بوابة لموانئ شرق السودان.. لماذا استهدفت قوات حميدتي سنجة وسنار؟

12

طباعة

مشاركة

تتضارب الأنباء حول سيطرة مليشيا الدعم السريع على مدينة سنجة جنوب شرق السودان، على بعد نحو 60 كيلومترا عن مدينة سنار الإستراتيجية. 

إذ تدعي المليشيا التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي” السيطرة عليها، فيما نفى الجيش الذي يخوض حربا معها منذ أبريل/نيسان 2023 ذلك ليلمح بعدها إلى وقوعها في يد الخصم.

لمن السيطرة؟ 

وفي 26 يونيو/حزيران 2024 زعمت قوات الدعم السريع أنها تسيطر على مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار، لكن جرى نفي هذه الأنباء وتأكيد سيطرة الجيش عليها.

بعدها بثلاثة أيام، أكد المتحدث باسم الدعم السريع الفاتح قرشي أنهم بسطوا سيطرتهم التامة على مدينة سنجة وعلى رئاسة الفرقة الـ 17 التابعة للجيش السوداني.

ثم أعلن الناطق باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، في بيان 30 يونيو أن "قواتنا في سنجة متمسكة بمواقعها، وتقاتل العدو بثبات ومعنويات عالية".

ونشرت صفحة الجيش على موقع فيسبوك، تهنئة من رئيس هيئة الأركان بالجيش، الفريق أول محمد عثمان الحسين، لقوات الفرقة 17 بسنجة "على صمودهم أمام محاولات المليشيا الإرهابية المتمردة الاعتداء على مدينة سنجة الآمنة، واستبسالهم في الدفاع عنها".

لكن حسابات موالية للدعم السريع نشرت صورا وفيديوهات تؤكد سيطرتها على مقر الفرقة 17 مطلع يوليو/ تموز 2024، وأيضا سقوط قيادة اللواء 67 مشاة القريبة منها، ما يشير إلى أن الجيش قد يكون خسرها بالفعل.

وبثت منصات تابعة لقوات الدعم السريع عددا من مقاطع الفيديو أظهرت الوجود الكثيف لقواتها في أنحاء واسعة من سنجة.

سبق هذا بيومين سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة جبل موية الإستراتيجية، التي تربط بين ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض، وتلتقي عندها شبكة الطرق الرئيسة بين تلك الولايات.

موقع "سودان تربيون" أكد مطلع يوليو 2024 أن قوات الدعم السريع، أكملت سيطرتها على كامل مدينة سنجة، وتسلمت قاعدة الجيش ومقر الحكومة المحلية هناك، وبدأت عناصرها في ارتكاب انتهاكات بينها نهب ممتلكات السكان وترويعهم.

ونقل عن مصادر سودانية أن قوات الدعم السريع سيطرت كذلك على مدخل جسر النيل الأزرق الرابط بين مدينة سنجة ومناطق شرق سنار، وسط أنباء عن تمددها شرقاً نحو محلية الدندر على الحدود مع ولاية القضارف.

مصدر دبلوماسي سوداني أوضح لـ "الاستقلال" أن سبب التضارب في البيانات هو استمرار القتال بين الجيش والدعم السريع على هذه المدينة، ودخول المليشيا لها ثم تراجعها عنها، واستعادة القوات النظامية لها ثم خسارتها في المحصلة النهائية.

وأشار إلى أن قوات الدعم السريع كانت تحاول الاستيلاء على مدينة سنار، منذ أكثر من 10 أشهر، لكن الجيش والتشكيلات التي تقاتل معه، تصدت لتلك المحاولات.

وكشف أن تلك المليشيا فاجأت الجيش السوداني، الذي كان يحشد قواته بمدينة سنار لاسترداد منطقة جبل موية الإستراتيجية، والتفت عليه من الخلف لتسيطر على مدينة سنجة عاصمة الولاية.

إذ تفادت قوات الدعم السريع التحرك من منطقة جبل موية إلى سنجة عبر الطرق الرئيسة لتجنب ضربات الجيش السوداني، وسلكت طرقا ترابية وعرة وسط الغابات والمشاريع الزراعية غرب سنار وصولا إلى المدينة المذكورة.

وأكد الموقع أن استيلاء المليشيا على بعض المدن يرجع إلى أنهم يحصلون على دعم هائل من أطراف خارجية لا يخص السلاح فقط بل أيضا مدهم بالمرتزقة، مشيرا إلى ضبط إثيوبيين وتشاديين ومن إفريقيا الوسطى يحاربون معهم.

حذر من أن المعارك حول سنجة أدت إلى فرار جماعي لسكان عدد من مناطق ولاية سنار نحو القضارف الواقعة في شرق السودان، حيث انتشرت صور وفيديوهات لمعاناة أهالي سنجة النازحين.

وقد بررت مصادر قريبة من الجيش الهزيمة إلى "انسحاب تكتيكي"، فيما يتردد حديث بين السودانيين عن خلافات وعدم كفاءة بعض الضباط في إدارة المعارك بطريقة "حروب الحدود" لا "حروب المدن".

وقد اعترف الفريق أول ياسر العطا عضو المجلس السيادي ومساعد القائد العام للقوات المسلحة، خلال لقاء مع الصحفيين بمنطقة وادي سيدنا بأمدرمان، أن "المليشيا احتلت جبل موية وسنجة"، وقال إن استعادة الأخيرة مسألة أيام فقط.

وجاء هذا بعدما أعلن الجيش السوداني أن قواته تمكنت من استعادة السيطرة على حي الدوحة بمدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم من قوات الدعم السريع التي كانت تسيطر على المنطقة منذ بدء الحرب.

وفيما يبدو اعترافا ضمنيا بالخسائر في ولاية سنار، قال قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، 2 يوليو، إن "الجيش ربما يخسر معركة، ولكنه لم يخسر الحرب".

أضاف: “إذا خسرنا أشخاصا، فالسودانيون كثر، وكل الشعب يقف مع الجيش، عدا فئة ضالة تساند الباطل ومليشيا الدعم السريع”.

وأكد البرهان أن "الجيش لن يخضع لأي ابتزاز، ولن يدخل في أي تفاوض يسلب هيبته".

وتابع قائلا "هذه البلاد لن تسعنا مستقبلا، إما نحن أو هم، ونحن ملتزمون أن نسلم الشعب السوداني الوطن خاليا من التمرد، أو نفنى جميعا كقوات مسلحة".

"راديو دبنقا" نقل عن المقدم عمر أرباب 29 يونيو أن تكتيكات الدعم السريع خلال الحرب الحالية تقوم على عزل القوات ثم محاصرتها ثم الهجوم على شكل موجات وهو ما يحدث دائما.

أوضح أن قوات الدعم السريع تسعى في كل عملياتها للسيطرة على المناطق الحاكمة التي تمكنها من السيطرة على عدد من المناطق.

وأشار إلى أن سيطرتها على جبل موية الإستراتيجي أتاحت لها إمكانية الهجوم على سنجة وربك وسنار.

وأكد أن السيطرة على سنجة تتيح لقوات الدعم السريع جعل سنار تحت حصار مطبق وأتاحت التحكم فيها وفي القضارف والدمازين وربك وكوستي.

تفسيرات مختلفة 

وتعد ولاية سنار معركة حاسمة في الحرب، فهي نقطة وصل بين وسط السودان وشرقه وبوابة إمداد للقوات.

وتكتسب الولاية أهمية جغرافية من وقوعها في الجزء الجنوبي الشرقي من السودان، حيث تجاور ولايات القضارف، والجزيرة، والنيل الأبيض، وتعد مدخلا لولاية النيل الأزرق.

كما تعد "سنار" ولاية مفتاحية ونقطة وصل بين وسط السودان وشرقه، إذ إن موقعها يشكل بوابة رئيسة لشرق البلاد.

فهي ولاية حدودية مع إثيوبيا، وجنوب السودان، والسيطرة عليها تعني فتح خطوط إمداد لقوات حميدتي.

ويأتي تركيز حميدتي، المتحالف مع الإمارات، على الاستيلاء على ولاية سنار، كجزء من خطة للسيطرة أيضا ولاية البحر الأحمر في شرق السودان.

إذ تعد "البحر الأحمر" المنفذ البحري الوحيد بساحل طوله 780 كلم وترغب الإمارات في الاستيلاء عليها وتدعم قوات الدعم السريع لأجل ذلك.

وتعد سنجة ثامن عاصمة ولاية تسيطر عليها قوات الدعم السريع بعد سيطرتها على أجزاء واسعة من الخرطوم ومدني عاصمة ولاية الجزيرة، والجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وزالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور.

إضافة إلى نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، والضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، والفولة عاصمة ولاية غرب كردفان.

كما تحاصر الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور منذ ثلاثة أشهر وتواصل الهجوم عليها، ومدينة الأبيض بولاية شمال كردفان.

ومع ذلك، أكد خبراء عسكريون سودانيون أنه لا توجد أهمية عسكرية لهجوم زعيم مليشيا الدعم السريع محمد حميدتي على مدينة سنجة، لأنها منطقة مفتوحة لا يمكنه التحكم بها.

خبير سوداني متقاعد رجح لـ "الاستقلال" أن يكون الهدف هو البحث عن "انتصارات إعلامية" أكثر من تحقيق نصر عسكري حقيقي ومؤثر على الأرض.

أوضح أن خطة الدعم السريع تستهدف تشتيت جهود الجيش، الساعي إلى استعادة منطقة جبل موية، والزحف لاستعادة مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة.

قال إن المليشيا تعمل وفق نظرية "غزوة التصوير السريع" بحيث يدخلون منطقة ويصورون فيديو منها، وهذا ليس دليلا على أنهم هزموا الجيش.

لكنه حذر من أن أحد أبرز أسباب نجاح غزوات الدعم السريع المفاجئة أمران: الأول تكتيك يعتمد على خفة وسرعة الحركة كحرب العصابات عكس تحركات الجيش الثقيلة.

والثاني: هو نجاح الدعم في شراء ولاءات ضباط سودانيين في الجيش بأموال إماراتية، وهو ما أكدته حسابات نازحين سودانيين من سنجة.

وتعني سيطرة الدعم السريع على سنجة أنها قد تحتل كامل ولاية سنار، وهو ما يجعل مدينة ربك ومناقل غرب تلك المدينة، شبه محاصرة مما يزيد من الحرج لدى الجيش السوداني.

لكن الأكثر خطورة أن هذا يفتح الطريق أمام قوات الدعم للتواصل مع قوى معادية للجيش برئاسة عبد الفتاح البرهان عبر الحدود (دولة جنوب السودان المنفصلة) وتدفق المرتزقة والسلاح من هناك، وفق مصادر صحفية سودانية.

إذ تبعد سنجة عن الحدود مع جنوب السودان، قرابة 100 كيلومتر، وهناك قوى معادية للجيش السوداني في تلك الدولة قد تستغل ذلك وتمد الدعم السريع بما يحتاج.

 أو تحول المنطقة لبديل ثان بجانب حدود تشاد التي يدخل منها حاليا أغلب سلاح ومرتزقة الدعم السريع. وهناك خطورة أخرى تتمثل في أن احتلال سنار يعني السيطرة على خزانات مياه رئيسة.

خبير المياه "هاني إبراهيم" أوضح عبر إكس أن سقوط سنجة معناه تقدم الدعم السريع لخزان سنار والسيطرة عليه ليصبح السد رقم 2 تحت تحكمه بعد جبل الأولياء.

كما يمكنه من خلال ذلك الوصول إلى خزان الروصيرص جنوبا بالقرب من الحدود الإثيوبية.

وفي 27 أبريل 2023 نقلت وكالة "نوفا" الإيطالية عن مصادر في الدعم السريع تهديدها بمهاجمة السدود على النيل، وبضربها ردا على الغارات التي تشنها القوات المسلحة السودانية.

قالت إن من بين أهداف مليشيا حميدتي سيكون سد الروصيرص باحتياطيات تعادل 7 مليارات متر مكعب من المياه.

وأوضح الأكاديمي في جامعة النيلين "جمال محمد لقمة" أن مليشيا حميدتي تتحرك شرقا نحو سنجة والدندر لمحاولة فتح خط إمداد جديد مع إثيوبيا.

إلا أن الجيش والقوة المشتركة (قوات شعبية) تعلم ذلك وتقوم بحصارهم في سنجة من ثلاثة اتجاهات من اتجاه سنار شمالا والدندر شرقا ومن اتجاه جبل مويه غربا.

أكد أن الجيش والقوى الشعبية قطعوا خطوط إمداد الدعم السريع من الجنود والمرتزقة العابرين للحدود ومن المؤن والذخائر في الحدود الغربية مع ليبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد.