بعد حزب الله وبشار الأسد.. هل أصبح تفكيك الحشد الشعبي بالعراق ضرورة ملحة؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

بصورة لافتة، فشلت حكومات العراق المتتالية في إعادة هيكلة مليشيا الحشد الشعبي الشيعية الموالية لإيران، وتوزيع مقاتليها على القوى الأمنية الوطنية.

وحاليا مع سقوط نظام بشار الأسد وتغير المعادلات الإقليمية، تتزايد الضغوط على العراق لتفكيك المليشيا التي ارتكبت جرائم كبيرة داخل العراق وخارجه.

وفي هذا السياق، نشرت وكالة الأناضول التركية مقالا للكاتب "محمد ألاجا" ذكر فيه أن الديناميكيات الجديدة بعد سقوط حكم بشار الأسد وجهت ضربة قوية لنفوذ إيران الإقليمي القائم على وكلائها. 

تصدعات مستمرة

وفي مطلع مقاله، قال الكاتب التركي: إن حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في الشرق الأوسط كشفت تصدعات بدأت تهز إيران وحلفاءها، ومع تراجع دور حزب الله سيطرت هيئة تحرير الشام على سوريا.

وهو الأمر الذي قيد تحركات المليشيات الشيعية الموالية لإيران بما في ذلك المجموعات العراقية. 

وعلى إثر ذلك فقد أثار هذا التحول جدلا حول مستقبل الحشد الشعبي، الذي يُعد ركيزة أساسية في محور المقاومة الإيرانية.

وقد أثارت تصريحات مستشار رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الصميدعي حول احتمال وجود ضغط أميركي لتفكيك المليشيات المسلحة نقاشاتٍ سياسية وعسكرية واسعة. 

وفي ظل استهداف الولايات المتحدة وإسرائيل لوكلاء إيران تزايدت المخاوف من زعزعة استقرار العراق. مع ذلك، يبدو أن الضغط على كيان يتمتع بنفوذ سياسي وقوة عسكرية شرعية ليس بالأمر السهل. 

وقد أصبح الحشد الشعبي، الذي تأسس عام 2014 استجابة لفتوى السيستاني لمواجهة تنظيم الدولة، جزءا من المنظومة الأمنية العراقية بقرار من البرلمان في عام 2016. 

ومع انسحاب المليشيات المرتبطة بالسيستاني والصدر بات الحشد الشعبي تحت هيمنة قوى موالية لإيران، وهو الأمر الذي أثار جدلا محليا ودوليا.

ويضم الحشد حوالي 240 ألف عنصر بتمويل سنوي يبلغ 2.9 مليار دولار من الدولة العراقية إلى جانب الدعم الإيراني. 

ثمّ تحول الحشد بعد هزيمة تنظيم الدولة من مليشيا إلى قوة سياسية وعسكرية مؤثرة، حيث دعمت فصائل الحشد اختيار رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.

وتسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى استهداف الحشد ضمن إستراتيجيتهما للضغط على إيران. 

ولكن وجود الحشد كجزء من المنظومة الأمنية الرسمية يعقد محاولات تفكيكه، فإن تفكيكه دون إدماجه في الدولة قد يؤدي إلى فوضى تهدد استقرار العراق.

فقدان الثقةَ في طهران

وقد أدى انهيار نظام الأسد وتراجع سيطرة حزب الله إلى انقطاع الاتصال البري بين إيران والعراق وسوريا ولبنان. 

ومع تقدم المعارضة نحو دمشق في 27 نوفمبر أصدرت المليشيات الشيعية العراقية تصريحات حادة وأعلنت استعدادها للقتال في سوريا. 

لكن مع سقوط النظام في الثامن من ديسمبر تغيرت نبرة خطابها، ويعكس إعلان المليشيات وحكومة بغداد عن "احترام إرادة الشعب السوري" يعكس اعترافا بالواقع الجديد وخشية من مخاطر محتملة. 

ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن عدم رد إيران بقوة على هذه الهجمات أثار تساؤلات لدى قادة المليشيات العراقية حول قيمتهم بالنسبة لطهران.

ومن الجدير بالذكر أن الحشد الشعبي لم يظهر رد فعل قوي على هجمات إسرائيل على غزة، بعكس الحوثيين في اليمن. 

وبهذا فإن هذا الموقف يعكس انخراط المليشيات في الحكومة العراقية وتفضيلها الحذر خشية خسارة مكاسبها السياسية. 

كما أن نهج رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الدبلوماسي ودفاع إيران عن استقرار العراق لتجنب تهديد حدودها ومصالحها قد أسهم في ذلك أيضا.

وبالرغم من أن إيران تبدو مثل أخطبوط مقطوع الأذرع، فإنها بلا شك ستعيد تقييم إستراتيجيتها الدفاعية القائمة على "محور المقاومة". 

لكن مع وجود شخصية غير متوقعة مثل دونالد ترامب في البيت الأبيض، يبقى توقيت وحجم خطوات إيران غامضين.

في هذا السياق تقف إيران أمام خيارين: إما تخفيف لهجة الميليشيات تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل وتشجيعها على اندماج هادئ بدلا من التفكيك.

أو استخدام المليشيات العراقية لاستهداف القواعد الأميركية والإسرائيلية ودول الخليج كما فعلت سابقا. لكن هذا الخيار قد يكون بداية النهاية لإيران والعراق على حد سواء.

ضغط مكثف 

وفي تلك الأثناء، تواجه الحكومة العراقية، بقيادة التحالف الشيعي، ضغوطا مستمرة من الولايات المتحدة ودول المنطقة لإجراء إصلاحات جذرية والسيطرة على المليشيات الشيعية، خاصة بعد التطورات الأخيرة في سوريا. 

في المقابل، أصبحت المليشيات الموالية لإيران أكثر قلقاً، حيث رأت أن هناك مؤامرة أو محاولة انقلاب تستهدف نفوذها. 

فخلال زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى العراق عقب سقوط نظام الأسد، كرر مطالب بلاده بضرورة حصر السلاح بيد الدولة. 

وإذا فشلت الحكومة العراقية في كبح أنشطة المليشيات فقد تواجه المزيد من العقوبات. 

وأكد مستشار رئيس الوزراء السوداني، إبراهيم الصميدعي، أن الحكومة دعت مراراً إلى تفكيك الجماعات المسلحة، بل وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك قد يدفع القوى الخارجية إلى فرض الحل باستخدام القوة العسكرية. 

غير أنّ ردود فعل المليشيات الموالية لإيران على منصات التواصل الاجتماعي، مثل قولهم: "لا يمكن حتى لرئيس الوزراء نزع سلاح الحشد"، توضح حجم التحدي أمام العراق. 

ورغم أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد أظهر قدرة على إدارة التوازن بين واشنطن وطهران والمليشيات، فإن الوضع يبقى هشاً. 

حيث إن تصاعد الضغوط الأميركية قد يؤدي إلى تفاقم التوترات، مع احتمال شن المليشيات هجمات على القوات الأميركية في العراق، خاصة مع استمرار حملاتها للمطالبة بانسحاب تلك القوات.

وأشار الكاتب التركي إلى أن الولايات المتحدة تمتلك الخيار في إعادة تشكيل علاقة المليشيات مع إيران، وذلك من خلال محاولة فصلها عن النفوذ الإيراني مقابل عدم التدخل في سوريا وتخفيف الضغوط على العراق. 

فإنّ الاضطرابات في العراق لن تكون في مصلحة أي طرف، سواء دول الخليج أو إيران أو تركيا أو حتى الولايات المتحدة وإسرائيل.

دور السيستاني

وأردف أنّ هناك تكهنات حول إمكانية أن يلعب المرجع الديني آية الله علي السيستاني دوراً حاسماً في تحديد مستقبل الحشد الشعبي من خلال إصدار فتوى. 

إذ تسعى أطراف إقليمية ودولية إلى جانب الحكومة العراقية إلى كسب دعم السيستاني لتفكيك الحشد ونقل أسلحته إلى سيطرة الدولة، وذلك ضمن مبادرة تمت برعاية الأمم المتحدة. 

ومع ذلك، تشير المؤشرات إلى أن السيستاني فضّل عدم التدخل أو الانخراط في النقاش الدائر حول هذه القضية.

ومن المحتمل أن السيستاني يخشى أن يؤدي إصدار فتوى لا تجد صدى واسعا إلى الإضرار بصورة النجف. 

كذلك، قد يرغب في تجنب التورط في القضايا السياسية المباشرة، أو ربما تجنب التورط بسبب أن الطلب مدفوع من قِبَل الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا قد يؤثر سلبا على صورة السيستاني على الرغم من إعطائه أهمية للمؤسسات الدولية. 

بالإضافة إلى ذلك، فقد يكون عدم اليقين بشأن قدرة الجيش العراقي على مواجهة التهديدات المحتملة في غياب الحشد الشعبي عاملا مؤثرا في قراره.

وأشار الكاتب إلى أنّ إدماج الحشد الشعبي في الآليات العسكرية والأمنية للدولة يُعَدُّ خيارا أسهل من حلّه وتفكيكه. وهذا الخيار قد يكون أكثر إرضاءً للأطراف المعنية. 

ومع أن هذا الحل يبدو بسيطا وسهلا إلا أن التاريخ العراقي يشير إلى صعوبة تحقيق هذا الدمج. على سبيل المثال، لم تنجح جهود توحيد قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في وزارة واحدة على الرغم من الدعم الأميركي المقَدَّم لها. 

وبالنظر إلى النفوذ الإيراني القوي والهيكلية المتعددة الأطراف للحشد الشعبي، فإن تفكيكه أو دمجه في وقت قصير يبدو صعباً للغاية. 

ويبدو أن الهدف الحقيقي من الضغوط الحالية هو الحد من النفوذ العسكري والسياسي للقوى المناهضة لإسرائيل في العراق، بغض النظر عن التأثير الأمني المترتب على ذلك.

وختم الكاتب مقاله قائلا: من الواضح أن الضغوط على حكومة بغداد لتفكيك الحشد الشعبي ستستمر، وستكون قدرة شياع السوداني على التعامل مع هذه الضغوط والحفاظ على التوازن بين المليشيات وطهران وواشنطن هي المؤشر الأبرز على ما إذا كان العراق سيتجه نحو الفوضى أو الاستقرار.