وسط العدوان على غزة.. ما سر انشغال نتنياهو بشيطنة "الجزيرة" ومنع عملها؟

حسن عبود | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

"الجزيرة ألحقت الضرر بأمن إسرائيل وشاركت بفعالية في مذبحة 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، وحرضت ضد جنود الجيش".

تصريح أطلقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مطلع أبريل/نيسان 2024 يظهر مدى تأثير القناة القطرية خلال العدوان المستمر على غزة.

وجاء تصريح نتنياهو بعد أن صدق الكنيست (البرلمان) على قانون يسمح بمنع بث قنوات أجنبية في إسرائيل، غير أنه من المعروف أنه مصاغ خصيصا لأجل الجزيرة.

تصويت وهجوم

وتعليقا على القرار، قالت صحيفة "هآرتس" العبرية، إن الكنيست صوت بأغلبية 71 عضوا من أصل 120، ومعارضة 10، بالقراءة الثانية والثالثة، على القانون الذي يسمح بوقف بث قناة الجزيرة في إسرائيل.

وتعليقا على التصويت، قال نتنياهو عبر منصة "إكس"، إن قناة الجزيرة "لن تبث من إسرائيل بعد تصويت الكنيست (البرلمان) على قانون بهذا الخصوص".

وأضاف أن "الوقت قد حان لإزالة بوق حماس من بلادنا"، على حد وصفه. وتابع نتنياهو مهاجما القناة: "لن تبث قناة الجزيرة من إسرائيل بعد الآن، أنوي التصرف فورا وفقا للقانون الجديد لوقف نشاطها".

ورحب بشدة "بالقانون الذي قدمه وزير الاتصالات شلومو كرعي بدعم من أعضاء الائتلاف ".

وينص قانون وزير الاتصالات، على أنه إذا اقتنع رئيس الوزراء بأن قناة أجنبية تضر بالبلاد فيمكن التحرك ضدها، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.

وبعد موافقة رئيس الوزراء، يسمح القانون لوزير الاتصالات، بإصدار أمر بوقف بث قناة أجنبية إذا اقتنع بأن محتواها يمس فعلا بأمن الدولة.

وقال الوزير كرعي تعليقا على التصويت: "لقد قدمنا أداة فعالة وسريعة للعمل ضد أولئك الذين يستخدمون حرية الصحافة للإضرار بأمن إسرائيل"، وفق المصدر ذاته.

بدورها، استنكرت شبكة الجزيرة تصريحات نتنياهو التي اتهمها فيها بإلحاق الضرر بأمن إسرائيل، ووصفتها بأنها كذبة خطيرة ومثيرة للسخرية.

وقالت شبكة الجزيرة في بيان إن نتنياهو لم يجد تبريرات لهجومه المتواصل على القناة وحرية الصحافة سوى أكاذيب وافتراءات، ورأت أن تصريحاته تأتي ضمن سلسلة من التعديات الإسرائيلية الممنهجة لإسكات صوتها.

وشددت في بيانها على أن "الافتراءات والاتهامات لن تثني الجزيرة عن مواصلة التغطية بكل جرأة ومهنية ونحتفظ بكل حقوقنا القانونية"، وحملت نتنياهو مسؤولية سلامة أطقم الجزيرة ومنشآتها حول العالم.

أما حركة المقاومة الإسلامية حماس، فقد عدت تصديق الكنيست "قرارا انتقاميا يسعى لطمس حقيقة جرائمه البشعة".

وقالت الحركة، في بيان إن "هذا القرار الانتقامي، يأتي تتويجا لحملات التضييق والحصار والإرهاب التي يفرضها الاحتلال الفاشي على الصحفيين والعمل الصحفي، ولجرائمه وانتهاكاته بحقّهم".

وطالبت الحركة، المؤسسات الحقوقية والصحفية الدولية، بـ"إدانة النيّات الصهيونية تجاه قناة الجزيرة، وفضح سلوك الاحتلال الهمجي، تجاه الصحفيين، والعمل على تكثيف التغطية الإعلامية من قطاع غزة، وبث حقيقة الجرائم الصهيونية إلى العالم".

ودعت المجتمع الدولي إلى "العمل الجدي لإرغام الاحتلال الصهيوني على وقف جرائمه واستهدافه المتعمّد للصحفيين، ووقف الانتهاك الصارخ للقانون الدولي بحقهم".

عرضة للاستهداف

وأفردت "الجزيرة" مساحة واسعة لتغطية العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر وبثت أخيرا عدة فيديوهات حصرية حول استهداف المسيرات الإسرائيلية لمدنيين داخل القطاع.

وهو ما جعلها عرضة للاستهداف، حيث استشهد وأصيب واعتقل وتعرض للتنكيل عدد من صحفييها وعائلاتهم خلال العدوان على غزة.

واستشهد عدد من أفراد أسرة مراسل قناة "الجزيرة" القطرية وائل الدحدوح جراء هجومات متفاوتة لجيش الاحتلال، فراح ضحيتها زوجته وابنه (حمزة العامل في نفس القناة) وابنته وحفيده البالغ من العمر 18 شهرا.

ولاحقا خلال ديسمبر 2023، أصيب الدحدوح واستشهد زميله سامر أبو دقة في هجوم بطائرة بدون طيار إسرائيلية في جنوب قطاع غزة.

وكشف الصحفي في الجزيرة أنس الشريف عن تلقيه تهديدات من ضباط إسرائيليين لوقف تغطيته للحرب الإسرائيلية على القطاع، مؤكدا أنه لن يستجيب لها وسيواصل تغطيته الصحفية.

كما أصيب مراسل قناة الجزيرة إسماعيل أبو عمر في قصف إسرائيلي خلال عمله الصحفي مما أدى إلى بتر قدمه.

وبدوره، تعرض مراسل القناة إسماعيل الغول للضرب والاعتقال من قبل جيش الاحتلال خلال اقتحامه مستشفى الشفاء نهاية مارس/آذار، ليفرج عنه لاحقا.

ويواجه الصحفيون في غزة مخاطر عالية بشكل خاص أثناء محاولتهم تغطية العدوان، بما في ذلك الغارات الجوية الإسرائيلية المدمرة وانقطاع الاتصالات ونقص الإمدادات وانقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع.

وأصبحت مهمتهم في جمع الأخبار أكثر صعوبة بسبب انقطاع الاتصالات في غزة، حيث انقطعت خطوط الهاتف والإنترنت بشكل دوري طوال فترة الحرب.

وحتى الأول من أبريل/نيسان 2024، ارتفع عدد الشهداء الصحفيين في غزة إلى 138 منذ 7 أكتوبر، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي.

ومنذ السابع من أكتوبر، حاول الاحتلال السيطرة على الرواية العالمية بكم هائل من المعلومات المضللة التي تهدف إلى نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين وتبرير جرائمه بحقهم في قطاع غزة.

وركز في ذلك على الزعم بأن حماس بنت أنفاقا تحت المستشفيات والمدارس كما فبرك العديد من الفيديوهات مما أفقده التضامن العالمي الواسع بعد عملية 7 أكتوبر.

وعن ذلك، قالت مجلة "ذا نيشن" الأميركية إن "الدعاية الإسرائيلية كانت سيئة للغاية ومثيرة للشفقة، ومن الصعب للغاية استعادة أي مصداقية على الإطلاق لدى الشعوب في الولايات المتحدة وأوروبا" بعدما تبين كذبها.

وبينت في 17 نوفمبر، أن تتوالى الأكاذيب يضع إسرائيل أمام مفارقة صعبة وهي أنهم "قد يجدون شيئا ما (كالأنفاق تحت المستشفيات) ولن يصدقهم أحد، في هذه المرحلة تُطلق النار على مصداقيتهم".

وبفعل انهيار مصداقية الرواية، يقدر فلسطينيون أن الاحتلال يلجأ في عملية بديلة لاستهداف الصحفيين والتضييق على عملهم لكشف جرائمه.

ما الهدف؟

عن هذه النقطة، يقول أحمد الطيبي رئيس الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير في الكنيست الإسرائيلي لـ"الجزيرة مباشر" إن هناك هدفين من قرار إغلاق الجزيرة.

وأوضح أن الهدف الأول هو شعبوي لإرضاء القاعدة اليمنية المتطرفة بعد سنوات وخاصة خلال أشهر الحرب من شيطنة الجزيرة من قبل الإعلام والمؤسسة الإسرائيلية.

أما الهدف الثاني فهو عملي، بمعنى أنهم نجحوا في إسكات القنوات الإسرائيلية ومنعها من نقل حقيقة الفظائع التي ينفذها الجيش في غزة. وفق النائب العربي بالكنيست.

وأردف الطيبي: “لا يريدون لأي قناة كانت، الجزيرة أو غيرها أن تنقل ما يجرى وهذه محاولة سخيفة لأن العالم تغير وأصبح قرية صغيرة عبر الإعلام (الجديد) وشبكات التواصل والهواتف”.

وأوضح أن “(نتنياهو)، من يرتكب جرائم الحرب لا يريد للناس أن يروها وهكذا يعتقد أنه يصبح بريئا من ارتكابها ولا يمكن محاسبته أو كشفه أو فضحه على جرائمه مثل قتل الأطفال وقصف المساجد والمدارس والمستشفيات وتجويع الناس”.

وبين أن “نتنياهو اليوم يتوجه لقاعدته الانتخابية عبر منع الجزيرة في استهلاك حزبي محلي انتخابي من جهة وكذلك لمنع تغطية جرائم الحرب التي تنقلها الجزيرة، وهنا الحقيقة هي المستهدف الأول”.

وفي نفس السياق، غرد رئيس المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده قائلا إنه “بمنع قناة الجزيرة تكون إسرائيل قد ضمنت بشكل شبه كامل إخفاء جرائمها عن العالم”. 

وأردف: "كانت إسرائيل قبل ذلك تعمل على ثلاث إستراتيجيات: الأولى منع وصول صحفيين دوليين (إلى قطاع غزة)، والثانية التشكيك بكل ما توثقه الكاميرات الفلسطينية، والثالثة قطع شبكات الاتصالات.

وبين أن “الجزيرة كانت توفر نافذة صغيرة جداً لكشف الجرائم، والآن ستغلق النافذة”.

أما الأكاديمي الكويتي عبد الله الشايجي، فقد علق على القرار الإسرائيلي قائلا: “واضح عوّرت قناة الجزيرة عربي وقضت مضاجع  الصهاينة لفضحها جرائمهم ومجازرهم”.

وبعد القرار، تسود تخوفات في المحصلة من تعاظم استهداف إسرائيل للصحفيين العاملين في القناة داخل قطاع غزة على الرغم أنهم لم يسلموا من جرائمها طيلة أكثر من 6 شهور خلال العدوان المستمر. فضلا عن مخاوف من تنفيذ القرار بالفعل بحق الجزيرة في قادم الأيام.