هل يستنسخ الجيش السوداني تجربة مصر في السيطرة على الاقتصاد؟

12

طباعة

مشاركة

كشفت تصريحات للقيادي بقوى الحرية والتغيير السودانية، التيجاني حسين دفع السيد، عن أزمة بدأت تطفو على السطح، بين القوى والمجلس العسكري، فيما يتعلق بالاستثمارات والنشاط الاقتصادي التابع للمؤسسة العسكرية.

والتيجاني أحد المعنيين بالشأن الاقتصادي، نفى وجود أزمة مع المؤسسة العسكرية فيما يتعلق بمعالجة الوضع الحالي لملكية الشركات التابعة للجيش، وأكد على وجود اتفاق يجري بلورته بين الجانبين لإدخال هذه الشركات ضمن موازنة الدولة.

إلا أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها نائب رئيس المجلس الانتقالي والحاكم الفعلي للسودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بنقل الذهب الذي يسيطر عليه خارج البلاد، لا تشير إلى أن اتفاقا جادا يمكن أن يكون له وجود على أرض الواقع.

فهل يمكن أن يكون الاقتصاد هو الورقة التي تنهي علاقة الود المؤقت، بين قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري، أم أن هذا الملف سيظل مغلقا، حتى لا يجر وراءه المزيد من الأزمات، وحتى لا يكون سببا في تكرار التجربة المصرية المريرة.

الدوافع المشتركة

وفقا لدراسة موسعة لمجموعة الأزمات الدولية عن مستقبل الوضع في السودان، فإن المحرك الأساسي للثورة السودانية ضد عمر البشير، كان الوضع الاقتصادي المنهار، والذي تحول مع تشكيل الحكومة الجديدة، لأكبر تحد لها.

وبات على السودان البحث عن كل الوسائل التي تمكنه من تحسين حياة الملايين الذين غمرتهم عقود من السياسات المدمرة، بسبب الفساد والتحويلات الهائلة لرؤوس الأموال للخارج، والإنفاق الباهظ على قطاع الدفاع.

وحسب الدراسة فإن الحكومة الانتقالية ابتكرت ما وصفته بـ "خطة الطوارئ" لإنعاش الاقتصاد، من أهم مكوناتها، إصلاح المؤسسات الرئيسية، بما في ذلك البنك المركزي، لضمان توجيه جميع الإيرادات الحكومية من خلال المؤسسات الرسمية وليس إلى خزائن الجنرالات.

إضافة إلى معالجة سوق العملات الموازية كجزء من محاولة لتحقيق الاستقرار في العملة الرسمية المبالغ في قيمتها؛ وإنشاء نظام لتشجيع وتسهيل التحويلات المالية من الشتات في السودان، ومضاعفة مخصصات الميزانية لقطاع الصحة والتعليم من 5 إلى 15 % على الأقل، مع تخفيض موازنة الدفاع التي تلتهم حاليا 80% من إيرادات الدولة.

وترى الدراسة أن خطة الطوارئ الاقتصادية ستتصادم مع رغبات القيادات العسكرية، التي لا تريد الاقتراب من مناطق نفوذها، كما أنها لن توافق بسهولة على دمج موازنتها داخل موازنة الدولة، بالإضافة لما يعرف بالاقتصاد غير الشرعي الذي تديره شخصيات نافذة في المؤسسة العسكرية السودانية.

صدام متوقع

ويدعم تقرير موسع نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الطرح السابق، حيث نقلت الصحيفة عن مسؤولين سودانيين حاليين وسابقين، بأن خطة رئيس الحكومة الحالي، عبد الله حمدوك، للإصلاح الاقتصادي ستتصادم مع مصالح الجيش، وهو ما يمكن أن يكون سببا في غضب القيادات العسكرية الذين تقبلوا على مضض، أن يشاركهم أحد في الحكم بعد الإطاحة بالبشير.

ووفق تحليل قدمته الباحثة السودانية في هيومن رايتس ووتش، جيهان هنري للصحيفة الأمريكية، فإن حمدوك يريد تخفيض الإنفاق العسكري بشكل كبير، في إطار خطة إحلال السلام في البلاد، معتبرة أن ذلك سيكون في منتهى الصعوبة، خاصة وأن الجيش يستحوذ على أكثر من 80% من موازنة الدولة السودانية.

وتوقعت هنري "حدوث توترات بين الجيش والمدنيين، خاصة وأن العسكريين يمتلكون كل أدوات عرقلة قرارات حمدوك، الذي ليس لديه طريق يسلكه إلا بالتعاون والعمل مع الجنرالات".

وبالعودة لدراسة مجموعة الأزمات الدولية، فإن سيطرة المؤسسة الأمنية والعسكرية على كل أدوات القوة الخام في البلاد، جعلها صاحبة الكلمة العليا، وبالتالي فإنه في حال اقترب أحد من هذه الأدوات، فإنهم لن يقفوا صامتين.

وألقت الدراسة الضوء على نفوذ حميدتي، قائد قوات التدخل السريع، ونائب رئيس المجلس العسكري، على وجه الخصوص، مؤكدة أنه لم يكن يتمتع بالكاريزما الشعبية التي كان يحظى بها البشير، ولكنه استطاع من خلال بعض النخب السودانية تقديم نفسه باعتباره حامي الثورة السودانية والذي بيده كلمة السر في استقرار البلاد.

ووفق الدراسة فإن حميدتي استمد قوته من ثلاثة أمور: الأولى قوات التدخل السريع شبه الحكومية، والثانية مناجم الذهب التي يسطير عليها، والثالثة متعلقة برغبة الرياض وأبو ظبي والقاهرة، في وجوده بصدارة المشهد، ولذلك فإن الرجل جمع بين المال والقوة، وأحاط نفسه بمجموعة من رجال الأعمال الذين يطلق عليهم "تجار الحروب".

وتؤكد الدراسة أن النفوذ الذي جمعه حميدتي جعله في غنى عن تنفيذ انقلاب، لأنه خلق دورا لنفسه كبديل عن الدولة ونخب الخرطوم.

عصابات الجيش

بعد التعديلات التي جرت على تركيبة المؤسسة العسكرية السودانية عقب رحيل البشير، تولى حميدتي منصب نائب رئيس المجلس العسكري، وهو ما منح قوات التدخل السريع الفرصة لإحكام سيطرتها على مفاصل القوات المسلحة النظامية بشكل كبير، وفقا لقراءة قدمها مدير إدارة الأمريكيتين في الخارجية السودانية سابقا، السفير السابق الرشيد أبو شامة.

ونتيجة لهذه السيطرة، وضع حميدتي يده على كل مفاصل الجيش، وخاصة المرتبطة بالاقتصاد، والذي يتمثل في شركات التموين الحربي، وشركات الاتصالات والمطارات والموانئ العسكرية، بالإضافة للمورد الأساسي المتمثل في التجارة بالذهب والعملة الصعبة.

وحسب تقرير للقناة الألمانية الأولى (ARD)، فإن أهم موردين اقتصاديين في السودان، هما قطاعي الزراعة، واستثمار الثروات الباطنية، وكلاهما تسطير عليهما عدة عائلات على صلة وثيقة "بالطبقة الفاسدة في الجيش والحكومة"، أو من يطلق عليهم المستثمرين السودانيين "عصابات الجيش".

وحول طبيعة عمل "عصابات الجيش"، نشر موقع "بلومبرج"، تقريرا مفصلا عن أبرز الشركات التي تعد واجهة لبيزنس قيادات الجيش السوداني، وجميعها مملوكة لأقارب قيادات بارزة مثل حميدتي.

تجارة الذهب

ويشير التقرير إلى أن تجارة الذهب هي النشاط الأبرز لقيادات الجيش وخاصة حميدتي، الذي أودع في البنك المركزي السوداني مليون دولار بعد الإطاحة بالبشير، قال إنها حصيلة ضرائب بيع الذهب، وعائد مشاركة قوات التدخل السريع (غير الحكومية) في حرب اليمن لصالح السعودية والإمارات.

ويتخذ حميدتي مجموعة "الجناد" المملوكة لأحد أقاربه ستارا لتجارته واستثماراته التي يشاركه فيها قيادات أخرى في الجيش، وتعمل في مجالات النقل والبناء، وإدارة المناجم في دارفور وجنوب كردفان، وجميع هذه المناجم تقع تحت حراسة جنود من قوات الدعم السريع.

ورغم أن حميدتي أكد في لقاء مطول مع صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، أنه لا يملك إلا منجما واحدا في جبال عامر، وأنه يدفع الضرائب المستحقة عليه للدولة، بالإضافة للصدقات التي يقدمها لدعم الفقراء، فإن وكالة "بلومبرج"، تحدثت مع رجال أعمال وقيادات عسكرية ما زالت بالخدمة، أكدوا أن مافيا الذهب التي يسيطر عليها حميدتي لها وجه آخر غير الذي يروج له.

وحسب شهود عيان تحدثوا للوكالة فإن منطقة الفاشر في شمال دارفور، تشهد رحلات ليلية شبه يومية لطائرات تابعة للجيش السوداني في طريقها لدولة الإمارات، وهي محملة بالذهب المستخرج من المناجم في هذه المنطقة الغنية بهذا المعدن الهام والغالي.

وقدرت وكالة رويترز، كميات الذهب التي هربها حميدتي لدبي خلال أربعة أسابيع فقط في عام 2018، بأكثر من 30 مليون دولار، عائد بيع طن من الذهب الخالص، وهو الذهب الذي أكد مسؤولون حكوميون حاليون وسابقون للوكالة، أنه كان هدية من البشير لحميدتي من خلال شركة "الجناد"، للحصول على دعم الأخير في الأزمة السياسية التي انتهت بالإطاحة بالبشير.

ورغم نفي حميدتي في حوار أجراه مع هيئة الإذاعة البريطانية في أغسطس/آب 2019، صلته بشركة "الجناد"، إلا أن عبد الرحمن البكري المدير العام للشركة، قال في مقابلة أخرى مع bbc: إن الشركة مملوكة لعبد الرحيم شقيق "حميدتي".