الحكومة نفت مسؤوليتها.. لغز القناصة المجهولين في مظاهرات العراق

يوسف العلي | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تزال السلطات العراقية مصرة على أن "جهات مجهولة" تقف وراء قمع المتظاهرين بالرصاص الحي، وسط اتهامات وجهها سياسيون وناشطون إلى مليشيات شيعية مرتبطة بإيران، باستهداف المحتجين ومكاتب وسائل الإعلام الداعمة للاحتجاجات الشعبية.

أعداد ضحايا الاحتجاجات التي دخلت أسبوعها الثاني حتى وقت كتابة هذه السطور، ارتفعت إلى 110 قتلى وأكثر من 6 آلاف جريح، في وقت امتدت المظاهرات إلى مدن جديدة وسط مطالبات من مسؤولين عراقيين بإجراء تحقيق في الأحداث.

الرواية الرسمية، الصادرة عن خلية الإعلام الأمني، تؤكد أنها: "رصدت حالات قنص أدت لإصابة مدنيين وعسكريين في التظاهرات، التي شهدتها بغداد وعدة مدن عراقية".

وأضافت أن: "جهات أطلقت الرصاص على المتظاهرين والأمن لإثارة الفتنة"، مؤكدة أن: "القوات ملتزمة بعدم إطلاق الرصاص الحي".

قناصة مجهولون

الرئيس العراقي برهم صالح أعلن في كلمة تلفزيونية، فتح تحقيق في أحداث الأيام الماضية، التي شهدت مقتل وإصابة المئات ووصف ما يجري بالبلاد بأنه "فتنة".

وشدد على أن مطلقي النار على المتظاهرين "خارجون عن القانون"، إلا أنه نفى أن تكون السلطات الأمنية أعطت أوامر رسمية بذلك. وقال: "أؤكد من موقعي كرئيس للجمهورية أن على أجهزتنا الأمنية بمختلف تشكيلاتها التصدي الحازم لمن خرق الدستور والقانون واعتدى على المواطنين والأجهزة الأمنية وروع وسائل الإعلام".

أما رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، فأعلن في كلمة تلفزيونية الحداد العام لثلاثة أيام على أرواح ضحايا التظاهرات من المواطنين والقوات الأمنية. وتعهد بإجراء تحقيقات أصولية شفافة لتكريم الأبطال والمضحين ومحاسبة المقصرين ممن لم يلتزموا بالأوامر وقواعد الاشتباك، مؤكدا أنه لم تصدر أي أوامر للأجهزة الأمنية بإطلاق النار على المتظاهرين.

لكن "تجمع القوى المدنية الوطنية في العراق" اتهم الحكومة بممارسة أسلوب القمع والقتل ضد التظاهرات مستخدمة الغاز المسيل للدموع والماء الساخن والرصاص الحي وصولا إلى قنص المتظاهرين دون أن تحمل نفسها المسؤولية، متهمة ما أسمتها الجهات المجهولة والمندسين بالأحداث التي رافقت التظاهرات".

وأشار في بيان إلى أن: "الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى انتهاج سياسة تكميم الأفواه ومحاولات التضليل على الحقيقة التي بات يدركها القاصي والداني من خلال محاربة الإعلام الوطني الحر الذي دعم التظاهرات الشعبية وممارسة الضغط عليه من أجل أن يغض الطرف عن نقل الحقيقة كما هي وإيصال صوت الشارع العراقي".

وأردف: "تعرضت بعض المنابر الإعلامية والفضائيات العراقية ومنها قناة الرشيد الفضائية إلى ضغوطات ووصل الأمر إلى تهديد إدارة القناة ومالكها من قبل جهات تابعة لإحدى المليشيات المسلحة وطالبتهم بعدم الذهاب باتجاه دعم التظاهرات الشعبية بأسلوب يتنافى مع الإعلام الوطني الحر ومعاناة الشعب العراقي".

وفي السياق ذاته أعلنت قناة العربية المملوكة للسعودية، توقف عمل مكتبها في العاصمة بغداد، بعد قيام مسلحين ملثمين باقتحامه وضرب الموظفين بداخله وتحطيم معدات تصوير وبث، وهواتف محمولة.

ولفتت "العربية" إلى أنها سبق وأن تلقت تهديدات، وقامت بالتواصل مع القوات الأمنية لحماية طاقمها ببغداد، لكن ضغط التظاهرات أجبر الفريق على الانسحاب والمغادرة، وفقا لبيان صدر عنها.

وبثت القناة السعودية شريطا التقطته كاميرات المراقبة داخل وخارج المكتب، يظهر مجموعة مسلحين، قاموا باقتحام المكتب والعبث في محتوياته.

يأتي هذا الهجوم، بعد حرق كامل تعرضت له قناة "دجلة" الفضائية، واقتحام عناصر مسلحة لقناة "إن آر تي" العراقية، وتحطيم محتوياتها والاعتداء على العاملين فيها.

ونقلت وكالة الأناضول التركية عن مصدر أمني عراقي، لم تذكر اسمه، أنه: "يُعتقد أن مسلحين من حركة النجباء يقفون وراء هذه الهجمات، للحيلولة دون تغطية الاحتجاجات".

وحركة النجباء هي فصيل مسلح مقرب من إيران، يتزعمه أكرم الكعبي، وتعد أحد فصائل "الحشد الشعبي".

وأضاف المصدر الأمني ذاته: أن تهديدات أخرى عبر الهاتف تلقاها العاملون في قناة "الحرة عراق" وراديو "سوا"، الممولين من الولايات المتحدة، إضافة إلى مكتب "التلفزيون العربي" (خاص مقره لندن).

إيران متهمة

لكن اتهامات أطلقها سياسيون عراقيون تدور حول مليشيات موالية لإيران، بالوقوف وراء قنص المتظاهرين السلميين ولا سيما في العاصمة بغداد، بل ذهبت مصادر أمنية إلى الاتهام المباشر لطهران بإرسال قوات لقمع الاحتجاجات في العراق.

أولى تلك الاتهامات أعلنها النائب في البرلمان العراقي فائق الشيخ علي عبر تغريدة على "تويتر" قال فيها: "إيران تقنصنا. لم يعد الأمر خافيا على أحد، فإمام جمعة طهران قالها بصريح العبارة مختزلا سياسة دولته: اقتلوا عملاء أمريكا المتظاهرين العراقيين".

وأضاف: "المتظاهرون والقوات الأمنية لا يقتل أحدهما الآخر.. لكن القناصة الأعداء الذين اعتلوا السطوح يقنصونهم معا"، في إشارة على ما يبدو لمقطع متداول على مواقع التواصل الاجتماعي قيل إنه لعنصر إيراني على سطح إحدى المباني يقنص المتظاهرين.

الشيخ علي سخر في تغريدة أخرى من الخلاف على هوية القناصين بالقول: "يا للسخرية! انظروا إلى الخلاف الدائر عن هوية القناصين! سواء كانوا دواعش أم ملايش (مليشيات).. فلقد حولوا أبناءنا إلى نواعش! أين الحكومة؟ أين السلطة؟ أين المليون عنصر أمني عراقي؟ لماذا لا يكشفوا هوية القتلة المجرمين؟ دعكم من هذا وذاك.. حدثونا عن شهدائنا المقنوصين".

أما النائب العراقي أحمد الجبوري، فقد اتهم هو الآخر إيران بالوقوف وراء قتل وقمع المتظاهرين، بالقول في تغريدة على "تويتر": إن "وزراء الحكومة الذين لم تتلوث أيديهم بأموال ودماء العراقيين تعرفون جيدا أن قمع المتظاهرين كان إجراميا وكانت خطط القمع إيرانية بتواطؤ عبدالمهدي فأنصحكم لوجه الله تعالى، استقيلوا قبل أن يتم تغييركم".

الجبوري، كشف في تصريحات أخرى أن: "هناك غرفة عمليات يقودها مساعد قاسم سليماني (قائد فيلق القدس الإيراني)، ويدعى حاج حامد ويتبعه القناصون الذين يستهدفون المتظاهرين، ويأتمرون بأمره بهدف قتل المحتجين السلميين"، مشيرا إلى أن: "القناصة، كانوا في أعلى البنايات قرب أماكن المظاهرات".

وفي السياق ذاته كشف مصدر أمني في حديث لـ"الاستقلال" أن: "قوة أمنية مجهولة وصلت إلى ساحة التحرير وسط بغداد منذ الأيام الأولى لاندلاع المظاهرات، وكانت هي من تطلق الرصاص على المتظاهرين".

وكان صحفيو وكالة الصحافة الفرنسية، قد ذكروا في وقت سابق، الجمعة الماضية، أنهم سمعوا نيران بنادق أوتوماتيكية، وما بدا وكأنه طلقات قنص في عدة مواقع في وسط بغداد.

على نحو مماثل قال البرلماني العراقي السابق مثال الألوسي: إن القناصين منتشرون في أماكن ببغداد "وهم من قاموا بقتل اثنين من المتظاهرين واثنين من القوات المسلحة" يوم الجمعة الماضي.

وأتهم الآلوسي في حديث تلفزيوني: "قاسم سليماني ومستشارو السفارة الإيرانية الأمنيون يقومون بإدارة ملف ربما القناصين وشبكات قتل المدنيين، بهدف خلط الأوراق".

ذكرى الأربعينية

منذ اليوم الأولى للمظاهرات في العراق، أعلنت إيران على لسان مسؤوليها موقفها الواضح منها، فقد وصفها المرشد الأعلى علي خامنئي في تغريدة على "تويتر" بأنها "مؤامرة" وقال: "إيران والعراق شعبان ترتبط أجسادهما وقلوبهما وأرواحهما بوسيلة الإيمان بالله وبالمحبة لأهل البيت وللحسين بن علي، وسوف يزداد هذا الارتباط وثاقة يوما بعد يوم. يسعى الأعداء للتفرقة، لكنهم عجزوا ولن يكون لمؤامرتهم أثر. #الحسين_يجمعنا".

ورأى رئيس السلطة القضائية في إيران ابراهيم رئيسي أن المسؤولين عن الاضطرابات في العراق يهدفون إلى تخريب إحياء ذكرى الأربعينية، وقال: "في الأيام الأخيرة، ظهرت فتن في العراق للتأثير على حدث الأربعين العظيم".

وأعرب رئيسي في حديثه عن: "ارتياحه ليقظة حكومة وشعب العراق في تهميش هذه الفتنة"، مؤكدا: "ضرورة التحلي باليقظة"، واعتبر أن مثيري الفتنة: "يحاولون بأية لحظة" التأثير على "مراسم الأربعين" وحجب الأنظار عنها.

وتوافق ذكرى أربعينية الحسين هذا العام في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، ويتم إحياؤها عند ضريح الحسين بن علي في كربلاء المدينة العراقية الواقعة على بعد 110 كلم جنوب بغداد، وتعد ذكرى الأربعينية أحد أكبر المراسم الدينية الشيعية في العالم.

وعلق المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني للشؤون الدولية، حسين أمير عبداللهيان على المظاهرات العراقية، بالقول إن: "هناك أيادي أجنبية خبيثة تسعى إلى زعزعة أمن واستقرار العراق".

وأضاف عبداللهيان إن: "إسرائيل وداعمي الإرهاب يقفون خلف الاضطرابات التي يشهدها العراق. سيتم إحباط المؤامرة الحالية التي تستهدف العراق، من عمل على زعزعة أمن العراق في السابق يعمل حاليا على ضرب استقراره بطرق أخرى".

حملة تشويه

وعلى صعيد الصحافة الإيرانية، فلم تتوان عن مهاجمة المتظاهرين واعتبارها "مؤامرة أمريكية سعودية إسرائيلية"، منظمة حملة إعلامية شرسة لتشويه صورة المظاهرات التي تشهدها أغلب المحافظات والمدن العراقية.

وقالت صحيفة "كيهان" التابعة للمرشد الأعلى علي خامنئي: "الشعب العراقي سيقوم بإجهاض الفتنة (السعودية الصهيونية)"، مدعية أنها حصلت على وثائق تثبت تورط السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل في مظاهرات العراق.

ووصفت صحيفة "جام جم" الرسمية والتابعة للحكومة الإيرانية مظاهرات العراق بـ"الفتنة السعودية" ضد مراسم الأربعين الحسينية التي ستقام بحضور ملايين الإيرانيين في العراق.

وقبل ذلك نشرته وكالة "فارس" شبه الرسمية تقريرا بعنوان "فوضى العراق... واشنطن تبتسم للفتنة" هاجمت فيها المتظاهرين وقنوات فضائية وفنانين عراقيين، كما أنها اتهمت السعودية وأمريكا وراء تحريض الشارع العراق على إيران.

وتشهد الاحتجاجات التي انطلقت أول أكتوبر/تشرين الأول الجاري، زخما متصاعدا في بغداد وعدد من محافظات في الجنوب ذات أكثرية شيعية. وردد محتجون عراقيون شعارات دعت إلى إنهاء الهيمنة الإيرانية على العراق.