الولاية الثالثة للسيسي.. أرقام اقتصادية مفزعة تنذر بسنوات قاسية

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بينما يستعد المصريون للولاية الثالثة من حكم رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي عقب الانتخابات الرئاسية في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، زل لسان رئيس حملته الانتخابية المستشار محمود فوزي أثناء الحديث عن إنجازاته التي تخفي وراءها فشلا كبيرا.

فوزي خلال اللقاء الذي جرى بينه وبين الإعلامية قصواء الخولي، على شاشة قنوات "سي بي سي" المصرية المحلية، استعرض تقريرا عن نجاحات ومشروعات السيسي، ثم علق عليه متأثرا وقد اغرورقت عيناه بالدموع، وقال: "أرقام مفزعة". 

تلك الكلمة تسببت في موجة سخرية واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اختلط على مدير حملة السيسي أن مصطلح "مفزع" سلبي ومعبر عن الخوف والصدمة.

وهو ما تناوله ناشطون بالقول إن زلة لسان فوزي كانت في محلها. وبالفعل فإن الأرقام المرتبطة بالواقع الاقتصادي المصري هي "مفزعة" ومعبرة عن حالة صعبة وسيئة وصلت إليها الدولة كمؤسسات وأفراد. 

فمن الديون السيادية إلى التضخم المتصاعد وصولا إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع معدلات الفقر فيما بينهم، ترسم بوضوح نهاية مسيرة 10 سنوات من استيلاء السيسي على السلطة عبر الانقلاب العسكري الذي وقع في 3 يوليو/ تموز 2013. 

لكن المخيف أن مسيرة ومرحلة جديدة سيبدأها الجنرال، ومصر على أعتاب تحديات غير مسبوقة، لا سيما الوضع الاقتصادي المأزوم. 

 


أرقام مفزعة 

وتتجلى الأرقام المفزعة للاقتصاد المصري في ما أعلنه البنك المركزي المصري في 10 ديسمبر/كانون الأول 2023، بأن معدل التضخم الأساسي (الذي يستثني الوقود وبعض المواد الغذائية المتقلبة في البلاد) وصل إلى 35.9 بالمئة.

ووفقا لتقرير البنك الدولي للعام 2023 تعد مصر واحدة من الدول العشر الأكثر تضررا من التضخم.

وبناء عليه ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 71.9 بالمئة، فيما زادت أسعار النقل بنسبة 15.2 بالمئة وأسعار الملابس 23.6 بالمئة.

كذلك، زادت أسعار مجموعة الرعاية الصحية بنسبة 22.8 بالمئة، والأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية بنسبة 42 بالمئة، والمساكن والمياه والكهرباء بنسبة 7.2 بالمئة، وذلك بحسب تقرير موازٍ أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي).

وخلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، شهدت أسعار بعض المواد الغذائية في الأسواق ارتفاعات ملحوظة.

فعلى سبيل المثال وصل كيلو اللحوم إلى 450 جنيها، وكيلو السكر الذي شهد أزمة طاحنة وشحا شديدا في الأسواق إلى 55 جنيها.

كما بلغ سعر كيلو الأرز 65 جنيها، وكيلو المعكرونة 24 جنيها، كيلو الفول 30 جنيها، أما كيلو العدس فتم تسعيره بـ 55 جنيها، فيما بلغ سعر كرتونة البيض 165 جنيها.

وكان موقع الإحصاء المصري (حكومي) قد أصدر تقريرا في 10 سبتمبر/أيلول 2023، عن تأثير التضخم على الأسعار خلال العام 2023، وذكر أن أسعار المستهلك المسجلة هي الأعلى منذ أكثر من 40 عاما على الأقل.

كما شهدت مصر انخفاضا في قيمة الجنيه بنسبة 50 بالمئة تقريبا، ولا تزال الأسواق المحلية متأثرة بخفض سعره أمام الدولار منذ العام 2022 مما انعكس على أسعار الاستيراد من الخارج، إلى جانب ارتفاع تكلفة الإنتاج محليا.

وقد وصل سعر الدولار إلى قرابة 31 جنيها في السوق الرسمية، أما في السوق الموازية فقدر بـ 51 جنيها. 



ديون وفقر 

ولم يذكر محمود فوزي وهو يبكي عند استعراض إنجازات رئيسه، أن الدين الخارجي لمصر بلغ 165.361 مليار دولار خلال العام 2023، بزيادة قدرها 1.5 بالمئة مقارنة بالعام 2022، وفقا لبيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، المستندة لإحصاءات البنك المركزي المصري.

ونما الدين الخارجي بسرعة فائقة منذ بداية حكم السيسي في 3 يونيو/حزيران 2014، حيث تسلم البلاد وكان الدين الخارجي يقدر بـ 41.7 مليار دولار. 

وجاء تضاعف الدين الخارجي بهذه الطريقة نتيجة سياسة زيادة الاقتراض من المقرضين متعددي الأطراف وأسواق الدين العالمية، التي اتبعها السيسي وجعلها منهجية لحكمه.

ويعادل رقم الدين (165.361 مليار دولار) نحو 40.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، أي أقل من حاجز الـ 50 بالمئة المقدر من جانب صندوق النقد الدولي لمستويات الديون التي يمكن السيطرة عليها.

ومع دخول الولاية الثالثة للسيسي حيث ينافس في انتخابات هزلية 3 مرشحين اختيروا بموافقته، يجرى الحديث عن الفجوة التمويلية الضخمة التي تواجهها مصر.

ورجح البنك المركزي المصري في تقرير صدر بتاريخ 2 ديسمبر 2023، أن ترتفع إجمالي الالتزامات الخارجية بما في ذلك الأقساط وفوائد الديون لتسجل نحو 42.3 مليار دولار خلال 2024، وهو رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ الاقتصاد المصري. 

وكانت وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى (موديز وستاندرد أند بورز وفيتش)، قد صنفت الديون السيادية المصرية إلى مستويات غير مرغوب فيها، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع تخفيض التصنيف الائتماني لمصر. 

وبحسب معهد المحللين الماليين الأميركي، فإن التصنيف الائتماني تقاس من خلاله قدرة الدول على الحصول على قروض ومدى وفائها بسداد فوائد ديونها أو الأقساط المترتبة عليها ومدى احتمالية التخلف عن السداد.

وبسبب السياسات الاقتصادية للسيسي، أصبحت مصر التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة، تواجه غول الفقر الشرس. 

الأرقام الرسمية الحكومية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تحرص على حصر نسبة الفقر في 29.7 بالمئة أي قرابة 30 مليون مواطن. 

لكن أرقاما أخرى تؤكد ارتفاع نسبة الفقر في مصر إلى 60 بالمئة، وفق ما أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في 15 فبراير/ شباط 2023.

وفي 7 ديسمبر 2023، قالت صحيفة لوموند الفرنسية: "عندما وصل السيسي إلى السلطة عام 2014، وعد بالاستقرار والازدهار، لكن اليوم وبعد عقد من الزمن، استمرت البلاد في الانهيار".

وأضافت: "تشهد مصر أزمة مالية ضخمة ويغرق سكانها في الفقر، وإذا كان النظام يتذرع بالصدمات الخارجية وعواقب الأزمة العالمية، فإنه لا يستطيع إخفاء مسؤوليته عن ارتفاع الأسعار".

وشددت الصحيفة الفرنسية على أن النظام غير آمن بسبب الحالة الاقتصادية المزرية، وأنه إذا أفلت الوضع منه، سيواجه موجة من الاحتجاجات العارمة تصعب السيطرة عليها.

الفترة الأسوأ  

يرى عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وأستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي بجامعة القاهرة أن "الناس غير مقتنعة نهائيا أن هناك انتخابات في مصر".

لكن الجديد في الموضوع هو أن الشعب مل تماما بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يرون أنها متعمدة، وفق ما قال لصحيفة "مونت كارلو الفرنسية" في 11 ديسمبر 2023.

وتابع أن "الحكومة لم تعلن مشروعا للتقشف أو لضغط الإنفاق، كما أنها لا تستعين بالكفاءات لإنقاذ الوضع المتدهور. نحن بالفعل نشهد أسوأ فترة في تاريخ مصر على الإطلاق".

فإذا كان السيسي ينوي المضي في هذه السياسة، فإن الشعب المصري سينفجر لا محالة، لأن تكاليف الحياة أصبحت لا تطاق حتى بالنسبة للأغنياء، بحسب تقديره.



وفي حديث لـ"الاستقلال" قال الباحث الاقتصادي المصري أحمد يوسف: "إنه في معظم دول العالم الديمقراطية ترتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد، ومن هنا ترسم المعالم الاقتصادية للدولة بناء على نتائج الاقتراعات وحكم الأحزاب الفائزة، لكن في الديكتاتوريات مثل مصر يختلف الوضع". 

وعقب: "الانتخابات في مصر ما هي إلا آلية للانتقال من وضع سيئ إلى أسوأ، فالسيسي يستعد لفرض حزمة إجراءات شرسة بداية من التقشف إلى تعويم جديد في سعر العملة، ورفع للدعم، حتى يستطيع الحصول على الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي، وكبح جماح التضخم".

وبالتالي فإن الانتخابات الكرتونية المنعقدة لا معنى لها في ضبط عجلة الاقتصاد، وفق قوله. 

وأوضح: "كل ما في الأمر أن السيسي يريد أن يبدأ ولاية ثالثة، ويرسل رسائل للمؤسسات الدولية أنه قائم لفترة طويلة خاصة لصندوق النقد الدولي". 

وأكمل: "من دون تمويل ودعم الصندوق بمبلغ كبير، وبتعزيز إضافي مثالي من حلفاء الخليج، لن يكون هناك مهرب من أزمة ديون جديدة أشرس من الأولى في نهاية المطاف". 

واختتم الباحث المصري: "وبالتالي فإن المواطن الذي انهارت قدرته الشرائية، يجب عليه أن يستعد لمستقبل مختلف مبهم، يحمل في طياته المزيد من الفقر والمعاناة".

كما أن الطبقة المتوسطة المتآكلة في الأساس ستصبح في خبر كان، وإن كنا قلنا في عهود سابقة إن الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرا، فإن الجميع تحت حكم السيسي، سيزدادون فقرا.