جون أفريك: سعيد يترشح لخلافة نفسه كمقاتل ضد أوهام صنعها بنفسه

a month ago

12

طباعة

مشاركة

استخدم الرئيس التونسي، قيس سعيد “نبرة قتالية” عند إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة المزمع إجراؤها في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.

وقال سعيد في 19 يوليو/تموز 2024، في إعلان ترشحه إن حملته الانتخابية ستكون بمثابة "معركة تحرير وطني". 

وفي هذا الإطار، تتحدث صحيفة "جون أفريك" الفرنسية عن تعقيدات المشهد السياسي التونسي والتحديات التي يواجهها سعيد في سعيه لإعادة انتخابه، مع التركيز على أهمية الحفاظ على النزاهة والعدالة في العملية الانتخابية.

رمزية المكان

وقالت إن "سعيد يمتلك جميع الصلاحيات منذ 25 يوليو/ تموز 2021، لكنه رغم ذلك لا يتوقف عن السعي وراء المفاجآت".

وهنا، توضح أنه إذا كان ترشح قيس سعيد للرئاسة متوقعا، فإن غير المتوقع هو ذهابه إلى أقصى الجنوب والمنطقة الأكثر صحراوية في البلاد -منطقة حساسة تقع عند التقاء تونس والجزائر وليبيا- لإعلان قراره.

إذ أعلن سعيد عن ترشحه للرئاسة مرة أخرى من منطقة برج الخضراء التابعة لمحافظة تطاوين في أقصى الجنوب.

وفي هذا الصدد، تبرز الصحيفة أنه في فترة الاستعمار الفرنسي، كانت منطقة برج الخضراء حصنا قويا ونقطة محورية لاستكشاف النفط ومحطة أساسية في المسارات السياحية. 

وبالإشارة إلى رمزية هذه المنطقة، تقول إن "اللون الأخضر المتمثل في ورق الشجر في خلفية سعيد وهو يلقي خطابه يرمز إلى لون الإسلام الذي رفعه الفاتحون وكذلك لون نخلة التمر العتيقة، التي رغم البيئة المعادية، تنتج ثمرا محبوبا جدا في صحراء قاحلة".

وقال سعيد في كلمته: "اخترت هذا المكان في هذا اليوم لأنه يعبق برائحة النضال ولأن برج الخضراء رمز المناعة والسمو والعلو والشموخ".

وتابع: "اخترت هذا المكان للتأكيد على أن تونس دولة موحدة من آخر نقطة في الشمال إلى آخر نقطة في الجنوب وستبقى إن شاء الله تعالى موحدة".

مقاتل ضد الأوهام

وفي هذا الإطار، تصف "جون أفريك" المشهد بقولها إن "قيس سعيد يبدأ رسميا مسيرته كمرشح لخلافة نفسه". 

وهو مسار بدأه منذ عدة أشهر بوضع قيود أمام الوصول إلى السباق الرئاسي عبر مجموعة من الشروط القانونية والتشريعية التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وهنا، تنوه الصحيفة إلى أن أعضاء تلك الهيئة -التي تقيد ترشح الأعضاء الآخرين- عُينوا من قبل قيس سعيد.

وبالحديث عن حملته الانتخابية، تظهر أن سعيد، أعلن في أربع دقائق عن نيته للترشح، طارحا عنوان برنامج يعده "نضالا وطنيا". 

وتعلق الصحيفة على ذلك قائلة إن "الرئيس الحالي لا يقدم نفسه كمرشح مسالم، بل كمقاتل، مع التأكيد على أن هذا النضال، الذي لم تُحدد أهدافه مسبقا، يجب أن يوحد البلاد". 

علاوة على ذلك، تشدد على أن "سعيد، الذي يريد أن يفرض نفسه كمحرر، كان قد أعد دوره كقائد حرب جيدا". 

وفي هذا الصدد، تطرح هذا التساؤل: “ألم يتولَّ سعيد في أبريل/ نيسان 2021، دون استشارة أحد ودون أن يثير ذلك أي ردود فعل، قبل أربعة أشهر من هجومه للاستيلاء على جميع الصلاحيات، لقب قائد القوات المسلحة العسكرية والمدنية، الذي لم يكن جزءا من مهامه الأصلية؟”

وعلى جانب آخر، تعتقد "جون أفريك" أن سعيد محارب ينطلق لمهاجمة "اللوبيات" التي يعتقد أنها تضعف طاقة البلاد، لافتة في الوقت نفسه إلى أن البعض في تونس يرون أنه في الواقع "يقاتل ضد أوهام".

ومع اعتقاده بأن الأولوية يجب أن تتمثل في إعادة البلاد إلى العمل وضمان أن تُدار بشكل صحيح، يتساءل نائب سابق: “كيف يمكن أن تبقى هناك لوبيات، بامتلاكه جميع الصلاحيات على أرض صغيرة مثل تونس وبعد تفكيكه النظام السياسي والاقتصادي بالكامل”.

وتابع النائب السابق الذي لم تكشف الصحيفة عن اسمه: ما الفائدة التي يمكن أن تمثلها هذه اللوبيات في بلد منهك؟

قضية شخصية

وبالنظر إلى المشهد من زاوية المشاهد، توضح أن "كثيرا ممن كانوا أمام شاشاتهم لمتابعة بث تصريح الرئيس المتأخر، تساءلوا أيضا عن استخدام موارد الدولة خلال هذه الحملة، بالنظر إلى الموكب المهيب وكل الانتشار الذي يرافق تنقلات سعيد". 

وبهذا الشأن، أوضحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على الفور أن هذه الأمور ستُؤخذ في الحسبان خلال الحملة الانتخابية، التي حددت مواعيدها من 14 سبتمبر/ أيلول إلى 4 أكتوبر 2024".

وفي هذه الأثناء، يمكن "للرئيس-المرشح" أن يكون "المرشح-الرئيس" دون مخالفة قواعد العملية الانتخابية، على حد وصف الصحيفة. 

وعلى نحو مماثل، تذكر أنه خلال الانتخابات السابقة، واجه رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد عام 2019، والرئيس المنتهية ولايته آنذاك منصف المرزوقي في عام 2014، نفس الانتقادات، لا سيما أنهما أكدا كذلك على أنهما "في حرب ضد الفساد". 

إضافة إلى ذلك، تلفت الصحيفة إلى أن هذا الموضوع يُطرح مجددا من قبل العديد من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي. 

وفي هذا السياق، يدعو النائب السابق عن التيار الديمقراطي محمد عبو، قيس سعيد إلى "تفويض صلاحياته لرئيس الحكومة خلال الحملة، حتى لا يكون حكما وخصما في نفس الوقت". 

وهو اقتراح من المرجح ألا يُؤخذ في الحسبان، وفق ما تعتقده الصحيفة الفرنسية.

وبشكل عام، تذهب إلى أن "قيس سعيد لو اكتفى بإعلان ترشحه بنبرة هادئة، فلربما كان قد قوبل بالتصفيق". 

وفي هذا الصدد، يلاحظ أحد أنصار الرئيس السابقين قائلا: "لم أعد أتعرف على الرجل الذي كان يقول إنه منا في عام 2019". 

وهو بذلك يرفض التهديدات التي رافقت تصريحات سعيد لأولئك الذين يدعمون المرشحين الآخرين.

وهذه الصيغة -في رأي الصحيفة- تعطي انطباعا بأن الرئيس يجعل من هذه الانتخابات قضية شخصية، مشيرة كذلك إلى أن بعض منافسيه قد لا يدخلون المنافسة بشكل نزيه. 

وفي حال كانت هناك أدلة على مثل هذه الممارسات، تدعو الصحيفة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن "تتعامل معها وتتخذ الإجراءات اللازمة".

من ينافسه؟

تعود "جون أفريك" إلى فترة نهاية أكتوبر 2018، وتذكر أن المرشح المستقل قيس سعيد كان قد أجرى حوارا معها لأول مرة.

وفي ذلك الوقت، أوضح قائلا: "عندما يناديك الواجب، لا يمكنك إلا الاستجابة".

وبعد ست سنوات من ذلك الحدث، تلاحظ الصحيفة أن دافع الرئيس للترشح لا يزال نفسه.

إذ صرح في برج الخضراء قائلا: "عندما يناديني الواجب الوطني، فليس لدي خيار ولا يوجد مكان للتردد".

ولكن الشيء الوحيد الذي اختلف في ست سنوات هو تلك النبرة "الحادة والمقاتلة"، والتي وصف بها الرئيس المنافسة الانتخابية بأنها "معركة التحرير الوطني واستعادة سمات السيادة والكرامة الوطنية".

وبالحديث عن تلك المعركة الوهمية، يقول أحد المناصرين السابقين للرئيس الحالي باستياء: "تونس مستقلة منذ عام 1957، وقامت بثورتها، وقيس سعيد بلا شك في السلطة منذ عام 2019. أين هم الأعداء؟ ليشير عليهم بوضوح".

وتختتم الصحيفة تقريرها بالتأكيد على أن "الرئيس الآن -مهما يكن- مرشح رسميا والسباق يمكن أن يبدأ"، متسائلة "مع أي منافسين سيبدأ؟".

فوفقا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، سحب أكثر من 70 مرشحا ملفاتهم، ومن المتوقع أن يكون هناك المزيد عند إغلاق باب تقديم الترشحات في 6 أغسطس/ آب 2024.

ونتيجة لذلك، تتوقع الصحيفة الفرنسية أن "تمنح هذه الفترة الانتخابية بعض المرشحين بروزا على حساب الآخرين".