باهتمام بالغ.. هكذا تحدثت صحف عالمية عن وفاة الفنان شادي حبش

12

طباعة

مشاركة

تناولت الصحافة العالمية باهتمام بالغ، موضوع وفاة الفنان والمخرج المصري الشاب شادي حبش، عن عمر ناهر الـ24 عاما فقط، فجر السبت 2 مايو/ أيار 2020، بعدما قضى- بدون محاكمة- ما يزيد عن عامين في سجن "طرة" سيئ الصيت، بسبب مقطع فيديو ساخر.

مقطع الفيديو الموسيقي كان للفنان رامي عصام، المنفي في السويد، سخر فيه من رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، واصفا إياه بـ "بلحة"، وهي شخصية معروفة بالكذب في فيلم مصري شهير.

ولم يتضح حتى الآن كيف توفي شادي حبش، فقد قال أحمد الخواجة، محامي الشاب المتوفي، لوكالة الأنباء الفرنسية دون الخوض في التفاصيل: إن "صحته كانت تتدهور لعدة أيام... تم إدخاله إلى المستشفى ثم عاد إلى السجن مساء أمس (الجمعة 1أيار/مايو 2020) حيث توفي في الليل".

"الأكثر استبدادية"

وفي تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية علقت فيه على الخبر بالقول: " تأتي وفاة حبش وسط مخاوف متزايدة من انتشار الفيروس التاجي الجديد داخل السجون ومراكز الاعتقال في مصر".

ويقدر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن مصر تحتجز أكثر من 114 ألف معتقل، في نظام مكتظ وغير صحي ويعاني من نقص الموارد، حيث "يُحرم المعتقلون بشكل روتيني من الحصول على الرعاية الطبية والعلاج المناسبين".

وفي حين أفرجت حكومات استبدادية أخرى في المنطقة، بما في ذلك إيران، عن عشرات الآلاف من السجناء في محاولة لاحتواء الفيروس، أطلقت مصر سراح عدد أقل بكثير، على الرغم من نداءات الأمم المتحدة وناشطي حقوق الإنسان.

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن مصر أفرجت عن نحو 4 آلاف سجين في 25 أبريل/ نيسان 2020 لإحياء يوم "تحرير سيناء"، الذي يحتفل بالانسحاب العسكري الإسرائيلي عام 1982 من شبه جزيرة سيناء. ولكن لم يكن أي من المفرج عنهم سجناء سياسيين.

وتابعت: "بدلا من ذلك، فرضت حكومة السيسي قيودا أكثر صرامة بحجة مكافحة الفيروس، بمنع الزيارات العائلية، وترك السجناء يشعرون بمزيد من العزلة. العديد منهم مضربون عن الطعام احتجاجا على الظروف".

وأشارت الصحيفة إلى أنه "تحت حكم السيسي، الذي يعتبر الحاكم الأكثر استبدادية في تاريخ مصر الحديث، سجن عشرات من الفنانين والروائيين والشعراء والناشطين لمحاولتهم انتقاد رئيس النظام".

وبيّنت: من بين المعتقلين محمد عماشة، مصري أميركي يبلغ من العمر 24 عاما من جيرسي سيتي، اعتقل في أبريل/ نيسان 2019 لحمل لافتة في وسط القاهرة مكتوب عليها "الحرية لجميع السجناء".

وتوفي أيضا محمد مرسي- الذي انتُخب رئيسا للدولة في عام 2012، وأُطيح به بعد ذلك بعام في انقلاب عسكري- وذلك في عام 2019 بعد احتجازه لمدة ست سنوات في السجن، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد والحرمان من العلاج.

وفي يناير/ كانون الثاني 2020، توفي المصري الأميركي مصطفى قاسم، تاجر قطع غيار السيارات من نيويورك، البالغ من العمر 54 عاما، بسبب قصور واضح في القلب بعد أكثر من ست سنوات في السجن بدون رعاية طبية، مما تسبب في توتر العلاقات بين السيسي وإدارة ترامب، التي التزمت الصمت في معظم الأوقات بشأن انتهاكات النظام المصري لحقوق الإنسان، وفق التقرير

"المعتقلون بخطر"

من جهتها، قالت صحفية "جارديان" البريطانية: "يمثل احتجاز حبش ووفاته تذكيرا صارخا بالعدد المتزايد من الشباب المعرضين للخطر داخل نظام السجن المترامي الأطراف في مصر". بما في ذلك العديد من المحتجزين بسبب عملهم كفنانين، أو بسبب الإدلاء بتصريحات معارضة ضد حكم السيسي، أو بدون تهمة على الإطلاق.

ونقلت الصحيفة عن مي الصيداني، الخبيرة في النظام القانوني المصري في "معهد التفكير" في واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، قولها: "إن وفاة حبش تسلط الضوء على القلق المتزايد بشأن عدم مراعاة الأصول القانونية في مصر".

وأضافت: هذا يشمل "زيادة المقاضاة حول حرية التعبير، واستمرار وتمديد الاحتجاز التلقائي من قبل المحاكمة في انتهاك للقانون حتى في مصر، وظروف السجن السيئة التي تضر بشدة بسلامة السجناء".

وأشارت الصحيفة إلى أن عددا أكبر تم اعتقاله بسبب هذه الأغنية، بالقول: "فقد تم القبض على ثمانية أشخاص، معظمهم ليس لديهم أي صلة مع عصام". ومن بين هؤلاء الشاعر جلال البحيري ومحمد عبد الباسط، الذين اعتقلوا بعد تشغيل الأغنية في سيارتهم بالكويت وجرى ترحيلهم إلى مصر.

ووفقا لـ"جارديان"، فإنه اتهموا جميعا بالانضمام إلى "جماعة إرهابية" ونشر أخبار كاذبة، وحُكم على بحيري بالسجن ثلاث سنوات في يوليو/ تموز 2018 لنشره أنباء كاذبة وإهانة الجيش في محاكمة عسكرية منفصلة.

قمع للحريات

وفي تقرير آخر، نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تعليقا على الخبر، قالت فيه: "على الرغم من أن السيسي قد حشد قوة أكبر من أي زعيم مصري آخر منذ عقود، إلا أنه أظهر باستمرار القليل من التسامح مع أولئك الذين يجرؤون على السخرية منه".

ففي عام 2015، حكم على طالب يبلغ من العمر 22 عاما بالسجن لمدة ثلاث سنوات بعد نشر رسم كاريكاتيري على "فيسبوك" يصور رئيس النظام المصري على أنه ميكي ماوس. وفي عام 2016، ألقي القبض على ممثل كوميدي لعب مقلبا على الشرطة في ميدان التحرير، وهو موقع احتجاجات الربيع العربي في عام 2011، ولا يزال في السجن.

وبحسب تقرير الصحيفة، فإن العديد من الممثلين والكتاب الساخرين والنجوم الرياضيين المصريين فروا إلى المنفى لتجنب غضب السيسي، بل وقد حوكم بعضهم غيابيا.

وتابع: "كان محامون ومشرعون ومترجمون من بين الذين اعتقلتهم الأجهزة الأمنية في الأشهر الأخيرة، بمن فيهم خلود سيد عامر، رئيس قسم الترجمة بمكتبة الإسكندرية المرموقة".

ورأى التقرير أن "إرسال مصر طائرة محملة بالمساعدات الطبية إلى الولايات المتحدة في أواخر أبريل / نيسان 2020، هي محاولة لتخفيف حدة التوتر بين البلدين التي سببها وفاة الأميركي مصطفى قاسم في السجون المصرية".

على الرغم من مناشدات نائب الرئيس "مايك بنس" لإطلاق سراحه، فقد توفي قاسم بعد ست سنوات في السجن. مما دفع وزارة الخارجية إلى التفكير في قطع المساعدة العسكرية لمصر انتقاما له، وفق التقرير.

أوضاع مأساوية

وفي السياق ذاته، نقل تقرير نشرته قناة "الجزيرة" الإنجليزية تعليق بعض الحقوقيين والمحامين تعليقهم على خبر وفاة الفنان "حبش"، فجاء منها: قول الخواجة، محامي الضحية، عن حبش عندما رآه للمرة الأخيرة قبل شهرين "حالته النفسية كانت سيئة للغاية".

وقال الناشط الحقوقي المصري عبدالرحمن عياش على "تويتر": إن "شادي مريض جدا في زنزانته، وبكى زملاؤه (السجناء) طلبا للمساعدة لبعض الوقت، لكن الحراس والضباط لم يتدخلوا حتى أنفاسه الأخيرة". وعلى "تويتر" أيضا، نشرت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" تغريدة قالت فيها: مات حبش نتيجة "الإهمال وغياب العدالة".

ونقل التقرير عن الحقوقي خالد علي، قوله: إنه كان ينبغي إطلاق سراح حبش قبل شهرين بعد قضاء أقصى فترة سجن خلال التحقيقات المعلقة.

وتطرق التقرير إلى قضية سوء الأوضاع في السجون المصرية بالقول: "سلطت وفاة حبش الضوء مرة أخرى على مخاطر السجون المصرية في الوقت الذي يصعد فيه السيسي حملة القمع ضد المعارضين".

يقضي العديد من المسجونين أحكامهم في جرائم يصرون على أنهم لم يرتكبوها، أو لم توجه لهم أي تهمة على الإطلاق. وبحسب جماعات حقوقية، فإن الآلاف محتجزون في سجون مصر بانتظار المحاكمة، وفق التقرير.

وتابع: "تأتي الوفاة أيضا خلال جائحة فيروس كورونا، ويمكن أن تكون زنزانات السجون المكتظة أرضا خصبة لانتشار الفيروس، مما يسبب مرض كوفيد-19". يوجد في مصر حوالي 6200 حالة مؤكدة وأكثر من 400 حالة وفاة.

رسائل ومشاعر

وسلط تقرير نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية الضوء على مشاعر الفنان وأفكاره شادي حبش في محبسه والتي خرجت إلى العلن عبر رسائله وكتاباته لأصدقائه. ففي رسالة، كتب أن المقاومة في السجن تعني "منع نفسك من فقدان عقلك، أو الموت ببطء، بسبب رميك في غرفة قبل عامين، ونسيانك، دون معرفة متى أو كيف ستخرج".

وكتب في رسالة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قائلا: "أنا أموت ببطء. أقف وحدي أمام كل شيء. أعلم أن الكثير من الأصدقاء الذين يحبونني يخشون الكتابة عني، معتقدين أنه سيتم إطلاق سراحي على أي حال دون دعمهم".

وكتب في رسالته في عام 2019 أيضا: "كل 45 يوما أذهب أمام قاضي يمنحني 45 يوما أخرى في السجن، حتى دون النظر إلي ولا إلى أوراق القضية"، وفق التقرير.

وقال المحامي والناشط طارق حسين على "تويتر": "ذهب شادي حبش إلى السجن في سن 22 بسبب أغنية، ومات في عمر 24 عاما. إنها قصة قصيرة وحزينة عن مستقبل مصر، التي تموت يوما بعد يوم في السجن".

وبحسب التقرير، فإن المحتجزين داخل الجناح 4 بسجن طرة أعلنوا عن إضرابهم عن الطعام احتجاجا على وفاة الشاب. كما أن العديد من المسجونين حثوا ضباط السجن على نقل حبش إلى المستشفى في بداية شعوره بالمرض.

ونقلت "الإندبندنت" في تقريها تعليقات بعض الأصدقاء والفنانين، فغرد نجم اليوتيوب المصري يوسف حسين على "تويتر" قائلا: "لا أستطيع أن أصدق أو أفهم أن شخصا ما قد ينتقم من شاب يبلغ من العمر 20 عاما بسجنه لمدة عامين دون محاكمة أو رعاية طبية حتى يموت في السجن بسبب الفن الذي أخرجه".

وقال المغني رامي عصام في إحدى منشوراته على "فيسبوك": "مات شادي حبش. كان شادي ألطف وأشجع الناس. لم يؤذ أحدا. رحمه الله".

ونشر عصام، مع آخرين من بين أصدقاء حبش، رسالته الأخيرة، التي قال فيها: "السجن لا يقتل، الوحدة تقتل. على مدى العامين الماضيين كنت أحاول بمفردي مقاومة كل شيء يحدث لي، حتى أتمكن من الخروج من السجن بنفس الشخص الذي كنت تعرفه دائما، ولكن لا يمكنني المضي قدما. أحتاج دعمكم حتى لا أموت".

وحمّل تقرير الصحيفة البريطانية، الدول الغربية المسؤولية بالقول: "لقد استولى الضابط العسكري السابق على السلطة في انقلاب عام 2013، وصعد قمعه للمجتمع المدني بمباركة فعلية من القوى الغربية."

وخلصت الصحيفة إلى أنه: "على الرغم من المخاوف من الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القانون، واستهداف المعارضين السلميين، تواصل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا بيع أسلحة لمصر وتزويدها بغطاء دبلوماسي دولي".