الحيوانات البرية في الصين.. هل تسببت فعلا بتفشي كورونا؟

بكين - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ فترة، يحاول الكثيرون الإجابة عن هذا السؤال: كيف حدث أن معظم الوبائيات العالمية خلال العقدين الأخيرين قد بدأت من الصين؟!

رغم أن جائحة كورونا كانت قد بدأت بالفعل مع مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2019، إلا أن السلطات الصينية لم تعترف بوجود مشكلة حتى أواخر الشهر نفسه، تحديدا ليلة رأس السنة، كما يقول تقرير مصور، نشره موقع (Vox) على قناته في يوتيوب.

وفي محاولة من التقرير للإجابة عن السؤال السابق، بدأ باستعراض ما تناقلته وسائل الإعلام مباشرة عقب اعتراف الصين بوجود المشكلة.

فقد خرجت وكالات الأنباء العالمية في اليوم التالي بهذا الخبر: "عملت السلطات الصحية على تفعيل أخطر مستوى استجابة لها، بعد تفشي نوع جديد من الالتهاب الرئوي الفيروسي في وسط الصين".

وتابع التقرير: "كان عدد متزايد من الأشخاص يصابون بسعال جاف وحمى قبل الإصابة بالالتهاب الرئوي، وبالنسبة للبعض، أصبح الأمر قاتلا".

أصل كورونا

وقد سمى الأطباء المرض COVID-19، وهو اختصار لـ “coronavirus disease, 2019”، الاسم الذي يشير إلى نوع من الفيروسات يسبب المرض. وعندما حاولوا تتبع أصله، وجدوا مصدرا محتملا، وهو سوق المواد الغذائية في ووهان الصينية، وفق التقرير.

وتابع التقرير: "وبالرغم من أنه ليس دليلا قاطعا، إذ إنه من أصل 41 مريضا، كان 27 منهم من رواد هذا السوق، إلا أن المسؤولين الصينيين أغلقوا السوق بسرعة، فقد كان لهم تجربة مماثلة ليست ببعيدة، في سوق مثل هذا".

وبطريقة تشبه طريقة "الفلاش باك" السينمائية، يعيدنا التقرير، إلى ذكريات أزمة السارس، حيث قالت صحف عالمية وقتها: "نشأ الفيروس في الصين، ثم انتشر في جميع أنحاء البلاد".

ثم يتابع التقرير: "في عام 2002، ظهر فيروس تاجي في سوق مشابه جدا في جنوب الصين. وصل في النهاية إلى 29 دولة وقتل ما يقرب من 800 شخص".

الآن، بعد 18 عاما، انتشر هذا الفيروس التاجي في أغلب دول العالم وقد قتل بالفعل نحو 200 ألف، فيما الإصابات تقترب من ثلاثة ملايين، وفق بيانات نشرتها جامعة جونز هوبكنز الأميركية نهاية أبريل/نيسان 2020. 

ثم يتساءل التقرير: "ما علاقة هذه الأسواق بانتشار الفيروسات التاجية.. ولماذا يحدث في الصين؟".

الكثير من الفيروسات التي تجعلنا مرضى، تنشأ بالفعل في الحيوانات. فبعضها التي تسبب الإنفلونزا تأتي من الطيور والخنازير. وأيضا أتى فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز" من الشمبانزي، ومن المحتمل أن فيروس الإيبولا القاتل قد انتقل من الخفافيش.

وفي حالة الفيروس التاجي لعام 2019، هناك بعض الأدلة على أنه انتقل من الخفافيش إلى حيوان آكل النمل، قبل إصابة الإنسان به، طبقا للتقرير.

وتابع: "في حين أن الفيروسات جيدة جدا في القفز بين أنواع الكائنات الحية، فإنه من النادر أن يستطيع فيروس قاتل قطع هذه الرحلة عبر عدد من الكائنات المختلفة إلى البشر".

هذا لأنه سيحتاج كل هؤلاء المضيفين للاختلاط ببعضهم البعض في وقت ما. وهنا يأتي دور سوق ووهان الرطب. ويطلق هذا المصطلح على الأماكن التي يتم فيها ذبح الحيوانات الحية وبيعها للاستهلاك.

ونقل التقرير عن "بيتر لي" أستاذ مشارك، جامعة هيوستن-داون تاون، وخبير في تجارة الحيوانات في الصين، قوله: "لم تكن مفاجأة على الإطلاق لكثير من العلماء".

وفي وصفه لمثل هذه الأماكن يقول: "أقفاص الحيوانات المختلفة مكدسة فوق بعضها البعض. وغالبا ما يتم غمر الحيوانات في الأسفل بجميع أنواع السوائل، مثل فضلات، القيح، الدم، وغيرها من السوائل المتساقطة من الحيوانات في الأقفاص أعلاه".

ويتابع التقرير: "هكذا بالضبط يمكن للفيروس أن يقفز من حيوان إلى آخر. وإذا كان هذا الحيوان بعد ذلك على اتصال أو استهلك من قبل الإنسان، يمكن للفيروس أن يصيبهم".

وإذا استطاع الفيروس أن ينتشر بعد ذلك إلى البشر الآخرين، فإنه يسبب تفشي المرض.

ويتابع التقرير: "تنتشر الأسواق الرطبة في جميع أنحاء العالم، ولكن الأسواق في الصين أكثر شهرة بشكل خاص، لأنها تقدم مجموعة واسعة من الحيوانات، بما في ذلك البرية".

هذه الحيوانات من جميع أنحاء العالم، وكل واحد لديه الفرصة لنقل الفيروسات الخاصة إلى السوق. وسبب وجودها كلها في نفس السوق يعود إلى القرار الذي اتخذته الحكومة الصينية منذ عقود، وفق التقرير. 

بداية القصة

ويشرح التقرير كيف كانت البداية: "بالعودة إلى السبعينيات كانت الصين تنهار، فقد قتلت المجاعة أكثر من 36 مليون شخص، بعد أن فشل النظام الشيوعي، الذي سيطر على كل إنتاج الغذاء، في إطعام أكثر من 900 مليون شخص آنذاك".

وبسبب ذلك، في عام 1978، تخلى النظام عن هذه السيطرة وسمح للقطاع الخاص بالزراعة.

وفي حين سيطرت الشركات الكبيرة بشكل متزايد على إنتاج الأطعمة الشعبية مثل الدواجن ولحم الخنزير، تحول بعض صغار المزارعين إلى صيد الحيوانات البرية وتربيتها كوسيلة لإعالة أنفسهم، وفق التقرير.

ويعود التقرير إلى بيتر لي الخبير في تجارة الحيوانات ليقول: "في البداية، كانت مقتصرة على الساحات الخلفية لمنازل الأسر الريفية، حيث كانت تربى السلاحف، على سبيل المثال. هكذا بدأت تربية الحياة البرية".

ويتابع: "لذا، كان من الضروري أن تشجع الحكومة الناس على كسب العيش من خلال أي نشاط إنتاجي يمكنهم أن يجدوا أنفسهم فيه. إذا استطعت انتشال نفسك من الفقر، بغض النظر عما تفعله، فلا بأس".

وقال التقرير: "في عام 1988، اتخذت الحكومة قرارا غيّر شكل تجارة الحيوانات البرية في الصين".

فقد سنوا قانون حماية الحياة البرية الذي وصف الحيوانات بأنها "موارد مملوكة من قبل الدولة"، ونص على حماية الأشخاص المنخرطين في "استخدام موارد الحياة البرية".

ويعلق الدكتور لي، بالقول: تلك من أكثر مشاكل القانون المدمرة، لأنه إذا صنفت الحياة البرية على أنها "موارد طبيعية"، فهذا يعني أنها شيء يمكنك استخدامه لصالح الإنسان.

كما شجع القانون "توطين وتربية الحياة البرية"، وبذلك ولدت صناعة جديدة، وفق التقرير

وتابع: "تحولت المزارع المحلية الصغيرة إلى عمليات بحجم صناعي. على سبيل المثال، بدأت مزرعة صغيرة للدببة بثلاثة فقط لتنمو في النهاية إلى أكثر من 1000 دب".

زيادة عدد الحيوانات يعني فرصا أكبر لحيوان مريض يمكن أن ينشر المرض. بالإضافة إلى أن المزارعين يربون مجموعة متنوعة من الحيوانات، مما يعني تنوع أكبر للفيروسات في المزارع، وفق التقرير.

الحيوانات البرية

ويشير التقرير إلى مشكلة أخرى بالقول: "في حين بدأت صناعة تربية الأحياء البرية القانونية في الازدهار، إلا أنها قدمت غطاء لتجارة الحياة البرية غير القانونية".

فقد تم تهريب الحيوانات المهددة بالانقراض مثل النمور ووحيد القرن وآكل النمل إلى الصين.

وبحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت هذه الأسواق تعج بالحيوانات البرية عندما حدث ما لا مفر منه، وفق التقرير.

ويعيدنا التقرير مرة أخرى إلى عناوين الأخبار في تلك الفترة: "في آخر الأخبار عن فيروس السارس القاتل، يرتفع عدد القتلى في العالم اليوم. أبلغت الصين عن أكثر من 1400 حالة إصابة على مستوى الدولة. ما يحدث الآن هو ما حذر منه مسؤولو الصحة طوال الوقت".

ويتابع: "في عام 2003، تم تتبع تفشي السارس إلى سوق رطبة، في جنوب الصين، حيث اكتشف العلماء آثار الفيروس في قطط الزباد -وهو حيوان ليلي من الروامس- التي تم تربيتها في مزارع خاصة".

ونتيجة لذلك، أغلق المسؤولون الصينيون الأسواق بسرعة وحظروا تربية الأحياء البرية. ولكن بعد بضعة أشهر من انتهاء تفشي المرض، أعلنت الحكومة الصينية 54 نوعا من الحيوانات البرية، بما في ذلك قطط الزباد، قانونية للزراعة مرة أخرى.

وبحلول عام 2004، بلغت قيمة صناعة تربية الأحياء البرية ما يقدر بنحو 100 مليار يوان؛ مما كان له تأثير كبير على الحكومة الصينية، وفق التقرير.

ويقول الدكتور بيتر لي: "على الرغم من أن مساهمة صناعة تربية الأحياء البرية ضئيلة جدا في الناتج المحلي الإجمالي الضخم للصين، إلا أنها امتلكت قدرات ضغط هائلة".

ويتابع التقرير: "وبسبب هذا التأثير سمحت الحكومة الصينية لهذه الأسواق بالنمو على مر السنين". ففي عام 2016، على سبيل المثال، أقرت الحكومة زراعة بعض الأنواع المهددة بالانقراض مثل النمور، وحيوان آكل النمل. 

وبحلول عام 2018، نمت صناعة الحياة البرية إلى 148 مليار (يوان)، بفضل تطوير أساليب تسويقية ذكية أبقتها في الأسواق، وفق التقرير.

ويوضح بيتر لي بعض هذه الدعايات، بالقول: "كانت الصناعة تروج لحيوانات الحياة البرية هذه كمنتجات منشطة، لبناء الجسم، وتعزيز الجنس، وبالطبع، كأغذية مهمة لتقوية المناعة ومكافحة الأمراض. وهو ما لا يمكن إثباته علميا".

ومع ذلك، أصبحت هذه المنتجات شائعة لدى جزء مؤثر من سكان الصين، وفق التقرير.

ويتابع دكتور لي: "إن غالبية الناس في الصين لا يأكلون الحيوانات البرية. الذين يستهلكون هذه الحيوانات هم الأغنياء وأصحاب النفوذ، وهم أقلية صغيرة، اختارت الحكومة الصينية تفضيلها على سلامة البقية من سكانها".

ويصل التقرير إلى الأزمة الحالية بالقول: "بعد فترة وجيزة من تفشي الفيروس التاجي، أغلقت الحكومة الصينية آلاف الأسواق الرطبة، وحظرت بشكل مؤقت تجارة الحياة البرية مرة أخرى".

وهو ما تطالب به المنظمات في جميع أنحاء العالم، وتحث الصين على جعل الحظر دائم هذه المرة. ليس فقط المنظمات العالمية، بل انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية مطالبات بحظر هذه الصناعة إلى الأبد، وفق التقرير.

وردا على ذلك، قال التقرير: "ورد أن الصين تعدل قانون حماية الحياة البرية، الذي شجع تربية الحيوانات البرية منذ عقود، ولكن ما لم تؤد هذه الإجراءات إلى حظر دائم على تربية الأحياء البرية، فإن تفشي مثل هذا الذي يحدث الآن، لا بد وأن يحدث مرة أخرى".