بمزاد للسماسرة.. هكذا تباع وتشترى أعلى مناصب الدولة بالعراق

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ليست أصوات الناخبين والوظائف البسيطة لوحدها هي من تباع وتشترى في العراق، وإنما بات سماسرة السياسة يتاجرون بأعلى مناصب الدولة وأكثرها حساسية، فلم يعد سرا حصول كتل وأحزاب سياسية على حقائب وزارية ومقاعد في البرلمان لقاء مبالغ مالية ضخمة.

ومع تزايد تحذيرات السلطات العراقي من بيع المناصب، ولاسيما في الدورة الانتخابية الحالية التي جرت قبل عام من الآن في مايو/أيار 2018، إلا أن تجّار المناصب لم يتوقفوا عن ذلك، بل أصبح الحديث عن وضع تسعيرة لكل منصب في الدولة.

بورصة الأسعار

دخل منصب محافظ نينوى في مزاد بيع المناصب، بعد إقالة المحافظ السابق نوفل العاكوب في مارس/آذار الماضي، على خلفية حادثة غرق العبارة، والتي راح ضحيتها غرقا أكثر من 100 كانوا على متنها.

إقالة العاكوب بتهم فساد وسوء إدارة للمحافظة، فتحت شهية الكتل السياسية للظفر بالمنصب التنفيذي الأول في نينوى، والذي يعد بمثابة رئيس حكومة محلية يدير شؤون المدينة بالكامل.

وعلى حد قول النائب في البرلمان عن محافظة نينوى عبد الرحيم الشمري، فإن بورصة الأسعار لمنصب المحافظ وصلت إلى 10 مليون دولار، متهما مجلس المحافظة بالوقوف وراء عمليات بيع المنصب إلى جهات "فاسدة".

ويتبادل النواب في البرلمان عن نينوى، الاتهامات حول الاتيان بشخصيات لمنصب المحافظ مقابل صفقة مالية بملايين الدولارات، فضلا عن تسريب مقطع مصور لرئيس كتلة المحور (السني) في البرلمان أحمد الجبوري (أبو مازن)، يتعهد بأن يأتي هو بالمحافظ.

وتدور الاتهامات حول الجبوري، بحسب تغريدة للنائب السابق مشعان الجبوري، قال فيها: إن "أبو مازن يقول إنه من سيأتي بمحافظ جديد لنينوى، لأن مشروعة "ولد من رحم الأمة"، مهتما إياه بأنه "يدعم الفاسدين واللصوص".

من جهتها، قالت مصادر سياسية، طلبت عدم الكشف عن هويتها في حديث لـ"الاستقلال": إن "رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، يمارس الابتزاز للحصول على منصب المحافظ، ولاسيما بعد تهديده بحل مجلس محافظة نينوى".

وكشفت المصادر، أن "الحلبوسي التقى أعضاء مجلس محافظة نينوى، وهددهم بحلّ المجلس إذا لم يرضخوا لمطلبه في التصويت على شخصية محددة ليكون محافظا، إذ أدرج فقرة حل المجلس على جدول أعمال البرلمان ليمارس الضغط عليهم".

ولفتت إلى أن "الحلبوسي واجه توبيخا من زعيم تحالف البناء هادي العامري، على خطوة ابتزاز مجلس المحافظة، والضغط لجعل محافظة نينوى تحت سيطرته، كما فعل مع محافظ الأنبار الذي عقد صفقة مع المحافظ الحالي لقاء 5 مليون دولار، والتنازل عن مقعده في البرلمان لحليف الحلبوسي محمد الكربولي".

وعلى الصعيد ذاته، اتهم النائب عن محافظ نينوى فلاح زيدان في بيان له، النائب عن المحافظة ذاتها منصور المرعيد، بدفع الأموال لبعض الفاسدين لكي يكون محافظا".

وأضاف وزير الزراعة السابق: "ماذا دفع منصور المرعيد، ولمن وماهي المبالغ المدفوعة وتواريخ دفعها؟ سوف نقدمها الى رئاسة مجلس النواب".

سعر النائب 

شابت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، الكثير من الاتهامات بالتزوير وشراء أصوات الناخبين عن طريق بيع بطاقات التصويت، لقاء مئتي دولار للبطاقة الواحدة، ليتعدى ذلك إلى بيع عضوية البرلمان العراقي ليصبح ممثلا لناخبين لم ينتخبوه.

وكشفت تصريحات سابقة لمرشحين في الانتخابات التي جرت في مايو/أيار الماضي، عن وصول سعر المقعد في البرلمان إلى مليوني دولار تدفع إلى المفوضية العليا للانتخابات التي واجهت اتهامات كثيرة بالتلاعب في نتائج الانتخابات.

وقال المرشح السابق للانتخابات البرلمانية حسين الزبيدي عن قائمة "القرار" في محافظة ديالى: إن "التلاعب واضح، منذ انطلاق العملية الانتخابية كان مسلحون يسيطرون على مراكز انتخابية ويجبرون الناخبين على إعطاء أصواتهم لمرشحين بعينهم".

وأكد الزبيدي: "حدوث عمليات رفع أصوات مرشحين، حيث إنه بعدما جمعنا أصوات الناخبين عقب انتهاء الانتخابات، تفاجأنا بصعود بعض المرشحين لم يحصلوا على 3 آلاف صوت، في حين أن مرشحين آخرين تجاوزت أصواتهم الـ13 ألف صوت، تبخرت ولا نعرف أين ذهبت".

وأوضح: إن "العد الإلكتروني كان غير دقيق تماما، فهناك مرشحون في البصرة والموصل تظهر لهم أصوات في ديالى على الرغم من أنهم ليسوا مرشحين عن هذه المحافظة، ما يدل على أن أجهزة العد والفرز إما أنها ليست دقيقة أو مبرمجة باتجاه معين".

ولفت الزبيدي إلى أن "الكثير من المؤشرات تفيد بحرق إرادة الناخبين في محافظة ديالى"، واصفا "مقر مفوضية الانتخابات في بغداد بأنه بات أشبه بالبورصة لأن سعر المقعد أصبح بمليوني دولار، حسبما أفاد به مرشحون زاروا مقرها".

ورأى أن هذا دليل على أن "العملية الانتخابية كلها فاسدة، فمن نقاضي اليوم؟ لأننا كنا نحسن الظن بالعد والفرز الإلكتروني، لكن أصبح هذا النظام حالة غامضة لا تعرف حقيقته".

وكشف الزبيدي أن "تجارا يدعمون مرشحي قبائل محددة في ديالى، متواجدون في بغداد للدفع باتجاه صعود مرشحين محددين إلى قبة البرلمان، لم يحصلوا على أصوات تؤهلهم لذلك. وما يجري اليوم ليس عدا وفرزا، إنما هو سوق لبيع الأصوات".

سعر الوزارة

وعلى ضوء انتخابات دارت حولها شبهات بيع مقاعد البرلمان العراقي، فإن تشكيل الكابينة الحكومية لم تكن بعيدة عن دفع الأموال بين الكتل السياسية المتهمة بالفساد للحصول على حقائب وزارية مهمة.

وذكرت المصادر لـ"الاستقلال" أن "الكتل السياسية السنية تقاسمت 6 وزارات منحت لها وهي: الدفاع، التخطيط، الصناعة، التجارة، التربية، الشباب والرياضة، إلا أن اثنتين منها ذهبت إلى كتل سياسية دون غيرها لقاء صفقة مالية".

وبحسب قوله، فإن "وزارة التربية ذهبت إلى كتلة المشروع العربي بزعامة السياسي خميس الخنجر، لقاء 5 ملايين دولار دفعها إلى حزب الحل بزعامة جمال الكربولي الذي أعلن انسحابه مؤخرا من تحالف البناء لخلافات مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي".

وعلى الطريقة ذاتها، فقد ذهبت وزارة التجارة إلى كتلة سياسية بعينها بعد مبلغ مالي منح لحزب الحل، لأن الوزارة مهمة وفيها الكثير من العقود التي تبرمها مع أطراف خارجية وداخلية.

وبعد الأنباء المتزايدة عن صفقات بيع الوزارات، اتهم زعيم التيار الصدري، رجل الدين مقتدى الصدر، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، بعض أعضاء تحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري، وبعض السياسيين المنضوين في تحالف البناء (من سياسيي السنة) بالفساد وشراء المناصب بأموال ضخمة ودعم خارجي.

ما دفع القيادي في تحالف المحور الوطني، جمال الكربولي، إلى الرد على تغريدة الصدر قائلا: "رمتني بدائها وانسلت.. وهو مثل يضرب لمن يتهم صاحبه بأمر هو فيه ولا يراه في نفسه"، في إشارة إلى أن تلك الصفقات أو التصرفات ينفذها الصدر وجماعته، ويتهم بها الآخرين.

وتابع الكربولي في تغريدة نشرها على حسابه في ""توتر" قائلا: "بعض السياسيين يفعل ذلك، ولا يخدعون سوى أنفسهم، وهم لا يشعرون".

وفي هذا السياق، أشار الكاتب والمحلل السياسي، غالب الشابندر، إلى وجود صفقة ثلاثية بين فالح الفياض (رئيس جهاز الأمن الوطني المقال ومرشح تحالف "الفتح" لوزارة الداخلية)، ومحمد الهاشمي الملقب بـ"أبي جهاد" ومحمد الكوثراني المسؤول عن ملف العراق في حزب الله اللبناني.

وأوضح الشابندر في تصريحاته الصحفية، أن "الفياض قام بدفع 5 ملايين دولار مقابل حصوله على التأييد لترشيحه للوزارة".

الأعلى قيمة

لكن وزارة الدفاع كان الأعلى قيمة في "بورصة بيع الوزارات"، فقد ذكر موقع "عربي بوست" نقلا عن مصدر سياسي في تحالف المحور (السني) قوله: إن "وزارة الدفاع أصبحت معروضة في مزاد بيع المناصب، بعد وصول سعرها إلى 20 مليون دولار".

وأوضح أن "عملية بيع وشراء المناصب سواء الوزارية أو غيرها في الحكومات العراقية، أصبحت مسألة طبيعية جدا، في عهد رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، مضيفا: "أحد المسؤولين قام بشراء وزارة الكهرباء بـ20 مليون دولار، وآخر دفع 18 مليون دولار لشراء وزارة الدفاع، و10 ملايين لوزارة التجارة، لا نستغرب من بيع وشراء المناصب في حكومة عبد المهدي أيضا".

ولفت الموقع في تقريره إلى أن "حدة التنافس بين المرشحين حاليا على وزارة الدفاع أصبحت أكثر تعقيدا، فأحد المرشحين دفع 10 ملايين دولار بعد أن حصل على تأييد وتواقيع أعضاء البرلمان العراقي، وآخر دفع 16 مليون دولا".

وتابع المصدر في حديثه: "هناك شخصية سياسية معروفة دفعت 20 مليون دولار ومستعد لدفع 25 مليونا، وأكثر من هذا المبلغ مقابل تسميته كمرشح رسمي وحصوله على وزارة الدفاع في الحكومة الجديدة".

رئيس البرلمان

لم يسلم منصب رئيس البرلمان في الدورة الحالية والذي يٌعد أعلى منصب بالدولة، من دخول مزاد بيع المناصب التي ظهرت بشكل بارز في الانتخابات البرلمانية المنصرمة، فقد كشف نواب ومسؤولون سابقون عن بيع المنصب بمبلغ 30 مليون دولار إلى رئيسه الحالي محمد الحلبوسي.

وأثارت جلسة انتخاب رئيس البرلمان جدلا واسعا، بعد فوز الحلبوسي على 9 من منافسيه من النواب السنة انسحب 6 منهم (أحمد خلف الجبوري وطلال الزوبعي ومحمد تميم ورعد الدهلكي وأحمد عبد الله الجبوري ورشيد العزاوي) بينما بقي منافسا له حتى إعلان الفوز ثلاثة "أسامة النجيفي وخالد العبيدي ومحمد الخالدي".

وحصل الحلبوسي الذي ينتمي إلى المحور الوطني ويتزعم تحالف "الأنبار هويتنا" على 169 صوتا من مجموع 251 نائبا مقابل حصول منافسه الأول خالد العبيدي، وزير الدفاع السابق، على 89 صوتا فيما حصل أسامة النجيفي رئيس البرلمان الأسبق على 19 صوتا بينما حصل محمد الخالدي على 4 أصوات.

وكتب النائب السابق مشعان الجبوري على صفحته في "فيسبوك"، أن القيادي في تحالف المحور الوطني النائب محمد الحلبوسي "دفع 15 مليون دولار لشراء منصب رئيس مجلس النواب".

وأوضح أن "صفقة بين ثنائي الفساد والمحافظين السابقين (صلاح الدين والأنبار) أحمد الجبوري ومحمد الحلبوسي عقدت في منزل نائب يدفع بموجبها الحلبوسي ١٥ مليون دولار للجبوري اضافة لترشيحه لتولي وزارة سيادية مقابل انسحابه من الترشح ليصبح الحلبوسي مرشحا وحيدا لرئاسة البرلمان عن المحور الذي يضم خميس الخنجر والكرابلة ويتحالف مع الفتح والقانون".

وردا على حديث الجبوري، قال رئيس كتلة تحالف المحور أحمد الجبوري: إنه "لو يمتلك 30 مليون دولار لكان ترك العملية السياسية، وصرف هذه الأموال على الراقصات خارج البلاد".

أما النائب المنافس للحلبوسي، وزير الدفاع السابق خالد العبيدي الذي يتزعم كتلة "بيارق الخير" المنضوية في ائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي، فقد اتهم الحلبوسي "بشراء منصب رئاسة البرلمان بـ30 مليون دولار"، دون أن يفصح عن كيفية دفع هذا المبلغ الكبير.

وكان رئيس الحكومة العراقية السابقة حيدر العبادي، قد شكك في نزاهة اختيار رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، داعيا إلى التحقيق في تصور بطاقات التصويت السري لنواب البرلمان أثناء الجلسة لصالح جهات قيل إنها دفعت أموالا وتسعى للتأكد من تصويتهم للحلبوسي.