عمر الفرحان لـ"الاستقلال": حرية التعبير في العراق مقيدة وقانون العفو له أبعاد سياسية

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

قال عمر الفرحان رئيس "المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب" المعني بحقوق الإنسان، إن قانون العفو العام عن المعتقلين العراقيين الذي يجري طرحه حاليا بين السياسيين، يخضع إلى التوافقات السياسية أولا، ولا تعطى فيه الأولوية إلى الإجراءات القانونية.

ومنذ تشكيل الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، يتحدث السياسيون عن تضمين قانون العفو العام عن المعتقلين في البرنامج الحكومي، وأن تطبيقه سيكون في أول 6 أشهر من عمرها، لكن ذلك لم يحصل حتى اليوم.

وخلال حوار مع صحيفة "الاستقلال"، أوضح الفرحان أن مصير إقرار قانون العفو العام عن عشرات آلاف المعتقلين، رهن الاتفاقيات السياسية بين الأحزاب، والتي تكون محددة ببعض الأطر.

وأكد أن السجون العراقية الخاضعة لسلطة وزارة العدل تضم نحو 75 ألف معتقل يعانون من ظروف سيئة خصوصا في جانبي الصحة والغذاء، وتمنع عنهم زيارة المنظمات الحكومية.

ولفت إلى أن أغلب المعتقلين تعرضوا للتعذيب وأدينوا بتهم لم يرتكبوها، وإنما كانت بسبب وشاية المخبر السري، حتى صدرت بحقهم أحكام خطيرة منها الإعدام والمؤبد، وأن السلطات مطالبة بإعادة النظر في قضاياهم وإطلاق سراحهم بشكل قانوني.

وكشف الفرحان أن نحو مليون عراقي مغيب ولا يعرف مصيره منذ عام 2003 وحتى اليوم، وذلك جراء الحروب التي شهدها العراق، في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للبلاد.

عمر الفرحان هو ناشط سياسي وحقوقي عراقي، يرأس "المركز العراقي لتوثيق ضحايا جرائم الحرب" الذي يُعد أحد أبرز المراكز المعنية بحقوق الإنسان بالعراق.

وقد أخذ هذا المركز على عاتقه منذ نشأته توثيق جرائم الحرب المرتكبة في البلاد بدءا من عام 2003.

العفو العام

  • يكثر الحديث عن قرب إقرار البرلمان قانونا للعفو العام عن المعتقلين.. ما مصيره؟

لا شك أن هذا القانون يحمل أبعادا سياسية، وليس فيه إجراءات قانونية بحتة، ووجد في الآونة الأخيرة، لترتيب بعض الأحداث السياسية، لاسيما قبيل الانتخابات البرلمانية التي جرت أخيرا (عام 2021).

وهذا القانون يخضع إلى التسييس، لأن الأحزاب الحالية لا يمكن لها أن تمرره في البرلمان بدون توافقات سياسية.

ولذلك فإن مصير إقرار هذا القانون من عدمه بالتأكيد رهن الاتفاقات السياسية، والتي تكون محددة ببعض الأطر.

  • هل قانون العفو العام خاضع للمزايدات السياسية أم أن البعد الطائفي يحول دون اقراره؟

كما ذكرنا، القانون سياسي بحت، وإلا فإنه في الإطار القانوني عندما توضع شروط للعفو العام فإنه يصبح قانونا خاصا وليس عاما، أي بمجرد وضع أي شرط فسيندرج تحت عنوان القانون الخاص.

إطلاق مصطلح العفو العام عل القانون الحالي، هو مسمى فضفاض في ظل هذه التوافقات الحكومية، ولا يمت إلى الصلة القانونية بشيء.

ونحتاج إلى تفعيل القانون حتى لا تكون هناك تداعيات سياسية لمثل هذه القوانين التي باتت تخدم مصلحة الأحزاب، وليس الشعب بشكل عام.

  • وزير العدل الحالي تحدث عن شمول 9 آلاف معتقل حال إقرار القانون.. من الفئات المشمولة؟

هناك أكثر من 60 ألف معتقل في السجون الحكومية، أي تحت سلطة وزارة العدل، وهذا ذكرته التقارير الرسمية، فلماذا يحدد وزير العدل الحالي (خالد شواني) 9 آلاف معتقل مشمول بقانون العفو الذي يجري الحديث عنه؟

لذلك فإن هذا العدد قليل ولا يمت إلى فئة العفو العام بصلة وإنما هي ترتيبات سياسية، وهم يحاولون تمريره بهذا الشكل حتى يحصل تبادل منفعة بين الأحزاب، وإلا فإن هؤلاء الـ9 آلاف لم نعلم من هم وما هي جرائمهم والتهم الموجهة إليهم.

  • هل القانون يشمل إعادة محاكمة من صدرت بحقهم أحكام تصل إلى الإعدام والمؤبد؟

القانون الذي يعرض على البرلمان كما قلنا فضفاض وليس متوازنا ودقيقا، وبعض المعتقلين قضى تحت التعذيب وآخرون صدرت بحقهم أحكام خطيرة، كما أن أغلب المعتقلين أدينوا بتهم لم يرتكبوها بسبب وشاية المخبر السري.

وكذلك أكدت التقارير الدولية، أن أغلب من أدينوا بأحكام الإعدام والمؤبد أبرياء ويجب إعادة النظر في قضاياهم وتيسير إطلاق سراحهم بشكل قانوني يتوافق مع قانون العفو العام.

واقع السجون

  • كم عدد المعتقلين الكلي المسجل لديكم.. وما هي أكثر تهمة يسجن عليها المعتقلون حاليا؟

عدد المعتقلين الكلي يتراوح بين 60 إلى 75 ألف معتقل حسبما ذكرت مصادر في وزارة العدل العراقية، وبعض المنظمات الدولية، ويتفاوت هذا العدد نسبة للأعداد التي يفرج عنها أو يجري تصفيتها داخل السجون. وكذلك هناك بعض الأمراض التي تفتك بالمعتقلين في بعض السجون.

أكثر تهمة توجه للمعتقلين منذ عام 2003 وحتى اليوم، هي تهمة الإرهاب وأخيرا تهمة حيازة المخدرات والتجارة بها، إضافة للتهم الجنائية، مثل: القتل العمد، والقتل خارج القانون.

كل هذه التهم بحاجة إلى إصدار قوانين مختصة بهذه الأفعال كل على حسب جريمته، لا أن يتهم الجميع بالإرهاب أو القتل أو حيازة المخدرات، لأننا نعلم علم اليقين أن هذه التهم أغلبها كيدية.

  • هل تحسن واقع السجون في العراق أم لا تزال تشهد اكتظاظا ونقصا في التغذية والمعالجة الطبية وغيرها؟

للأسف واقع السجون يشهد اكتظاظا في أعداد المعتقلين وانحدارا كبيرا وملموسا على المستوي الصحي والخدمي والغذائي.

كما أن السلطات المختصة لا تزال تتعامل معهم بشكل لا يتلاءم مع القانون الدولي أو المبادئ التوجيهية للسجناء، التي انضمت إليها معظم الدول ومنها العراق.

ويعاني المعتقلون في السجون من إهمال صحي وغذائي كبير، وذلك جرّاء السياسة العامة تجاههم والمبنية على أسس المحاصصة والطائفية.

  • كيف تنظرون إلى عمل وزير العدل الحالي وزياراته المفاجئة ومحاسبته لبعض مديري السجون بسبب مخالفاتهم؟

زيارات وزير العدل (خالد شواني) المفاجئة إلى السجون تنم عن بعض المسؤوليات التي تقع ضمن واجباته، فهو مكلف بأن يقوم مثل هذه الإجراءات تحسبا لأي طارئ أو تعامل غير إنساني يقع هناك.

لكن التساؤل المهم، هو عن مدى نجاح مثل هذه الزيارات بتحسين أحوال المعتقلين، هل تغيّرت أحوالهم؟ بالتأكيد الحصول على إجابة أمر صعب، لأننا لم نلمس حتى الآن هذا التغيير المطلوب من وزير العدل تجاه المعتقلين وأماكن الاعتقال في وزارته.    

  • هل ما تزال أبواب السجون موصدة في وجه المنظمات الحقوقية ولجنة حقوق الإنسان البرلمانية؟

ما زالت السجون موصدة حتى في وجه المنظمات الحكومية، وإن كان البعض منها يجري زيارة فإنها تتطلب وقتا طويلا حتى تحصل على الموافقة الرسمية.

وبعد حصول الموافقة لزيارة أي منظمة حكومية، فإنه يجري تحديد أماكن معينة من المعتقلات والمحاجر لزيارتها، وذلك بعد ترتيب إدارة السجون أوضاع المعتقلين فيها.

وفي بعض الأحيان تهدد إدارة السجون، هؤلاء المعتقلين، بالتعذيب واستخدام الأساليب الرديئة التي تتعامل بها معهم في حال تكلموا مع هذه المنظمات عما يعانون منه.

حقيقة الاعتقالات

  • هل ما تزال الاعتقالات تجري بصورة عشوائية وبناء على وشاية المخبر السري؟

رغم أن القانون العراقي قد منع من التعامل مع وشاية المخبر السري لكن هناك اعتقالات واسعة بحق المواطنين تجري بواسطة هذه الوشاية، ولم تنته حتى يومنا الحاضر.

لكن الاعتقالات بصورة عشوائية خفت كثيرا عما كانت عليه في الأعوام السابقة، وهذا تطور ملحوظ وقد يحسب لبعض الأجهزة الأمنية بخصوص كيفية الاعتقال، والتعامل معه بشكل يتوافق مع القانون.

  • منظمات حقوقية محلية ودولية تتحدث عن تعذيب المعتقلين وانتزاع اعترافات بالإكراه وإخضاعهم للابتزاز.. هل تسجلون ذلك حاليا؟

التعذيب والابتزاز ونزع الاعتراف بالإكراه للأسف ما زال قائما وتحت مسمع ومرأى الحكومة، هذا ما تسجله المنظمات الحقوقية المحلية والدولية.

هذه المحاكم أو القضاة لم يعيدوا المحاكمة أو إجراء فحص للمعتقلين حتى يوثقوا عمليات التعذيب التي حصلت بحقهم.

موضوع التعذيب شائك، وحظي أخيرا باهتمام من اللجنة الخاصة في الأمم المتحدة المعنية بالتعذيب في السجون، فقد زارت هذه اللجنة العراق قبل مدة وجيزة للاطلاع على أحوال المعتقلين.

  • وجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قبل عام بفتح باب تلقي شكاوى عن التعذيب بالسجون.. كيف تقيمون هذه الخطوة؟

استبشر العراقيون خيرا بهذا التوجيه، لكن للأسف في بعض الأحيان لا يعمل الرابط الإلكتروني المخصص لتقديم الشكاوى.

أحيانا أخرى يواجه ذوو الضحايا صعوبة في التعامل معه، إضافة إلى أنهم يتخوفون كثيرا من الكشف عن المعلومات الكاملة بشكل صحيح حتى لا تكون هناك بعض الضغوطات والابتزازات بمبالغ مالية لحسم هذه القضايا.

وهناك الكثير من العمل يجب القيام به لإيقاف التعذيب في السجون، وهذا يتوقف على كيفية تعامل حكومة السوداني مع الملف بشكل شفاف وصريح، لكننا لم نجد أي بارقة نور لباب الشكاوى حتى الآن.

  • المغيبون إبان المعارك ضد تنظيم الدولة.. كم عددهم وماذا حل بقضيتهم اليوم؟

من الملفات الخطيرة والانتهاكات الجسيمة التي حصلت بحق الشعب العراقي، هو ملف المغيبين خلال المعارك في العراق، وتتراوح أعدادهم من 250 ألف إلى مليون عراقي مغيّب منذ عام 2003 وحتى اليوم، وليس فقط خلال مرحلة تحرير المدن من تنظيم الدولة.

إن فتح ملف المغيبين هذا، سيدين أسماء كبيرة في الحكومات السابقة والحالية، جرّاء تعاملهم غير الصحيح في هذه القضية، إضافة إلى أنه لا يزال قيد النظر أمام المنظمات الحقوقية، كما أن المجتمع الدولي يبحث عن أي فرصة لتقديم الجناة إلى العدالة.

حرية التعبير

  • بصفتكم رئيس لجنة معنية بحقوق الإنسان.. كيف ترون واقع حرية التعبير في العراق؟

حرية التعبير في العراق لا تزال مقيدة وليست مطلقة، وحتى قانون حرية الصحافة الذي قدم إلى البرلمان وأقره، يحمل مغالطات كبيرة وتقييدا للحريات، ومفاهيم غامضة.

نعتقد أنه لا توجد حرية مطلقة للصحافة وحتى للحريات العامة، كما أن واقع حرية التعبير اليوم يسير من سيئ إلى أسوأ، وهو بحاجة إلى تفعيل القوانين الدولية حتى يجري تلافي واقع الحرية المرير في العراق.

  • هل ما يزال يقتل أو يختطف الصحفي والناشط جرّاء آراء و مواقف يبديها إزاء سياسيين ومسؤولين في العراق؟

لم تعد المعدلات الحالية كثيرة كما كانت في السابق، مثلا حينما شهدت مرحلة ثورة تشرين الشعبية في العراق عام 2019، العديد من حالات اختطاف وقتل للصحفيين والناشطين بسبب آرائهم ومواقفهم التي يدلون بها تجاه السياسيين وبعض الجهات غير الحكومية وأخرى حكومية.

ولكن حتى اليوم الحكومة مقصرة في هذا الملف، ولم تعط دليلا على أنها تتعامل مع هذه القضية بشكل صحيح أو أنها اعتقلت الأشخاص المعنيين ومن يقف وراء قتل وإخفاء الناشطين والصحفيين، وهذا يدل على أنها لا تزال عاجزة عن إيقاف هذه الانتهاكات.

نحن نطالب السلطات بإيقاف كل الانتهاكات، والتعامل بإنسانية مع الصحفيين أو الناشطين ومع أي عراقي داخل وخارج حدود الوطن.

وإن الاختلاف في الرأي لا يجب أن يؤدي إلى الإقصاء والتهميش والقتل، وبالتالي لا بد أن يكون هناك قانون فوق الجميع للحكم ولا ينحاز للأحزاب.

يجب أن يكون القانون هو الحاكم في العراق حتى تكون هناك فرصة لتفهم الآخرين، وفرصة لإنفاذ القانون بشكل صحيح، لأنه إذا كانت التعاملات تجري على أساس سياسي حزبي وطائفي، فإنها تودي بالبلد إلى الهاوية.

ونشد على يد من يقوم بإنفاذ القانون بشكله الصحيح وإعلاء دولة المؤسسات، وكذلك نعمل بجد لتحقيق هذه العدالة الاجتماعية وفقا للقانون الدولي والمحلي على حد سواء حتى ينعم العراق والعراقيون بالاستقرار بشكل آمن وسليم.