"لوب لوج" يكشف خبايا التمويل السعودي الإماراتي لمؤسسات غربية

12

طباعة

مشاركة

رصد موقع "لوب لوج" الأمريكي الدور الذي تلعبه السعودية والإمارات في تمويل مؤسسات أكاديمية غربية، موضحاً أنَّ هذه التمويلات مُقيَّدة بشروط؛ أهمها عدم انتقاد سياسات البلدين الخليجيين.

وأفاد تقرير للموقع بأنَّ الرياض وأبوظبي لم تكتفيا بتعزيز قوتهما الناعمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل حاولتا أيضاََ كسب نفوذ أكبر في الغرب، وعلى وجه الخصوص، عبر استهداف الأوساط الأكاديمية الغربية، لأنَّها في نظرهما مؤسسات مفيدة تتيح لهما الترويج لسردياتهما السياسية.

وكشف الموقع بأنَّ "الجامعات الغربية تلقت منذ عام 2000 تمويلًا متزايدًا بشكل متتالي من دول مجلس التعاون الخليجي"، لافتاً إلى أنَّ هذا التمويل كان موجهاََ إلى المراكز الأكاديمية والمنح الدراسية للطلاب والكراسي الدراسية والزمالات والتبرعات للمحفوظات والمتاحف.

أموال طائلة

ونقل التقرير عن أستاذ العلوم السياسية بجامعة باكنجهام، الدكتور أنتوني جليس، الذي أجرى بحوثاََ في السابق عن التمويل الخليجي في الجامعات الغربية، قوله إنَّ: "السعودية منحت بحلول عام 2008 مؤسسات التعليم العالي بالمملكة المتحدة 189 مليون جنيه إسترليني، و21 مليون جنيه إسترليني إلى أكسفورد، و8 ملايين جنيه إسترليني إلى إدنبرة، و8 ملايين جنيه إسترليني إلى كامبريدج، ومليون جنيه إسترليني إلى مركز أكسفورد للشرق الأوسط في كلية سانت أنتوني، ومبلغ كبير إلى مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية". 

ومضى التقرير يقول، إنَّ جامعات المملكة المتحدة الأخرى مثل دورهام وكلية لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية وإكستر، "تلقت تبرعات كبيرة منذ ذلك الحين". و"في الوقت نفسه، تلقت الجامعات الأمريكية 2.2 مليار دولار من دول الخليج منذ بداية عام 2012"، وفقاََ لتحليل صحيفة "فاينانشال تايمز". 

وقال "لوب لوج": إنَّ معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا، تلقى العديد من التبرعات السعودية، من بينها 25 مليون دولار في مارس/آذار 2018 من أرامكو السعودية، للبحث في مجال الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي. "كما تلقت الجامعة هدايا فردية من مليارديرات سعوديين يصل مجموعها إلى 43 مليون دولار"، بحسب المصدر ذاته. 

وأردف: "كما أنَّ هارفارد وييل ونورث وسترن وستانفورد ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، من بين الجامعات الأمريكية التي حصلت على تمويل سعودي". وركزت هذه الاستثمارات إلى حد كبير على مراكز دراسات الشرق الأوسط الغربية، فلكل قسم في الشرق الأوسط في الغرب، تقريباً، بعض التمويل الخليجي".

وأشار التقرير إلى أنَّ ثمة آلية واحدة لهذا التمويل، وهي المؤسسات المرتبطة بالدولة، موضحاً أنَّ مؤسسة الوليد الخيرية (مؤسسة الوليد بن طلال سابقاََ) قدمت تمويلاً كبيراً ومنحاً دراسية للعديد من المؤسسات الأكاديمية. 

وتابع: "في الوقت نفسه، أقامت مؤسسة الإمارات علاقات أوثق مع جامعات مثل LSE، بهدف دعم التعاون الأكاديمي ونقل المعرفة بينها والجامعات العربية".

وأضاف التقرير، أنَّه: "في المملكة المتحدة على وجه الخصوص، تعني التخفيضات الحكومية والخسائر المحتملة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أنَّ الجامعات في حاجة ماسة إلى مصادر تمويل جديدة".

وزاد التقرير موضحاََ، أنَّه بينما يتابع قادة مثل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هجومًا ساحرًا في كل من بريطانيا والولايات المتحدة، تعد مؤسسات التعليم العالي ومراكز الفكر أهدافًا جذابة لسخائه".

"تشكل سردها"

ونقل الكاتب عن الدكتور "جليس"، قوله: "إنَّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيتسبب في انخفاض بنسبة 7٪ في أعداد طلاب الاتحاد الأوروبي، ما يعني ذلك خسارة 16٪ من أموال البحوث التي تستخدمها جامعات المملكة المتحدة. من المتوقع أن ينخفض ​​التمويل الحكومي بمقدار 120 مليون جنيه إسترليني بحلول العام الدراسي الجديد 2019-2020"، مشيراََ إلى أنَّه من المرجح أن تعتمد الجامعات بدرجة أكبر على التمويل الخارجي.

وأضاف الكاتب: "في الظاهر، تعمل هذه الاستثمارات السعودية والإماراتية على ما يبدو على تعزيز الفوائد الأكاديمية للغرب والدول المانحة، مع إقامة علاقات أوثق بين الغرب والخليج". 

وصرح الأستاذ المساعد في كينجز كوليدج لندن، الدكتور أندرياس كريج، لموقع "لوب لوج"، قائلاً إنَّ: "الهدف الأول من التمويل الأكاديمي هو بناء القدرات، أي تعليم السكان الأصليين في جميع التخصصات الأكاديمية".

كما أنَّ الاستثمار السعودي في معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا لدعم المشاريع البحثية في قطاع الهيدروكربون يدعم بناء القدرات المحلية، في هذا السياق، هناك اهتمام حقيقي بالبحث المستقل والتعليم".

وتابع: "مع زيادة اعتماد الجامعات الغربية على الدعم السعودي والإماراتي، فإنَّها تسمح لهذه الدول الخليجية بإعادة تشكيل سردها الأكاديمي. وقد استخدمت الإمارات مثل هذه الإستراتيجيات للترويج لسردياتها، ليس فقط في الجامعات ولكن أيضًا في مراكز الفكر والرأي".

أدركت الإمارات مدى أهمية المراكز الأكاديمية والخبراء في توفير الشرعية والمصداقية لرواياتهم الإستراتيجية الكبرى. منذ الجدل الدائر حول ميناء دبي العالمي في الولايات المتحدة عام 2006، يعد المكون الأكاديمي جزءًا قويًا من شبكة إعلام الإمارات".

ونقل عن كريج، قوله "يمكن لتمويل مراكز الأبحاث أيضًا شراء رأي خبير ملائم، أحيانًا من خلال الدعم المباشر لروايات الممول وأحيانًا عن طريق حذف البيانات الهامة. هنا، فإنّ استقلالية الباحثين عُرضة للخطر، نظرًا لاختيار الباحثين استنادًا إلى توافقهم مع سردية الممول".

وتابع كاتب المقال يقول: "مع ذلك، فانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الإمارات والمملكة أثارت مزيداً من التدقيق في هذا التمويل".

وزاد التقرير؛ : "كان الوليد بن طلال مستثمراً مثيراً للجدل وكانت تبرعاته هدفاََ للعديد من دعوات المقاطعة. ورغم اعتباره صوتًا ليبراليًا نسبيًا داخل العائلة المالكة السعودية، فقد كانت هناك دعوات لإدنبره لرفض تبرعاته، خاصة بعد أن تبرع بمائة سيارة للطيارين السعوديين لمكافأتهم على دورهم في حملة القصف في اليمن، إذ كانت مؤسسة الوليد تمول مركز أدنبره للدراسات الإسلامية".

ضغط إعلامي

وأشار "هارفي" إلى أنَّ جامعات من كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واجهت انتقادات بشأن التمويل الخليجي، خاصة مع تزايد الوعي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان السعودية والإماراتية وقمع الحرية الأكاديمية. 

ولفت إلى أنَّ السياسات المحلية للبلدين أثارت مخاوف بشأن حقوق الإنسان وقمع الأوساط الأكاديمية وحرية التعبير وحرية الصحافة؛ وانتهاكات ضد منتقدي الدولة.

وظهرت، بحسب الموقع، تساؤلات جديدة العام الماضي، عندما قامت السلطات الإماراتية بسجن طالب الدكتوراه البريطاني ماثيو هيدجز، متهمة إياه بالتجسس لصالح الحكومة البريطانية عندما كان يجري بحثاً فحبس عن أطروحته". 

وأضاف الكاتب: "بقي هيدجز في الحبس الانفرادي لمدة 6 أشهر في الإمارات، وتعرض للتعذيب النفسي، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 بعد إجباره على توقيع اعتراف باللغة العربية – التي لا يفهمها".

وفي النهاية، ساعد الضغط الإعلامي الدولي ووزارة الخارجية البريطانية في تأمين إطلاق سراحه. 

ونوه بأنَّ هذا الحادث وقع في أعقاب مقتل الصحافي جمال خاشقجي الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست"، في القنصلية السعودية في إسطنبول.

ومضى التقرير يقول: "على الرغم من أنَّ العديد من الجامعات، بما في ذلك دورهام وإكستر وبرمنجهام، أوقفت في البداية علاقاتها مع الإمارات أثناء سجن هيدجز، وإنهاء جامعة هارفارد علاقاتها مع مؤسسة مسك الخاصة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلا أنَّ العديد من الجامعات لم تُعد النظر في روابطها الخاصة. علاوة على ذلك، بمجرد إطلاق الإماراتيين لسراحه، قامت العديد من الجامعات باستعادة تيارات التمويل في الإمارات".

الابتعاد عن النقد

ونقل عن كريج قوله: "الأزمة الحالية في دول مجلس التعاون الخليجي، التي بدأت قبل عامين عندما قطعت البحرين ومصر والسعودية والإمارات العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع قطر، لم تُؤثر على هذا التمويل". 

وتابع "كريج": "في الواقع، تلعب قطر دورًا بسيطًا في تمويل المؤسسات الأكاديمية. عندما وصلت قطر إلى الساحة في واشنطن في عام 2017، كانت الإمارات على وجه الخصوص قد استحوذت بالفعل على الكثير من الأسواق الأكاديمية تاركة خيارات قليلة أمام قطر. قد يكون سرد قطر أكثر ملاءمة لأيديولوجية وقيم معظم الأكاديميين. لا تحتاج قطر إلى الاستثمار بنفس القدر لإضفاء الشرعية على سردها".

وتابع الكاتب: "يشعر جليس بالقلق من أنَّ هذا التمويل الخليجي قد يُؤثر على الروايات الأكاديمية، مما يَحول دون النقد المشروع لتلك الدول التي تمول الجامعات. بعد الربيع العربي، أولت الجامعات الغربية عن كثب انتهاكات حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". 

وأردف الكاتب: "مع ذلك، تشير الأبحاث التي أجراها الأكاديميان مارتن ليسترا وجوناس بيرغان دريج إلى أنَّ المؤسسات التي تمولها دول الخليج لا تزال أقل احتمالًا إلى حد ما في إثارة هذه القضايا".

ونقل عن الأستاذ الزائرة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، الدكتورة مضاوي الرشيد قولها: "إنَّها تتوقع السعودية الدعم لسياساتها مقابل تمويلها، وهي تلقي باللوم على النقد الممول من قبل منافسيها الإقليميين. المؤسسات الأكاديمية الغربية تدافع عن موضوعيتها من خلال الادعاء بأنَّها تظل موضوعية على الرغم من التمويل. ولكن سيكون من الصعب الحفاظ على هذا، لأنَّ التمويل السعودي قد يقطع إذا اعتُبرت الأنشطة في هذه المراكز معادية أو تنتقد المملكة العربية السعودية".