نظام السيسي.. لماذا ينتقده الاتحاد الأوروبي ويقدم الدعم له؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مثلت زيارة سفراء وممثلين عن عدة سفارات غربية للشبكة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة، وإعلان تضامنهم مع الناشط الحقوقي جمال عيد، الذي تعرض للعديد من الانتهاكات على يد قوات الأمن المصرية، رفضا واضحا لسياسة النظام المصري القمعية تجاه معارضيه.

وفي 20 فبراير/شباط الجاري، كشفت الشبكة عن زيارة هامة من سفراء وممثلي: كندا، فرنسا، ألمانيا، هولندا، إيرلندا، المملكة المتحدة، إسبانيا، النرويج، أستراليا، نيوزيلندا، السويد، إيطاليا، الاتحاد الأوروبي، لمقرها.

وجاءت الزيارة وفق منشور على "فيسبوك"، في سياق التضامن مع حركة حقوق الإنسان المستقلة، ومع الشبكة العربية بعد الاعتداءات المتكررة على مديرها التنفيذي. وتزامنت الزيارة مع تصريحات أطلقها رئيس البرلمان الأوروبي طالب فيها النظام المصري بإطلاق سراح الباحث باتريك جورج.

الزيارة الرمزية تكشف أن حالة الدعم الأوروبي والغربي، لنظام عبدالفتاح السيسي قاربت على النفاد، وأن رصيد الصبر الأوروبي والغربي، لم يعد فيه الكثير تجاه ممارسات السيسي القمعية.

رغم ذلك، فإن حالة الانفصام التي يعاني منها الساسة الغربيون تجاه ملف حقوق الإنسان بمصر، يظل محيرا، ويحتاج لإجابات عن سبب دعمهم لنظام السيسي، في الوقت الذي ينتقدون فيه ممارساته القمعية.

مراجعة الدعم

وفقا للنشرة الدورية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، في فبراير/ شباط الجاري، فقد اعترف الاتحاد بأنه جهة غير فاعلة وقوية لضمان حماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، إلا أنه طالب كذلك بضرورة إجراء مراجعة عميقة لعلاقات منطقة اليورو مع مصر.

وأكد الاتحاد الأوروبي أن وضع حقوق الإنسان في مصر يتطلب مراجعة جادة، لعمليات دعم ميزانية مفوضية الاتحاد والتي ينبغي قصرها على دعم المجتمع المدني في المقام الأول، وليس دعم الحكومة القمعية.

ورغم اعتراف الاتحاد بالعجز أمام ممارسات النظام المصري، فإنه دافع عن حماية حقوق الإنسان في مصر، واتخذ العديد من المواقف الرافضة لسياسات نظام السيسي.

وحسب التقرير الذي نشره الاتحاد على موقعه الرسمي تحت عنوان "حماية حقوق الإنسان والعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر"، فإن الاتحاد ينطلق في هذا الملف وفقا لقاعدتين ثابتتين وهما "حماية حقوق الإنسان الأساسية للمواطنين الأوروبيين والترويج لها في جميع أنحاء العالم".

ولا تغفل قواعد الاتحاد الأوروبي، قضية حماية حقوق الإنسان في حالة الأشخاص. وضرب الاتحاد نموذجين: الأول ما جرى مع جوليو ريجيني الإيطالي الجنسية، والذي قُتل في القاهرة قبل بضع سنوات، والحالة الثانية التي جرت مع اعتقال باتريك جورج، والذي تعرض للتعذيب أثناء وصوله من إيطاليا إلى القاهرة لزيارة أسرته.

ووفق بيان الاتحاد الأوروبي فإن اعتقال جورج أدى لتعزيز الانتقادات الإيطالية بسبب افتقار المصريين إلى الشفافية حول قضية ريجيني، وهو ما دفع برئيس برلمان الاتحاد الأوروبي ديفيد ساسولي للمطالبة بالإفراج الفوري عنه.

تشجيع الديكتاتورية

وفقا لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الشهيرة، فإن الأنظمة الغربية وخاصة الولايات المتحدة، والقادة الكبار في الاتحاد الأوروبي يدعمون ديكتاتورية السيسي، على حساب الديمقراطية.

واستدلت المجلة على ذلك، بحديثها عن الصمت الغربي على حالات القمع التي مارسها السيسي لتمرير التعديلات الدستورية التي قام بها في 2019، ومكنته من الاستمرار بالحكم حتى 2034، وما سبقها من اعتقال أكثر من 60 ألف شخص بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013.

ووفق التقرير، فإن السيسي وتحت شعار "الحرب على الإرهاب"، ينفذ العديد الانتهاكات ضد منظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، بالإضافة للتخلص من معارضين سياسيين كانت لهم آراء مخالفة لتوجهاته في التعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية، حيث أصبح المعارضون بين معتقل أو هارب، أو معرض للتنكيل السياسي والمعنوي.

وتشير المجلة إلى أن المجتمع الدولي، ومن خلال الوقوف إلى جانب السيسي، يتحدى إرادة الشعب المصري، وهو ما ينطبق على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي ينتقد حالة حقوق الإنسان في مصر، ولكنه في الوقت نفسه أصبح نتيجة علاقته بالسيسي أكبر مورد للأسلحة إلى القاهرة في السنوات الأخيرة.

فبالإضافة إلى مقاتلات رافال والسفن الحربية والقمر الصناعي، وفرت فرنسا أيضا عربات مدرعة جرى استخدامها لسحق المعارضة بعنف خلال الاحتجاجات الشعبية التي خرجت ضد السيسي بالقاهرة والمحافظات المختلفة خلال الفترة الأخيرة.

وترى المجلة الأمريكية أن سياسات ماكرون ليست سوى جزء من نمط أكبر للمجتمع الدولي، وهو ما كان واضحا عندما تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع السيسي خلال اجتماع عقد في سبتمبر/أيلول 2018، مؤكدا أن العلاقة الأمريكية المصرية "لم تكن أقوى في أي وقت مضى، ونحن نعمل مع مصر على العديد من الجبهات المختلفة، بما في ذلك الجيش والتجارة". 

واختتمت المجلة تقريرها بالقول: إن "الأمر متروك للقادة الأوروبيين والأمريكيين إما للوقوف إلى جانب الشعب المصري، أو مع نظام سحق حقوق الإنسان، كما أن الأمر متروك للقوى الغربية لكي تفي بمطالبها بأنها تقدر وتؤيد العدالة والحقوق والحريات، أو تغض الطرف لأن حليفها ينتهك هذه القيم".

السجل المأساوي

وفقا لتحليلات عديدة، فإن تصاعد النبرة الأوروبية ضد نظام السيسي فيما يتعلق بحقوق الإنسان، لا يمكن إغفالها، خاصة بعد الوفاة المفاجئة للرئيس الراحل محمد مرسي أثناء جلسة محاكمته في يونيو/حزيران 2019، ثم الاتهامات التي وجهها المقاول والفنان المصري محمد علي، عن فساد المؤسسة العسكرية التي تحكم مصر بقبضة من حديد، وما تلى ذلك من انتهاكات صاحبت مظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول 2019.

ويستدل أصحاب هذا الرأي بالحملة التي قادتها منظمة العفو الدولية، قبل مراجعة الملف الحقوقي المصري في اجتماعات المفوضية السامية لحقوق الإنسان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، ومطالبتها للمجتمع الدولي بفتح تحقيق في الاستخدام المتفشي للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة على أيدي قوات الأمن.

هذا فضلا عن ظروف الاحتجاز المزرية، وإنهاء استخدام السلطات المصرية القمعي لحظر السفر التعسفي والمضايقة القضائية لمعاقبة نشطاء حقوق الإنسان.

التقرير السابق لمنظمة العفو الدولية لم يكن الوحيد الذي تحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، حيث سبقه تقرير صادم في يونيو/حزيران 2019، عن سجل حقوق الإنسان بمصر منذ تولي السيسي السلطة.

وقد سلط التقرير، الذي رُفع إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الضوء على القيود الشديدة التي فرضتها السلطات على حرية التعبير والتجمع، والاستخدام الواسع النطاق للاحتجاز التعسفي، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والاختفاء القسري، والمحاكمات الجائرة، وظروف الاحتجاز المزرية، وذلك من بين بواعث قلق أخرى.

الديكتاتور المفضل

في مقال نشره الكاتب السياسي "جيرالد سي"، بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، انتقد فيه استضافة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، للديكتاتور السيسي، خلال الاجتماعات التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس.

وحسب "جيرالد سي"، فإن مصر التي يعتبرها ترامب حليفا هاما، تعد أكبر دولة تحتجز مواطنين أمريكيين في سجونها، ولا تخضع لعقوبات اقتصادية، مثل التي تتعرض لها إيران على سبيل المثال، رغم أن سجونها لا تحوي مواطنين أمريكان.

ووفق الكاتب نفسه، فإن التقارير الواسعة وذات المصداقية تتحدث عن التعذيب البشع والاحتجاز إلى أجل غير مسمى، الذي ينفذه نظام السيسي، في الوقت الذي تدعم فيه الولايات المتحدة علنا "ديكتاتورها المفضل".

بالنسبة لبريطانيا، يقول المحرر الدبلوماسي بصحيفة "الجارديان"، "باتريك وينتور"، عن زيارة السيسي لبريطانيا للمشاركة في القمة الإنجليزية الإفريقية، خلال شهر يناير/كانون الأول الماضي: إن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، كان عليه ضغوط كبيرة من المجتمع البريطاني لعدم استضافة السيسي.

وتابع: أنه طولب على الأقل بعدم الترحيب به بشكل ملفت نتيجة ممارساته القمعية في مجال حقوق الإنسان، بما فيها سجن الأطفال المتهمين بالمشاركة في الاحتجاجات ضد نظامه في مظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول 2019.

وتشير الجارديان، إلى أنه في كثير من الأحيان، أعرب القادة الغربيون عن قلقهم الغامض من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، بينما لا يفعلون شيئا لمنع الاختفاء القسري والتعذيب والمحاكمات الجماعية التي تميز حكم السيسي.

المصالح أولا

حالة الانفصام التي يتعامل بها المجتمع الغربي، مع الحالة المصرية، اعتبرها "معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط" ومقره بروكسل، بأنها هشة للغاية، لأنها قائمة على الاستقرار قصير المدى التي يبحث عنه الاتحاد الأوروبي في علاقته بالسيسي.

وحسب دراسة أعدها المركز، فإنه لم يعد سرا أن قادة الاتحاد الأوروبي ركزوا اهتمامهم بشكل متزايد في الشرق الأوسط على أولوية واحدة، وهي وقف الهجرة من المنطقة في أعقاب الزيادة الكبيرة في طالبي اللجوء خلال عام 2015.

وتشير الدراسة للتقدير الذي قدمته العديد من الحكومات الأوروبية عن تقديرها لالتزام الحكومة المصرية بمنع الهجرة غير النظامية من شواطئها على البحر المتوسط، وهذا ما يفسر جزئيا العلاقات الدافئة نسبيا بين القاهرة والعواصم الأوروبية.

مع ذلك، فإن الأمر الأكثر أهمية من دور مصر التقليدي كنقطة عبور، هو الخوف من مزيد من التدهور في مصر والذي قد يحفز الهجرة الجماعية من بلد يضم 100 مليون شخص على البحر المتوسط.

وتؤكد الدراسة أنه من أجل منع أي انهيار من هذا القبيل، تبنى الزعماء الأوروبيون سياسة ترتكز على أن السيسي يقدم شكلاًمن أشكال الاستقرار السلطوي الذي ينبغي عليهم دعمه، وهو ما تجلى في استمرار مبيعات الأسلحة إلى مصر على الرغم من سجلها الموثق على نطاق واسع من انتهاكات حقوق الإنسان.

ووفق الدراسة فإنه مع الدعم الاقتصادي والعسكري الأوروبي، لا يخلو الأمر من وجود انتقادات محدودة لانتهاكات الحقوق في مصر، ولكنها انتقادات تفتقر لأي عواقب مادية، وهو ما يجعل المسؤوليين المصريين يزدادون جرأة، وتبجح في انتهاكات حقوق الإنسان.

وتنتهي الدراسة إلى أن الإيمان الذي يبديه مسؤولو الاتحاد الأوروبي على المدى القصير، بأن السيسي سيحقق الاستقرار والإصلاح مع وقف تدفق المهاجرين قد يفسح المجال في النهاية للواقع البعيد المدى؛ خاصة وأن النظام السياسي في مصر هش للغاية، وبرنامجه الاقتصادي غير مستدام، مما يسبب الألم دون مكاسب قابلة للحياة.

بالإضافة إلى ذلك، قد يضيف دعم مصر للسلطات الاستبدادية العنيفة في ليبيا والسودان - بدلا من طرحها - في النهاية من أولئك الذين يسعون بشدة للهروب والحرب والقمع والفقر.


المصادر