فجرتها فتوى الغرياني.. هل يمكن "تدويل الحرمين" بين المسلمين؟

الرياض - الاستقلال | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قنبلة فجرها منذ أيام مفتي عام ليبيا الشيخ صادق الغرياني عندما أصدر فتوى شرعية، أيدها عدد غير قليل من علماء الأمة، تنهي المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها عن تكرار فريضة الحج أو سنة العمرة.

الشيخ الغرياني علل فتواه بقوله: "حتى لا يدفع المسلمون هذه الأموال ويضعونها في جيوب حكام السّعوديّة ليقتلوا بها المسلمين في اليمن وفي ليبيا وفي مصر، وسيقتلونهم في السودان، وسيقتلونهم في الجزائر، وسيقتلونهم في تونس، ليست هناك بقعة في الأرض إلّا ويسعون فيها فسادا بأموالهم".

هذه الفتوى لا تكتسب أهميّتها فقط من الأثر الاقتصادي الذي يمكن أن يتساءل البعض عن جدواه، وعن مدى تأثر النّظام السعودي بعدم دفع أموال الحجّ والعمرة، بل تكتسب الفتوى أهميتها حسب مقال عضو هيئة علماء فلسطين في الخارج محمد خير موسى في صحيفة عربي 21 "من الأثر السياسي والمعنوي الذي يكسر صنميّة حكّام آل سعود الذين يستمدّون شرعيّتهم السّياسيّة من دعوى خدمة الحرمين الشريفين، واختراق الهالة الموضوعة حول هذا النّظام من قبل كثير من العلماء والدّعاة، خشية منهم على أقدس مقدّسات المسلمين، كما يعلّلون بذلك صمتهم".

فكرة التدويل

كان مؤسس النظام الإيراني والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله الخميني أول من أطلق فكرة تدويل الحرمين منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وتبعه الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، إلا أنها في النهاية ظلت فكرة قيد النظر بلا خطوات لتنفيذها.

تجددت الفكرة العام الماضي إثر شكوى قطر من تعنت السعودية في استقبال حجيجها ضمن الحصار الاقتصادي المفروض عليها من المملكة والإمارات والبحرين ومصر، ونادت قطر بعدم "تسيس رحلتي الحج والعمرة"، وفي حين حاول وزير الخارجية السعودي نفي الأمر تمسكت قطر بإثبات الضرر الواقع عليها.

فهل الفكرة قابلة للتنفيذ والتطبيق ويمكن من خلالها وقف شريان الدعم المادي المتدفق على مدار العام ليغذي حكام آل سعود ويزيد من نفوذهم وسطوتهم في المنطقة ويقوي شوكتهم في كسر أنوف المستضعفين والطامحين في نيل حريتهم وكرامتهم سواء داخل المملكة أو في منطقتنا العربية والإسلامية عموما؟

تحت عنون "قراءة في الجدل بشأن فكرة تدويل الحج" أيد الباحث السوداني منصور الحاج فكرة تدويل الحج مبررا ذلك بـ"الفشل الواضح للسلطات السعودية في إدارة شؤون الحج"، مضيفا إن قضية "تدويل الحج والمطالبات بفصل مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة ليست بالأمر الجديد، وسوف تتكرر المطالبات مستقبلا ما لم تغير السلطات السعودية سياساتها وتعيد النظر في تحالفاتها الدينية وتحرص على مراعاة مصالح جميع المسلمين بغض النظر عن المذهب أو الطائفة".

الحاج نصح السلطات السعودية بأن تأخذ هذه المطالب على محمل الجد والتعامل معها بعقلانية واتخاذ تدابير من شأنها قطع الطريق أمام كل من يسعى إلى استغلال المكانة الخاصة للحرمين الشريفين في نفوس المسلمين حول العالم.

الأعداد بالملايين

منذ أيام قليلة أعلنت المملكة العربية السعودية أن عدد المعتمرين هذا العام قد يبلغ نحو 4.5 مليونا خلال شهر رمضان الجاري فحسب من داخل وخارج المملكة، وحتى 24 يناير/كانون الثاني الماضي وصل عدد المعتمرين إلى 3 ملايين وأكثر من 270 ألفا، وذلك قبل ازدهار موسم العمرة في رمضان.

وبحسب تقرير الهيئة السعودية العامة للإحصاء لموسم الحج عام 2018، فقد بلغ عدد الحجاج مليونين و371 ألفا و675 حاجا منهم مليون و758 ألفا و758 حاجا من خارج المملكة، أما أكبر زيادة في عدد الحجيج، خلال آخر 10 سنوات، فحققها موسم 1434/2013م بعدد بلغ 3 ملايين و 161 ألفا و 573 حجاج.

وقالت وزارة الحج والعمرة السعودية العام الماضي إن إجمالي عدد الحجاج خلال ربع قرن مضى وصل إلى من 54 مليون حاج، فيما تستهدف الوصول إلى 30 مليون حاج ومعتمر سنويا بحلول العام  2030م.

الأرقام شبه الرسمية تشير إلى أن نسبة من 5 حتى 7% من معتمري هذا العام (من مصر) هم من مكرري العمرة، وفي تصريح رسمي مصري كان العدد لا يتجاوز 10% في العام الماضي.

وإن لم يكن هناك إحصاء رسمي أو شبه رسمي بإجمالي عدد أو نسبة مكرري رحلتي الحج والعمرة، فإن مركز "بي.إم.إي ريسيرش" قدر عائدات السعودية من رحلات الحج والعمرة بنحو 12 مليار دولار سنويا، وذلك عبر حجوزات الفنادق والمواصلات والهدايا والطعام والرسوم وغيرها.

بعض الاقتصاديين السعوديين قدروا إيرادات الحج والعمرة سنويا بنحو 40 مليار ريال، وأظهرت دراسة  لمركز السجيني السعودي للاستشارات الاقتصادية والإدارية أن نحو 40% من إنفاق الحجاج مخصص للإقامة، ثم الإنفاق على النقل والمواصلات يقدر بـ 31%، ثم الهدايا بنسبة نحو 14% من إجمالي الإنفاق، ثم الغذاء بنحو 10%، في حين تذهب 5% المتبقية إلى مناحي الإنفاق المختلفة.

الباحث الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي أكد أهمية دخل الحج والعمرة للاقتصاد السعودي، لكنه لا يقارن بعوائد النفط الذي يظهر تفوقا هائلا فهو يحقق سنويا قرابة 350 أو  400 مليار دولار، لكن الخطورة في اعتماد السعودية على البترول يكمن في تزعزع أسعاره، فحين هبطت أسعار النفط إلى 30 و35 دولارا للبرميل، اضطرت المملكة لإعلان عجز الميزانية والاستدانة وأخذ إجراءات اقتصادية عديدة.

الصاوي قال لـ "الاستقلال" "يبقى أن موسمي الحج والعمرة مستقران لهما ديمومة، فقرابة 2 مليون سائح ديني يدخل المملكة في 3 أشهر للحج، ويقوم عليهم اقتصاد لا يشمل الإقامة والمأكل والمشرب فقط، بل يتجاوز لاقتصاديات غير مباشرة تختص بفرص عمل في شركات الطيران والشركات السياحية، وأيضا في ازدهار الإنشاءات والمباني والتوسع حول الحرمين، وما يستوجبه ذلك من التخطيط طويل الأمد، مع تجارة اللحوم للهدي والأضاحي، مع القطاع الغذائي والهدايا والمنسوجات".

الصاوي يؤكد على خطورة الدعوة لتدويل الحرمين الشريفين، ولو إسلاميا، قائلا: "مفتي ليبيا نادى بعدم تكرار الحج والعمرة فحسب من باب التأثير السلبي على اقتصاد المملكة، لكنه لم يطالب بتدويل الحرمين لما سيترتب على ذلك من فتنة، فمع التسليم بأن السعوديين سفهاء في إنفاق المال، وليسوا أهلا للإشراف على الحرمين، لكن ذلك لا ينفي أن حرمان المملكة من ذلك قد يؤدي إلى اشتعال حرب ووضع أسوأ مما نحن عليه الآن فقد يضرب الطيران الحرمين".

مكاسب وأضرار

الدكتور وصفي عاشور أبو زيد، أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية، قال لـ"الاستقلال": "أمر تدويل الحرمين إسلاميا يعد واجبا منذ فترة طويلة، فالحج شعيرة خاصة بجميع المسلمين وليست لآل سعود الذين وفق ما يفعلونه الآن فهم يحتكرون فريضة من فرائض الإسلام، وملك للأمة الإسلامية كلها، ويجب أن تشارك الأمة كلها في تدبيرها والاستفادة من ريعها".

أبو زيد وهو عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يؤكد أن تذرع النظام السعودي في رفضها فكرة التدويل بمسألة إيران والشيعة أمر واه، مضيفا: "إن لم يكن أمر تدويل الحرمين إسلاميا ممكنا الآن، وفق التمسك السعودي بالمكاسب الاقتصادية فعلينا أن نشرح للمسلمين وأن نوضح هذه الضرورة ووجوبها، وتعدد سبل إمكانية تحقيقها سواء تحت مظلة تفعيل دور منظمة التعاون الإسلامي أو غيرها من الهيئات الإسلامية الكبرى".

أستاذ المقاصد الشرعية أوضح أن الوظائف الكبرى للحج كانت تتشارك فيها الدول الإسلامية، ولم يكن الأمر مقصورا على آل سعود وحدهم، فكانت مصر ترسل كسوة الكعبة، وكذلك تقوم الأردن بدور والجزائر بدور آخر وهكذا.

القانوني الليبي محمد مرغم ينظر للموضوع من زاوية القانون قائلا: "القانون الدولي مبني على الاتفاقيات، فإذا اتفقت الدول الإسلامية ووافقت السعودية تم التدويل قانونا، ولكن إذا لم توافق السعودية، كما هو متوقع، فإن القانون الدولي لا يملك إجبارها إلا في حالة حدوث مخاطر كبرى تهدد موسم الحج، وكانت الخطورة تمثل تهديدا عالميا".

مرغم أضاف لـ "الاستقلال": "الأزمة الأشد اليوم تتمثل في تلاعب السعودية بأرواح الذاهبين إلى الحج والعمرة، ففي العام قبل الماضي 3 من الثوار الليبيين نالوا تأشيرة عمرة، والتأشيرة تساوي عهد أمان من الدولة المانحة، ولكن الرياض ألقت القبض عليهم وسلمتهم لحفتر، ودلالة الحادث أن الحرمين تديرهما عصابة لا دولة".