"النموذج الليبي".. لماذا نجح ترامب وفشل بايدن في تحريك مفاوضات مع إيران؟

"الولايات المتحدة بدأت بالفعل مباحثات مباشرة مع إيران"
تساءلت مجلة أميركية عن أسباب تمكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من تحقيق ما عجز عنه سلفه جو بايدن فيما يتعلق بالتعامل مع الملف النووي الإيراني.
واستعرضت مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" ما أسمتها "التطورات اللافتة" المتعلقة بالمحادثات بين واشنطن وطهران في سلطنة عمان للتوصل إلى حل لهذا الملف.
وأوضح تريتا فارسي المؤسس المشارك ونائب الرئيس التنفيذي لمعهد "كوينسي" الأميركي، أن ما يميز هذه الخطوة أن إدارة بايدن لم تتمكن من الوصول إلى هذا الحد في علاقاتها مع طهران على مدار 4 سنوات. مشيرا إلى أن ترامب يبدو مستعدا للتفاوض.
وأعلن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن بلاده ستعقد محادثات غير مباشرة على مستوى رفيع مع الولايات المتحدة بسلطنة عُمان، في 12 أبريل/نيسان 2025.
وأضاف في منشور على منصة "إكس"، أن "هذه المحادثات تمثل فرصة واختبارا في آنٍ واحد، والكرة الآن في الملعب الأميركي".

انطلاق المحادثات
جاء ذلك بعد ساعات من تصريح لترامب، تحدث فيه عن إمكانية التفاوض المباشر بين الطرفين، وذلك خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض، في 7 أبريل.
وأكد ترامب أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل مباحثات مباشرة مع إيران، مضيفا: "ربما ننجح في التوصل إلى اتفاق، وهذا سيكون أمرا رائعا. لدينا اجتماع بالغ الأهمية يوم السبت، يكاد يكون على أعلى مستوى".
وأضاف أن "الجميع موافقون على أن إبرام اتفاق سيكون أفضل من القيام بما هو واضح (العمل العسكري)، الذي لا نريد نحن ولا إسرائيل أن نكون ضالعين فيه إذا ما أمكن تجنبه".
وفي مارس/آذار 2025، بعث ترامب برسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، مقترحا إجراء محادثات بشأن الملف النووي، لكنه حذر من أن إيران أمامها مهلة شهرين فقط للانخراط في المسار الدبلوماسي.
وقال الكاتب تريتا فارسي: إن "الأنباء الأخيرة بشأن عقد لقاء -مباشر أو غير مباشر- بين مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة ترامب، من بينهم المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، ونظرائهم الإيرانيين، بمن فيهم وزير الخارجية الإيراني، في عُمان تُعد لافتة للغاية".
ونوَّه إلى أن "نجاح ترامب في دفع هذه المفاوضات بشأن الحد من البرنامج النووي الإيراني يعود، في نظر كثيرين في واشنطن، إلى أنه هندس تهديدا عسكريا جديا ضد طهران"، مقرا أنه "بالفعل، يُعد هذا أحد العوامل المؤثرة".
لكن العامل الأكثر أهمية في المعادلة يكمن في جانبها الآخر -وفق فارسي- إذ يبدو أن طهران تعتقد أن ترامب يريد فعلا التوصل إلى اتفاق، وأنه مستعد وقادر على تخفيف جاد للعقوبات مقابل ذلك.
وقال: "هذا الأمل لم يكن موجودا في عهد بايدن، فقد كان رفع العقوبات عن إيران خطوة مؤلمة للغاية بالنسبة له، وحتى التخفيف المحدود الذي كان مستعدا لتقديمه، لم يستطع جعله مستداما".
وأضاف: "بهذا المعنى، يختلف ترامب تماما عن بايدن فهو لا يرى في الحراك الدبلوماسي مع خصوم أميركا عبئا مكلفا، كما أنه لا يُحبذ العقوبات التي تُلحق الضرر بالشركات الأميركية".
ولذلك، فإن ما تحمله عودة ترامب من آمال، يمنح طهران آفاقا أوسع بكثير مما كانت متاحة في عهد بايدن، ويبدو أن إيران مستعدة لتقديم تنازلات في سبيل تحقيق هذا المكسب المحتمل، وهو السبب الرئيس -وإن لم يكن الوحيد- وراء تسارع وتيرة التطورات الحالية".

النموذج الليبي
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية: إن "من الواضح أن ترامب يدرك أنه في أي مفاوضات مع إيران، ستظل إسرائيل طرفا ثالثا غير مرئي، ولذلك كان من المهم بالنسبة له الإعلان عن رغبته في إجراء محادثات مباشرة بحضور نتنياهو".
وقال أحد المسؤولين في إدارة ترامب: إن إعلان ترامب خلال استقباله لنتنياهو في البيت الأبيض عن إجراء مفاوضات مباشرة مع إيران كان وسيلة لإبقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي تحت السيطرة، وإظهار مَن هو صاحب القرار في هذا الملف.
وفيما يتعلق بجوهر المحادثات، أوضح فارسي أن نتنياهو كان يدفع خلال زيارته لواشنطن باتجاه تطبيق ما يُعرف بـ"النموذج الليبي"، أي التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني.
وفي عام 2003 وافق الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي على تخلي بلاده عن برنامجها لأسلحة الدمار الشامل، ورحب بدخول مفتشين دوليين للتحقق من وفائها بالتزاماتها.
لكن يرى الباحث أن سعي ترامب لتفكيك برنامج طهران النووي على طريقة "النموذج الليبي" وإغلاق برنامج الصواريخ التابع لإيران وقطع علاقاتها مع شركائها الإقليميين، سيقتل هذه الجهود الدبلوماسية -على الأرجح- قبل أن تبدأ.
وذهب فارسي إلى أن "مؤيدي الحرب مع إيران فضلوا هذه الإستراتيجية تحديدا؛ لأنهم يعرفون أنها ستفشل".
ووفقا لرئيس نقابة مراكز الدراسات في إيران، عماد آبشناس، فإن الأميركيين قدموا العديد من المطالب لإيران عبر العراق.
لكنهم لم يطلبوا تفكيك برنامج إيران النووي، بل أبدوا موافقتهم على استخدامه لأغراض سلمية وطبية وبحثية بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأضاف أن "ما يهم ترامب هو الحصول على "حصة الأسد" من الاقتصاد الإيراني، ففي حال جرى التوصل إلى اتفاق ترفع بموجبه العقوبات، ستسمح طهران للشركات الأميركية بالاستثمار في إيران، التي كانت قد أعطت في السابق 90 بالمئة من عقودها الاقتصادية للأوروبيين".
ورأى فارسي أنه "إذا كانت إستراتيجية ترامب تركز على التوصل إلى اتفاق يعتمد على آلية تمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية -وهو خطه الأحمر الوحيد- فإن هناك ما يدعو للتفاؤل بشأن المحادثات المرتقبة".
واستطرد: "لكن بغض النظر عن جوهر اقتراح نتنياهو، سيكون من الحماقة أن يأخذ ترامب بنصيحته بشأن الدبلوماسية مع إيران، بالنظر إلى أن هذا المتهم بجرائم حرب قد سعى، على مدار أكثر من 20 عاما، إلى منع وإفشال المفاوضات بهدف جر واشنطن إلى حرب أبدية مع طهران".
بدلا من ذلك، يجب على ترامب أن يستمع إلى أولئك الذين يعلمون -بما في ذلك العديد من مؤيديه البارزين مثل الشخصية الإعلامية المحافظة، تاكر كارلسون- أن حربا بين الولايات المتحدة وإيران ستكون لها عواقب وخيمة على أميركا، وفق الكاتب.
واختتم قائلا: إن "اتباع نتنياهو وآخرين ممن يتبنون وجهات نظره نحو الحرب مع إيران هو سبيل مؤكد لضمان أن تكون السياسة الخارجية الأميركية آخر ما يهتم بمصالح الأميركيين".