، في اليوم التالي للانقلاب الفاشل في تركيا يوليو/  تموز 2016، في محاولة لإقناع الأمير تميم بن حمد، القريب من أنقرة، بعدم تورطه بمحاولة الانقلاب.

كذلك يقف محمد بن زايد وراء الحصار المفروض على قطر في عام 2017، وبالإضافة إلى قطع جميع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الإمارة، أطلق الزعيم الإماراتي عملية عملاقة لاختراق الهواتف الذكية لمئات الشخصيات التي تعتبر مؤيدة لقطر، بما في ذلك الصحفيون الغربيون.

لكن الضغوط على ترامب بشأن قطر أخفقت، وأقنع البنتاجون ووزارة الخارجية مستأجر البيت الأبيض، بأنه سيكون من الغباء التخلي عن مقر الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. 

كما أنه في غضون أسابيع قليلة، وجدت الدوحة طريقة لكسر الحصار التجاري على جيرانها، والذي انقلب على ميناء دبي، بحرمانه من عملائه القطريين الأثرياء. 

وتقول الصحيفة: إن الحرب في اليمن، التي انطلقت عام 2015، تحولت أيضا إلى إخفاق لولي عهد أبوظبي، وكارثة عسكرية وإنسانية، حيث كانت قوات أبوظبي تشتبك على الأرض على عكس الحليف السعودي، ما أدى إلى خسائر عالية بين القوات الإماراتية، خاصة بين أبناء الإمارات الشمالية، الأكثر فقرا في الاتحاد، ما أجبر محمد بن زايد على زيارة العائلات الثكلى للحيلولة دون تزايد الاستياء في البلاد.

وخلال هذه الحرب، أقام ابن زايد، تحالفا مع محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الذي أذن للنساء بقيادة السيارة، وأحضر إلى المملكة نجوم الغناء ويريد إخراج الاقتصاد من الاعتماد على النفط. 

وتابعت: "ولي عهد أبوظبي يدعم برنامج التحديث هذا بالكامل، خاصة أنه مستوحى بشكل صريح من نموذج التنمية الإماراتي، والذي يتكون من فصل الليبرالية الثقافية والمجتمعية عن السياسية، نعم للترفيه وحرية العبادة، ولا للحق في التصويت وحرية التعبير".

وخلصت لوموند إلى أنه في حين أن محمد بن زايد لم يصبح بعد رسميا رئيسا للإمارات، لكن هذا لا يمنعه من الاستعداد للخلافة، حيث تم عزل سلطان، الابن البكر لخليفة، رئيس الدولة من الحياة السياسية العامة، وإذا كان هزاع يرى نفسه بهذا المنصب، فهو الوحيد الذي يصدق ذلك".

أما منصور، الثري للغاية والذكي للغاية، متزوج من ابنة شيخ دبي، وهي ميزة بقدر ما هي سلبية، فتورطه في فضيحة الاختلاس الضخمة في ماليزيا جعلت نجمه يتلاشى. 

وأكدت أن معظم المراقبين يعتقدون أن ابن زايد يعد ابنه خالد لتسليمه السلطة عندما يحين الوقت.