عن فيلم الرسوم المتحركة "هورتون"

أحمد ماهر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ أيام حالفني الحظ لمشاهدة فيلم رسوم متحركة عظيم يحمل الكثير من المعاني والرسائل الهامة، الفيلم كنت شاهدته من قبل منذ سنوات ولكن لم أنتبه له جيدا إلا عندما شاهدته للمرة الثانية مؤخرا.

الفيلم بعنوان "!Horton hears who” أو "هورتون يسمع من!"، وهو من تأليف دكتور سوس الذي كتب القصة للأطفال عام ١٩٥٤، لإظهار معاني العزيمة والإصرار والتسامح، وكتبها بالأساس كرمز على القدرة على تجاوز مشاعر العداء بين الولايات المتحدة واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وتحولت القصة إلى فيلم رسوم متحركة بإنتاج ضخم عام ٢٠٠٨، كلف وقتها حوالي ٨٥ مليون دولار وحقق ما يزيد عن ٣٠٠ مليون دولار. 

ولد د. سوس  “ثيودور سوس جيزل” في الثاني من مارس لسنة 1904 في سبرينغفيلد ماساتشوستس، ودرس في جامعة أكسفورد، وعاد للولايات المتحدة عام ١٩٢٧ وقرر العمل في مجال قصص الأطفال والقصص المصورة.

ويحكي الفيلم عن الفيل الطيب "هورتون " المتسامح مع جميع الحيوانات والخدوم لأقصي درجة، ولكن في أحد الأيام يسمع صوت صادر من زهرة برسيم، ويظن أنه يُخيل له ذلك، ولكن مع الوقت يتأكد من وجود أصوات تصدر من تلك الزهرة، ومع استمرار المحادثة بينه وبين حاكم "هو who أو من" يعلم أن هناك عالم كامل من مخلوقات تعيش في مدينة لها حاكم وقوانين وبرلمان ونظام حكم.

سكان ذلك العالم لا يعلمون شيئا عن ما يوجد خارج ذرة الغبار التي يعيشون عليها، والتي توجد فوق زهرة صغيرة ملقاة فوق غابة مترامية الأطراف، كما أن هورتون لم يكن يتخيل من قبل أنه يمكن أن يكون هناك عالم كامل ومخلوقات أخرى فوق ذرة غبار فوق زهرة صغيرة ملقاة في الغابة.

ومع الحوار اليومي بين هورتون وحاكم مدينة "هو" بدأ الفيل يتعرف على العادات والتقاليد والنظام الحاكم لذلك العالم الصغير، ويعلم كذلك أن هناك برلمانا منتخبا يقيد سلطات الحاكم، وأن المدينة بها طرقا ومباني ومدارس وجامعات وعلماء، كانت مباني بلدة "who هو " مصممة لتحمل الزلازل والأعاصير المفاجئة، لم يكن السكان والعلماء يعلمون أنهم مجرد كائنات متناهية الصغر تعيش على ذرة في زهرة تحملها الرياح وتضعها في أي مكان. ثم أصبح الفيل يحملها فيل يتنقل ويجري ويلهث.

يذكرني ذلك بما كانت تحكيه لي جدتي عندما كنت صغيرا عن ذلك الثور أو الملَك الذي يحمل القرى الأرضية على أحد قرنيه، وعندما ينقل الكرة الأرضية إلى القرن الآخر يحدث زلزال مدمر.

ومع التصاعد الدرامي يحاول هورتون إقناع باقي حيوانات الغابة بأن هناك عالما كاملا ومخلوقات متناهية الصغر تعيش في تلك الزهرة، لكن بالطبع الجميع يسخرون منه، ويتم اتهامه من قبل الوزيرة (الكونجر) أنه ينشر أفكار هدامة ويحاول إفساد عقول الصغار، ولذلك يجب معاقبته وعزله من أجل حماية الأطفال.

في الوقت ذاته يحدث ما يشبه ذلك لحاكم مدينة "هو who" إذ لا يصدقه أحد عندما يشرح لهم أن تلك الزلازل المتكررة هي بسبب أن الفيل الذي يحملهم يحاول الهروب من حيوانات تريد سحق الزهرة وتدمير عالمهم.

يصر الفيل هورتون على موقفه، ويناضل طوال الفيلم من أجل إنقاذ الزهرة والكائنات التي تعيش عليها، ويتحمل السخرية والإهانات والأذى من جميع الحيوانات، ولكنه لم يستسلم وظل يحاول إقناع باقي الحيوانات يهرب أحيانا ويضرب بخرطومه أحيانا أخرى، لأنه سمع، ولأنه مقتنع بفكرة ما ولا بد من أن يتحمل الأهوال من أجل إثباتها والدفاع عنها.

والحال كذلك بالنسبة لحاكم المدينة على ذرة الغبار، يسخر الجميع منه، ويستغل البرلمان عدم تصديق الشعب لقصة أنهم مجرد شعب صغير يعيش في عالم أكبر منهم بكثير، فيبدأ رئيس البرلمان في منافسة ومناطحة الحاكم الذي أصبحت الأغلبية تعتقد أنه مجنون، لا تصدقه إلا زوجته وابنه الانطوائي الذي لا يتحدث كثيرا، يؤمنون به ويساعدونه في إيصال صوت شعب "هو who" إلى خارج الزهرة ليسمعهم باقي سكان الغابة ويتراجعون عن فكرة إذابة الزهرة في زيت مغلي.

الفيلم رغم بساطته يحمل العديد من الرسائل والمعاني الجميلة، فلولا إصرار الفيل هورتون ونضاله ما كان استطاع إقناع الآخرين بالحقيقة التي اكتشفها، ولولا ذكاء الصبي الصامت المتمرد (ابن حاكم المدينة الصغيرة) واستخدامه للاختراعات المبتكرة من أجل إيصال صوت شعبه للخارج لكان الهلاك لهم جميعا.

يذكرني ذلك بمن يتحملون الإساءة والسخرية والتخوين في أوطانهم لمجرد أنهم يتحدثون عن أخطار الديكتاتورية والحكم العسكري، أو يحاولون التحذير من الكوارث التي ستأتي من استمرار الفساد والحكم العشوائي، أو يحاولون إقناع الناس بأهمية الديمقراطية والحكم الشرعي، ولكن الجميع ينعتونهم بالجنون أو الخيانة، والجميع يحاربهم وقد يقتلونهم لمجرد أنهم يحاولون إنقاذ الآخرين.

كذلك كان مشهد الحاكم الذي ينظر إلى السماء ليسمع كلام فيل لا يراه ولكنه يصدق ما يقول، أشبه بنبي يستمع إلى إلهه الذي يقول له الحقيقة ويعلمه الأسماء وحقيقة الوجود.

لفت نظري كذلك أن الشعب الصغير في مدينة "who"  أو "من" يعتقدون أن العالم ينتهي عندهم، لم يكن عندهم علم بأن كل مدينتهم ومبادئهم وحضارتهم وتاريخهم هي فقط مجرد جزء ضئيل من ذرة غبار على زهرة تطير في الهواء وسط غابة ضخمة على كوكب يعتبر هو الآخر مثل ذرة الغبار، التي تطير في الجو بالنسبة لباقي العالم وباقي المجرات.

لفت نظري كذلك أن الإنسان ينشغل أحيانا بقضايا خاصة قد يعتبرها مصيرية أو تمثل نهاية العالم، ولكنها في واقع الأمر لا تمثل شيئا بالنسبة لتاريخ البشرية ولا تمثل شيئا لذلك الكون الذي ليست له نهاية.

صحيح أن الخير ينتصر في النهاية في أفلام الرسوم المتحركة فقط، ولكن فعلا لا يسقط حق وراءه مطالب، والإصرار والإيمان هما مفتاح النجاح مهما طال الوقت ومهما زاد الظلم والجهل، وستظهر الحقيقة يوما ما، ولو بعد مئات أو آلاف السنين.

أحيانا عندما أنظر إلى كل هذا الظلم الواقع علينا وعلى حالنا الذي أصبح يرثى له، أقول لنفسي ربما سيأتي يوم ما وسيبدأ القوم في دراسة ما حدث من جديد، ويعيدون للمظلوم حقه ولو بعد مئات السنين، ورغم كل الظلم الذي نراه في مجتمعاتنا إلا أنه سوف يأتي يوم تعاد في المكانة لمن قاوموا الظلم في وقت سابق وسخر منهم الجميع أو تم التنكيل بهم حينها.