زاد المشهد غموضا.. ما هدف رئيس تونس من الحديث عن المؤامرات؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد قرابة شهرين من تنصيبه، خرج الرئيس التونسي الجديد قيس سعيّد عن صمته الذي طال، وخاطب التونسيين بشكل مباشر لأول مرة، في تصريحات أثارت الكثير من اللغط والتكهنات. 

اختار سعيّد مدينة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية، ومن الساحة التي أشعل فيها محمد البوعزيزي النار في نفسه، ليخاطب التونسيين، إلا أن هذا الخطاب لم يزح الغموض الذي يسود الوضع السياسي في البلاد، والذي انتظر التونسيون من رئيسهم أن يكشفه من خلال هذا الخطاب.

كلمة الرئيس التونسي تطرقت لما أسماه مؤامرات تحاك في الظلام، وأن الشعب سيتصدى لها، وهو ما جدد مخاوف التونسيين في ظل تواصل الصعوبات التي تعترض رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي لتشكيل حكومة جديدة، بالإضافة إلى الوضع البرلماني الذي يعيش مشاكل متعددة.

وعلى الرغم من أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة أفرزت موجة عارمة من التفاؤل لدى كل فئات المجتمع، إلا أن هذه الحالة سرعان ما تراجعت إلى نسب متدنية كما كشف استطلاع سياسي لشهر  ديسمبر/كانون الأول 2019 أعدته مؤسسة سيغما كونساي ونشرته صحيفة المغرب.

وفي نطاق شعبيته، خسر قيس سعيّد 10 نقاط في شهر واحد، من 78.3% في نوفمبر/تشرين الثاني إلى 68% في شهر ديسمبر/كانون الأول، إلا أنه بقي الشخصية السياسية التي تحظى بأكبر منسوب ثقة لدى التونسيين. 

الكلمة الغامضة

وسط هتاف المئات من أهالي سيدي بوزيد وزوار المدينة في ذكرى الثورة التاسعة والموافق لـ17 ديسمبر/كانون الثاني الجاري، وخلال مشاركته في أول مناسبة وطنية منذ توليه المنصب في 23 أكتوبر /تشرين الأول الماضي، ألقى رئيس الجمهورية كلمة حماسية ردد فيها شعار الثورة الذي استخدمه في حملته الانتخابية "الشعب يريد"، مضيفا: "الشعب يريد والشعب يعرف ماذا يريد".

وتحدث سعيّد عما أسماها مناورات ومؤامرات تُحاك في الظلام، قائلا: "أنتم طالبتم بالحرية وستنالون الحرية وطالبتم بالكرامة وستتحقق الكرامة، ومن يريد أن يعبث بالشعب التونسي فهو واهم ولن يحقق وهمه أبدا". 

وأضاف: "هناك للأسف من يفتعل الأزمات وكل يوم هناك مؤامرة وستتصدون لها، وأعرف أنكم أحرار ولن تمر عليكم هذه المهاترات التي تحاك لأنكم تعرفونهم بالاسم من يقف وراءهم في الظلام".

ولم يفصح الرئيس أو حتى يلمح بمن قصدهم في خطابه ومن اتهمهم في معرض حديثه، وهو ما أثار موجة من التأويل على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل المواطنين، في الوقت التي ظهرت فيه العديد من الأصوات من قبل عدد من السياسيين التي استنكرت ما أثاره الرئيس. 

وكانت التوقعات بعد أن راج قبل أيام نية الرئيس إلقاء كلمة في ذكرى الثورة، أن يتطرق قيس سعيّد لملف تشكيل الحكومة، خاصة بعد انتهاء الفترة الأولى المحددة بشهر لرئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي وسط تواصل المشاورات التي تبدو عسيرة جدا.

تساؤلات مشروعة

لم يكن في خطاب قيس سعيّد أمر جديد أو مختلف عن حديثه في الحملة الانتخابية، إلا أن الموقع الجديد لأستاذ القانون الدستوري يفرض عليه حسب متابعين نوعية جديدة من الخطاب، أكثر عقلانية وواقعية وأن يقلل من إثارة الخوف أو الشك حول وضع البلاد.

واعتبر المرشح الرئاسي السابق لطفي المرايحي أن قيس سعيّد لن يقدم شيئا لتونس لأنه فارغ وليس له أي برنامج واضح، وفق تعبيره.

وأضاف المرايحي وهو أحد مساندي الرئيس في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية في حوار مع "تونس الرقمية" أن خطابه غير مقبول بصفته رئيس كل التونسيين.

كما علق على حديثه عن المؤامرات بقوله: إن "رئيس الدولة لا يرمي الكلام جزافا وبلغة مزلزلة، بل بيده صلاحيات معينة تتيح له التدخل في صورة ما كانت هناك مؤامرة تحاك ضد تونس".

ويجمع عدد من النواب داخل البرلمان التونسي على تقييم مشترك لحديث قيس سعيّد، حيث اعتبر رئيس كتلة الإصلاح الوطني حسونة الناصفي أن كلمة رئيس الجمهورية أثارت عديد التعليقات نظرا لاحتوائها على معطيات خطيرة.

وأكد في تصريح لصحيفة المغرب أن كلمة الرئيس بحاجة إلى توضيح خاصة أنها صادرة عن رئيس الجمهورية المسؤول الأول عن الأمن القومي في البلاد.

وبين أن حديث سعيّد عن مناورات وأشياء تُدار في الغرف المظلمة "يحتمل العديد من التأويلات في حين أن البلاد ليست في حاجة إلى مزيد التشكيك بين المواطنين أو بين الفاعلين في الساحة السياسية".

واعتبر الكاتب والمحلل السياسي سمير حمدي أن الحديث عن المؤامرات غامض ومبهم، قائلا: "ينبغي على الرئيس قيس سعيّد أن يوضح كلامه، لأنه ببساطة لم يقدم تفسيرا له ولم يوضح طبيعة التآمر الذي يتحدث عنه".

وأضاف حمدي في حديث لـ"الاستقلال": "رئيس الجمهورية وبحكم صلاحياته المحدودة يمكن أن نشير إلى أن رئاسته لمجلس الأمن القومي تمنحه القدرة على اتخاذ إجراءات ضد كل ما يعتبره جزءا من المؤامرات المفترضة التي تحدث عنها في خطابه، وهو ما لم يحصل إلى حد اللحظة". 

وعبّر المحلل السياسي التونسي عن خشيته من أن يكون خطاب الرئيس مجرد لغة خطابية وكلمات إنشائية موجهة للاستهلاك المحلي لا أكثر، وغير مبنية على معطيات واقعية. 

في الجهة المقابلة، وصف رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد، قيس سعيّد بالرجل الصادق والوطني.

وقال في حوار تلفزيوني: إن "نفس الماكينات التي هاجمته في السنوات الأخيرة بدأت في مهاجمته الآن"، مبينا أن جزءا من الطبقة السياسية لا يريد مصلحة البلاد ولا يرغب في وجود شخص صادق".

 

المشروع السياسي

بعد يومين فقط من خطاب سعيّد في سيدي بوزيد، جدّت تحركات شبابية في مدينة تطاوين في أقصى جنوب البلاد، المطالبة بتفعيل وعود سابقة أطلقتها الدولة لصالح المنطقة من أجل دعم التنمية والتشغيل فيها.

هذه التحركات أدت إلى اقتحام العشرات من الشباب لمقر الولاية (المحافظة) وطرد الوالي بالقوة، وواصل عدد من شباب تطاوين المحتجين اعتصامهم داخل مقر الولاية لأكثر من أسبوع مطالبين بتنحيته وانطلاق الحكومة في تنفيذ ما تبقى من اتفاق الكامور (عام 2015).

ووجه المحتجون رسالة إلى رئيس الجمهورية عبروا من خلالها عن مواصلة دعمه، مشددين على ضرورة برمجة زيارة عاجلة للمنطقة والاطلاع على الوضع التنموي الرديء وأسباب ارتفاع نسب البطالة إضافة إلى تدهور مستوى الخدمات في جل القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والفلاحة والماء الصالح للشراب والنقل وأسباب تعطل المشاريع المبرمجة.

وفي مقطع فيديو نشرته تنسيقية الكامور، عبر الناطق باسمها خالد حداد عن أمل أبناء المنطقة في أن يحقق سعيّد مطالبهم، محملا إياه مسؤولية السلامة الجسدية للمعتصمين، متوجها له بالقول: "نحن نصدقك إلى حد هذه اللحظة".

وذكّر حداد بأن المنطقة انتخبت قيس سعيّد بنسبة 97.9 % وبأن أملها كان كبيرا في أن يحقق لهم كل حقوقهم المشروعة، مضيفا: "ولاية تطاوين تشهد أعلى نسبة في البطالة وأنت تعلم أننا انتخبناك رئيسا ليس لنبيت تحت الحيوط (ننام تحت الحيطان)".

واعتبر عدد من المتابعين أن عملية اقتحام ولاية تطاوين والحراك الأخير ناتج عن الخطاب التحريضي لرئيس الجمهورية في سيدي بوزيد، متسائلين إن كان سعيّد قد انتهج هذا الأسلوب واستعمل الورقة من أجل الضغط على السياسيين حتى يعيدوا التفكير في تعاملهم معه.

ويأتي هذا في وقت يلاحظ فيه تحرك عدد من المناصرين له، وممن شاركوا في حملته الانتخابية بمواصلة التبشير بنظامه السياسي الجديد الذي يرجوا أن يقوم على أنقاض النظام الحالي، وعلى ركام الأحزاب السياسية التي يعتبر سعيّد أن زمانها قد انتهى .

وقال المحلل السياسي سمير حمدي لـ"الاستقلال": إن "فكرة الرئيس حول تعديل النظام السياسي والحديث عن ديمقراطية مباشرة، يسهم في تعقيد المشهد السياسي في بلد ما زال في طور الانتقال الديمقراطي أكثر مما يقدم حلولا مناسبة للوضع المأزوم حاليا".