مرحلة جديدة.. لماذا يثير منتدى التعاون الصيني الإفريقي قلق أميركا وأوروبا؟
القمة ستعقد من 4 إلى 6 سبتمبر تحت عنوان "التكاتف من أجل تعزيز التحديث"
تستعد الصين لتدشين مرحلة جديدة من مراحل شراكتها مع القارة الإفريقية، وتعزيز التعاون المتبادل، خاصة على المستوى الاقتصادي والمواقف السياسية، وذلك عبر منتدى التعاون المشترك المقبل.
وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ، أن الرئيس شي جين بينغ سيحضر مراسم افتتاح قمة منتدى التعاون الصيني- الإفريقي 2024 (فوكاك) في 5 سبتمبر/أيلول بالعاصمة بكين وسيلقي كلمة رئيسة.
وأضافت هوا أنه خلال القمة، سيستضيف شي مأدبة ترحيب وفعاليات ثنائية مع قادة الدول الإفريقية الأعضاء في المنتدى، وفق ما قالت "وكالة أنباء شينخوا" الصينية، في 24 أغسطس/آب 2024.
كما أنه سيستضيف ممثلي المنظمات الإقليمية الإفريقية والمنظمات الدولية ذات الصلة الذين جرت دعوتهم إلى القمة.
مصير مشترك
وذكرت أن القمة ستعقد من 4 إلى 6 سبتمبر تحت عنوان "التكاتف من أجل تعزيز التحديث وبناء مجتمع ومصير مشترك رفيع المستوى بين الصين وإفريقيا".
وأوضحت المسؤولة الصينية أن هذا الحدث يأتي بعد قمة فوكاك في كل من بكين عام 2006، وجوهانسبرغ عام 2015، وبكين في 2018.
وأضافت أن العديد من الزعماء الأفارقة، فضلا عن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، سيقودون الوفود إلى القمة.
وأشارت إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش سيكون ضيفا خاصا في القمة، وستشارك المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة كمراقبين.
وأبرز المصدر ذاته، أن القمة ستعتمد وثيقتين ختاميتين، إحداهما إعلان والأخرى خطة عمل، لبناء توافق كبير بين الجانبين ورسم مسار لتنفيذ التعاون الصيني-الإفريقي عالي الجودة في الأعوام الثلاثة المقبلة.
وفي هذا الصدد، قال رئيس جمعية الصداقة والتبادل المغربية الصينية محمد خليل، إنه منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني- الإفريقي عام 2000، يسعى الجانبان لتعزيز الصداقة التقليدية بينهما، وذلك بخلق مجالات التعاون البيني من أجل تنمية مشتركة واستفادة متبادلة.
وأوضح خليل لـ "الاستقلال"، أن المنتدى القادم الذي سينعقد في بكين، يأتي في ظروف عالمية جد مضطربة، ومن ذلك ما نشاهده من الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على غزة التي تنذر بحرب شاملة في الشرق الأوسط.
وتابع: "نشاهد الكثير من الدول الإفريقية تعيش حالة اللااستقرار كالسودان وغيره من البلدان التي عرفت انقلابات عسكرية وتمردا على الغرب المتهم باستنزاف ثروات إفريقيا".
ورأى خليل أن الصين تطرح نفسها كبديل جاء من أجل البناء وليس الهدم، ومن أجل التنمية المشتركة تحت شعار رابح– رابح.
وشدد المتحدث ذاته على أن العلاقات الصينية-الإفريقية تاريخية متينة، حيث كان للصين دور كبير في مساعدة دول القارة على التحرر من الاستعمار.
كما تولي بكين العلاقات الصينية- الإفريقية اهتماما كبيرا، "والدليل على ذلك أنه منذ 34 سنة كان لها عُرف فريد من نوعه في الأعراف الدولية هو أن يختار وزراء الخارجية إفريقيا كمحطتهم الأولى لزيارتهم السنوية للخارج"، وفق قوله.
وأردف، "الذي يعزز هذا الاهتمام أن الصين اليوم أكبر شريك تجاري لإفريقيا، وقد نفذت في السنوات الأخيرة عدة مشاريع في عدد من الدول الإفريقية شملت البنى التحتية من شبكات السكك الحديدية وموانئ ومطارات، إلى جانب التنقيب عن المعادن".
وقال خليل، إنه وفقا لمؤشر التجارة الصيني الإفريقي الذي صدر لأول مرة عام 2023، ارتفعت قيمة واردات وصادرات الصين إلى إفريقيا من أقل من 100 مليار يوان (نحو 14 مليار دولار أميركي) عام 2000 إلى 1.88 تريليون يوان (نحو 263 مليار دولار أميركي) في 2022، بزيادة تراكمية بنحو 20 مرة.
وزاد: "أما في عام 2023 فقد بلغ حجم التجارة بين الصين والقارة الإفريقية مستوى قياسيا بلغ 282.1 مليار دولار أميركي بزيادة سنوية قدرها 1.5 بالمئة".
تعاون إستراتيجي
ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية محمد عبد الكريم أحمد، أن الإعلام الصيني نشط في الفترة الأخيرة بالترويج لفعاليات قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي المرتقبة في بكين.
وذكر أحمد في مقال رأي نشره موقع "قراءات إفريقية"، 20 أغسطس 2024، أن هذه التغطية الإعلامية تركز على التأكيد على إسهامات الصين في دعم الاقتصادات الإفريقية في السنوات الأخيرة، وتقديم صورة وردية عن مستقبل هذا الدعم، رغم التراجع الملحوظ فيه في السنوات الأخيرة.
وأضاف: "مما يُؤشّر ربما إلى حملة علاقات عامة صينية في إفريقيا استباقا للقمة، مع تجاهل مناقشة تفاصيل أجندتها ومدى واقعيتها وآثارها في إفريقيا بالفعل".
ورأى أحمد وهو منسق أبحاث وحدة إفريقيا بمعهد الدراسات المستقبلية ببيروت، أن “الأمر الأكثر أهمية أن الصين تتمتع بسمعة عالمية في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية الأكثر نجاحا”.
وذكر أنه من "الأهمية بمكان دراسة مسارات إصلاحات الصين الاقتصادية العميقة، من أجل الإسهام الجدي في تحقيق الهدف بعيد المدى لتحقيق تعافٍ اقتصادي، واستدامة وتحسن في مستوى معيشة العديد من المواطنين الأفارقة".
وخلص إلى أن الصين بدورها، تنظر لتعاون جنوب- جنوب كمنطقة عازلة ضد إستراتيجية الغرب العدوانية تجاهها، منبها إلى أن مصالح الجانبين تفرض تطوير التعاون المشترك إلى مستويات أعلى وأعمق.
أما لوكاس إنجل، وهو محلل بيانات في مبادرة الصين العالمية، في مركز التنمية العالمية بجامعة بوسطن الأميركية، فذكر أن المساعدات المالية من الصين لعبت دورا مهما في تطوير البنية الأساسية في إفريقيا منذ إطلاق منتدى التعاون الصيني الإفريقي أو "فوكاك".
وقال إنجل، وفق موقع "تشاينا ديلي جلوبال"، 15 أغسطس 2024، إن التعاون الصيني- الإفريقي سيساعد في مواجهة التحدي المتصاعد الذي يواجه القارة مثل تغيُّر المناخ.
وأضاف: "انخفض حجم الإقراض من الصين لإفريقيا في السنوات القليلة الماضية، لكنه أضيف إجمالا للتمويل الصيني المتراكم لمشروعات التنمية في إفريقيا في الأعوام السابقة".
وأوضح الخبير الاقتصادي أنه منذ إطلاق فوكاك قدّم كل من بنك التصدير والاستيراد الصيني وبنك التنمية الصيني التزامات بقروض كبيرة لإفريقيا، وُجِّه أغلبها نحو مشروعات بنية أساسية مهمة في قطاعات الطاقة والنقل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
واسترسل بالقول: "خلال السنوات السابقة كانت البنية الأساسية والزراعة والانتقال الطاقوي والتجارة والتكامل الاقتصادي، مجالات رئيسة للمقاربة الصينية".
وأشار إلى أن "اجتماع فوكاك المقبل سيكشف عن مدى التغيرات في إسهامات الصين في تنمية إفريقيا".
قلق غربي
وفي خضم ذلك، يتصاعد القلق الأميركي والأوروبي من هذا النشاط الصيني المتزايد في القارة السمراء.
وقال أحمد عبداللاه فارس، أمين عام رابطة الشئون الأفريقية والعربية بنقابة الصحفيين المصرية، إنه كلما اقترب موعد انعقاد قمة منتدى فوكاك في بكين، يتزايد التوتر والقلق لدى الساسة الأميركيين والأوروبيين.
ورأى فارس في مقال نشره عبر موقع "arabic.cgtn" الصيني، 25 أغسطس 2024، أن ذلك يعكس انتشار الأخبار المسمومة التي تهدف لإفساد القمة قبل انطلاقها في ظل التوجه الإفريقي القوي تجاه الصين.
ومن ذلك، يردف فارس، أن الاتهامات تتزايد مِن قبل مراكز البحث الغربية والأميركية ووسائل الإعلام الموالية لها بأن الصين تحاول الهيمنة على إفريقيا وإغراقها في فخ الديون لاستغلالها وانتهاك سيادتها.
وفي هذا الصدد، ذكر موقع "كوين تريبون" الفرنسي، أن الصين لا تقدم القروض للدول الإفريقية لبناء المشاريع فقط، بل تفرض أيضا سيطرتها عليها في حال فشلت الدول المتلقية في سداد الديون.
وقال الموقع الفرنسي في تقرير سابق، إن مثال ذلك هي سريلانكا التي اضطرت لتسليم ميناء هامبانتوتا إلى الصين بعد فشلها في سداد ديونها.
كما تُتهم الصين بالاستغلال المفرط للموارد الطبيعية في إفريقيا لصالحها، مما يترك الدول الإفريقية تعتمد على الاستثمارات الصينية دون تحقيق تنمية مستدامة حقيقية، وفق المصدر.
وبالعودة إلى مقال فارس، أوضح أن التوجه الصيني نحو إفريقيا ليس وليد العصر، حيث إنه منذ بدء سياسة الإصلاح والانفتاح قبل 45 عاما، استثمرت الصين في البنية التحتية والمجال الاجتماعي مثل التعليم والصحة وغيرهما.
وتابع، أنه منذ عام 2013، بعد تولي الرئيس شي جين بينغ السلطة أولي إفريقيا اهتماما كبيرا في سياسته الخارجية، ووطد العلاقات مع القارة من خلال أفكاره ومبادراته بداية من الحزام والطريق والأمن العالمي والمجتمع المشترك، وغيرها من المبادرات الناجحة المفيدة للجميع.
وقال فارس إن مصطلح "فخ الديون" لإفريقيا الذي تروج له أميركا وأوروبا هو حقا موجود ولكنه من صنيعة الولايات المتحدة وحلفائها.
فالدائن الرئيس للدول الإفريقية هو صندوق النقد الدولي وأميركا ودول أوروبا والمقرضين الأوربيين بـ66 بالمئة وليس الصين بـ 11 بالمئة.
وأردف أن الدول الإفريقية تدفع للمقرضين الأوروبيين ما نسبته 30 بالمئة من إجمالي مدفوعات خدمة الدين من فوائد وأقساط.
كما باتت تتعمد عدم تخفيف عبء الديون تحت بند عدم توافق سياسة دول أوروبا المشتركة في نادي باريس مع إفريقيا.
ولذلك أصبحت محاولة تخفيف عبء الدين الإفريقي لعبة سياسية مقترنة بشروط وإملاءات على الحكومات الإفريقية.
وعلى النقيض فإن الصين تمول بدون أي شروط سياسية، لذلك هناك قبول واسع النطاق لها في إفريقيا، وفق الكاتب.
وقال إن الغرب يخشى من أن تلعب الصين دورا حاسما في تحول بلدان القارة إلى دول منتجة، من خلال الاستفادة من تقدم وتطور الصين الصناعي باستخدام الموارد هناك.
المصادر
- عين على إفريقيا (15-18 أغسطس 2024م)- منتدى التعاون الصيني الإفريقي: حملة علاقات عامة
- China funding aids Africa development
- Thanks to FOCAC, China is playing a major role in driving Africa’s transition to renewable energy
- أسباب القلق الأمريكي والغربي من القمة الصينية الأفريقية؟
- شي يعتزم حضور مراسم افتتاح قمة منتدى التعاون الصيني-الإفريقي 2024