التوتر بالبحر الأحمر والجفاف في بنما.. كيف يؤثران على التجارة العالمية؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

يخلق الوضع في قناة السويس المصرية نتيجة التوتر في البحر الأحمر الناجم عن عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وكذلك آثار الجفاف على قناة بنما، ظروفا ملائمة لهبوب عاصفة من شأنها أن تؤثر بشدة على مستقبل التجارة العالمية.

ويتسبب الوضع الراهن في عودة طرق التجارة إلى الوراء لتتخلف لأكثر من قرن من الزمان، نتيجة تحويل مسار السفن عبر طرق تقليدية سابقة، فيما ترتفع التكاليف ويخيم شبح تضخم جديد.

تفاقم المخاطر

وأكد معهد "الدراسات السياسية الدولية" الإيطالي أن "قناة السويس التي تؤمن 12 بالمئة من التجارة العالمية و30 بالمئة من الحاويات العالمية بقيمة سنوية تبلغ حوالي تريليون دولار، تتأثر بزيادة التوتر في البحر الأحمر".

ويأتي ذلك في ظل تكثف هجمات جماعة "الحوثي" اليمنية على السفن التجارية المارة عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وكذلك أنشطة القرصنة قبالة سواحل الصومال. 

وشرح المعهد بأن من النتائج المباشرة لهذا الوضع، تسجيل مشاكل التأخير في عمليات التسليم وكذلك انخفاض الحاويات والبضائع المتاحة، بالإضافة إلى زيادة أسعار الشحن، فضلا عن تأثير ارتفاع تكاليف النقل المتزايدة على المستهلكين النهائيين. 

وكانت مصادر ملاحية قد أفادت في ديسمبر/ كانون الأول 2023 بأن أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب ارتفعت بالنسبة للرحلات عبر البحر الأحمر بعد تعرض سفن للهجوم في المنطقة وتزايد المخاوف من تفاقم المخاطر على الملاحة التجارية.

فيما أعلنت شركة "ميرسك" الدنماركية والعديد من الشركات الأخرى، تحويل مسار سفنها إلى جنوب إفريقيا وتعليق عبورها البحر الأحمر؛ نتيجة هجمات الحوثيين وهو ما يضيف 3200 ميل وتسعة أيام إضافية من السفر.

من جانبها، قالت شركة "هاباغ لويد" الألمانية إن الملاحة البحرية في البحر الأحمر "ما تزال خطرة"، مؤكدة استمرار العمل بقرارها تحويل رحلاتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.

وتمر عبر القناة أيضا تدفقات كبيرة من الحبوب والمنتجات البترولية، تقدر بـ80 مليون طن من الحبوب سنويا و7 ملايين برميل من النفط الخام يوميا.

وتجدر الإشارة كذلك إلى أن حركة نقل النفط الخام عبر قناة السويس قد تضاعفت عمليا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.

جفاف غير مسبوق

بالتزامن مع ما يحدث في قناة السويس، تواجه قناة بنما جفافا شديدا يعد الأشد منذ عقود خاصة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويؤثر بدوره على مستقبل التجارة العالمية. 

ويبلغ طول القناة التي تسجل بين 3 إلى 5 بالمئة من حركة التجارة البحرية العالمية، 77 كيلومترا وتمتد من خليج ليمون في المحيط الأطلسي إلى خليج بنما على المحيط الهادي.

وصل منسوب المياه في القناة إلى أدنى مستوى له على الإطلاق في 7 يناير/كانون الثاني 2024 ليبلغ حوالي 1.8 متر عن المعدل الطبيعي.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، انخفض عدد السفن التي بإمكانها العبور بشكل كبير، وأعلنت السلطات فرض قيود تعد الأكثر صرامة منذ عام 1989 عندما تم إغلاق القناة بسبب الغزو الأميركي للبلاد.

وتعمل القناة حاليا بنسبة 66 بالمئة من طاقتها، فيما يتوقع تسجيل انخفاض إضافي في عدد السفن التي بإمكانها العبور من هناك. 

ونتيجة لذلك، اختارت العديد من شركات الشحن طرقا أطول وأكثر تكلفة، مثل العبور عبر قناة السويس، وهو ما قد يطيل مدة السفر بما لا يقل عن 5 إلى 6 أيام.

وقد أسهم ذلك في ارتفاع حركة العبور عبر قناة السويس المصرية في أكتوبر ونوفمبر 2023 بنسبة زيادة 4.3 بالمئة مقارنة بنفس الشهر من العام السابق. 

ونظرا للوضع الحالي، يفكر أصحاب السفن في تحويل رحلاتهم نحو الطريق عبر رأس الرجاء الصالح، مما يزيد من أيام السفر بين الموانئ على الساحل الشرقي للولايات المتحدة وخليج المكسيك مع آسيا بنحو أسبوعين. 

ويجرى حاليا تقييم حلول ممكنة لمعالجة الأزمة، تشمل إنشاء بحيرة صناعية لضخ المياه إلى القناة واستمطار السحب لزيادة هطول الأمطار في المنطقة، إلا أنها حلول قد يستغرق تنفيذها سنوات، وفق تعليق المعهد الإيطالي. 

ويُأمل أن يسهم ارتفاع درجة حرارة سطح المحيط الهادئ، المعروف باسم ظاهرة "النينيو" في عودة هطول الأمطار القادرة على الرفع من منسوب البحيرات التي تتدفق إلى القناة وذلك بحلول مارس/ آذار 2024.

التكاليف والتضخم 

نتيجة هذه الأزمات، ارتفع مؤشر دروري العالمي المركب الخاص بشحن الحاويات في الأسبوع الأول من يناير بنسبة 61 بالمئة ليصل إلى 2670 دولارا لكل حاوية قياس 40 قدما.

وليسجل زيادة بنسبة 25 بالمئة عن نفس الأسبوع من العام الماضي وبنسبة 88 بالمئة من متوسط ​​المعدلات لعام 2019 أي في فترة ما قبل تفشي جائحة كورونا. 

وكذلك ارتفعت أسعار الشحن من شنغهاي في الصين إلى روتردام الهولندية بنسبة 115 بالمئة أي من 1910 إلى 3577 دولارا لكل حاوية. 

بدورها، ارتفعت أسعار الشحن من شنغهاي إلى جنوة في إيطاليا بنسبة 114 بالمئة أي من 2222 إلى 4178 دولارا لكل حاوية وإلى لوس أنجلوس بنسبة 30 بالمئة لتصل 2726 دولارا لكل حاوية. 

التوقعات "ليست وردية"، بحسب المعهد الإيطالي، في ظل فرضية تسجيل زيادات أخرى في الأسعار بين الشرق والغرب خلال الأسابيع المقبلة، وإمكانية تطبيق شركات الشحن رسوم إضافية كبيرة لنقل السفن وتسجيل زيادات في تكاليف التأمين.

ويهدد هذان "الوضعان المستقلان لكنهما تراكميان" بتوليد تباطؤ جديد في سلاسل العرض وإعادة تنشيط الضغوط التضخمية العالمية والتي بدا أنها في اتجاه إلى الانخفاض بعد الارتفاع المسجل في العام ونصف العام الماضيين. 

وشدد المعهد الإيطالي على أن "هذه الأزمة المزدوجة أثرت بالفعل على أسعار الطاقة بتسجيل ارتفاع سريع في الغاز الطبيعي والنفط". 

وأشار إلى أن أوروبا تعد أكثر المتأثرين بالأزمة العالمية، نظرا لسياق الاقتصاد الكلي في منطقة اليورو والتباطؤ العام في النمو خاصة في ألمانيا.

وقال المعهد إن "إدارة الزيادة الجديدة في أسعار الطاقة من شأنها أن تمثل تحديات كبيرة في ظل وجود مخاطر وقوع الركود التضخمي".

ويتسبب التوتر في البحر الأحمر وتغير المناخ في عودة طرق الشحن المتاحة إلى الوضع الذي كانت عليه قبل أكثر من قرن من الزمان بعودة شركات الشحن إلى استغلال طرق بديلة على غرار رأس الرجاء الصالح ومضيق ماجلان.

وكانت تلك الطرق تشكل الممرات التجارية الرئيسة بين نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي قبل تشغيل القنوات الاصطناعية، قناة السويس عام 1869 وبنما عام 1914 .

ويرى معهد الدراسات الإيطالي أن "الصدمات التي تعرضت لها قناتا السويس وبنما البحريتان، تؤكد أهمية الاستثمار في مرونة طرق التجارية الرئيسة بتحسين الأمن والقدرة على التكيف مع المناخ وزيادة كفاءة الموانئ، هذا إلى جانب ابتكار بدائل للنقل".