بعد قرار تجنيس الكفاءات.. أين الحكومة السعودية من "البدون"؟

شدوى الصلاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"أليس من الأولى تجنيس أبناء القبائل النازحة وأهل البدون بالسعودية؟ أليس لهم الحق بالعيش حياة كريمة والاعتراف بهم رسميا ومنحهم حقوقهم كاملة بدلا من تضمينهم في قرارات جزئية؟".

 سؤال طُرح بقوة بعد الكشف عن صدور أمر ملكي سعودي بتجنيس الكفاءات الشرعية والطبية والعلمية والثقافية والرياضية والتقنية والفنية من كل أنحاء العالم.

صحيفة سبق التابعة للحكومة التي نشرت الخبر أشارت إلى أن ذلك الأمر يشمل أيضا المتميزين والمبدعين ممن تتوافر فيهم المعايير المشار إليها من أبناء القبائل النازحة في السعودية وأبناء السعوديات ومواليد السعودية ممن تتوافر فيهم الشروط المشار إليها، في إشارات غير واضحة التوصيف نحو فئة "البدون".

الصحيفة لفتت إلى أن الأمر الملكي صادر منذ ما يقارب الشهرين، تماشيا مع رؤية 2030 الهادفة إلى تعزيز البيئة الجاذبة التي يمكن من خلالها استثمار الكفاءات البشرية واستقطاب المتميزين والمبدعين من أنحاء العالم للعيش على أراضي السعودية.

وبعد أن اعتبرت فئة البدون أن القرار الملكي يتضمن بارقة أمل نحو حل جزئي لقضيتهم، أو بابا أخر نحو انفراج أزمتهم، ألحقت الصحيفة السعودية الخبر بتوضيح في اليوم التالي لنشر الخبر الأول، قالت فيه: إن الأمر الملكي يتضمن حدا أعلى لعمليات التجنيس، لن تتجاوز الـ300 أمر تجنيس سنويا.

والبدون السعوديون يبلغ عددهم 70 ألف نسمة بحسب تقديرات رسمية وما يزيد عن الربع مليون بتقديرات غير رسمية، أي أن القرار لا يمثل أي حل لقضيتهم حتى ولو جزئي.

تهميش القضية

وهذا الأمر مثل إحباطا جديدا للبدون في السعودية، الذين ينقسمون إلى ثلاثة أقسام الأول: "بلوش البريمي" وهم سكان منطقة البريمي الحدودية بين السعودية وعُمان، والثاني: الجاليات الإسلامية من آسيا التي استوطنت مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف وجدة كالبخارية، والتركستان، والبرماوية والإندونيسية، أما الثالث: فالجاليات العربية والإفريقية التي استوطنت بعد أداء العمرة والحج.

وحرمان هذه الفئات الكبيرة من سكان البلاد من الجنسية والهوية الوطنية يترتب عليه منعهم من خدمات أساسية كالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والحصول على جوازات السفر والعمل في القطاعين الخاص والحكومي والإتجار بصفة نظامية، ويعرضهم للتهجير من أراضيهم ﻷي طارئ تراه الدولة وغير ذلك من المشاكل الأخرى التي يتعرضون لها.

والشيء الوحيد الذي تعطيه الحكومة السعودية لتلك الشريحة من المجتمع السعودي هي بطاقة سوداء اللون، تسمى بطاقة التنقل والعمل، وصادرة عن وزارة الداخلية، كوثيقة إثبات هوية، وهي في الأصل لتخدم الدولة في الجوانب الأمنية ولا تخدم "البدون" المضطهدين والمحرومين من خيرات البلاد، وبدأت الحكومة إصدارها في 2009 وتشير إلى "تصريح بالإقامة لمدة خمس سنوات".

المعارض السعودي ماجد الأسمري، أوضح أن "البدون" حرموا من حقوقهم بسبب مواقع ديارهم وكون كثير منهم قبائل ترعى الأغنام فيتنقلون موسميا بين المراعي، وعندما تم وضع الحدود البرية بين الدول العربية المعاصرة، كانوا هم ضحية لذلك الحدث في أكثر من دولة خليجية من بينها السعودية.

وقال في حديثه مع "الاستقلال": إن هذه القبائل كانت ضحية اتهام في ولائها للحكام أو التسلل طمعا في خيرات هذه الدولة أو تلك، وكذلك نظرت الحكومات المتعاقبة إلى الاعتراف بهم على أنه أمر مكلف لها فأجلوا وماطلوا النظر في وضع البدون دون نية حقيقية لحل المشكلة أساسا.

فض مجالس

وليست هذه المرة الأولى التي يحيي فيها النظام السعودي الأمل في نفوس القبائل "البدون" دون أن يحقق أيا من وعوده، إذ سبق أن تحدث ولي العهد السعودي محمدابن سلمان، عن إمكانية منحهم الجنسية السعودية عقب الانتهاء من دراسة حكومية كان يجري العمل عليها.

جاء ذلك خلال زيارة له في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إلى الشيخ سلطان بن خالد المهيد، في منزله بمدينة عرعر في أقصى شمال غرب المملكة، وقال حينها: إن وزير الداخلية السعودي مكلف من قبل الملك بدراسة ذلك الملف.

وعود ولي العهد صاحب رؤية 2030، التي يعدها النظام السعودي "رؤية إصلاحية"، ثبتت الأيام أنها لم تخرج عن كونها "فض مجالس" إذ لم يتحقق أي تقدم في ذلك الملف رغم مرور أكثر من عام عليها.

كما أن "البدون" بالرغم من أنهم قوة بشرية واقتصادية لا يستهان بها داخل المجتمع السعودي، إلا أنهم لم يكونوا ضمن رؤية "ابن سلمان"، وهو الأمر الذي فسره المعارض السعودي "الأسمري" قائلا: إن تلك الرؤية ليست بالأساس إلا حملة علاقات عامة لاستغفال الداخل السعودي وإبهار الخارج بشخصية ولي العهد.

وأشار إلى أن "ابن سلمان" طرح رؤيته ليتمكن خلالها من الاستيلاء على أكبر كم ممكن من السيولة، وفرض ما يراه من قيم على المجتمع، أما إعطاء البدون حقوقهم المشروعة فلم يتحقق أي من ذلك.

وجزم بأن "بدون السعودية" أولى بالتجنيس من الكفاءات الأجانب، بعد أن اتضح  للقاصي والداني فشل رؤية ابن سلمان على جميع الأصعدة، التي يستمر في محاولات لفت الانتباه في الخارج حتى يخرج بالصورة الريادية، معتبرا أن الإعلان عن تجنيس المبدعين لم يكن إلا جزءا من تلك المحاولات.

تدويل القضية

ويحاول البدون منذ مطلع العام الجاري تدويل قضيتهم، وإيصال مناشدتهم، منتقدين استمرار المماطلة الرسمية من السلطات السعودية تجاه مطالبتهم بحل قضيتهم والاعتراف الرسمي بهم، خاصة أن النظام أخذ عليهم تعهدات لتقديم وثائق تثبت أصولهم، حتى العام 2020 -بحسب المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان -.

وكل الحلول التي طرحت من قبل السلطة حتى الآن لم ترق إلى مستوى الحل الحاسم للقضية، كما أن بعضها "غير قانوني" مثل منح الجنسية اليمنية لأكثر من 30 ألف من شريحة البدون السعودية العام الماضي بتواطؤ من الخارجية اليمنية.

كما أن الحكومة السعودية لا تستجيب لمناشدات الجمعيات الحقوقية بوقف نهج المماطلة والتسويف في حل قضية البدون، والاعتراف الرسمي بهم كمواطنين سعوديين يتمتعون بكامل الحقوق، بالرغم من أنهم يعيشون داخل حدود المملكة.

وفي ذلك الشأن، أشار ماجد الأسمري، إلى أن تجاهل الدولة للبدون، مستمر رغم مرور حكم ستة ملوك على المملكة سابعهم الملك سلمان، لافتا إلى أن ذلك التجاهل ليس من قبل السلطة وحدها، وإنما من عامة الشعب والنخب كذلك، وهو ما اعتادته جميع الفئات المهمشة والمظلومة كون السلطات السعودية لا تتسامح مع إثارة قضايا لا ترضيها.

وأكد أن الأمر يستدعي تعاونا جادا وتنظيما بين أبناء القبيلة الواحدة من المجنسين وغير المجنسين، والقبائل النازحة بينها بين بعض، مع قبائل الجزيرة كافة، وأن تكون لهم جهة منظمة في الخارج تتحدث بلسانهم وتحكي معاناتهم وتسعى للضغط الحقوقي والإعلامي لكي تلتفت السلطات السعودية إلى المظالم الفظيعة التي تسببت فيها.

مطالبات حقوقية

كانت الجمعية الفرانكفونية لحقوق الإنسان، طالبت الحكومة السعودية بوقف نهج المماطلة والتسويف في قضية "البدون"، والوفاء بوعودها في ما يتعلق بالاعتراف الرسمي بهم كمواطنين سعوديين يتمتعون بكامل الحقوق، بعد معاناة دامت عقودا طويلة.

ودعت إلى خلق آلية سريعة وشفافة لمراجعة طلبات الجنسية الخاصة بفئة "البدون"، تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وإتاحة إمكانية المراجعة القضائية لقرارات التجنيس، لحماية المتقدمين بها من الأخطاء الإجرائية أو إساءة استخدام قواعد السرية في عملية النظر في هذه الطلبات.

كما سلطت المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الضوء على معاناة عدد من الحالات "البدون"، بعدما ظهرت الطفلة نوار خالد العنزي في مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهي تبكي بعد طردها من المدرسة في أول يوم دراسي في سبتمبر/أيلول الماضي، على خلفية أنها من فئة البدون ولا تمتلك أوراق ثبوتية.

المنظمة أشارت إلى إصدار وزارة التعليم قرارات تقضي باستقبال الطفلة نوار وغيرها من الأطفال الذين واجهوا الوضع نفسه، إلا أن عديمي الجنسية داخل المملكة يعانون من مشاكل متعددة ومتنوعة في وضعهم القانوني، بالإضافة إلى أن ممارسات السلطة ما زالت تحرمهم الكثير من حقوقهم.

غضب سعودي

إعلان الصحيفة السعودية عن القرار الملكي بتجنيس المبدعين والكفاءات، أثار ردود فعل متباينة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، مالت أغلبها إلى الغضب، حيث لجأ البعض إلى نشر سيرتهم الذاتية وخبراتهم وشهاداتهم تحت عبارة "نحن أولى". 

وبدوره، قال المعارض السعودي الأسمري: إن قرار تجنيس الكفاءات والمبدعين، أصاب أكثر من مليوني عاطل بالإحباط الشديد كون الكثير منهم يحملون شهادات عليا في تخصصات دقيقة وخريجي جامعات عالمية ولبعضهم خبرات طويلة ومميزة.

وتساءل: "فما بالنا بسكان البلاد الأصليين من القبائل النازحة وهم يحرمون من الجنسية وما يتوفر معها من خدمات أساسية كالتعليم والعلاج والعمل ورخصة القيادة وغيرها، ليروا الأجانب الذين يسترضيهم ابن سلمان يدللون في ديارهم التي يحرمون خيراتها؟". 

وأكد أن الشعور بالظلم في السعودية بلغ مراحل تنذر بغضب شعبي واسع يشمل جميع فئات الشعب سوى ابن سلمان ومن ينتفع من استمراريته.

وقالت خلود الغامدي أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية: إنه في حال التجنيس المفتوح لأعداد ضخمة سيزداد عدد السكان ويرتفع التضخم، وسينتج عن ذلك ارتفاع نسبة البطالة أكثر مما هو عليه، ويتأثر الاقتصاد، ويقل الدخل، وتكثر الجريمة، إضافة إلى أن هناك ثلاثة ملايين لاجئ في المملكة وأعدادا كبيرة من الوافدين. 

وحذرت في تغريدات لها بتويتر، من أن يتسبب القرار في  تغيير التركيبة السكانية الديموغرافية للوطن، وتغير خصوصية الشعب السعودي.

وعن أن التجنيس سيكون انتقائي وفق معايير عالية، تساءلت: "هل ينقصنا كفاءات؟ ومعايير؟ ومتميزين؟"، مشددة على كفاءة وتميز الشباب السعودي، لأنهم يعملون بأرض أجدادهم وآباءهم؛ ويعملون بإخلاص لرفعة الوطن.