لماذا تحرص أميركا وإسرائيل وأنظمة عربية على وقف حرب غزة قبل رمضان؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

ثلاثة أطراف يحتمل تضررها حال استمر العدوان الإسرائيلي على غزة خلال شهر رمضان، أولها إسرائيل التي "ستتعمق خسائرها الاقتصادية والسياسية"، حسبما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت 5 مارس/آذار 2024.

والرئيس الأميركي جو بايدن، الذي تكاد صحف بلاده تُجمع على خسارته انتخابات الرئاسية نوفمبر/تشرين ثان 2024، بسبب "غزة" للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة.

أما الطرف المفاجئ، والأهم فهو الأنظمة العربية المعادية للمقاومة الفلسطينية، والتي كانت تعول على إجهاز إسرائيل على حركة المقاومة الإسلامية حماس كي تُطبع بحرية مع الاحتلال، وتتفادى "ربيعا ثوريا" جديدا في بلادها.

هذه الأنظمة، باتت شبه مرعوبة من خطر خروج حماس صامدة، لأنها حركة مقاومة إسلامية، وانتصارها في المحصلة النهائية، قد يعطي دفعة معنوية لمعارضي الأنظمة، واتخاذ مقاومة غزة نبراسا للغضب الشعبي، أو "ربيع ثوري"، وفق محللين.    

ضغوط رمضان

مصدر قريب من حماس أكد لـ "الاستقلال" أنه كانت هناك ضغوط عربية مكثفة تجرى على المقاومة من أجل القبول بـ "هدنة رمضان" ولو على حساب بعض مطالب الحركة التي هي مطالب الشعب الفلسطيني.

وأوضح أنهم استغربوا هذه المواقف العربية، والضغوط التي كانت تتركز حول تخلي حماس عن شرط وقف الحرب تماما والقبول بهدنة فقط، أو عودة النازحين، بل وإعطاء الإسرائيليين أسماء أسراهم، لكنهم قاوموها بشدة، ورفضت الحركة الهدنة.

وحول الدور المصري، خصوصا، في هذه الضغوط، فضل المصدر الإشارة لدول، لكنه لم يستبعد ضمنا أن يكون تراجع المساعدات عبر معبر رفح، جزءا من هذه الضغوط.

وأشار إلى أن أطرافا عربية سبق أن تدخلت كـ "ضامن" في الهدن السابقة بشأن إدخال 200 إلى 300 شاحنة يوميا لغزة، وحين تراجع الاحتلال عن هذا الشرط، غاب الضامن العربي، وحاليا قد يدخل 3 أو 7 شاحنات يوميا فقط.

محللون مصريون يرون أن أحد تفسيرات هذا الضغط العربي المكثف على المقاومة لوقف الحرب على غزة قبل شهر رمضان هو تخوف بعض الأنظمة العربية من تجمعات المصلين في المساجد الكبرى خاصة في صلاة التراويح.

إذ تشهد مساجد وشوارع الدول العربية تجمعات كبيرة لصلاة التراويح يوميا وتخشى أجهزة الأمن أن تتحول بعضها لمظاهرات ضد الأنظمة التي تشارك في تجويع غزة، ما سيكون تهديدا مباشرا لأمنها ووجودها.

أشاروا لوجود غضب شعبي حبيس الصدور قد ينفجر تدريجيا، وقد يجد متنفسه خلال صلاة التراويح أو شهر رمضان عموما بسبب الطبيعة الروحية للشهر وعدم قدرة الصائمين على تحمل استمرار تجويع أهالي غزة في هذا الشهر، وبأيدٍ عربية.

ألمحوا لواقعة تظاهر أمين شرطة مصري يدعي محمد عبد الجواد فوق أعلى منصة إعلانية بالإسكندرية وهتافه ضد رئيس النظام عبد الفتاح السيسي.

وهتف الرجل بالقول: "السيسي خائن وعميل" بعد خلعه زيه الرسمي، احتجاجا على تجويع غزة وقد اختفى عقب اعتقاله، لأن تظاهره، وهو شرطي، مثّل جرس إنذار للنظام.
 

فليسقط السيسي
السيسي خائن وعميل فلسطين حره
الشرطي الحر البطل 
عبد الجواد محمد أمين شرطة في قسم كرموز.
والله يا شبل مصر العروبة والتاريخ ماصر خت الإ تعبيرا عن نفوس تاقت الى الحرية
ترفض الظلم ولا تقبل الظيم
لله درك#العين_النصر #طالبة_العريش #مصر #غزة_تُباد #زد_رصيدك86 #معبر_رفح pic.twitter.com/kXn9wF1EMo

— أمير (@amer57i) March 4, 2024

ورأى الصحفي المصري قطب العربي، مساعد أمين عام المجلس الأعلى للصحافة سابقا في مصر، أن تصرف أمين الشرطة الذي انتقد فيه الموقف الرسمي المتخاذل "إشارة جديدة" أن الغضب الشعبي وصل إلى فئات جديدة لم تعتد هذا التواطؤ والمشاركة في تجويع غزة.

إشارة جديدة يحملها موقف أمين الشرطة عبد الجواد محمد الذي اعتلى أعلى لوحة إعلانية في الإسكندرية ليعبر من فوقها عن رفضه للعدوان على غزة وينتقد الموقف الرسمي المتخاذل.. هذه الإشارة هي أن الغضب الشعبي وصل إلى فئات جديدة لم تعتد هذا السلوك من قبل وهنا تحديدا فئة رجال الشرطة الذين… pic.twitter.com/MBllBecvtM

— kotb elaraby (@kotbelaraby) March 4, 2024

ويتوقع محللون أن تشجع تجمعات المصلين في شهر رمضان، على خروج مظاهرات مناصرة لفلسطين، وهو ما قد تعده أنظمة عربية تهديدا مباشرا لوجودها، بسبب تنامي مشاعر غضب الشعوب، واتهامها هذه الأنظمة بالتواطؤ ودعم حصار وإبادة غزة.

وأشاروا إلى أنها المرة الأولى التي لا يعلو فيها صوت "مسلسلات رمضان" على صوت حرب غزة، بعدما كانت جهات أمنية مصرية تتوقع أن تشغل الدراما الرمضانية الشعوب عن مأساة القطاع المحاصر، لكن هناك عزوفا مصريا تاما عن مجرد الحديث عنها.

وتركز مسلسلات هذا العام، التي جرى إهدار الملايين عليها، على قدر كبير من الانحطاط الأخلاقي وتتجاهل أزمات المواطن المصري والعدوان على غزة.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أشار ضمنا لتخوف حكام أنظمة عربية من خروج حماس منتصرة في هذه الحرب، خشية تأثير ذلك على كراسي حكمهم.

قال في 11 نوفمبر/تشرين ثان 2023: "أقول شيئا واحدا لزعماء الدول العربية الذين يشعرون بالقلق على مستقبل بلادهم ومستقبل الشرق الأوسط، عليكم الوقوف ضد حماس".

وعقب صدور حكم الإعدام بحق 8 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بينهم المرشد العام محمد بديع ونائبه محمد عزت في مارس/أذار 2024، أبدى الكاتب والأكاديمي الإسرائيلي "يارون فريدمان" فرحته رابطا بين ذلك وتخوف الأنظمة العربية من حماس التي تنتمي فكريا لجماعة الإخوان.

وكتب في صحيفة "معاريف" مقالا في 5 مارس يعلق فيه على "المعنى وراء حكم الإعدام بحق المرشد العام للإخوان" وفق عنوان مقاله، يقول: "هكذا يتبين أن إسرائيل ليست وحدها في الحرب ضد حماس".

أضاف، رابطا بين أحكام الإعدام لقادة الإخوان في مصر، وبين حماس: "وراء الكواليس، تخوض أغلب دول الشرق الأوسط حرب استنزاف ضد الإسلام السياسي".
 

بايدن يلح!

كانت مفارقة أن يطالب الرئيس الأميركي جو بايدن 4 مارس 2024 عبر حسابه الرئاسي الرسمي على تويتر "بالاستمرار في الضغط من أجل وقف مؤقت لإطلاق النار في قطاع غزة".

قال إنه: "لن يتوقف عن الضغط حتى التوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح "الرهائن ووقفا فوريا لإطلاق النار في غزة لمدة 6 أسابيع على الأقل ويسمح بزيادة المساعدات للقطاع بالكامل".
 

I will not let up pushing for a deal that secures the release of the remaining hostages held by Hamas, brings an immediate ceasefire to Gaza for at least six weeks, and allows for a surge of aid to the entire Gaza Strip.

— President Biden (@POTUS) March 4, 2024

وكان بايدن اتصل بالسيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يوم 3 مارس 2024، لتسريع الوصول لهدنة. وقال البيت الأبيض إن الرئيس أبلغ القادة العرب أنه يريدها قبل رمضان.

الضغوط الأميركية عبر قطر ومصر، لها سببان كما يوضح دبلوماسي مصري سابق لـ "الاستقلال".

"الأول" هو شبه تأكد أعضاء فريق بايدن من خسارته انتخابات الرئاسة في نوفمبر/تشرين ثان 2024 لو استمرت حرب غزة والإبادة التي بدأت تأتي بنتائج عكسية وتحول كبير في المجتمع الأميركي.

فللمرة الأولى تتشكل في واشنطن كتلة جديدة من أعضاء الحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية تُسمى "غير ملتزم"، أي لن يصوتوا لبايدن.


 

كما أن استمرار الإبادة والتجويع في غزة سيزيد الخلافات بين الحزب الديمقراطي والأقلية المسلمة التي أعلنت بوضوح أنها ستسقط بايدن في الانتخابات ورفض رموزها لقاء مبعوثين منه في ميشيغان أقوى معقل للمسلمين.

"الثاني" أن الإدارة الأميركية تخشى، بحكم البرقيات والتقارير التي تصل لها من سفاراتها بالعالم العربي، اهتزاز وعدم استقرار الأوضاع في عدة دول عربية بفعل مشاركة أنظمتها في حصار غزة.

حتى إن "دبلوماسيا أميركيا أبلغني يوما أن أهمية مصر تنبع من حمايتها أمن إسرائيل وقناة السويس"، وفق الدبلوماسي المصري.

وانعكس هذا على قول بايدن للسيسي وأمير قطر عندما اتصل بهما، في رسالة مباشرة: "أحضروا لي صفقة"، حسبما قال مسؤولان أميركيان لموقع "أكسيوس" 3 مارس/آذار 2024.

وقالا: يريد بايدن من القطريين والمصريين بوصفهم الوسطاء الرئيسين في محادثات الأسرى، "إقناع حماس بالموافقة على صفقة قبل شهر رمضان المبارك"، الذي سيبدأ في  10 أو 11 مارس 2024.

وعاد الرئيس بايدن ليلحّ على اتفاق لوقف إطلاق النار ويقول للصحفيين 5 مارس/آذار 2024 إنه "يعتمد على موقف حماس"، لأن استمرارها في رمضان "خطير جدا" حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز".

السنوار يرفض

يرى محللون أن المقاومة في غزة، وعكس ما تطالب به أميركا وإسرائيل، ترغب في أن تمتد الحرب إلى شهر رمضان أملا في استنفار العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم وفي الداخل المحتل، ولعلمها أن الاحتلال في مأزق كبير ويرغب في تهدئة.

وهو ما تخشاه أنظمة التطبيع العربية، وحلفاء واشنطن وإسرائيل والعرب، خشية امتداد لهيب الحرب إلى دول عربية وخروج الغضب الشعبي عن كبته الحالي.

يقولون: إذا كان الرئيس بايدن وإدارته يضغطون على إسرائيل من أجل وقف إطلاق قبل شهر رمضان، بدعوى أن الدولة العبرية ستكون في "مأزق خطير"، ويريدون تجنيب إسرائيل هذا الخطر، فلماذا لا تستمر حماس في القتال في هذا الشهر للإضرار بالعدو؟

وقد أكد "عاموس هرئيل" المحلل الإسرائيلي في صحيفة "هآرتس" 6 مارس/آذار 2024، تفضيل زعيم حماس في غزة يحيى السنوار، استمرار الحرب في غزة.

 وأوضح، أن "الولايات المتحدة تسعى لصفقة قبل حلول رمضان، لكن السنوار يتصرف كأنه يرغب في التصعيد".

قال: "على مدار الأيام الأخيرة، وعلى خلفية المواقف المتشددة التي تُظهرها حماس في المفاوضات، وتباطئها في تقديم الإجابات، ازدادت الشكوك لدى المنظومة الأمنية الإسرائيلية في أن السنوار غير رأيه". 

أشار إلى أن "أحد التقديرات (الاستخبارية الإسرائيلية) ترى أن السنوار بات الآن أقل اهتماما بالصفقة، ويحاول الدفع في اتجاه خطوة بديلة، وهي التصعيد الإقليمي مع بداية شهر رمضان".

وأن السنوار "يعقد آماله ويراهن على إمكان إطلاق طوفان أقصى يشعل اللهيب في القدس والضفة الغربية، وربما يؤدي أيضا إلى تظاهرات حاشدة في الدول العربية القريبة، مستفيدا من الخصائص الدينية لشهر رمضان".

أيضا قال مسؤولون مصريون وإسرائيليون لصحيفة وول ستريت جورنال" الأميركية 3 مارس/آذار 2024 إن "السنوار يأمل في أن يؤدي استمرار الحرب في رمضان، إلى دفع الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل والضفة الغربية إلى الانتفاض".

"السنوار قد يفضل استمرار الحرب خلال رمضان، بدلا من التوصل إلى صفقة لا تلبي طموحات حماس"، وفقا لمسؤول إسرائيلي، للصحيفة الأميركية.

وهو ما يزيد قلق الأنظمة العربية، لأن هذا سيجلب مزيدا من الغضب الممزوج بقوة رمضان الروحية.

كما يبتز المسؤولون الأميركيون المقاومة للقبول بشروط الصفقة المتدنية، بحجة أن وقف إطلاق النار فقط هو الذي سيسمح بوصول المزيد من الإمدادات الغذائية والطبية إلى المحتاجين.

وقد ظهرت أسباب حرص أميركا على أمن إسرائيل، بالإضافة لخشيتها من اضطراب الأوضاع داخل أنظمتها العربية الحليفة، وضغوطها على حماس للوصول لصفقة، في وثيقة أعدها وزير الجيش الإسرائيلي "يوآف غالانت".

الوثيقة الداخلية المسربة، نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" 5 مارس/آذار 2024 وتدور حول "مخاطر عدم وقف إطلاق النار بغزة في رمضان".

غالانت حذر في هذه الوثيقة من انفجار مرتقب بالضفة في رمضان سيجبر جيش الاحتلال على الانسحاب من حروب غزة وحدود لبنان لحماية جبهته الداخلية.

 لهذا يجرى تكثيف الضغوط على الوسطاء العرب لإجبار حماس على قبول الصفقة المعروضة عليها.

وبعث غالانت بهذه الوثيقة إلى لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست (البرلمان)، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، ورئيس الموساد دافيد برنياع، ورئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك) رونين بار.

كما أرسلها أيضا إلى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، وإلى أعضاء "كابينيت الحرب" بمن فيهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت، بحسب ما أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت".

وفي هذه الوثيقة يربط الوزير الإسرائيلي بين شهر رمضان والتصعيد المحتمل في الضفة الغربية وأمن إسرائيل، من جهة، وبين قدرة تل أبيب على "تحقيق الأهداف في قطاع غزة"، من جهة أخرى.

وفيما يتعلق بالمسجد الأقصى، قال غالانت: "يجب أن نسمح للفلسطينيين بدخوله ولكن ضمن قيود أوصى بها الجيش الإسرائيلي والشاباك".

وألا تقتحم الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى، إلا بموافقة من قِبل نتنياهو، "باستثناء حالة يُشكَّل فيها خطر مباشر على الحياة"، وفق حسابات سلطات الاحتلال.

وفور الكشف عن هذه الوثيقة، رضخ نتنياهو، وقال في بيان 5 مارس 2024 إن الحكومة تعتزم السماح للمصلين بدخول الحرم القدسي في الأسبوع الأول من رمضان "كما في السنوات السابقة".

الكلمات المفتاحية