التسليح المصري خلال 6 عقود.. التأثيرات المحتملة للتهديدات الأمريكية

-
مقدمة
-
مصادر التسلح المصري بعد 1952
-
التسلح المصري بعد كامب ديفيد
-
التسلح المصري بعد انقلاب 2013
-
التهديد الأمريكي لـ"سلطة 3 يوليو"
-
خاتمة
المقدمة
مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وجه كل من وزيري الدفاع والخارجية الأمريكيين تهديدا بأن إصرار مصر على شراء السلاح الروسي، وبخاصة عقد شراء طائرة "Su-35" سيؤدي لأزمة في العلاقات الأمريكية المصرية بموجب قانون "مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات" - Countering America's Adversaries Through Sanctions Act (CAATSA)، الصادر في 24 يوليو / تموز 2017، وهو ما يفتح الباب أمام عدد من الأسئلة المختلفة، أبرزها يدور حول نهم مشتريات السلاح المصري الراهن ومصادر الحصول على السلاح. كما يفتح الباب للتساؤل حول مآل التهديدات الأمريكية.
هذه الورقة تجتهد في تقديم إجابة على 3 أسئلة، أولها: يدور حول خريطة مصادر السلاح المصري عبر تاريخ مصر المعاصر، وثانيها: أنواع السلاح المصري، مقارنة بنظرائه في الشرق الأوسط والعالم العربي وإفريقيا. وأخيرا: قضية التهديد الأمريكي بالحرمان من المعونة العسكرية، والموقف المصري منه.
مصادر التسلح المصري بعد 1952
خلال فترة الاحتلال البريطاني لمصر، حرصت المملكة المتحدة على التحكم في تدفق السلاح إلى مصر لتسهيل السيطرة عليها، وهو ما ضمنته من خلال معاهدة 1936، وكان السلاح المقدم لمصر عتيقا ومحدودا، ما أدى لهزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين 1948، ما دفع الساسة المصريين للتفكير في اللجوء لدول غير المملكة المتحدة لتدبير السلاح، وهي المساعي التي كبحها توقيع كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا على التصريح الثلاثي الذي يقضي بكبح تدفق السلاح لمنطقة الشرق الأوسط.
كما عطلت المملكة المتحدة أية مساع للحصول على سلاح من خارج دول التصريح الثلاثي، ومن ذلك صفقة شركة "أورليكون" السويسرية التي ضغطت الحكومة البريطانية على سويسرا لوقفها، ووقعت بدلا منها اتفاقا مصريا بريطانيا في 1951، ماطلت في تنفيذه، كما أدى حريق القاهرة لتغيير حكومة الوفد التي كانت قد توصلت لتفاهم لشراء أسلحة سوفيتية في 22 يناير/ كانون الثاني 1952، ما أدى لتعطل الصفقة[1].
وفي هذا الإطار يعرض تقرير "إسرائيلي" لمحاولات الحكومات الأخيرة قبل انقلاب 1952 الحصول على صواريخ متقدمة من روسيا من طراز "Frog-4" و"Frog-5"، مع الاستعانة فى نفس الوقت ببعض الخبراء الألمان الذين عملوا لمصلحة هتلر فى تطوير صواريخ "V-2" لبناء منظومة الصناعات الحربية المصرية، وتولى أحدهم ويُدعى د. "ويليام فوس" هذه المهمة، وهو بالمناسبة صار لاحقا أحد مهندسي صفقة الأسلحة المصرية التشيكية عام 1955[2].
كانت ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 قد بدأت طريقها في مصر، واستمرت مطالب مجلس الثورة بالتسلح من بريطانيا التي ماطلت في تنفيذ اتفاق 1951، برغم دفع مصر 80% من قيمة الصفقة، وتحججت خلال التفاوض على الجلاء بالانتهاء أولا من حسم وضع "قاعدة قناة السويس" في المفاوضات.
ورغم توقيع "وثيقة المبادئ الرئيسية لاتفاقية الجلاء" في 27 يوليو/ تموز 1954، ثم التوقيع النهائي على الاتفاقية في 19 أكتوبر/ تشرين أول من نفس العام، استمر تسويف المملكة المتحدة، مطالبة تارة باعتراف مصر بدولة "إسرائيل"، وتارة بمطالبة مصر للانضمام إلى "حلف بغداد"[3]، وهما المطلبان اللذان رفضتهما مصر، وتحولت إثر ذلك لطلب التسلح من دول أخرى من بينها إسبانيا، وأدت الضغوط الأمريكية البريطانية لعرقلة الصفقة الإسبانية. كما استمرت إدارة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في رفض طلبات التسليح المصرية[4].
خلال هذه الفترة تزامن حدثان بينهما نحو شهرين. ففي 28 فبراير /شباط 1955، نفذت إسرائيل عملية قصف لغزة أدت لمقتل 39 جنديا مصريا وراح ضحيتها كثير من المدنيين، وهو الوضع الذي لم تتمكن مصر من الرد عليه بسبب ضعفها العسكري، حيث لم تكن مصر تمتلك سوى 6 طائرات فقط قابلة للاستخدام، وحوالي 30 طائرة أخرى معطلة بسبب قطع الغيار التي امتنعت المملكة المتحدة عن توريدها، كما لم تكن تمتلك من ذخيرة الدبابات إلا ما يكفي لمعركة مدتها ساعة واحدة فقط، فضلا عن توقف 60 دبابة بسبب نفس مشكلة قطع الغيار التي شملت سلاح المدفعية كذلك.
أما الحدث الثاني فتمثل في دعوة مصر لمؤتمر عدم الانحياز في العاصمة الإندونيسية "باندونج" الذي عقد في 17 أبريل /نيسان 1955، والذي مثل مفتاح التحول في رؤية الرئيس جمال عبد الناصر للتسلح.
فعبر وساطة صينية، طلبت مصر سلاحا سوفيتيا، وهو ما وافق عليه الاتحاد السوفيتي في إطار اتفاقية تورد له بموجبها مصر الأرز والقطن كمقابل للسلاح. وتمت صفقة التسلح عبر دولة تشيكوسلوفاكيا، فيما عرف بـ"صفقة الأسلحة التشيكية"[5] التي بلغت قيمتها آنذاك نحو 250 مليون دولار، ووقعتها مع مصر دولة "تشيكوسلوفاكيا" كغطاء للاتحاد السوفيتي في 27 سبتمبر /أيلول 1955. وتضمنت هذه الصفقة:
- 150 طائرة مقاتلة من طراز "ميج 15".
- 50 قاذفة بعيدة المدى من طراز "إليوشن إي أل-28".
- 70 طائرات نقل عسكرية من طراز "إليوشن إي أل-14".
- 230 دبابة قتال رئيسية من طراز "تي-34".
- 200 من حاملات الأفراد المدرعة "بي تي أر-152".
- مئات من قطع المدفعية مختلفة الأنواع.
ومع هذا العتاد، ومع تقدير اضطراب التوازن الإقليمي من وجهة نظر صهيو أمريكية، وقع العدوان الثلاثي (من 29 أكتوبر/تشرين أول من إلى 6 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1956، وهو ما لم يختبر فيه السلاح الجديد بسبب الإنذار السوفيتي[6]، وإن كانت حرب اليمن قد سببت للقوات المسلحة المصرية قدرا من الإنهاك وخسارة المعدات وفقدان الانضباط وفق المشير الجمسي.
ومع تصعيد الرئيس جمال عبد الناصر لخطابه القومي المعادي للكيان الصهيوني، هوجمت مصر في 5 يونيو /حزيران 1967، وخسرت غالبية هذا العتاد، حيث فقدت 30 قاذفة قنابل توبوليف "تي يو 16"، و27 قاذفة قنابل "إليوشن إي إل 28"، و12 مقاتلة قاذفة "سوخوى إس يو 7"، وأكثر من 90 مقاتلة "ميج 21"، وأكثر من 20 مقاتلة "ميج 19"، و25 مقاتلة "ميج 17"، و32 طائرة نقل ومروحية.
وبعد الحرب مباشرة، وفي 21 يونيو /حزيران 1967 وصل إلى مصر الرئيس السوفييتي بودجورنى يرافقه وفد عسكري برئاسة المارشال زخاروف رئيس أركان حرب القوات السوفيتية، لإظهار التأييد السياسي لمصر وبحث المطالب من الأسلحة والمعدات لإعادة البناء، ومكث مارشال زخاروف في مصر لمدة شهر تقريبا.
واتفق الطرفان على تحقيق التوازن بين مصر والكيان الصهيوني، ووصل مصر خلال هذه الفترة 25 طائرة "ميج 21"، و93 طائرة "ميج 17"، واتفق الطرفان على إرسال 40 طائرة "ميج 21" أخرى، فقد كان لدى مصر طيارون بدون طائرات، هذا فضلا عن إعادة بناء قدرات الدفاع الجوي المصرية.
وقام الاتحاد السوفيتي بإقراض مصر 50% من ثمن السلاح تدفعها على أقساط سنوية لمدة 10- 15 سنة بفائدة 2% ويبدأ القسط الأول بعد فترة سماح طويلة، ومع تدفق الطائرات وزيادتها عن عدد الطيارين أرسل الاتحاد السوفيتي طيارين سوفيت، قتل منهم خلال حرب الاستنزاف 7-8 طيارين، كما أمد الاتحاد السوفيتي مصر بأطقم كاملة من العسكريين المقاتلين من تنظيم قوات الدفاع الجوي تتكون من 4 لواءات صواريخ "سام 3"، و2 لواء طائرات "ميج 21" معدلة بطياريها ومعداتها كاملة[7].
ورغم هذا، ومع وصول الرئيس السادات للحكم، لم يكن كم التسليح السوفيتي كافيا بالنسبة لمصر وفق رؤية "وزير الحربية" (لم يكن لقب وزير الحربية قد تغير بعد إلى "وزير الدفاع") الفريق أول محمد صادق، وكان الاتحاد السوفيتي قد طلب في الصفقات الأخيرة دفع ثمن الأسلحة كاملا وبالعملة الصعبة[8].
ورغم الخطوات التي اتخذها الرئيس المصري التالي محمد أنور السادات في مواجهة الاتحاد السوفيتي، ومنها طرد الخبراء السوفيت في 7 يوليو /تموز 1972، ظل الدعم السوفيتي قائما لصالح مصر خلال حرب 1973، التي قررت مصر دخولها بالإمكانات المتاحة، ما بلغ حد تحليق الطائرات السوفيتية المحملة بقذائف نووية فوق الأسطول السادس في البحر المتوسط في محاولة لضبط إيقاع رد الفعل الإسرائيلي بعد تنفيذ الولايات المتحدة عملية "عشب النيكل" التي تعرف إعلاميا باسم "الجسر الجوي"، وهي خطوة أقبل عليها الاتحاد السوفيتي لضمان وجوده في مياه المتوسط أولا ولكبح الاندفاعة المصرية باتجاه الولايات المتحدة ثانيا.
كان من بين برامج القوات المسلحة المصرية في هذا الإطار برامج لتصنيع السلاح، وهي البرامج التي بدأت بمصنع "صقر"، والذي تغير اسمه لاحقا إلى "مصنع 333 الحربي"، لكن تصنيع السلاح لا يندرج ضمن إطار المعالجة[9].
التسلح المصري بعد كامب ديفيد
هذه الفترة من أهم المدخلات التي أثرت في وضع مصر التسليحي المعاصر. ففي 5 سبتمبر/أيلول 1978، اجتمع السادات ونظيره الأمريكي مع رئيس وزراء إسرائيل "مناحم بيجين"، وانتهى الاجتماع في 17 سبتمبر/ أيلول بتوقيع "اتفاقيتي كامب ديفيد" الإطاريتين، والتي مثلت إحداهما مرجعية "معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية" التي وقعت لاحقا في 25 مارس/ آذار 1979.
ورغم الاتفاق على الدعم العسكري الأمريكي لمصر، من بوابة "المعونة العسكرية"، إلا أنه في أعقاب الاتفاقيات الثلاثة مباشرة، دخلت مصر في اتصالات مكثفة مع فرنسا عام 1979 من أجل مساعدتها فى إنتاج وتطوير صواريخ أرض - جو من طراز "كورتيل"، والحصول على طائرات "الميراج", إلا أن المشروع لم يكتمل فى حينه.
وفى عام 1984 وقعت مصر مع كل من العراق والأرجنتين اتفاقا لتطوير صواريخ "بدر 2000" بمدى يبلغ 750 كيلومترا، بتمويل عراقي، وألغي هذا المشروع بسبب تدهور العلاقات الأمريكية المصرية إثر تسريب العالم المصري الأمريكي "عبد القادر حلمي" معلومات لمصر عن الصواريخ الأمريكية وعن تركيب الوقود الصلب.
ومع بداية التسعينيات، وقعت مصر والصين اتفاقا لتطوير مصنع "صقر" لإنتاج الصواريخ، وتتفاوت التقديرات بين استمرار هذا التعاون حتى 2013 أو استمراره للحظة كتابة التقرير.
ومع حلول الألفية الجديدة لجأت مصر للحصول على خدمات كوريا الشمالية بالاستعانة بـ300 خبير صواريخ، وتشير تقارير "إسرائيلية" إلى حصول مصر، بموجب هذا التعاون، على 24 صاروخا من طراز "نو دونج" الذى يصل مداه إلى نحو 1300 كيلومتر، واتفق الطرفان على توريد 50 محركا صاروخيا لمصر، إلا أن المخابرات الإسرائيلية والأمريكية أجهضت هذه الصفقة في حينها.
ورغم وجود تقارير تشير إلى أن مصر قامت بعد حرب أكتوبر ببدء برنامج تعاون لتطوير وإنتاج أنظمة الصـواريـخ البالستية مع كوريا الشمالية بإرسال قواذف صواريخ سكود من مصر إلى كوريا لإنتاجهم بالهندسة العكسية، ونقل التكنولوجيا إلى مصر، حيث قامت بإعطاء كوريا الشمالية أعدادا من صواريخ "لونا" و"ساجر" و"سام 7" نظرا لدعمها مصر بمعدات عسكرية وطيارين في حرب أكتوبر، إلا أن غياب حضور هذا البرنامج الصاروخي في تقارير مراكز الخبرة العسكرية العالمية يشي بأنها قد تكون محض "دعاية".
وتشير تقديرات خبراء إلى أن مصر حصلت على تقنيات لحام دقيقة تتعلق بمقدمات الصواريخ من هولندا في تلك الفترة، وأنها تستخدمها في إطار برنامج تجريبي صاروخي.
كما حصلت مصر خلال تلك الفترة على شاحنات من بيلاروسيا من طراز "Maz -547" التي يمكن استخدامها كقاعدة متحركة للصواريخ الكورية "نو دونج"، في الوقت الذي أنكرت فيه مصر ذلك، وأكدت أن التعاون مع كوريا الشمالية قد توقف منذ عام 1996[10].
وقبيل هذه الصفقة، تدخلت تل أبيب في 1992 لمنع كوريا الشمالية من تصدير الصواريخ الباليستية لدول الشرق الأوسط، وبخاصة إيران ومصر، وعرضت مساعدات اقتصادية ضخمة لكوريا الشمالية، كان من بينها عرضا لشراء منجم ذهب، إلا أن الصفقة لم تتم لأسباب غير معروفة. وحاول الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك استئناف العلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية، وهو ما أثار قلق تل أبيب[11]. هذا بالإضافة لشراء طائرات "شينج دو جا – 7" من الصين.
وخلاف ذلك، فإن مصر كانت زبونا دائما للسلاح الأمريكي، بدءا من طائرات "F-16" فايتنج فالكون، والتي تمتلك منها مصر 220 طائرة تسلمتها خلال الفترة من 1982 وحتى 2002، وتم تطويرها إلى موديل "Block-40"، تعاقدت مصر على 24 مقاتلة "F-16 Block-52" في عام 2009 بقيمة 3.2 مليار دولار سرعان ما خفضتهم مصر إلى 20، تسلمت منهم بالفعل 8 مقاتلات في عام 2013 وتسلمت البقية خلال 2015.
هذا بالإضافة للطائرات المروحية إيه إتش-64 أباتشي، ومروحيات "يو إتش-60 بلاك هوك"، وعدد آخر من طائرات الاستطلاع والشحن. وإلى جانب الطائرات، هناك سلاح الدبابات، حيث تمتلك مصر 1700 من الدبابة "M-60" و1000 دبابة من "M1-Ebrams".
علاوة على عدد من الأنظمة الفرعية النوعية، كان أبرزها نشر تكنولوجيا أمريكية جديدة مضادة للأنفاق بتكلفة 23 مليون دولار تم تمويلها من برنامج المعونة العسكرية، وتم توريدها في يونيو /حزيران من عام 2008[12].
التسلح المصري بعد انقلاب 2013
خلال الفترة التي أعقبت انقلاب يوليو/ تموز 2013، انتابت القوات المسلحة المصرية حمى شراء الأسلحة، وهو الأمر الذي يثير علامات استفهام، بالنظر لكون مصر – بحسب تصريحات خبراء – وكذلك بحسب رؤية الخبراء العسكريين الأمريكيين أنفسهم - تواجه تهديدات أمنية تقليدية محدودة من جيرانها، وأن توجهها القتالي الحالي ومشترياتها من السلاح، في ظل حالة السلام مع إسرائيل، غير ملائمة لموقفها الجيو إستراتيجي المستقر في أفضل الأحوال[13].
هذا فضلا عن أن الجل الساحق من الأسلحة التي اشترتها مصر مؤخرا لا يمكن استخدامها في مجال مكافحة الإرهاب، وتراوحت المشتريات ما بين ألمانيا وفرنسا وحتى كوريا الشمالية وكرواتيا، مرورا بروسيا والصين، وتبدو روسيا في هذا الإطار الدولة التي حازت القسم الأكبر من كعكة المشتريات المصرية.
خريطة توزيع مصادر السلاح المصرية بعد 2013[14]: خلال الفترة التي أعقبت انقلاب 2013، اتجهت القوات المسلحة المصرية لتنويع مصادر تسلحها بشكل كبير. واستحوذت شركات السلاح الروسية، ثم الأوروبية على نصيب الأسد من مشتريات السلاح المصرية، مع تطرق المشتريات لدول مثل الصين وكوريا الشمالية وحتى كرواتيا.
غير أن خريطة مصادر التسلح المصري تكشف عن مفاجأة كشفتها صحيفة "معاريف"، من أن مصر أصبحت واحدة من أهم زبائن الأسلحة الإسرائيلية، وهو الباب الذي فتحه الرئيس الأسبق "مبارك"، وأوقفته ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011"، إلا أنه عاد ليفتح مجددا على يد رأس "سلطة 3 يوليو" الانقلابية، وأن صادرات الأسلحة الإسرائيلية لمصر تأتي تحت بند معدات الهايتك (التقنية العالية) والسايبر والاستخبارات، وأنها مبيعات تتم بالمخالفة لقانون إسرائيلي يحظر توريد وبيع الأسلحة للدول العربية المعادية. غير أن الصحيفة لم تكشف عن نوعية هذه الأسلحة ولا عن قيمة الصفقات التي تمت بين الجانبين[15].
وعلى الصعيد الأوروبي، كان من أبرز الشركات التي تعاملت معها مصر على المسرح الأوروبي دولا مثل ألمانيا التي استوردت منها نظام الدفاع الجوي متوسط المدى "IRIS-T SLM"، بالإضافة إلى التعاقد على شراء فرقاطتين من طراز "MEKO A-200" الخفيف، وسبق لمصر شراء 4 فرقاطات من نفس الشركة في 2018. ومن ألمانيا كذلك، حصلت مصر على صاروخ جو-جو حراري للاشتباك الجوي من طراز "AIM-9 Sidewinder".
وفيما يتعلق بالمشتريات من فرنسا، أبرمت مصر في 2018، صفقة لشراء طائرات "RAFALE" يبلغ حجمها 24 مقاتلة (8 أحادية + 16 ثنائية)، بالإضافة لصفقة الزوارق المطاطية القابلة للنفخ من فئة "Rafael 1200" مع منح مصر رخصة التصنيع محليا. كما قامت مصر بتصنيع كل من الفرقاطة "جويند"، والكورفيت "بورسعيد"في ترسانة الإسكندرية بالتعاون مع شركة "NAVAL GROUP" الفرنسية.
وفيما يتعلق بروسيا، تسلمت مصر بحلول نهاية عام 2017 عدد 22 مقاتلة"MiG-29M/M2" معدلة من أصل 46 طائرة تم التعاقد عليها في 2015، علاوة على صفقة طائرات "MEG-29 M/M2" التي أطلق عليها لاحقا اسم "MEG-35".
كما أطلقت مصر القمر الصناعي العسكري الجديد لها، والذي حمل اسم "Egypt Sat-A"، والذي أنتجته وكالة "RIA Novosti" الروسية. ومن جهة أخرى، قامت القوات المسلحة المصرية بشراء أنظمة الاتصال الخاصة بحاملتي الطائرات "Mestrale" من شركة "Intel-Tech" الروسية التابعة لشركة "Roselectronika، هذا بالإضافة لمشتريات مصر من الطائرات الهجومية من طراز "KA-52".
أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة، منحت الولايات المتحدة شركة "Lockheed Martin" عقدا بتزويد مروحيات "APACHE" الهجومية المصرية بتقنيات رصد وتصويب متقدمة.
كما أعلن مكتب مشروع المروحيات الهجومية الأمريكية "أباتشي AH-64 Apache" أن هناك مبيعات مستقبلية محتملة بعدد 10 مروحيات لصالح مصر من النسخة الأحدث، بالإضافة لعقد بقيمة 9 مليون دولار لتزويد مصر بطائرات استطلاع من دون طيار طراز "RQ-20B Puma AE II M3/M4". كما أقدمت مصر على شراء الجيل الرابع من قذائف دبابات M1 Abrams في 2018. هذا فضلا عن الأمريكية من شركة "Boing"، والتي سيسدد ثمنها كباقي الصفقات من برنامج المعونة الأمريكية العسكرية الموجهة لمصر.
غير أن أخطر ما تم على صعيد العلاقات العسكرية المصرية الأمريكية، قيام مصر بتوقيع "اتفاقية سيسموا" أو "Communications Interoperability and Security Memorandum of Agreement (CIS MOA)" في 21 مارس /آذار 2018، وهو التوقيع الأقرب للاستسلام الضمني للضغوط الأمريكية لبدء عملية تغيير عقيدة الجيش، وهو التوجه الذي كان مرفوضا حتى ذلك التوقيت وارتبط بدفع القاهرة ثمنا طويل الأمد بحرمانها من حزمة الأسلحة المتطورة المرتبطة بالاتفاقية، وعلى رأسها صواريخ جو-جو متوسطة المدى المتطورة المعروفة باسم "AMRAM" التي حرمت طائرات "F-16" المصرية منها بسبب عدم توقيع مصر عليها، وهو التوقيع الذي تأخر بسبب متطلبات الفحص والتفتيش الصارمة التي تفرضها الاتفاقية لمنع مشاركة التكنولوجيا مع طرف آخر، أو حتى إدخال تعديلات عليها، وهو ما كانت تعتبره القوات المسلحة المصرية انتهاكا لصلاحياتها[16].
وترتبط هذه الاتفاقية بتعميق عقيدة مكافحة الإرهاب التي تطورت في واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر /أيلول باتجاه "تبني إستراتيجية غير نظامية" لمواجهة الفاعلين من غير الدول، وسعت واشنطن منذ ذلك الحين لفرضها على كل حلفائها.
كان للصين نصيب أيضا من مشتريات السلاح المصرية، حيث تعاقدت مصر على صفقة طائرات من دون طيار من طراز "CH-5" المعروفة صينيا باسم "Wing Loong-1"، لتكون أول دولة تبدأ في تشغيل هذا النوع بعد الصين[17].
وفي هذا الإطار، لا ننسى واقعة المواجهة المصرية الأمريكية حول سفينة الأسلحة الكورية الشمالية التي نبهت الولايات المتحدة السلطات المصرية لتوجهها نحو قناة السويس، حيث قامت السلطات المصرية بمصادرتها وإتلافها في حضور فريق من خبراء الأمم المتحدة[18]، فيما سربت السلطات الأمريكية لاحقا وثائق تثبت أن الوجهة النهائية لهذه الشحنة كانت مصر[19].
ومن جهة أخرى، كان لدولة مثل كرواتيا نصيب من التفكير في صفقات الشراء، وما زالت النوايا حاضرة، وإن لم يتم توقيع التعاقد بعد، حيث نشرت جريدة "فاتشيرنيي" الكرواتية تقريرا عن صناعة الغواصات القزمية في كرواتيا، وذكر مدير الشركة في التقرير أن مصر وعدد من دول جنوب شرق آسيا، ترغب في امتلاك الغواصات القزمية "Drakon 220". ويبدو العائق حتى الآن درجة تعقيد نظام الغواصة، الذي يتطلب عقود صيانة[20].
وفي هذا الإطار، يبدو التنوع في مصادر التسليح، والانتقاء، والتقاط الصفقات ذات الأسعار المنخفضة نسبيا، أحد أبرز ملامح التعاطي مع هذه الشركات، فيما لم يوجه دولار واحد من المشتريات باتجاه الولايات المتحدة، وإن كانت دول أوروبا قد استفادت بقدر كبير من العقود، سواء من مشتريات السلاح أو الذخائر أو عقود التطوير.
الهجمة الشرائية تبدو معها مصر وكأنها كانت محرومة طيلة فترة مبارك من مشتريات السلاح، ما دفع "سلطة 3 يوليو" للخضوع لطلبات المؤسسة العسكرية، وتوجيه قدر كبير من الموارد في هذه الوجهة، وربما استخدامها كـ"رشوة" لحيازة الشرعية الدولية، مهما ارتبط بذلك من تأخير أولوية البرامج الاجتماعية.
ب. خريطة منظومة التسلح المصري الراهنة: برغم أن مصر قد حصلت في عام 2017 على الترتيب العاشر ضمن أقوى الجيوش على مستوى العالم، وذلك وفق تقرير "Global Firepower"، إلا أنها لم تلبث أن تراجعت للمرتبة رقم 12 مجددا في ترتيب نفس التقرير لعام 2018، لتبقى مع ذلك الدولة الأولى عربيا وإفريقيا من ناحية القوة العسكرية، في حين تظل الثانية على مستوى الشرق الأوسط بعد تركيا التي تحوز المرتبة رقم 9 عالميا، بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة على الترتيب، وتفصلها عن مصر كل من ألمانيا وإيطاليا[21].
ويعتمد موقع "Global Firepower" في ترتيبه للدول على معيار مكون من 55مؤشرا، ومن أهمها عدد سكان الدول وعناصر قواتها المسلحة والموقع الجغرافي والموارد المالية وكفاءة إنفاقها والموارد الطبيعية والقدرات اللوجيستية.
ولا يقتصر الترتيب وفق تصنيف الموقع على كم الأسلحة، وإنما أيضا تنوع هذه الأسلحة وقدراتها. وتزيد العضوية في الأحلاف الدولية من قدرات الدول بسبب شراكتها المرجحة في المجال الدفاعي[22].
في تفاصيل التركيبة العسكرية، تعد مصر الدولة الرابعة عشر عالميا من ناحية قواتها البرية المدرعة، وهي في هذا الإطار تأتي الثالثة عربيا بعد كل من سوريا والجزائر، وتأتي خامسا على مستوى الشرق الأوسط بعد حلول كل من تركيا وإسرائيل قبلها في الترتيب الإقليمي[23].
أما من جهة القوات الجوية، فتأتي مصر التاسعة عالميا والأولى عربيا وإفريقيا وإقليميا، تليها تركيا مباشرة، فيما تأتي تل أبيب في المرتبة الثامنة عشر[24]، وإن كان الترتيب في هذا الإطار لا يأخذ بعين الحسبان التفوق النوعي "الإسرائيلي" فيما يتعلق بسلاحي الجو والدفاع الجوي من الناحية التقنية.
أما من ناحية القوة البحرية، فتأتي مصر السادسة عالميا، والأولى عربيا وإفريقيا، والثانية إقليميا بعد إيران، فيما تحل تركيا بحريا في المرتبة الثانية عشر، وتتأخر دولة الاحتلال إلى المرتبة 37 بعد عدد من الدول العربية على رأسها المغرب فالجزائر[25].
وفيما يتعلق بالبروفايل العسكري المصري وفق موقع "Global Firepower"، يمكننا أن نحدد ملامحه فيما يلي[26]:
1. فيما يتعلق بالمكون البشري، يبلغ تعداد سكان مصر – وفق التقرير – 99.4 مليون نسمة (صادر في مارس /آذار 2018)، منهم 42.9 مليونا في سن الخدمة، و36 مليونا لائقون للخدمة، ويبلغ سن الخدمة سنويا 1.6 مليونا، ويبلغ عدد العسكريين 920 ألف مصري، منهم 440 ألفا ناشطون سنويا و480 ألفا على قوة الاحتياط.
2. القوات الجوية: تمتلك القوات الجوية المصرية 1092 قطعة جوية، منها 211 طائرة مقاتلة، و341 طائرة هجومية، و59 طائرة نقل، 388 طائرة تدريب، كما تملك 293 طائرة هليكوبتر، منها 46 هليكوبتر هجومية.
3. القوات البحرية: تمتلك مصر 319 قطعة بحرية، منها 103 قطعة قابلة للانخراط في معارك، وهي كالتالي: حاملتا طائرات، و9 فرقاطات، و7 طرادات (سفن مقاتلة متوسطة - Corvette)، و4 غواصات، و50 زورق دوريات، و31 كاسحة ألغام.
وترفع بعض المواقع عدد الغواصات إلى 14 غواصة، وعدد الفرقاطات إلى 15 فرقاطة، وتضيف "سفن الإنزال" التي تمتلك منها مصر 25 قطعة، منها 5 زوارق إنزال آلية، وتضيف 38 زوارق صواريخ، كما تضيف 6 زوارق طوربيد، و4 زوارق مدفعية، و8 سفن مضادة للغواصات، و4 سفن نقل، و9 سفن ناقلة للوقود، و7 قاطرات سفن، و5 سفن تدريب، وتنخفض بعدد السفن المرتبطة بمعالجة الألغام إلى 23 سفينة[27].
4. القوات البرية: تمتلك مصر 2160 دبابة، و5735 عربة قتالية مدرعة، و1000 مدفع ذاتي الدفع، و2189 مدفعا مقطورا، و1100 راجمة مدفعية صاروخية.
التهديد الأمريكي لـ"سلطة 3 يوليو"
في 18 مارس /آذار 2019، صرح مصدر روسي مطلع لوكالة "إنترفاكس" الإخبارية الروسية بأن روسيا قد "بدأت بالفعل" في إنتاج مقاتلات متعددة الأغراض من طراز "سو-35" لصالح مصر، وهو تصريح أكدته صحيفة "كوميرسانت" الروسية التي أضافت أن عملية الإنتاج التي تتضمن 20 مقاتلة بدأت بموجب تعاقد وقعته مصر في نهاية عام 2018، وأن قيمة التعاقد تبلغ نحو 2 مليار دولار[28]. وفيما لم تعلق أي من "الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري التقني الروسية وشركتاFSMTC" و"Rosoboronexport" على هذه المعلومات في حينه، فإن المعلومات تبدو ذات دقة عالية، ما دفع صحيفة "وول ستريت جورنال" للإشارة إلى أن وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" أعلن في جلسة استماع أمام لجنة الموازنة بمجلس الشيوخ في أبريل/ نيسان 2019، أنه أخطر الجانب المصري بالعواقب التي ستترتب على إتمام الصفقة مع روسيا، وفقا للقانون المشار إليه[29].
جدير بالذكر أن صفقة "Su-35" ليست صفقة الطيران الوحيدة التي تعاقدت معها مصر مع روسيا. ففي يونيو /حزيران 2017،وعلى هامش "معرض لوبورجيه - Le Bourget"، أخبر ألكسندر ميخيف رئيس شركة Rosoboronexport، وكالة إنترفاكس أن روسيا قد بدأت في تزويد مصر بمقاتلات "MEG-35"، وأشارت مواقع متخصصة إلى أن مجموع ما ستشتريه مصر من روسيا سيبلغ نحو 46 طائرة من هذا النوع[30].
الأمر لا يتوقف عند حد مغامرة الشراء، فشراء هذه الطائرة سبقه في 2013، إقدام القوات المسلحة المصرية على شراء طائرة "Yak 130" التدريبية، وهو نوع من الطائرات مخصصة للتدريبات المتقدمة، ويمكنها محاكاة طائرات الجيل الخامس كطائرة "Su-35"، ويقول مطوروها إن بإمكانها أن تغطي 80% من برنامج تدريبات الطيارين، كما يمكنها أن تنفذ مهمات الاستطلاع أو يمكن تخصيصها لمهمات الدعم وبفضل قدرتها على حمل أثقال عالية تشمل أنواعا مختلفة من الصواريخ والقنابل[31].
هذه الصفقة تعني أن مصر لديها الرغبة في التعاطي مع طائرات الجيل الخامس، وبخاصة الروسي منها، وهو ما يعني أن الصفقة كان مرتبا لها منذ اليوم الأول للانقلاب، وهو ما يعني أنها مطلب المؤسسة العسكرية وليست مطلب رأس "سلطة 3 يوليو".
وأشار تقرير "وول ستريت جورنال" إلى أن وزيري الدفاع والخارجية الأمريكيين أرسلا رسالة تهدد بفرض عقوبات على مصر بسبب هذه الصفقة، وهي العقوبات المنصوص عليها في قانون "مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات" - Countering America's Adversaries Through Sanctions Act (CAATSA)، الصادر في 24 يوليو /تموز 2017[32]، والذي يحظر الحصول على منظومات تسليح معادية، مشيرة إلى أن البيت الأبيض دعا القاهرة لإلغاء هذه الصفقة التي وصفتها الصحيفة لأنها "ستؤدي - على أقل تقدير – إلى تعقيد مستقبل عمليات التسليح الأمريكية وكذا المساعدات الأمنية لمصر".
وتزامن هذا التهديد مع الزيارة التي أجراها وزير الدفاع الروسي، "سيرجي شويجو" إلى القاهرة، والتقى خلالها برأس "سلطة 3 يوليو". تقرير الصحيفة الأمريكية يشير إلى أن الاعتراضات الأمريكية لا تتعلق بالتنافس مع روسيا في مجال التسليح وحسب، ولكن أيضا بشأن "مدى ملاءمة مدّ يد العون لدولة تشتري أسلحة من منافس الولايات المتحدة، بأسعار تزيد بكثير عن الأسعار التفضيلية التي كانت تحصل مصر بها على الأسلحة من واشنطن".
ورغم أن نهج رفض اللجوء للبديل الروسي لا يقتصر على مصر، حيث مارست الولايات المتحدة نفس الضغوط من قبل على الهند وتركيا، إلا أن وضع مصر يختلف عن تركيا التي طالبت لنحو عقد من الزمان بتزويدها بصفقة مضادات طائرات تحتاجها لدعم دفاعها الجوي قبل أن تتحول باتجاه الشراء من الدب الروسي. أما فيما يتعلق بمصر، فقد سبق للولايات المتحدة أن قدمت لمصر ما قيمته مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والاقتصادية، متضمنا إمدادها بمقاتلات "F-16"، والمروحيات الهجومية "أباتشي"، فضلا عن عقود الصيانة وقطع الغيار.
غير أن تقرير "وول ستريت جورنال" يشير إلى أن عسكريين مصريين طلبوا من إدارة ترامب شراء 20 طائرة مقاتلة من طراز "F-35"، لكن واشنطن تفرض حظرا على مبيعات هذه المقاتلة في الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل وتركيا، بل إنها أخرجت الأخيرة لاحقا من عمليتي شراء المقاتلة والمشاركة في إنتاجها، وتعتقد أن هذا الحظر ربما دفع القاهرة إلى المضي قدما في اتفاقها لشراء الطائرات الروسية[33].
الكونجرس الأمريكي أقر موازنة عام 2019 دون أن تتأثر المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر، رغم أنها صدرت بعد توقيع عقد شراء الطائرة "Su-35"[34]، إلا أن هناك احتمالا أن تتأثر هذه المساعدات في عام 2020، خاصة وأن الموازنة المقبلة ستكون مجال تأثير أكبر للكونجرس الأمريكي من سابقاتها، باعتبارها العام الأخير لإدارة الرئيس ترامب".
وبرغم التهديد، يبدو أن "سلطة 3 يوليو" /تموز ستمضي قدما في تنفيذ الصفقة مع روسيا، مدفوعة في ذلك بعدة اعتبارات، أولها أنه رغم أن بعض المراقبين يرون أن "سلطة 3 يوليو" تنظر إلى الرئيس الروسي باعتباره حليفا يمكن الاعتماد عليه، مقارنة بالولايات المتحدة التي يتغير رئيسها دوريا بما يؤدي لتذبذب موقفها من السلطة في مصر.
وهو ما تمثل سلفا في منع إدارة "الرئيس باراك أوباما" جزء من المعونات العسكرية، بالإضافة لحجب كل المعونات الاقتصادية خلال العام الأخير من فترة رئاسته الثانية نتيجة إطاحة المؤسسة العسكرية بالرئيس المنتخب، إلا أن الأمر يبدو أعقد من هذا، حيث يبدو أن "سلطة 3 يوليو" ترغب – فقط - في تعديل مواقف وسلوكيات "الدولة العميقة"/ المؤسسة في الولايات المتحدة فقط، معولة على أهمية مصر إستراتيجيا بالنسبة للولايات المتحدة، فضلا عن قوة علاقات "سلطة 3 يوليو" بتل أبيب، ما يمنحها قدرة نسبية على تعديل موقف المؤسسة الأمريكية بالاعتماد على نشاط اللوبي الصهيوني داخل هذه المؤسسة.
وتظل العلاقة مع الولايات المتحدة هي الأساس بالنظر لعمق اعتماد المؤسسة العسكرية المصرية على السلاح الأمريكي، فضلا عن نفوذ الولايات المتحدة في أسواق المال، وهو ما تحتاجه مصر التي تحتاج هامشا واسعا من المناورة لكي تتمكن من استبدال ديونها القديمة بأخرى جديدة، إلى أن يتمكن اقتصادها من مواجهة تحديات وأعباء الدين الأجنبي.
من جهة ثانية، فإن رأس "سلطة 3 يوليو" (السيسي) لا يريد أن يبدو في أعين مؤيديه بالداخل أقل قدرة على مقاومة الضغوط الأمريكية بشأن التسلح من نظيره التركي، الذي أصر على إتمام صفقة "S-400" الخاصة بالدفاع الجوي، حيث يدرك الأول ما تمثله القدرة العالية للرئيس التركي على المناورة بين القوى الدولية الكبرى بالاعتماد على أهمية موقع بلاده إستراتيجيا في تحصيل مكاسب سياسية، ليست فقط داخليا، وإنما على صعيد العالمين العربي والإسلامي كذلك، وهو ما يريده رأس "سلطة 3 يوليو" – على الأقل داخليا، بما يضمن استعادته بعض موارد الشرعية التي فقدها جراء السياسات الاجتماعية المضطربة التي أنهكت الداخل المصري.
ومن جهة ثالثة، قد يبدو هكذا تمايز في العلاقات العسكرية مع روسيا مدخلا لتحييدها في حال نشوب صراع متوسطي يكون طرفه الثاني تركيا، التي تشهد علاقات متوترة مضطردة مع حلفائها في الناتو، كان آخرها الحظر الأوروبي لتوريد السلاح، والذي طال 6 دول أوروبية، ويتوقع -بنسبة احتمال ضئيلة- أن تنضم إليهم الولايات المتحدة نفسها.
إن التلاعب على حبال القوى العالمية الكبرى لعبة مصرية معهودة منذ عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وبحسب "فورين أفيرز"، لطالما لعبت مصر على هذه الحبال من دون أن يصيبها ضرر[35].
وفي هذا الإطار، فإن الاستمرار في التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة تتبدى ملامحه الأخيرة في التوقيع على "اتفاقية سيسموا"، في نفس الوقت الذي تتعاظم فيه مشتريات السلاح من روسيا. لتترك القوات المسلحة المصرية الولايات المتحدة بين خيارين، أحلاهما مر.
الخاتمة
كان تضييق قوات الاحتلال البريطاني في مصر على تسليحها وراء عدد من القضايا التاريخية الكبرى، كان أهمها "قضية الأسلحة الفاسدة"، وهي مقولة دعائية أخفت سعيا محموما مصريا قبل ثورة 1952 للحصول على مصدر تسليح بعيد عن المملكة المتحدة، وكانت المصادر التي لجأت إليها مصر تتمثل في الاتحاد السوفيتي وسويسرا ثم إسبانيا، وهي صفقات أحبطتها توافقات بريطانية - عالمية تمكنت من الضغط للحيلولة دون حصول مصر على ما تحتاجه من سلاح، وخاضت مصر في هذا الإطار مساومات عدة كان أحدها الاعتراف بإسرائيل.
وبعد ثورة 1952، جوبهت مصر بالتوافق الثلاثي الأمريكي – البريطاني – الفرنسي لكبح تدفق الأسلحة للمنطقة، وهو ما أدى لصفقة الأسلحة التشيكية، إلى جانب توجس مصري تعزز لاحقا فيما يتعلق بنوايا تسليح مصر. وخلال الفترة التي تلت هذه الصفقة، كان الاتحاد السوفيتي هو المورد الأساسي للسلاح لمصر، حتى توقيع الاتفاقيات الثلاثة بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية.
وبعد هذه الاتفاقيات، كانت مصر تابعا عسكريا "نسبيا" للسلاح الأمريكي، وإن لم يعن هذا محاولتها تطوير بعض قدراتها العسكرية بالتعاون مع بعض الدول، وعلى رأسها كوريا الشمالية، غير أن جهودها في هذا الإطار أحبطت أكثر من مرة وعلى أكثر من مستوى، إلى أن حاول الرئيس الراحل محمد مرسي إحياءها مجددا، وقد يكون ذلك أحد أسباب التعاطي مع الانقلاب عليه في 2013.
وعلى صعيد آخر، اتجهت مصر بعد انقلاب 2013 لتنويع مصادر تسلحها، وفي حين اقتصرت تعاملاتها العسكرية مع الولايات المتحدة على سقف المعونة العسكرية السنوية، فيما حصلت روسيا على نصيب الأسد من كعكة مشتريات السلاح المصرية.
وتنوعت المصادر الثانوية بين ألمانيا وفرنسا، وطالت المصادر الهامشية كل من الصين وكوريا الشمالية وكرواتيا. وتحتل مصر المرتبة الثانية عشر عسكريا بين دول العالم ذات القوة العسكرية المعتبرة (عددها 137 دولة)، فيما تعد الأولى عربيا وإفريقيا بشكل عام، أما إقليميا فتأتي في المرتبة الثانية بعد تركيا وقبل إيران، وذلك وفق تقدير أحد أهم بيوت الخبرة في التحليل العسكري: موقع "Global Firepower"، إلا أنها تتميز إقليميا على مستوى القوتين البحرية والجوية، وهي قوى حاسمة. ويبقى السؤال عن مصدر التهديد الذي تتوقعه مصر غير محسوم.
ومن جهة أخيرة، يبدو رأس "سلطة 3 يوليو" وكأنه لا يولي اهتماما كبيرا بتهديدات الولايات المتحدة جراء عقود السلاح الأخيرة التي أجراها مع روسيا، خاصة تلك المتعلقة بمشتريات طائرة "سو-35"، معولا على الأهمية الإستراتيجية لمصر بالنسبة للقوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة بالإضافة للاتحاد الأوروبي، بالإضافة لرغبته في الانضمام لنادي معارضي الإرادة الأمريكية، مما يسهم في تزويده بمورد إضافي للشرعية قد يكفيه للاحتفاظ بتأييد القطاع الذي يؤيده، والذي يتآكل بالنظر لاضطراب السياسات الاجتماعية التي يتبناها، فضلا عن علاقته بتل أبيب التي تضمن له تأييد اللوبي الصهيوني داخل الإدارة الأمريكية؛ وهو ما قد يسهم "إلى حد ما" في تقليص العقوبات المحتملة التي قد يواجهها مع المؤسسة الأمريكية.