البشير اليونسي.. مرشد جماعة "التبليغ" بالمغرب الذي ترك الوظيفة العمومية من أجل الدعوة

عن سن يناهز التسعين عاما تفقد الحركة الإسلامية في المغرب عموما وجماعة الدعوة والتبليغ مرشدها العام، البشير اليونسي، الذي قادها على مدار أكثر من خمسة عقود.
وكان اليونسي يوصف داخل الجماعة بأنه “أمير الدعوة والتبليغ في المغرب وأوروبا”، حيث تعد "الدعوة والتبليغ" من الجماعات الإسلامية التي تركز على الدعوة بعيدا عن السياسة.
وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول 223، انتقل إلى دار البقاء الشيخ اليونسي ودفن الراحل بمقبرة "الشهداء" في مسقط رأسه بمدينة "القصر الكبير" شمالي المملكة.
تاريخ دعوي
وُلد اليونسي في قرية “أمجادي”، أحد أكبر القرى التابعة لقبيلة "آل سريف" بمدينة القصر الكبير في بداية ثلاثينيات القرن الماضي.
ونشأ المرشد العام للجماعة في أسرة متفقهة في الدين، كما حصل على تعليمه الأولي في كتاب القرية، وبعد ذلك انتقل إلى مناطق أخرى بحثا عن المزيد من العلوم قبل أن ينضم إلى جامع القرويين بمدينة فاس (شمال).
أجازه الفقيه البراق في الألفية والعصمية ومختصر الشيخ خليل والجوهر المكنون في البلاغة وفي أصول الفقه، لينتقل بعدها إلى جامع القرويين ثم إلى الجامع السعيد للدراسة على الشيخ عبد السلام الجباري والشيخ المفضل الجباري.
والتحق بالمعهد الديني بمدينة العرائش لينتقل بعد ذلك إلى تطوان منخرطا في التعليم النظامي، وبعد فترة تدريب قصيرة بدأ مدرسا في التعليم الابتدائي.
فعين في قرية "44" التابعة لمدينة أغادير، ثم انتقل إلى مدينة القصر الكبير معلما بمدرسة للافاطمة الأندلسية فأستاذا بالثانوية المحمدية.
مارس نشاطه الدعوي أول الأمر بمسجد الباريو بالقصر الكبير، ثم بمسجد بزبوز سيدي الكامل وبمقر قصديري قبالة المعهد الأصيل بذات المدينة ليستقر أخيرا بمسجد الفتح.
كان ملتزما بإمامة الصلوات الخمس تطوعا وكذلك خطبة الجمعة وله حلقتان للمدارسة والوعظ الأولى بعد صلاة الفجر والثانية بعد صلاة العصر وله مجلس يسمى بيان الخميس كل يوم خميس بعد صلاة المغرب.
تعرف اليونسي على جماعة التبليغ في الرباط عام 1964، حيث بدأ العمل الدعوي، وفي عام 1967 تخلى عن مهنة التدريس ليكرس وقته وجهوده للدعوة.
وبعد وفاة مرشد جماعة التبليغ الشيخ الحمداوي عام 1987، خلفه الشيخ البشير اليونسي مرشدا عاما للجماعة.
نموذج لامع
وفي كلمة تأبينية نشرها موقع "الإصلاح" (تابع لحركة التوحيد والإصلاح المغربية) في 5 أكتوبر 2023، قال الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني: "نِعم الشيخ المجاهد الداعية المربي البشير اليونسي، هو شيخي ورائدي الأول في الدعوة والعمل الإسلامي".
وأضاف الريسوني: "فقبل أن أقرأ كتب سيد قطب، وغيره من الدعاة والمفكرين الإسلاميين، كان الأستاذ البشير قد درَّسَنا في السنة الأولى/إعدادي، بعض المواد الأدبية. وكان تدريسه لها مفعما بالروح الدعوية والتربوية وبحرارتها، فكان ذلك بمثابة (نفخ الروح) في نفسي وقلبي".
واستطرد: "بعد ذلك، وبعد أن بدأت أصلي، أخذني أخي ورفيق عمري الأستاذ محمد بن الحبيب الدكالي إلى مسجد الفتح بمدينة القصر الكبير، ولاقاني بالنجم الساطع والنموذج اللامع، الأستاذ البشير اليونسي".
وتابع الريسوني: "ومن هنا قامت بيني وبين الشيخ علاقات شخصية، كان فيها كثير من المناقشات في شأن العمل الإسلامي عموما، وفي المغرب خصوصا".
وقال "كان شيخنا البشير داعية عمليا تطبيقيا، يجسد مبادئ جماعة التبليغ، ومنها (اجتناب السياسيات والخلافيات)، وكنت أنا ومجموعة الشباب، نخصص حيزا واسعا للقضايا الفكرية والسياسية".
ولفت الريسوني إلى أن "آخر اتصال كان بيني وبين معلمي الأول البشير هو اتصاله الهاتفي الذي تم سنة 2018، إثر انتخابي رئيسا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، رحم الله شيخنا، وأستاذ الأجيال، الداعية الكبير، والمربي الحكيم: البشير اليونسي".
وخلال مراسيم جنازته، أشاد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، بـ"الخصال الحميدة والحسنة التي اتسم بها الداعية الراحل اليونسي".
وقال بنكيران إن "جماعة الدعوة والتبليغ كلها خير، أبناؤها يحاولون التأسي بالرسول الكريم وصحابته الكرام، نشروا الدعوة في كل بقاع الدنيا، بنوا المساجد، علموا الناس الدين والسنة، وعاشوا على هذا الأمر".
واسترسل: "الفقيد اليونسي عاش طيلة حياته الدعوية ينشر هذه المعاني ويصبر عليها، إلى أن جاء اليوم القدر المحتوم، الذي لا مفر منه".
"كبير عند الله وفي نفوس المواطنين والصالحين"، قال بنكيران عن الراحل اليونسي، مردفا، و"لذلك لم نجد حجة ولا عذرا في أن نتخلف عن هذه الجنازة العظيمة، لكي نحضر لها مع عموم المواطنين".
من جهته، قال الأكاديمي محمد عواد: "عرف الرجل (اليونسي) بجهاده في الدعوة والخطابة بمدينة القصر الكبير، وجاب مدن المغرب وقراه، وأقطار العالم، داعية ومربيا وموجها ومرشدا، مع نباهة وحسن تفقه".
وأضاف في تدوينة نشرها عبر فيسبوك في 5 أكتوبر "سمعت أستاذنا العلامة أحمد الريسوني وهو أحد تلامذته يثني عليه ثناء حسنا، كما أعجب بدروسه وحسن تعامله مع التلاميذ، وقد تحدث عنه في مذكراته".
وتابع: "الله نسأل أن يخلف الجماعة والمسلمين كافة فيه، لأن فقدان أي عالم أو داعية رباني، من المرابطين في جهاد الدعوة يعد ثلمة، ولكن الله يفعل ما يريد، وإليه المآب".
وفي رسالة تعزية، كتب رئيس بلدية القصر الكبير، محمد السيمو: “تلقيت، بعين دامعة حزينة وقلب راض بقضاء الله، خبر انتقال البشير اليونسي، أو كما كنا نسميه الحاج البشير، قائد ومرشد جماعة الدعوة والتبليغ بالمملكة، والإمام الأقدم والأول لمسجد حينا مسجد الفتح، إلى الرفيق الأعلى”.
وأضاف السيمو: “هذا النبأ ترك وقعا مؤسفا لدي، فقد كان أستاذا وأخا عزيزا كريما منذ عرفته، وكان مجاهدا بالكلمة المؤمنة والسيرة الحسنة المنيرة والقدوة الطيبة والسلوك الخلوق المترفع، لا يتردد أبدا في نشر العلم، ولا يتردد في الدفاع عن الإسلام والإيمان وثوابت أمتنا وطننا الغالي”.
جماعة الأحباب
وتختلف التقديرات حول حجم جماعة الدعوة والتبليغ في المغرب، فمنهم من يعدها الجماعة الإسلامية الأكبر في المغرب، ومنهم من يعدها الثانية بعد جماعة العدل والإحسان.
ومنهم من يعدها جزءا من السمت الديني الذي يميز المجتمع المغربي بشكل عام، وأنها لا يمكن تصنيفها ضمن الحركات الإسلامية؛ لأنها أصلا تنفي عن نفسها الاشتغال بالعمل السياسي والحركي بشكل عام.
وجماعة الدعوة والتبليغ أو "جماعة الأحباب"، هي جماعة إسلامية عالمية متجولة، خصصت نفسها للدعوة والزهد في الدنيا، يعتمد أسلوبها على الترغيب والتأثير العاطفي الروحاني، أسسها محمد إلياس الكاندهلوي في الهند عام 1926م، وتنتشر الآن في معظم البلاد العربية والإسلامية.
تقوم الجماعة بأمرين أساسين، الأول هو تبليغ من لم تبلغه الدعوة الإسلامية، ومحاولة إدخاله للإسلام، والثاني هو وعظ المتساهلين من المسلمين إلى الصلاة بوصفها عماد الدين، ثم يخرجون بهم للدعوة أياما ليروا صورة من صور إيمانهم والمحبة بينهم.
ورغم كبر حجم جماعة الدعوة والتبليغ، إلا أنه ليس لها ناطق رسمي ولا ممثل أو مخاطَب معتمد، كما ترفض الجماعة المشاركة في السياسة.
ونقل موقع "اليوم 24" المغربي في 5 أكتوبر 2024 عن مصدر مقرب من الجماعة قوله إن "السلطات المغربية حرصت على التعامل بمرونة معها ولم يسبق أن اعتقلت أفرادها، أو تابعتهم".
ويعود السبب حسب المصدر إلى "كون الجماعة بعيدة عن الصراع السياسي وتركز على الأخلاق والتوعية الدينية، والدعوة، والحث على الصلاة".
وأفاد المصدر بأن "وفدا من الجماعة زار ملك البلاد آنذاك محمد الخامس في منفاه في مدغشقر (1953-1955) خلال فترة الاستعمار، حيث عرفت الجماعة بجولاتها في العالم لنشر الدعوة، وخلفت زيارة الجماعة أثرا إيجابيا لدى القصر حيث حرص ابن محمد الخامس، الملك الراحل الحسن الثاني، على توقير الجماعة".
وجماعة التبليغ محظورة في إيران وأوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان وروسيا والسعودية، حيث يُنظر إلى الخروج للوعظ الذي تقوم به الجماعة على أنه تطرف.
وتم حظر جماعة الدعوة والتبليغ في روسيا منذ عام 2009، كما أوصت المحكمة العليا بإدراج الجماعة في قائمة الجماعات الإرهابية التي يراقبها الكرملين.
وفي شباط/فبراير 2020، أدت عملية مكافحة الإرهاب في روسيا إلى اعتقال سبعة من أعضاء جماعة الدعوة والتبليغ، وتفكيك خلية تابعة للجماعة، واتهمتهم بأنهم كانوا يقومون بتجنيد مؤيدين جدد ودراسة أدبيات محظورة، وناقشوا خطط إنشاء دولة إسلامية في الأراضي الروسية.
وكثير من الدول العربية الأخرى، تحديدا دول الخليج مثل قطر والكويت والبحرين وسلطنة عمان، لديها مراكز لجماعة الدعوة والتبليغ، والعديد من السكان المحليين يشاركون علانية في نشاط التبليغ.