أحزاب هشة ومجتمع مدني مغيب.. هكذا بدت مصر بمواجهة "كورونا"

جائحة كورونا كشفت عن عورات كثيرة داخل نظام الحكم العسكري في مصر، وكما أنها أظهرت ضعف وتدني المستوى الصحي والقطاع الطبي وشح الإمكانات والمستلزمات والأدوات، أظهرت أيضا هشاشة المجتمع المدني وضعف الأحزاب وانعدام دورها وفاعليتها وقت وقوع الأزمات والكوارث.
بصوته الجهوري المعتاد، صاح الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه "الحكاية" على شبكة "MBC"، محذرا إياهم من كارثة إذا استمرت الرعونة في مواجهة فيروس كورونا، وتساءل: "أين نواب البرلمان؟ أين شباب الأحزاب".
كان أولى بأديب أن يوجه سؤاله إلى السيسي، الذي حرص منذ توليه الحكم قبل نحو 7 سنوات على تجفيف كل المنابع، وتهميش دور أي عناصر يمكن أن تكون فاعلة في المجتمع، أحزاب، جمعيات خيرية، مؤسسات حقوقية، منظمات شبابية، رجال أعمال.. إلخ.
إجراءات السيسي وقوانينه وقراراته خنقت كل المنافذ التي يمكن أن يتنفس منها المجتمع سياسية كانت أو اقتصادية، بالإضافة إلى السحق الكامل للعمل الأهلي، ما شل حركة الأذرع المدنية في البلاد عن تقديم يد العون والمساعدة أمام نازلة مفزعة وخطيرة مثل كورونا.
قبل كورونا بأيام قلائل، كانت كارثة السيول التي أودت بحياة نحو 20 مواطنا، وكشفت أيضا عن غياب واضح للأحزاب السياسية (نحو 100 حزب)، وقفت صامتة، غير قادرة على مجابهة الأزمة، وبلا أي فاعلية في توعية وخدمة المواطنين العاجزين فضلا عن أن تمد لهم يد العون والمساعدة.
تجربة حزبية
شهدت مصر تجربة حزبية نشطة عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، عندما بدأت حياة سياسية مختلفة، سمحت بتعددية حزبية من مختلف التيارات والأيديولوجيات، ما انعكس بشكل إيجابي على الحياة العامة في مصر.
خلقت التجربة منافسات قوية بين الأحزاب القائمة، مثل (الحرية والعدالة – النور – المصريين الأحرار- الوسط – الدستور – البناء والتنمية)، الذين حاولوا أن يقدموا خدماتهم للشعب، وتباروا في تنظيم القوافل الطبية، ومساعدة المحتاجين، وغيرها من أوجه الفاعلية المجتمعية.
الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، أحدث تغييرا في معالم الحياة والخريطة السياسية والمجتمعية في مصر، بعدما أطاح الجيش بأول رئيس مدني منتخب (الراحل محمد مرسي)، وتولت العسكر مجريات الأمور عبر ممثلهم قائد الجيش عبد الفتاح السيسي الذي أصبح رئيسا للجمهورية.
رجال الأعمال
أظهرت كارثة السيول وجائحة كورونا غياب الدور الخيري لرجال الأعمال، ففي 29 مارس/ آذار 2020، طالب الملياردير نجيب ساويرس، رئيس شركة أوراسكوم للاتصالات، في مداخلة هاتفية لبرنامج "القاهرة الآن" مع الإعلامية لميس الحديدي، بعودة النشاط الاقتصادي لطبيعته في أسرع وقت، وحذر من دمار اقتصادي إذا استمر الحظر المفروض من الحكومة ضمن تدابير مواجهة كورونا.
وأضاف ساويرس: "القطاع الخاص سيفلس إذا استمر في دفع المرتبات دون وجود إنتاج، والحكومة لن تستطيع تعويض الجميع عن فقدهم مصدر رزقهم، ما سيؤدي إلى تحول هؤلاء للجريمة أو الانتحار".
وسار على نهج ساويرس، رجل الأعمال حسين صبور، رئيس مجلس إدارة نادي الصيد السابق، الذي طالب في تصريحات صحفية، لموقع "اليوم السابع"، بضرورة عودة العمال والموظفين لعملهم.
وأكد: أن "الإفلاس يهدد مصر في حال استمرار توقف العمل في المصانع والشركات"، قائلا: "لو استمر التوقف الإفلاس ينتظر البلد، كل حد له طاقة استحمال، نحن دولة ضعيفة طاقتنا انتهت ولا بد من العودة للعمل".
وعندما سُئل صبور عن التبرع في ظل الأزمة، أعلن عدم تبرعه، وقال: "أنا لو عندى فلوس هحوشها لمرتبات موظفيني الأشهر القادمة، لأني مش عارف هيجيلي دخل ولا مش هيجيلي".
وكانت ذروة الصدمة عندما أكد أنه "لا يهمه زيادة عدد الإصابات والوفيات في حال نزول العمال والموظفين لعملهم، مضيفا: "تزيد عدد الإصابات والوفيات، لكن سيبقى هناك شعب قائم وناقص شوية".
وفي 5 أبريل/ نيسان 2020، صرح رجل الأعمال رؤوف غبور، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمجموعة "جي بي أوتو"، أنه لن يتبرع لضحايا فيروس كورونا، بسبب الخسائر الاقتصادية، وذكر أن من يهاجم رجال الأعمال، بسبب ذلك الأمر، لا يفهم، فرجال الأعمال لم يكسبوا وتحملوا ضريبة تعويم الجنيه في الفترة السابقة.
هذه العينة من رجال الأعمال هي التي انتعشت خزائنها مع الانقلاب، فيما يوجد في سجون السيسي طائفة أخرى من رجال الأعمال من ذوي القيم والإنفاق الخيري في المجتمع وافتقدتهم مصر في مثل هذه الظروف ومن هؤلاء رجل الأعمال حسن مالك، الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
العمل الأهلي
غياب الأحزاب، وضعف قدرة رجال الأعمال على سد احتياجات المجتمع، ومواجهة جائحة "كورونا"، وتبعاتها الصحية والاقتصادية، لم يعوضه المجتمع الأهلي الذي يعاني وضعا أسوأ بكثير من الجهات الأخرى.
في يناير/ كانون الثاني 2019، ذكرت الإدارة المركزية للجمعيات والمؤسسات الأهلية في مصر، أن عدد الجمعيات الأهلية في البلاد يصل إلى نحو 50 ألف جمعية ومؤسسة أهلية، وتقدم هذه الجمعيات مساعدات لملايين من المصريين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.
وفي 14 يوليو/ تموز 2019، وافق البرلمان على تشريع يضم 107 مواد لتنظيم عمل المنظمات الأهلية، إذ يحظر ممارسة عدة أنشطة بدعوى عدم الإخلال بـ"الأمن القومي".
واضطرت منظمات كثيرة إلى تقليص أنشطتها، وإغلاق مكاتبها بالكامل نتيجة للحملة الحكومية، كما أغلقت الحكومة أكثر من 2000 منظمة، أغلبها جمعيات خيرية، بموجب قوانين فضفاضة وقمعية، وذلك وفق تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، التي وجهت انتقادات حادة إلى النظام المصري بسبب قانون تنظيم عمل المنظمات الأهلية.
تراجع مؤسف
الصحفي المصري بجريدة الشعب، محمد مجدي، قال "للاستقلال": "مقومات الدولة الكبيرة لا تعتمد على الحكومة والنظام السياسي فقط، بل على الأحزاب الكبرى، التابعة للنظام والمعارضة، والحركات الطلابية، والجمعيات الخيرية، والمؤسسات الخدمية، والطلائع الشبابية، وغيرهم من الركائز الأساسية للمجتمعات المعاصرة".
وأكد مجدي: "مصر دولة كبيرة وعريقة، وهي من أوائل دول المنطقة التي عرفت العمل الحزبي والبرلماني، والحركات السياسية، حتى أن التاريخ المعاصر، يؤرخ الحياة الحزبية في مصر منذ أكثر من 100 عام، ولكن الوضع الحالي يؤشر إلى تراجع مؤسف في تلك الإمكانيات، وهنا مكمن الخطورة".
وأضاف: "جائحة مثل كورونا، التي تمثل أزمة عالمية كبرى، لا يمكن لدولة منفردة أو نظام سياسي منفرد أن يواجهها، خاصة في مصر التي يتجاوز تعدادها السكاني 100 مليون، منتشرين على مساحة كبيرة على طول الوادي، وتشملهم طبقات اجتماعية متعددة من أهل المدينة إلى الريف والبدو، وأهالي المجتمعات العمرانية الحديثة، والأحياء الشعبية، ثم العشوائيات، فمن يستطيع أن ينظم حياة كل هؤلاء الأفراد، في حالة انتشار الوباء على غرار الصين، والولايات المتحدة، وإيطاليا".
المصادر
- Worse Than Mubarak
- مصر: قانون الجمعيات الأهلية الجديد يُجدّد القيود الصارمة
- تصريحات رجال الأعمال تثير الجدل في مصر بسبب كورونا
- حسين صبور لـ"اليوم السابع": "رجَّعوا الناس للشغل فورا.. لما شوية يموتوا أحسن ما البلد تفلس
- الجيش يزاحم المؤسّسات الإقتصادية المدنية في مصر
- حلّ الجمعيات الأهلية في مصر بموجب القانون